“لا كلي”… حين يناضل باريسيون من أجل صالة سينما
تاريخ النشر: 28th, June 2024 GMT
باريس- ندى الأزهري (العربي الجديد)
حين تُغلق صالة سينمائية أبوابها في باريس، يتأسّف البعض، ويتابع عمله. لكنْ، حين تغلق صالة مثل “لا كلي”، تثور ثائرة باريسيين، ويستمر نضالهم سنواتٍ، لإعادة فتحها.
يتمسّك الفرنسيون بسينما الحيّ، تلك التي تكون بمعظمها “سينما فنّ وتجربة”. تتيح، في أجواء أليفة، مشاهدة أفلامٍ من مختلف الأنواع، لا سيما تلك التي لا تُعرض في الصالات الكبرى.
أما صالة سينما “لا كلي” (المفتاح)، الموجودة في الدائرة الخامسة في باريس، فرغم تواجدها في الحيّ اللاتيني، إلا أنّ الشارع هادئ. تدافع عن فكرة أنّ قيمة المكان لا تُقاس بعدد أمتاره المربّعة، بل بإمكانيات يتيحها للتنظيم والإبداع الجماعي. تنظِّم عروضاً بأسعار حرّة لأفلامٍ نادرة، وتحرص على تنوّع المشهد السينمائي، في مقابل التجانس الثقافي المنتشر حالياً. مستقلّة، ومديروها مقتنعون بأنّ الأفلام منشأ التواصل، ومصدر النقاش. في إدارتها الذاتية، نموذجٌ متفرّد في العاصمة. ليست ملكية رأس مال، أو شركة توزيع أفلام، أو إنتاجها. صالة يتواجد مثلها في بلدات فرنسية صغيرة، تأبى الشركات الكبرى توفير دور عرض غير ربحية فيها، أو في أطراف المدن الكبيرة وضواحيها. لكنّ وجودها هذا يحصل حيث المنافسة على أشدّها بين الدور، في قلب باريس، وهذا استثنائي.
أغلق الصالةَ، عام 2018، مالكُ المكان، ولم تنفع احتجاجات فنانين وعاملين شباب في السينما ومحبيها، ولا احتجاجات سكان الحيّ المتعلّقين بها، وهؤلاء كانوا يجتمعون فيها ويتناقشون، للحفاظ عليها، فتبقى مفتوحة أمام جمهور متنوّع. بقيت مغلقة إلى أنْ احتلّتها مجموعة، عام 2019، وداومت على العروض، إلى أنْ طُردت عام 2022، ما أصاب كثيرين بالخيبة والحزن.
لـ”العربي الجديد”، يقول أندريه دو مارغوري، ساكن الحيّ ومسؤول في قناة “آرتي” الثقافية قبل تقاعده، إنّ “لا كلي” تمثّل “شبابه”، إذْ كان يتردّد عليها بانتظام منذ أنْ كان طالباً يبلغ 17 عاماً. صحيحٌ أنّ الحيّ كان مليئاً بـ”صالات فنّ وتجربة”. لكنّ “لا كلي” تحديداً “كانت تعرض أفلاماً مبتكرة، وهذا لم تكن تفعله صالات أخرى. أفلامٌ من العالم جديدة في نوعها”. إنّها سينما علّمت شبابه، وكان يلتقي فيها بشباب آخرين ويتناقشون. حافظ على عادته بالذهاب إليها حين سكن الحيّ، وأشعره إغلاقها بحزن كبير.
منذ نشأتها أواخر 1969، بعد الثورة الطلابية الشهيرة في باريس، تميّزت “لا كلي” سريعاً ببرمجتها الفريدة، التي تُسلّط الضوء على أفلامٍ لا توزَّع، لا سيما أفلام “الثقافات السوداء” وأفريقيا الساحلية وجنوب الصحراء الكبرى. صالة واجهت منذ إنشائها أسئلة سياسية، من قصص نضالات العمّال، إلى أفلام استقلال دول عن الاستعمار. توّفر مساحة مخصّصة للعيش المشترك، وتقدّم أفلاماً انتهى استثمارها في السوق، وأخرى لم تُعرض، لكنْ لم يتوفّر لها موزّع. تنظّم عروضاً خاصة، وتتعاون مع جمعيات ترغب في تنظيم عروض حول موضوع محدّد، وتقيم ورش عمل لدعم الإبداع.
كان للسينما العربية نصيب مما تتيحه هذه الصالة. فحين تعذّر تنظيم عروض لها في أمكنة أخرى، وجدت فيها صدراً رحباً، كما تقول لـ”العربي الجديد” هدى إبراهيم، الصحافية اللبنانية في “إذاعة فرنسا الدولية”. إبراهيم تعاونت مع الصالة لخمسة أعوام، لتنظيم “مواسم السينما العربية”. تقول عن تجربتها المثيرة مع هذه الصالة: “حالة خاصة في باريس، باعتبارها الوحيدة التابعة لجمعية لا يملكها رجل أعمال. كان التحدّي حين طُرد العاملون منذ خمس سنوات، بناء على رغبة المالك. بات الهدف ألا تعود ملكيتها إلى القطاع الخاص، كي لا تتحوّل إلى متجر، أو ما يشبه ذلك”. ترى أنّ خاصية المكان تكمن في تعامله مع جمعيات تعرض أفلاماً عن حقوق الإنسان، وسينما المقاومة، وفي مجالات أخرى: “سينما المغرب” و”مواسم السينما العربية”. كانت العروض تُنظَّم مع متطوّعين وعاملين في مجال السينما على مدار العام، إلى درجة يصعب معها إيجاد أسبوع متاح. شكّلت “مكاناً مفتوحاً للأفكار والأفلام المتنوّعة، التي تعبّر عن قضايا مهمّة، لا تمسّ المجتمع الفرنسي فحسب، بل البلدان النامية في العالم أيضاً. لذلك، كان هذا النضال للحفاظ على صيغة فريدة، تحظى بإقبال المشاهدين، ومختلفة عن السينمات التجارية، وإضافة إلى نحو 20 نادياً سينمائياً في باريس”.
بعد أربع سنوات ونصف السنة من النضال، واحتلال المكان عامين ونصف العام، بدأت جماعةٌ تحضّر مشروعاً اعتبر مجنوناً: شراء المكان لضمان بقاء الصالة مستقلّة وجماعية، وتدار ذاتياً. بعد عامين من حملة لجمع التبرعات، حقّقت هدفها، واشترتها جمعية “إحياء لا كلي” لجعل الصالة أول منفعة عامة في باريس، تخرج من المضاربة العقارية، وتضمن استخداماً سينمائياً مستقلاً وملتزماً، فتُبرمَج الأفلام بشكل جماعي.
تقول إبراهيم، التي دعمت تحرّكاتٍ ووقّعت عرائض موجّهة إلى وزارة الثقافة والجهات الرسمية وغير الرسمية: “حالياً، تملك الصالة جمعية. المهمّ هو النضال الذي خاضه أفرادها، والذي نجح بكسب دعمٍ مادي ومعنوي كبير، ليس فقط في فرنسا، إذْ وصل صيتهم إلى الولايات المتحدة الأميركية، وتلقّوا دعماً من مخرجين فرنسيين كثيرين، ومن آخرين أيضاً، كمارتن سكورسيزي وغيره”.
ستفتح الصالة أبوابها يوم الخميس لثلاثة أيام من العروض، قبل إغلاقها مجدّداً لسنة واحدة، لإجراء إصلاحات.
تتيح الصالة بحسب إعلان الجمعية بعد عودتها، مكاناً للترحيب والابتكار والاحتجاج، ومورداً للجماعات التي ليست لديها مساحة خاصة بها. فالأحداث الحالية تحثّ على تشجيع الاستقلال السياسي، ونسج أشكال جديدة من الحرية والتضامن وتشجيع المساعدة المتبادلة. ويعبّر كثيرون عن فرحتهم وفخرهم بنتيجة نضالهم ودعمهم.
ترى إبراهيم أنّ النضال الذي خاضه هؤلاء المدافعون عنها “يبشّر بالخير، لحيوية المكان، وضرورة تواجده، لا سيّما في التحوّلات السياسية التي تعيشها فرنسا”. وتضيف أنّ الصالة “تقدّم اقتراحات سينمائية كثيرة ومتنوّعة، وتوزّع أفلاماً من جغرافيات أخرى. هذان التنوّع والاختلاف يساهمان في صنع وجه باريس الحقيقي، التي تفتح صدرها لكلّ ثقافات العالم. بقاء المكان حرص على بقاء التنوّع الباريسي، وعلى انفتاح فرنسي على ثقافات الآخر”.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق فنونالمذكورون تم اعتقالهم قبل أكثر من عامين دون أن يتم معرفة أسب...
ليست هجمات الحوثي وانماالشعب اليمني والقوات المسلحة الوطنية...
الشعب اليمني يعي ويدرك تماماانكم في صف العدوان ورهنتم انفسكم...
موقف الحوثيون موقف كل اليمنيين وكل من يشكك في مصداقية هذا ال...
What’s crap junk strategy ! Will continue until Palestine is...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی الیمن فی باریس التی ت
إقرأ أيضاً:
ورش عمل ومعرض للتعريف بنبات السمح في جناح “البيئة” بمهرجان تمور الجوف
المناطق_واس
ينظم فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة بمنطقة الجوف ممثلًا بمكتب محافظة دومة الجندل عددًا من الورش التدريبية والتثقيفية، إضافة إلى معرض للتعريف بنبات السمح البري، وذلك ضمن مشاركته في فعاليات مهرجان تمور الجوف الحادي عشر الذي تنظمه أمانة المنطقة ممثلة في بلدية دومة الجندل لمدة 5 أيام في مدينة المعارض بالمحافظة.
وأقام الفرع بمقر المهرجان أمس ورشة عمل بعنوان “منصة ريف” قدمها مدير مكتب البيئة بسكاكا الدكتور عقاب بن مخيلف الرويلي، واستعرضت البرامج المدعومة ضمن برنامج ريف بمنطقة الجوف وتشمل: الفواكة، المحاصيل البعلية، البن، العسل، الورد، وبرنامج دعم الأسر الريفية المنتجة, كذلك كيفية التقديم والاستفادة من البرنامج, كما نظم ورشة عمل بعنوان “الإدارة المتكاملة لآفات النخيل” قدمها المهندس أسعد حميدات.
أخبار قد تهمك أمسيات غنائية وفنون شعبية تجذب الزوار لمهرجان تمور الجوف العاشر 29 فبراير 2024 - 4:11 صباحًا إقبال من المتسوقين والزوار على منتجات مهرجان تمور الجوف 26 فبراير 2024 - 11:50 صباحًاوتشتمل مشاركة البيئة في المهرجان على معرض للتعريف بنبات السمح البري، وهو نبات حولي غني بالبروتين والعناصر الغذائية وينمو في منطقة الجوف التي تتميز بمنتجاتها الزراعية والنباتية.
ويقدم جناح البيئة بالمهرجان للمستفيدين الخدمات الإلكترونية عبر بوابة نما، وتوضيح كيفية الاستفادة من الدعم المقدم من الوزارة لمختلف القطاعات.