تمر علينا المناسبات بشكل دوري ونحتفل بها بشكل اعتيادي لكننا لا نقف عند منطلقاتها، ونعيد القراءة، والتحليل، والتفكيك .. حتى نتخذ منها قاعدة انطلاق لصناعة الحياة، فالثبات سمة غالبة في ثقافتنا العربية، ولا بد لنا من تجديد الرؤى، وتحريك الثابت، وتفكيك الصورة النمطية حتى نرسم غيرها لتكون أكثر تفاعلا وحيوية .
اليوم نحتفل بعيد الغدير، والغدير مناسبة ذات جدل فكري، لكنها في اليمن تحولت إلى مناسبة اجتماعية ثابتة، في ظل حركة التحول التي تشهدها المنطقة العربية، وفي ظل الجدل والصراع القائم اليوم بين الحق والباطل – وهو صراع طبقي قديم – يتجدد اليوم كقضية جدلية شائكة ومعقدة لم نصل إلى مرحلة توافق في حل إشكالها، وهي تمتد إلى العصر الجاهلي، فقد كانت الطبقية والتمايز من السمات البارزة في المجتمعات العربية الجاهلية، وحين جاء الإسلام لم تكن تلك الحالة التي عليها المجتمع العربي إلاّ ظاهرة اجتماعية كانت قد بلغت ذروتها، ولذلك جاء الإسلام ليمحو أمثال تلك الظواهر الاجتماعية ويؤكد على مبدأ التوحد والمشترك الإنساني، ولذلك رفع من شأن بلال بن رباح، وآخى بين المهاجرين والأنصار، ولم يفرق بين سلمان الفارسي وبين أي أموي وهاشمي، بل قال بالبعد الإنساني، ويُؤثَر عن الإمام علي -كرَّم الله وجهه- قوله: إنما الناس اثنان أو صنفان صنف أخ لكم في الدين وآخر شبيه لكم في الخلق، أي في البعد الإنساني، وقد حاول المشروع الإسلامي أن يجدد في المجتمع الإسلامي، ويحدث انتقالاً وتبدلاً، بيد أن الثقافات القديمة لا يمكن لها أن تترمَّد ولكنها – وفق طبيعتها ووفق قانون التاريخ- تعيد إنتاج نفسها وفق شروط المراحل وتجلياتها الثقافية، وقد رأينا يوم السقيفة كيف حاولت تلك الخصوصيات أن تعلن عن نفسها في صور ومستويات متعددة، ولم يكد الزمن يمضي حتى اندلعت الحروب والصراعات، وكانت المقومات القديمة للمجتمع الجاهلي هي الباعث، وهي الموجه الثقافي الذي يدير الصراع.
في صِفّين كانت تلك البواعث أكثر بروزاً ووضوحاً، وقد قال حينها عمار بن ياسر: «إني لأرى وجوه قوم لايزالون يقاتلون حتى يرتاب المبطلون، والله لو هزمونا حتى يبلغوا منا سعفات هجر، لكنا على الحق وكانوا على الباطل، والذي نفسي بيده لنقاتلنهم على تأويله كما قاتلناهم على تنزيله».
والخوض في تفاصيل هذا الموضوع يحتاج إلى مجلدات، والقضية ما تزال في طور التجدد مع كل صراع، وكل حالة تحول تحدث في المجتمعات العربية، وهي في اليمن ذات بعد تواشجي لعدة عوامل تاريخية منها مناصرة هذا الحي من اليمن للمشروع الإسلامي، وخصوصية العلاقة مع الإمام علي والطالبيين منذ بدء الصراع بين الأمويين والهاشميين، كما تدل على ذلك كتب الأخبار والتاريخ التي رصدت تموجات الحركة التاريخية.
ويبدو أن المعيقات الاجتماعية في التطور والتحديث ما تزال تضرب بسياجها حتى اليوم الذي يشهد العالم هذا الانفتاح الكوني في المعرفة، وفي الفلسفة، وفي الاشتغال الإنساني الذي يتجاوز العرقيات والسلاليات والأبعاد المناطقية، وقد برزت أصوات في شبكة التواصل الاجتماعي على أسس عرقية وسلالية، ويبدو أن اليمن ما يزال يقف في طريق السيل إن لم يتداركه أبناؤه ويخرجوه إلى الأفق الإنساني الذي يتسع للكل.
نتمنى على القائد العلم السيد عبد الملك الحوثي أن يولي هذه الثغرة في جدار البناء الاجتماعي والثقافي اهتماما مضاعفا حتى نذهب إلى المستقبل بخطوات أكثر تماسكا وبرؤى أكثر فهما في السيطرة على مقاليده، وحتى لا يجد العدو فينا ثغرة فينفذ منها لزعزعة استقرارنا .
نحن اليوم في أشد الحاجة إلى إحياء المشروع الإسلامي وليكن عيد الغدير هو الملهم حتى نضع من شأن الجاهلية الاجتماعية والثقافية والعصبيات، ونعلي من شأن المشروع الإسلامي العالمي بروح المعنى الكبير للإنسان الذي حمله الإسلام وشوهته الصراعات .
فإعادة الاعتبار لدور الثقافة كسلطة اجتماعية تفرض نفسها بالاصطدام بالواقع وتغييره بعد أن غاب هذا الدور أو كاد في العقود الماضية لأسباب سياسية بحتة .
والسؤال الذي يطرح نفسه: أين ثقافة المشروع؟ كيف تصبح فاعلاً وقادراً على الفعل والتغيير؟
إذا ترسخت في أذهاننا ثقافة المشروع حينها سنكون قادرين على التغيير وفق محددات ثلاثة، هي:
- الوقوف أمام الماضي ومساءلة مصادره المعرفية والثقافية، ذلك أن الماضي يعيق نظام الطاقة على الحياة والقدرة على التجديد.
– مساءلة الحاضر البشري الثقافي والسياسي والاجتماعي وتفقد أثره وإنتاجه وطبيعته الاجتماعية والسياسية والثقافية من أجل الخلق والابتكار ضمن حدوده النسبية لا المطلقة ومن خلال مكونه ومنظومته لا من خارجه، بمعنى التغلغل في نسيجه العام وإعادة ترتيبه وصياغته وتأهيله..
- الوقوف أمام أسئلة المستقبل وخلق إمكانية التحكم به عبر أدوات ومناهج العلم والتخطيط، لا الفوضى والارتجالية وسوء التخطيط التي نعاني منها في مظاهر حياتنا سواءً الفردي منها أو الجمعي.
نحن أمام محطات يفترض أن تلهم البعد الثوري فينا حتى نصوغ واقعا إسلاميا متسقا مع المستوى الحضاري المعاصر ويحفظ هويته الإيمانية والثقافية .
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
إشهار مركز الإعلام الإنساني بمدينة مأرب
شمسان بوست / عبدالله العطار:
شهدت مدينة مأرب، اليوم الثلاثاء، حفلا خطابيا حضره عدد من القيادات المحلية بمأرب والإعلاميين والمهتمين، بمناسبة إشهار مركز الإعلام الإنساني “HMC”، الذي يعنى بتسليط الضوء على القضايا الإنسانية والحقوقية، وتعزيز الوعي المجتمعي، ودعم الجهود الإغاثية والتنموية عبر الإعلام المهني المحايد.
وفي حفل الإشهار، الذي ألقى رئيس المركز الدكتور كمال القدمي كلمة أوضح فيها أنّ إنشاء المركز جاء مع تفاقم الأزمة في اليمن، وتزايد الحاجة إلى إعلام إنساني مسؤول وهادف، لنقل الصورة الواقعية عن الأوضاع الإنسانية في البلاد.
وأشار “القدمي” إلى أنّ الإعلام يلعب دورًا رئيسيًا في تحفيز الاستجابة الإنسانية وزيادة الوعي بالقضايا الملحة. مؤكدًا على أهمية دور الإعلام الإنساني في نقل معاناة المتضررين من الأزمات الإنسانية وحشد الدعم اللازم للتخفيف من معاناتهم.
وفي الحفل ألقيت كلمتان لوكيل محافظة مأرب الدكتور عبدربه مفتاح ،ووكيل وزارة الإعلام أحمد ربيع، أكدتا في المجمل على أهمية إيجاد إعلام إنساني متخصص، يخدم القضايا الإنسانية بكل تأثير ومهنية واحترافية، وبعيداً عن أي تأثير للقضايا المتناولة إعلاميا،وتلبية
للحاجة الماسة التي يحتاجها الإنسان لنقل معاناته في كافة ظروفه وحالاته التي يعيشها اليوم في محافظة مأرب والتي تضم أكثر من 3 ملايين نازح اي مانسبته62 في المائة من نازحي الجمهورية؛ بسبب الحرب التي شنتها مليشيا الحوثي الإرهابية على اليمن واليمنيين وتهجيرهم من منازلهم ليعيشوا في مناطق النزوح ظروفا استثنائية قاسية ضاعفت معاناتهم ، وهذه المعاناة بحاجة إلى وجود إعلام مؤنسن يهتم بالقضايا الإنسانية كوجود ومتغيرات، ونقل الحقيقة دون مواربة، وإيصال صوت المعاناة الإنسانية إلى كل منظمة ومحفل دولي.
وفي كلمة المنظمات لأروى الرمال،اوضحت فيها أن الواقع اليوم بلغت فيه المعاناة الإنسانية ذروتها بسبب الحرب، وهذا ما يحتم ضرورة وجود إعلام موجه للإنسان، وهو لا يعني أن الصحافة الإنسانية لابد أن تكون في أوقات الحروب وإنما في شتى الأوقات في السلم والحرب ،كون عنصرها الأساسي هو الإنسان….مشيرة إلى انه لابد أن يكون له موطيء قدم في إيجاد بيئة سلام وحاضنة للآمال، ومكرسة للجهود التي تخفف من معاناة الإنسان وتلبي طموحاته.
وفي بيان الإشهار،الذي تلاه المدير التنفيذي للمركز عبدالوهاب نصر،أشار البيان إلى أنّ المركز يهدف إلى الإسهام في نقل صورة واضحة عن الوضع الإنساني في اليمن، وتأهيل كوادر محترفة في الإعلام الإنساني، والإسهام في تعزيز كرامة الإنسان وحمايته، وأن يكون مصدرا موثوقا للمعلومة الإنسانية في اليمن…ساعيًا إلى تحقيق شراكات فاعلة مع الجهات ذات العلاقة والاهتمام بالقضايا الإنسانية والحقوقية والمجتمعية والتغيرات المناخية.
البيان أشار إلى أنّ المركز يسعى أن يكون صوتًا للإنسانية في اليمن، من خلال إنتاج محتوى إعلامي موثوق ومسؤول، يعكس واقع الفئات الاجتماعية الأكثر ضعفًا في البلاد، ويوصل رسائل إنسانية هادفة، ويسهم في بناء جسور التعاون بين الإعلاميين، والمنظمات الإنسانية، والجهات الفاعلة.
ودعا البيان جميع الإعلاميين والصحفيين المهتمين بالجانب الإنساني إلى الانضمام إلى جهود المركز في نقل الصورة الحقيقية للمأساة الإنسانية في اليمن، بما يسهم في تحفيز التضامن الدولي، والالتفات إلى معاناة الناس وأوضاعهم،حاثَّا المؤسسات الإعلامية على تبني القضايا الإنسانيةونشر الرسائل التوعوية التي تسهم في تحفيز الدعم والمساعدة لليمنيين، داعيًا كافة المنظمات الإنسانية والمجتمعية إلى التعاون مع المركز لتحقيق أهداف العمل الإنساني في اليمن، والسعي نحو تمكين الصحفيين والإعلاميين ودعمهم وتدريبهم لرفع كفاءاتهم في التعامل مع المواضيع الإنسانية، ومواجهة التحديات المهنيّة في هذا المجال، ليكون إضافة نوعية ينقل الصورة الحقيقية للأوضاع الإنسانية في البلاد.