خطاب مفتوح إلى رئيس جمهورية طاجيكستان إمام علي رحمن
تاريخ النشر: 27th, June 2024 GMT
إلى فخامة الرئيس إمام علي رحمن
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أُوجه لكم هذا الخطاب، سائلاً الله (عز وجل) لكم التوفيق والسداد، وأن يفتح على أيديكم أبواب الخير والرحمة والإصلاح والإحسان، وتكون سبباً في عِزّة الإسلام وأهله في بلدكم العزيز “طاجيكستان”، والذي يُعتبر شعبه من بين أكثر الشعوب في آسيا الوسطى والعالم الإسلامي، اِلتزاماً وتمسكاً بالقيم الإنسانية، والأخلاق الإسلامية الرفيعة، وهو الشعب الذي اِعتز بانتمائه إلى الإسلام، وبأجداده المسلمين الفاتحين، وسَلاطينه الكبار، وعُلمائه الميامين، وقَدَّم في تاريخه أبهى صور ومعاني التسامح الفكري، والاعتدال الديني، والعطاء الإنساني، والإبداع الحضاري.
يا فخامة الرئيس
اسمك الذي يحمل مفهوم معاني الرحمة من اسم الله الرحمن الرحيم، وأنت الذي أكدت في أكثر من مناسبة على انتمائك الإسلامي، وهويتك الثقافية التي أساسها المذهب السني لحنفي، وفي حثّك العلماء والفقهاء المسلمين على تعليم الناس التراحم الاجتماعي، والعطف على الفقراء، وقد قرأنا عن سيرتك الحميدة في هذا المضمار، وفي دعوتك لدار الإفتاء في طاجكستان ولجمهور العلماء المسلمين بالسهر على راحة فقراء المجتمع، بقولك: “إن الفقراء يحتاجون إلى دعم العلماء أكثر من الأغنياء”، وقد طلبت من مجلس علماء طاجيكستان أن يُوضِّحوا فضل الصدقات، والزكاة، ووجوه صرفها، وذلك لتتحقق العدالة والانتعاش الاقتصادي في البلاد.
يا فخامة الرئيس
منذ وصل الإسلام إلى طاجيكستان، وعبور الفاتح الإسلامي الكبير قتيبة بن مسلم الباهلي منطقة وادي فرغانة (في هذه المنطقة توجد جمهورية طاجيكستان)، ومع اكتمال الفتح مع أخيه صالح بن مسلم الباهلي، وذلك في القرن الأول الهجري/ السابع الميلادي، وانتشر الإسلام واللغة العربية، ترسخت الهوية الثقافية الفارسية السنية الإسلامية للشعب الطاجيكي، وغدت طاجكستان بفعل موقعها الجغرافي مركزًا لتلاقح الثقافات والأفكار، وأسهم قادتها في صياغة جزء كبير من التاريخ الإسلامي.
ولقد ذاعَ صيت رجال وقادة بارزين في طاجكستان من أمثال إسماعيل الساماني (849-907 م)، وهو مؤسس الدولة السامانية، والتي كانت إحدى أبرز الدول الإسلامية الكبرى في آسيا الوسطى، وعُرف بحكمه العادل، ودعمه للعلماء والمفكرين. ونصر بن أحمد الساماني (إمارة 914-943 م) الذي ازدهرت العلوم والحضارة الإسلامية في عهده. وكما ازدانت طاجكستان في عهد السلاطين الغزنويين من أمثال سبكتكين ومحمود الغزنوي، وهم الذي مثّلوا أرقى صور الدعوة إلى لله، والتسامح، والتمكين لدين الله تعالى. وحتى في ظل الانضمام الطاجيكي للاتحاد السوفيتي، ورغم الغُمّة الشيوعية، والتضييق على المسلمين فيها، فقد تمسك الشعب الطاجيكي بدينه، وقِيمه، وثقافته التاريخية الإسلامية المتوارثة.
كما برع من شعب طاجكستان عُلماء عاملون ومفكرون مبدعون، قدموا نتاجاً عظيماً للحضارة الإسلامية والإنسانية، ومن أبرزهم أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا، وهم من بين أكبر علماء الطب في التاريخ الإنساني، والإمام البخاري، وهو من أشهر المحدثين في الإسلامي، وينتمي إلى ثقافة منطقة طاجكستان في ذلك الزمان، والإمام المحدث الترمذي، والفقيه الحنفي الإمام الشهير برهان الدين الزرنوجي، وهو مؤلف كتاب “تعليم المتعلم في طريق التعلم”. وعُرف من الطاجيك المحدث والفقيه الحاكم النيسابوري، وهو صاحب المستدرك في الصحيحين (صحيح البخاري ومسلم).
وهؤلاء العلماء وغيرهم من الطاجيك، قدموا إسهامات عظيمة في شتى المجالات من الدعوة والطب، والأدب، والفلسفة، والفقه الإسلامي، وكان لهم أثر كبير على الثقافة الإسلامية والعالمية.
يا فخامة الرئيس
أمام هذا الإرث الحضاري الطاجيكي الإسلامي العريق، الذي يجب المحافظة عليه ورعايته؛ لأن الأمم لا تنهض إلا بإرثها وتاريخها، والعمل على البناء عليه، وهذه مهمة الدولة، ومهمتكم يا فخامة الرئيس، وتعاوناً منا مع فخامكتم في ذلك، وتقديماً للنصيحة الخالصة النابعة من القلب، فإن تلك القرارات التي صدرت لا تخدم هذا الإرث، مثل منع الحجاب، وإخضاع المساجد لقواعد صارمة، ومنع الأسماء ذات الأصول العربية، ومنع اللباس التقليدي الإسلامي، وحظر اللحية، ومنع ارتياد المساجد للنساء والأطفال دون سن 18 عاماً، ومنع الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 40 عاماً من الذهاب للحج، ومنع الدراسة في المدارس الإسلامية خارج طاجيكستان أو استيراد وتصدير الكتب الإسلامية دون موافقة رسمية، فضلاً عن منع استخدام مكبرات الصوت لبث الأذان، ومنع تشكيل الأحزاب السياسية الإسلامية، وجاء ذلك على لسان سيادتكم: «تقليد ثقافة دخيلة في اللباس كارتداء ملابس أجنبية مثل الحجاب، تشكل مشكلة أخرى للمجتمع الطاجيكي». وكل ذلك بحجة محاربة أيّ توجهات متطرفة مصدرها الإسلام، وبأن بلاده بسبب تلك المظاهر تُعاني من “غربة ثقافية”، بقوله: «علينا تجنب تغلغل ما يسمى بالملابس الدينية التي لا تلبي احتياجاتنا الدينية، والغريبة عن عاداتنا وثقافتنا، من أجل حماية حقيقتنا وقيمنا الوطنية».
كيف يكون ذلك يا فخامة الرئيس، وتاريخ طاجيكستان الإسلامي، وتراثها المعماري، وممارساتها الثقافية، خير دليل على الأثر العميق للإسلام في حياة الشعب الطاجيكي، ويبدو لكل من يزور هذا البلد الحضاري، بروز التقاليد الإسلامية في أنماط الحياة اليومية، وأصالة الهوية الإسلامية القوية للمجتمع الطاجيكي، وبأنها تشكل النسيج الثقافي للبلاد، وتعكس روح المجتمع وحضارته العريقة!؟
يا فخامة الرئيس
إن القيم الاجتماعية والثقافية والروحية الطاجيكية أساسها الإسلام السُّني، وعلى منهج الإمام أبو حنيفة النعمان، ففي آخر إحصاء سكاني أجرته لجنة الدولة الإحصائية الطاجيكية، تبين بأن تعداد السكان الطاجيك تجاوز الـ 10 مليون مواطن، وبأن غالبيتهم العظمى من المسلمين السُّنة (أكثر من 90%)، رغم كل التغييرات الثقافية، والعسف السوفيتي خلال النصف الثاني من القرن الماضي. وكذلك، تم إحصاء أكبر عدد من المساجد في آسيا الوسطى في دولة طاجيكستان، وبلغ عدد المساجد في جميع أنحائها أكثر من 3 آلاف مسجد. وطبقًا لما قاله المسؤولون الطاجيك للصحافة المحلية، فقد تم إنشاء أكبر عدد من المساجد في آسيا الوسطى عندهم، ومن بعدها تأتي “كازاخستان” في الترتيب الثاني، حيث يوجد بها 2228 مسجدًا. فكيف يمكن لبلد يحمل هذا الإرث، وفيه هذه الأصول الحضارية الإسلامية أن تعتبره بأنه في غربة ثقافية، أو أنه يمكن أن يتحمل مثل هذه القرارات التشريعية التي تهدد حريته وأمنه واستقراره وثقافته!؟
ولا شك في أن بعض الجماعات الإرهابية المتطرفة، قد تستغل هذه القرارات في تحقيق أهدافها ومصالحها في تقويض وحدة واِستقرار المجتمع الطاجيكي، فإن من أهم أسباب الإرهاب والتطرف هو إنكار قيادة الدولة لحقوق الإنسان، وخصوصاً العقائدية والثقافية والاجتماعية.
يا فخامة الرئيس
إن قرارات التضييق على أبناء الشعب الطاجيكي في المعتقد، والعبادة، وممارسة الشعائر الدينية الإسلامية، تتنافى مع إعلان حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والصادر عام 1948م، حيث اعترفت الأمم المتحدة بأهمية حرية الدين أو المعتقد وممارسة الشعائر الدينية لدى الشعوب جميعها، حيث تنص المادة 18 منه على أن: “لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره”، وهو ما يمكن اعتباره وثيقة دولية تمنع الاضطهاد على أساس الدين والمعتقد، وقد صادقت عليها القيادة الطاجيكية في وقت مبكر، وذلك انسجاماً مع الشرعية الدولة، وللمحافظة على الأمن والاستقرار المجتمعي والديني داخل الدولة.
يا فخامة الرئيس
إن إجراءات مثل منع الحجاب، والتضييق على المساجد، ومحاربة شعائر الدين الإسلامي، إنها لأمر عظيم، بل إنها حرب على الله تعالى، وهو خالق هذا الكون، وخالقكم، وخالق الناس أجمعين، إذ بيّن لنا الله سبحانه وتعالى في القرآن العظيم دور الإنسان في هذه الحياة، واعتبرها دار عبور وابتلاء للبشر؛ ليميز الخبيث من الطيب، والخير من الشر، ومن هو الثابت على المنهج الرباني القوم في الاستخلاف وعمارة الأرض، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ “الذاريات: 56”.
إن هذه الحياة فانية، وأمدها قصير، وأسعد الناس من عمل للقاء الله، بل إن الحاكم العادل يظله الله يوماً لا ظل إلا ظله وهو مع الصديقين والصالحين، وقد دعا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) للإمام العادل الرفيق بالأمة كما دعا لمن شق عليهم كما في صحيح مسلم من حديث أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها): “اللهُمَّ مَنْ ولِي من أمْرِ أُمَّتِي شيئًا فَشَقَّ عليهم فاشْقُقْ علَيهِ ، ومَنْ ولِيَ من أمرِ أُمَّتِي شيئًا فَرَفَقَ بِهمْ فارْفُقْ بِهِ”.
فمن كان عادلاً رفيقاً بالأمة كان من خيار الخلق عند الله، وشملته دعوة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وندعو الله أن تكون منهم يا فخامة الرئيس.
يا فخامة الرئيس
إن تلك القوانين التي تضيق الخناق على الشعب الطاجيكي (وغالبيته من المسلمين السنة الأحناف)، تفتح المجال لعمل الشيطان، وجنده من إنس وجن، وتدفع الناس للإجرام، وتخلق حالة من الفوضى داخل المجتمع، وتدفع للتشكيك في الإيمان بالله، واليوم الآخر، وكل ما نخشاه أن تكونوا من تسبب في كل ذلك، فمنع الحجاب، وإقفال المساجد، ومحاربة الإسلام في عقائده وعباداته وشعائره، لا شك عند العقلاء، وأصحاب الفِطر السليمة، وعلماء الأمة الإسلامية لهو منهج للباطل لا يختلف فيه اثنان، فطريق مصادرة حرية العبادة هو اعتداء على حقوق الإنسان، وعلى الشرائع السماوية، والقيم الإنسانية الراسخة.
يا فخامة الرئيس
إن موازين الله تعالى عادلة لا جور ولا ظلم لأي بشرٍ كان حاكماً أو محكوماً، وجاء ذلك في الذكر الحكيم في قول الله تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ “الأنبياء: 47”. وإنه في ذلك اليوم العظيم (يوم القيامة) يتقاضى الناس في ما بينهم، فالحساب شامل ظلم العبد لنفسه، وظلمه لغيره من الناس، وأعظم خطيئة يرتكبها في ظلم الناس؛ لأن القصاص يومئذ لا يكون بالمال ولا السجن ولا غير ذلك، ولا بإزاحتك عن السلطة وللحكم، ولكن يكون بجنة أو بنار، وتأتي في ذلك اليوم، وخصومك شعب بأكمله ظلمته جراء تلك القوانين التعسفية، وجاء في الذكر الحكيم: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾ “طه: 111”.
يا فخامة الرئيس
إننا ندعو إلى مراجعة ما صدر من قرارات ظالمة بحق الشعب الطاجيكي، وتتوب إلى الله، وترفع المظالم، وتُقبل على الجبار الكبير المتعال، فإن واجب الحكام والزعماء السياسيين تجاه شعوبهم احترام حرية الناس، وثقافتهم، وأديانهم، والحث على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتشجيع الناس على إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحرية الحج، وتهيئة ظروف الصيام وقيام الليل في المساجد، وهذا واجب الحكام إذا ما ابتغوا العدل، ولقاء الله وهم بقلب سليم، وعمل صالح، وقد قال تعالى: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ “الحج: 41”.
أقاموا الصلاة: لتعزيز السمو والارتقاء الروحي لدى الناس،
وآتوا الزكاة: لنشر العدالة الاجتماعية بين الناس،
وأمروا بالمعروف: لتحقيق التعاون بين أبناء المجتمع الواحد
ونَهوا عن المنكر: للتعاون على مكافحة الشر، والجريمة، والفساد، والظلم.
فتلك هي النتائج المترتبة على الحكم الرشيد الذي يجب يميز علاقة حكام المسلمين وشعوبهم، وإن الحاكم مسؤول أمام الله على إقامة العدل، ورفع الظلم، ودعم حريات الناس، وحماية حقوق الإنسان التي جعلها الله من إنسانيتهم التي خلقهم عليها. وجاء في حديث الصحابي الجليل عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهم) قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِهِ فالأميرُ الذي على الناسِ راعٍ عليهم وهو مسؤولٌ عنهم والرجلُ راعٍ على أهلِ بيتِهِ وهو مسؤولٌ عنهم والمرأةُ راعيةٌ على بيتِ بعلها وولدِهِ وهي مسؤولةٌ عنهم وعبدُ الرجلِ راعٍ على بيتِ سيدِهِ وهو مسؤولٌ عنهُ ألا فكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِهِ” (أخرجه البخاري: 2554).
يا فخامة الرئيس
إننا في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، نقدم لكم النُّصح الخالص، ومن باب الحرص الشديد على دلالتكم لما ينفعكم في دُنياكم وآخرتكم، وكل خوفنا أن لا تتحمل عاقبة هذه القرارات، كما في قول الله تعالى: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾ “العنكبوت: 13”.
وإننا كدعاة وعلماء في ديننا الحنيف من واجبنا النفع والنصح والإرشاد، وبيان الحقائق، والإتيان للقيم العظيمة التي غرسها الخالق العظيم سبحانه وتعالى في الفِطرة الإنسانية العظيمة؛ كالتوحيد، وإفراد العبادة له، وتعريف الناس بحقيقة الحياة، والوجود، وحياة البرزخ، والتذكير بيوم العرض الأكبر “يوم القيامة”، قال تعالى: ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظّالِمِينَ مَعْذِرَتُهم ولَهُمُ اللَّعْنَةُ ولَهم سُوءُ الدّارِ﴾ “غافر” 52″.
يا فخامة الرئيس
إننا ندعوك، وسائر حكام الأمة الإسلامية للسير على منهج نبي الله داود (عليه السلام) وسليمان (عليه السلام)، وذو القرنين في حُكمهم الرشيد في ترسيخ العدل، وحماية المستضعفين، والالتزام بقيم الحق، ومحاربة الظلم، واحترام الإنسان، والنهوض بإمكاناته وطاقاته الكامنة معنوياً ومادياً لعمارة الأرض كما أمر الله عباده الصالحين.
وإنه من حِرصنا عليكم وعلى أهلنا من أبناء الشعب الطاجيكي، ومن دافع محبة الخير، ندعوكم إلى التفكر في مواقفكم، ومراجعة قراراتكم، وفقاً لفقه الميزان الرباني المتمثل في كتاب الله العزيز، وسنة الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم)، والاطلاع على سيرته العطرة، وأخلاقه الكريمة، ومنهجه السياسي والأخلاقي والروحي والعقائدي والاقتصادي والحضاري في إدارة الدول، وفي سنة الاستخلاف والتمكين.
إن تعزيز الوعي الاجتماعي، وتعزيز تعاليم الدين الإسلامي بمنهجه الوسطي، ونشر الأخلاق الحميدة هو أساس التوحد الوطني الطاجيكي، والركن المتين في الهوية الوطنية لهذا الشعب العظيم، إذ يقول المولى تبارك وتعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ “المائدة: 2”.
ولذلك، لا بد من اتِخاد إجراءات متوازنة تحمي المجتمع، وتعزز القيم الإنسانية، وتُعطي المرأة الطاجيكية حريتها في ارتداء اللباس، وحرية العبادة، والمشاركة في الحياة العامة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾. وأمام هذا التحصين القانوني والقِيمي، وانتشار العدل الاجتماعي، لا يمكن للتيارات الفكرية المتطرفة أو التي تسعى لتشويه القيم الثقافية الطاجيكية أن تخترق المجتمع، والذي اتصف بأغلبيته الساحقة بإيمانه بالله وحده، ويتبعون مذهباً واحداً هو “المذهب الحنفي”، وهذا يؤدي دون شك للاستقرار والسلام والرخاء في بلدكم العزيز “طاجيكسان”.
أسأل الله أن يوفقكم، ويُعينكم، ويبارك في خطواتكم
على طريق تحقيق الخير والعدل للأمة الطاجيكية وعموم الأمة الإسلامية.
والحمد لله رب العالمين.
حرر في الدوحة21 ذو الحجة 1445هـ / 26 يونيو 2024م
الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسملين د. علي محمد محمد الصَّلّابي
رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسملين أ.د. علي محيي الدين القره داغي
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم فخامة الرئیس فی آسیا الوسطى الله تعالى قال تعالى ة الإسلام أکثر من فی ذلک
إقرأ أيضاً:
إيكونوميست: رئيس وزراء الهند يسعى لمصادرة الأوقاف الإسلامية عبر قانون جديد
سلطت مجلة "إيكونوميست" الضوء على مساعي حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الرامية إلى لسيطرة على آلاف المواقع الإسلامية عبر إقرار قانون جديد.
من الناحية المعمارية، لا يوجد ما يربط مسجد شارع البرلمان في مدينة دلهي العندية بالقصر المكون من 27 طابقا في مومباي والذي يعد المنزل الخاص لموكيش أمباني، أغنى شخص في الهند.
كان المسجد المبني على الطراز المغولي مكانا للعبادة الإسلامية منذ حوالي 300 عام. يضم منزل أمباني، الذي تم الترويج له باعتباره "نموذجا أوليا لمباني المستقبل"، عائلة رجل الأعمال، إلى جانب 600 موظف، ومرآب يتسع لـ 168 سيارة وغرفة تنفث رقاقات الثلج الاصطناعية من جدرانها.
ما يربطهما هو نزاع طويل الأمد حول ممتلكات الوقف في الهند، بحسب تقرير مجلة "ايكونوميست" الذي ترجمته "عربي21".
يشير المصطلح عادة إلى الأراضي أو المباني التي يمنحها المسلمون كأوقاف للاستخدام الديني أو الخيري، وغالبا ما تكون مساجد أو مقابر. ورغم أن ممتلكات الأوقاف منتشرة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، فإن الهند لديها أكثر من أي دولة أخرى، بنحو 872 ألف عقار، بقيمة 14 مليار دولار.
وهذا يجعل "مجالس الأوقاف" التي تسيطر عليها تُعَد مجتمعة ثالث أكبر مالك للأراضي في الهند بعد القوات المسلحة والسكك الحديدية الهندية، وفقا للتقرير.
وأشارت المجلة إلى أن العديد من هذه الممتلكات قد تخضع قريبا لسيطرة الحكومة الهندية إذا تم تمرير قانون جديد، كما هو متوقع، في نيسان/ أبريل. وتقول الحكومة الهندية إن مشروع القانون يحسن التشريعات القديمة التي سمحت بانتهاكات واسعة النطاق في إدارة ممتلكات الأوقاف.
ويَتهم رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، حزب المؤتمر (المعارض الآن) بمنح مجالس الأوقاف قدرا كبيرا من الاستقلالية "لاسترضاء" الناخبين المسلمين. ويشير مؤيدو مشروع القانون أيضا إلى أن الكثير من ممتلكات الأوقاف (مثل الأرض التي بُني عليها منزل أمباني) بيعت لملاك من القطاع الخاص.
ويرى المعارضون أن مشروع القانون يمثل استيلاء هائلا على الأراضي، وهو أحدث ضربة في حملة مودي للترويج لأيديولوجيته القومية الهندوسية. وسوف يسمح هذا القانون للحكومة بالاستيلاء على آلاف العقارات الوقفية التي تستخدمها بالفعل، بعد أن احتلتها جزئيا أو كليا، وإلغاء تصنيف "الوقف من قبل المستخدم" للعديد من المواقع القديمة التي تفتقر إلى دليل وثائقي على وضعها.
وقد تشمل العقارات المتضررة المعالم الوطنية البارزة. ففي عام 2005، حُظرت محاولة لتسجيل تاج محل، الذي بناه الإمبراطور المغولي شاه جهان في القرن السابع عشر، كممتلكات وقفية، من قبل المحكمة العليا، التي طلبت الاطلاع على توقيع الإمبراطور على سند الملكية. ولكن هيئة المسح الأثري في الهند، التي تسيطر على هذا النصب التذكاري، تقول إن 256 عقارا آخر تديرها هي عقارات وقفية، مما يعقد عملها.
ونقل التقرير عن أسد الدين عويسي، وهو عضو برلماني مسلم، قوله "لا علاقة لهذا القانون بحماية العقارات الوقفية أو زيادة عائداتها. لقد تم سن هذا القانون بهدف الاستيلاء على ممتلكات المسلمين وفرض سيطرة حكومية أكبر عليها".
ويخشى سيد سعدات الله حسيني، رئيس جماعة إسلامي الهند، إحدى أكبر المنظمات الاجتماعية الإسلامية في الهند، أن يؤدي هذا القانون أيضا إلى تدمير العديد من هذه العقارات.
ويعترف علماء مستقلون، وبعض المسلمين، بأن مجالس الأوقاف تحتاج إلى الإصلاح لتشمل المزيد من أعضاء الشيعة والصوفية والطوائف الأخرى، لجعل الإدارة أكثر شفافية وحماية مصالح الأرامل. لكن أنصار مثل هذه الإصلاحات المحدودة يقولون إن القانون الجديد يفرض أعباء لا تُطالب بها الأوقاف الهندوسية وغيرها من الديانات، وقد تم وضعه دون التشاور بشكل صحيح مع زعماء المجتمع المسلم.
ويرى المنتقدون أن هذا يمثل جبهة جديدة في جهود حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم لتآكل حقوق المسلمين في الهند. فمنذ توليه السلطة في عام 2014، منح مودي الجنسية السريعة للاجئين غير المسلمين من الدول المجاورة، وجرد كشمير ذات الأغلبية المسلمة من استقلالها، وتعهد بإلغاء أحكام قانون الأسرة المسلمة. وفي كانون الثاني/ يناير 2024، افتتح معبدا هندوسيا جديدا في أيوديا في موقع مسجد قديم دمره القوميون الهندوس في عام 1992.
وبحسب التقرير، فقد بدا أن مودي قد غير تكتيكاته بعد خسارته الأغلبية المطلقة لحزبه في الانتخابات العامة في عام 2024 والتي أظهرت أن الناخبين كانوا أكثر قلقا بشأن القضايا الاقتصادية. وخفف من خطابه المناهض للمسلمين. وأصدرت قيادة حركة راشتريا سوايامسيفاك سانغ القومية الهندوسية التي نشأ عنها حزب بهاراتيا جاناتا، تحذيرا نادرا في كانون الأول/ ديسمبر ضد الجماعات الهندوسية التي تثير جدلا جديدا حول المواقع المتنازع عليها مثل أيوديا.
وكان الحذر مماثلا واضحا في إحالة مودي مشروع قانون الوقف إلى لجنة برلمانية مشتركة في آب/ أغسطس. ففي أول فترتين له في الحكم استخدم الأغلبية التي يتمتع بها حزب بهاراتيا جاناتا لتمرير التشريعات عبر البرلمان. وهو الآن يحتاج إلى دعم من شركائه في الائتلاف.
ولكن مؤخرا، ظهرت علامات تشير إلى أنه أصبح أكثر حزما مرة أخرى بعد انتصارات حزب بهاراتيا جاناتا في الانتخابات في هاريانا وماهاراشترا ودلهي. ويخشى بعض المسلمين الهنود أيضا أن يشجع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مودي، نظرا لنفور ترامب من انتقاد الزعماء الآخرين بشأن حقوق الإنسان.
وفي تقرير قدم إلى البرلمان في 13 شباط/ فبراير، قبلت اللجنة التي تراجع مشروع قانون الوقف بعض الاقتراحات من حلفاء حزب بهاراتيا جاناتا ولكنها رفضت كل اقتراحات المعارضة. كما غمر القوميون الهندوس المحكمة العليا بالالتماسات ضد قانون يحافظ على هوية المواقع الدينية كما كانت عند استقلال الهند في عام 1947. وفي 17 شباط/ فبراير، فاتت الحكومة موعدا نهائيا ثانيا للرد على تلك الالتماسات. ورأى العديد من القوميين الهندوس في ذلك علامة على الدعم.
في بعض أجزاء من الهند، يستخدم زعماء حزب بهاراتيا جاناتا مشروع قانون الوقف لحشد أتباع الحزب. وكان يوجي أديتياناث، رئيس وزراء حزب بهاراتيا جاناتا في ولاية أوتار براديش، ينتقد بشكل خاص مجالس الأوقاف.
وقال أديتياناث، الخليفة المحتمل لمودي، في كانون الثاني/ يناير إن حكومته كانت تفحص السجلات للتحقق من الممتلكات التي تم تصنيفها بشكل غير صحيح على أنها وقف. وأضاف "سنستعيد كل شبر من هذه الأراضي".
ولفت التقرير إلى أنه من المحتمل أن تكون هذه القضية مثيرة للجدال في أوتار براديش حيث يوجد بها أكثر من 232000 عقار وقف، أكثر من أي ولاية أخرى. كما أنها موضوع حساس في دلهي، حيث احتلت الوكالات الحكومية العديد من ممتلكات الوقف. في عام 2023، أعلنت الحكومة عن نيتها الاستيلاء على 123 منها، بما في ذلك مسجد شارع البرلمان، الذي يستخدمه البرلمانيون المسلمون منذ عام 1947.
ولفتت المجلة إلى أن مومباي هي منطقة أخرى مثيرة للجدل بسبب تركيزها العالي على ممتلكات الوقف، موضحة أنه تم بناء قصر أمباني على أرض تم التبرع بها لصندوق في عام 1894 لإنشاء دار أيتام إسلامية. ثم باع الصندوق الأرض في عام 2002 لشركة يسيطر عليها أمباني.
وتقول شركة أمباني التي اشترت الأرض إنها حصلت على جميع الأذونات اللازمة، بما في ذلك من مجلس الأوقاف. لكن مجلس الأوقاف المحلي طعن في البيع في المحكمة (دون جدوى).
ويقول خبراء قانونيون إن مثل هذا التحدي من غير المرجح أن ينجح إذا تم تمرير قانون الأوقاف. وهم يتوقعون المزيد من المعارك حول ممتلكات الأوقاف في السنوات المقبلة. ومن المثير للقلق أن بعض المسلمين الهنود يحذرون من الاضطرابات إذا تم الاستيلاء على مواقعهم الدينية. ومع ذلك، فإن العديد منهم مستسلمون ويستعدون للضربة التالية، وفقا للتقرير.