حلم شاب.. والحكومة الرشيدة (٣)
تاريخ النشر: 27th, June 2024 GMT
عقارب الساعة تشير إلى الحادية عشرة ليلًا.. كنت عائدًا من عملى متجها نحو منزلى.. فجأة... اقترب منى شاب لا يزيد عمره عن العقد الثانى، نحيل الجسم، ضعيف البنية، قواه منهكة متعب، يحمل فوق كتفة كرتونة ضخمة، يتحرك بصعوبة بسبب إعاقة ألمت به، لا يستطيع رفع صوته من التعب والإجهاد الواضح على وجهه المجهد.
أسرعت إليه لأحمل عنه جزءا مما يحمل على كتفه النحيلة، محاولة منى لأخفف عنه، ولكن لم استطع أن أحركها من على كتفه لثقل ما بها، ورفض رفضًا قاطعًا أن أساعده.
وكان بيدى علبة من عصير الجوافة فتحتها وحاولت بكل إلحاح ان يشربها لتسد جزءا من عطشه المميت، ويبلل ريقه الذى جف بسبب ارتفاع درجات الحرارة القاتلة، ورفض أن يأخذها ولكن أمام إصرارى أخذها منى ولكن لم يشربها، وشكرنى بكل أدب ثم قال: «أستسمحك تدلنى على هذا العنوان الموجود فى هذه الورقة» نظرت للورقة وقلت له هذا العنوان فى العمارة التى بجانبى، تعالَ معى أدلك عليها، ولن أخفى سرا فالعنوان المدون بالورقة بعيد عن منزلى، وتعمدت الا أصارحه بالحقيقة حتى لا يرفض أن أصاحبه فى الطريق ليصل إلى العنوان المشار إليه، نعم سيرفض لأنه رأى إصابتى وما أعانيه، فقد كنت متكئا على عكاز بسبب الكسر الذى أصاب قدمى.. وعندما قلت له إن المنزل الذى يبحث عنه فى العمارة الملاصقة لمنزلى فرح وتهلل وجهه ووافق على الفور.
ترجلنا سويا بخطوات بطيئة، وللوهلة الأولى شعرت بأن هذا الشاب فى أشد الحاجة للتحدث لأى شخص يخفف عنه معاناة يومه التى لا يعلم تفاصيلها إلا الله، فبادرته بالحديث وسألته عن اسمه ليرد وقد بدت على أساريره ارتياح وطمأنينة، ودار بيننا حوار مبكٍ هذا تفاصيله
أنا اسمى أيمن
بتشتغل ايه يا أستاذ أيمن؟
أنا بشتغل دليفرى من سنة، قبل كده اشتغلت حاجات كتير كلها متعبة ومرهقة، والحمد لله إنى مستور أنا وأمى وأخوتى
أنت ساكن فين؟
أنا ساكن فى عين شمس
وجاى من عين شمس إلى مدينة نصر فى الحر ده ازاى؟.. أنا بخرج من بيتى يوميًا الساعة ٧ صباحًا، أتوجه بعدها إلى مخزن الشركة لأستلم البضاعة المقررة لى، وأنا وحظى فى خط السير الذى يتحدد بعد الاتصال بالزبائن.
استلمت البضاعة وحملتها على كتفى، وتوجهت إلى عربة الفول علشان أفطر، تخيل يا أفندم أن ساندوتش الفول سعره ٨ جنيه وأحيانا ١٠ جنيه، يعنى أنا محتاج كل يوم ٣٠ جنيه على الأقل علشان أفطر نص بطن، الحمد لله ربنا كبير، المهم وأنا بفطر لازم أتصل بالزبائن، علشان أعرف أحدد خط السير، وأنا وحظى، يا ترى مين اللى هيرد ومين اللى وقته يسمح بالذهاب إليه أولا بالبضاعة المطلوبة، وبعد عدة اتصالات تحركت أولا من عين شمس متجهًا إلى مدينة ١٥ مايو، ثم بعد ذلك توجهت إلى منطقة المقطم ثم عدت إلى مدينة حلوان، ومن حلوان توجهت لمنطقة زهراء المعادى، حتى وصلت إلى مدينة نصر.. ثم التقط أنفاسه واستكمل حديثه قائلًا: تخيل يا أفندم.. مفيش حاجة دخلت بطنى من الصبح حتى الآن غير ساندوتشين فول وطعمية، وأنتهى من عملى يوميًا فى الثانية صباحًا.. اندمج الشاب فى الحوار وأحسست بالفطرة السليمة والطيبة التى تنساب من حروف كلامه وعزة نفسه التى تناطح السحاب.
يا سادة.. تخيلوا معى، فهذا الشاب يعانى من إعاقة قوية وواضحة فى قدمه تعيقه بشكل شبه كلى فى المشى، ورغم ذلك لم يقترب من قريب أو بعيد عن وجعه اللانهائى الذى أصاب قدمه، رأيت بعينى حركته البطيئة، ورغم ذلك يتحرك بكل ألم حاملًا على كتفه حملا ثقيلا يلازمه يوميًا منذ الصباح الباكر.
هل أنهيت التعليم يا أستاذ؟
نعم.. أنا حاصل على ليسانس الآداب قسم عبرى بتقدير تراكمى جيد جدًا، وبحثت فى كل مكان عن فرصة عمل ولم أجد إلا السراب، وعملت بحرف كثيرة وكان العائد بسيطا جدًا، وجلست بالشهور فى البيت دون عمل فقررت إلا أجلس فى البيت مرة أخرى مهما حصل وخاصة أن حالتنا المادية صعبة جدًا وزادت الصعوبة فى ظل تلك الظروف التى يعانى منها معظم البيوت المصرية، أسكن بالإيجار مع والدتى وأخوتى، والدى متوفى وأنا كنت فى الثانوية العامة، لى ثلاثة من الأشقاء ولد واحد وبنتان كلهم فى مراحل التعليم المختلفة.
وهنا أحسست بالألم الذى عاوده مرة أخرى، فقطعت حواره، ليخرج من هذه الكآبة، وسألته عن أحلامه التى يتمنى أن يحققها، فكانت إجابته صاعقة لم استطع استيعابها حتى هذه اللحظة.
قال: كل ما أتمناه وأرجوه من الله أن يعينى حتى أستطيع أن أدبر مبلغًا من المال أشترى به موتسيكل حتى ولو بالتقسيط.. «ياااااه يا أستاذ نفسى أقدر أحقق الحلم ده، لأنه هيوفر عليا حاجات كتير، تعب ووقت ومجهود، وطبعا دخلى هيزيد لأنى ساعتها هقدر أتحرك لاى مكان بسهولة ويسر».
تبسمت فى وجهه وقلت له «إن شاء الله سوف تحقق حلمك العادل».
وهنا انتهى من سرد حلمه وأمانيه البسيطة، فى نفس لحظة انتهاء طريق الوصول إلى العنوان الذى يريده، وقف ليشكرنى، ولمعت عينيه فرحا ربما لأنه وصل إلى مشواره الأخير لينهى عذاب يومه، أو لربما بسبب تفريغه شحنات سلبية كانت مكبوتة ومكتومة بداخله، شحنات سلبية متراكمة كادت أن تقضى عليه نفسيًا وإنسانيا.
ودعت الشاب على وعد باللقاء قريبًا بصحبة الموتسيكل الذى يتمناه.
أيتها الحكومة الرشيدة هذا الشاب لم يقصر ولم يكنّ يومًا عبئا عليك، متى يسترد هذا الشاب حقه العادل.
هل تعى الحكومة الرشيدة إحساس هذا الشاب بعدم الثقة والانتماء الذى عشش فى كل جوارحه.
هل تعلم الحكومة الرشيدة أن هناك الملايين من الشباب تبخرت أحلامهم وانهارت دون رحمة وضاعوا دون رجعة.
وأخيرًا.. رسالة الشاب الشفهية الموجهة لكل مسئول فى الحكومة الرشيدة إليكم نص الرسالة «أنا شاب عمرى ٢٣ سنة فقدت الأمل ولم يكن عندى ثقة فى شيء، فكل سبل الحياة أمامى مغلقة تماما، ولم يكن أمامى سوى سراب أحلام، هل أستطيع حماية أمى وأخوتى من السؤال والتشرد، حلمى بسيط، فهل أستطيع ان أحققه!!
أيتها الحكومة الرشيدة ماذا أعددت لهذا الجيل من الشباب، فعليًا نحن أمام أزمة حقيقية يعانى منها نصف المجتمع الذى هو حاضر ومستقبل هذه الأمة.. فماذا أنتم فاعلون؟
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: منطقة المقطم مدينة نصر الحکومة الرشیدة هذا الشاب إلى مدینة
إقرأ أيضاً:
اتهام «ترامب» بانتهاك الدستور.. وقاضٍ فيدرالى يوقف «تجميد المساعدات»
بدأت موجة الغضب تتزايد ضد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على إثر قراراته التى وصفها معارضوه بالعشوائية، وكان آخرها تجميد الإنفاق الفيدرالى والتى أغرقت البرامج التعليمية من برامج الطفولة المبكرة إلى جهود البحث الجامعى فى جميع أنحاء البلاد فى حالة من عدم اليقين والفوضى، وتصل المنح والقروض الفيدرالية إلى كل ركن من أركان حياة الأمريكيين تقريبا، مع تدفق مئات المليارات من الدولارات إلى برامج التعليم والرعاية الصحية ومكافحة الفقر ومساعدات الإسكان والإغاثة من الكوارث والبنية الأساسية ومجموعة من المبادرات الأخرى.
فيما رفضت محكمة أمريكية بشكل مؤقت أمس الأول محاولة ترامب تجميد مئات المليارات من الدولارات من المساعدات الاتحادية، حتى فى الوقت الذى أثارت فيه الفوضى فى أنحاء الحكومة وأثارت مخاوف من أنها قد تعطل البرامج التى تخدم عشرات الملايين من الأمريكيين. حيث شدد قاضى المحكمة الجزئية الأمريكية لورين على خان إيقاف قرار بوقف مؤقت للتمويل بعد أن زعمت عدة جماعات حقوقية أن التجميد من شأنه أن يدمر برامج تتراوح من الرعاية الصحية إلى بناء الطرق. وستنظر المحكمة فى القضية مرة أخرى يوم الاثنين القادم.
كان التوجيه الشامل الذى أصدره ترامب هو الخطوة الأخيرة فى جهوده لإصلاح الحكومة الفيدرالية، والتى شهدت بالفعل قيام الرئيس الجديد بوقف المساعدات الخارجية وتجميد التوظيف وإغلاق برامج التنوع عبر عشرات الوكالات. كما عرضت إدارته عمليات شراء للموظفين الفيدراليين لتقليص حجم الوظائف.
وفى السياق ذاته، شن الديمقراطيون هجوماً ضده لتجميد التمويل باعتباره اعتداءً غير قانونى على سلطة الكونجرس بشأن الإنفاق الفيدرالى، وقالوا إنه يعطل بالفعل المدفوعات للأطباء ومعلمى ما قبل المدرسة. ودافع الجمهوريون إلى حد كبير عن الأمر باعتباره تحقيقًا لوعد حملة ترامب بكبح جماح الميزانية البالغة 6.75 تريليون دولار.
قالت إدارة ترامب إن البرامج التى تقدم فوائد مباشرة للأمريكيين لن تتأثر. لكن أكد السيناتور الديمقراطى رون وايدن أن الأطباء فى جميع الولايات الخمسين لم يتمكنوا من تأمين المدفوعات من برنامج Medicaid، الذى يوفر تغطية صحية لـ70 مليون أمريكى من ذوى الدخل المنخفض.
ودافع البيت الأبيض عن التجميد بأنه كان ضرورياً لضمان توافق برامج المساعدات الفيدرالية مع أولويات الرئيس الجمهورى، بما فى ذلك الأوامر التنفيذية التى وقعها والتى تنهى جهود التنوع والمساواة والإدماج.
ويواجه أمر ترامب تحديًا قانونيًا آخر من جانب المدعين العامين الديمقراطيين فى الولايات، الذين زعموا فى دعوى قضائية أن التجميد ينتهك الدستور الأمريكى وسيكون له تأثير مدمر على الولايات التى تعتمد على المساعدات الفيدرالية لجزء كبير من ميزانياتها.
وذكرت المذكرة أن تجميد الأموال يشمل أى أموال مخصصة للمساعدات الأجنبية والمنظمات غير الحكومية، وقال زعيم الأغلبية الديمقراطية فى مجلس الشيوخ تشاك شومر «هذا القرار غير قانونى ومدمر وقاسٍ. والأسر الأمريكية هى التى ستعانى أكثر من غيرها».
وقال عضو مجلس النواب الأمريكى الجمهورى دون بيكون «نحن لا نعيش فى ظل نظام استبدادى، بل فى ظل حكومة منقسمة، ولدينا فصل بين السلطات».
وهاجم أحد قادة الجامعات القرار لتأثيره على مشاريع البحث، فضلاً عن إيقاف التدفق النقدى لبرنامج Head Start، وهو برنامج تعليم الطفولة المبكرة الذى يخدم 800 ألف طفل، فى بعض الأماكن قبل أن توضح الحكومة الفيدرالية أن البرنامج لم يكن مدرجًا فى التوجيه.
وبحسب صحيفة نيويورك تايمز، قالت إحدى الجامعات: «هذا ليس طلبًا أتقدم به باستخفاف. إن المشروع البحثى هو جوهر مهمة جامعتنا وله أهمية كبيرة بالنسبة للعمل اليومى لأعضاء هيئة التدريس والباحثين والموظفين والطلاب».
وقال دانييل دبليو جونز المستشار السابق لجامعة ميسيسيبى إن الجامعات ستضطر إلى اتخاذ قرار بشأن ما إذا كانت ستستخدم أموالها الخاصة.
وأصدرت رابطة الجامعات العامة وجامعات المنح العقارية بيانًا وصفت فيه التوقف بأنه «واسع النطاق للغاية» و«غير ضرورى ومدمر». وأضاف مارك بيكر رئيس الرابطة: «فى حين أننا نتفهم أن إدارة ترامب تريد مراجعة البرامج لضمان الاتساق مع أولوياتها، فمن الضرورى ألا تتداخل المراجعات مع الابتكار والقدرة التنافسية الأمريكية». ودعا إدارة ترامب إلى إلغاء التوجيه.
وفى بيان لها، قالت باربرا سنايدر، رئيسة رابطة الجامعات الأمريكية: «حتى التوقف المؤقت عن البحث العلمى الحاسم يشكل خطأً غير مبرر. لقد قال مرات عديدة إنه يريد أن يجعل أمريكا عظيمة. وتعطيل التقدم العلمى من شأنه أن يقوض هدفه».
وكان الذعر قد خيم بالفعل على جماعات المساعدة الدولية التى تعتمد على التمويل الأمريكى. وقالت مصادر داخل المجتمع الدولى إن تجميد المساعدات كان واسع النطاق إلى الحد الذى جعلهم يكادون لا يصدقون أنه حقيقى.
من جانبها أكدت منظمة «إنترأكشن»، أكبر تحالف للمنظمات الإنسانية الدولية، فى بيان: «إن البرقية الأخيرة الصادرة عن وزارة الخارجية تعلق البرامج التى تدعم القيادة العالمية لأمريكا وتخلق فراغات خطيرة سوف تملؤها الصين وخصومنا بسرعة».
وقالت آبى ماكسمان، رئيسة منظمة أوكسفام ومديرتها التنفيذية، فى بيان: «إن مجتمع المساعدات يتصارع مع مدى خطورة تعليق المساعدات - ونحن نعلم أن هذا سيكون له عواقب تتعلق بحياة أو موت ملايين الأشخاص فى جميع أنحاء العالم، حيث تتوقف البرامج التى تعتمد على هذا التمويل دون خطة أو شبكة أمان».