حقيقة لا تقبل الجدل: صيفنا هذا العام حار جدًا جدًا جدًا، وها قد خرجنا من يوليو الملتهب إلى أغسطس (آب) الأكثر التهابًا، وهو الشهر الذي يُطلق عليه «آب اللهّاب» لشدة حرارته.. من ناحية، وارتفاع مستويات الرطوبة التي تزيد الإحساس بارتفاع درجة الحرارة.. من ناحية أخرى.
ومع لهيب حرارة الصيف، يلجأ الناس -تاريخيًا- إلى غمر الرأس أو بقية الجسم في الماء، فهي أسرع وسيلة تبريد حول العالم، وهو ما نراه بهروب معظمهم إلى الشواطئ، إضافةً إلى استخدام مختلف أغطية الرأس والوجه، فضلًا عن تقنيات تقليل التعرض مباشرة للشمس.
ورغم تغنِّي بعض الشعراء بالصيف بقصائدهم كإيليا أبو ماضي وغيره، إلا أن صيف عامنا الحالي الرهيب لا يسمح إلا بعرض بعض من أشعار مَن عانوا من قسوة حرارته -حقيقةً ورمزًا-، ومنهم الشاعر العراقي الكبير بدر شاكر السياب، الذي استعجل الصيف في الرحيل بعد أن جثم الحَرُّ فوق الشاطئ وبدا كأنَّه يمتص الماء، فيقول: «هو الصيف يلثم شط العراق/ بغيماته ذاب فيها القمر. وتوشك تسبح بيض النجوم/ لولا برودة ماء النهر».
أما الشاعر السوري الكبير نزار قباني، فيعلن صراحةً أنه يكره الصيف، إذ يراه هو ذاته كل عام لا يغير من نفسه شيئًا، فيقول: «وكوني البحر والميناء/ كوني الأرض والمنفى. وكوني الصحو والإعصار/ كوني اللين والعنفا. أحبيني بألف وألف أسلوب/ ولا تتكرري كالصيف.. إني أكره الصيفا».
أما عميد الأدب العربي د.طه حسين، فكان يرى في الصيف غير ما يراه غيره، فالصيف عنده كان فصل رخاء واسترخاءٍ ولهو، أما الشتاء فكان فصل جدٍّ وعمل، فيقول في كتابه المعنون «لغو الصيف وجدُّ الشتاء»: «كنا نلغو أثناء الصيف، فلنجِدَّ أثناء الشتاء، وما الذي كان يمنعنا من اللغو أثناء الصيف، وفي الصيف تهدأ الحياة ويأخذها الكسل من جميع أطرافها، فتوشك أن تنام وتسير على مهل يشبه الوقوف، وفي أناة تضيق بها النفوس».
تُرى هل كان الدكتور طه حسين ليتحدث بتلك الحميمية عن «الصيف» إذا أحس بحرارة صيفنا هذا الذي وصلت فيه درجة الحرارة لمستويات غير مسبوقة على الأقل منذ 120 عامًا كما يقول خبراء الأرصاد حول العالم؟.. اللهم ارحمنا من هذا الصيف القائظ يا أرحم الراحمين.
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً: