الذكر باللسان دون القلب لا يخلو من أثر يستفيد منه الذاكر -

خلق الله الإنسان لغاية وهي العبادة، وأمره بذكر الخالق ذكرا كثيرا، وقد وجه الرسول الكريم أصحابه بهذه العبادة العظيمة وهي عبادة الذكر فقال: «لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله» فما هو مفهوم الذكر؟ وما أثره في تعزيز الاتصال بالله وتعزيز الإيمان؟ وما دوره تزكية النفس وتقويم السلوك؟ وهل هناك شروط معينة للذكر، وطرق ووسائل لحضور القلب؟ وكيف يمكن غرس هذه العبادة في نفوس الناشئة؟ كل هذه الموضوعات وغيرها ناقشناها مع الباحث والداعية المهندس خليل بن مسعود الشكيلي.

ما مفهوم الأذكار في الإسلام؟

الأذكار نوع من أنواع العبادات التي يُتقرب بها إلى الله تبارك وتعالى، وتكون على صور وأشكال مختلفة. وكلمة الأذكار جمع مفردها الذكر، ويُقصد به استحضار الإنسان للحق سبحانه وتعالى عما سواه في جميع الأمور من الأفعال والأقوال والأحوال، وهو بذلك ينافي معنى الغفلة عن الله. والأذكار لا تقتصر -كما هو شائع عند البعض- على ما يُقال ويُردد باللسان فحسب، فهي تشتمل على أمور حسية كالصلاة والصيام والصدقة وصلة الأرحام وما إلى ذلك من غيرها من أعمال الدين، وإلى أمور قلبية ومعنوية كالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار.

جاء عند العارفين بالله أن مفهوم الأذكار هو نمو استيلاء المذكور على قلب الذاكر فلا يكون شيء في قلبه أكبر من ذكر الله والاتصال به، فذكر الله هو قوت الأرواح. وقد ذكر الله تبارك وتعالى فضل الذكر في كتابه العزيز في غير ما موقع، وفي معرض الحديث عن تلاوة الوحي وإقام الصلاة- رغم ما فيهما من أجور عظيمة- أكّد الله بأن ذكره أكبر فقال {ٱتۡلُ مَاۤ أُوحِیَ إِلَیۡكَ مِنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَۖ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَاۤءِ وَٱلۡمُنكَرِۗ وَلَذِكۡرُ ٱللَّهِ أَكۡبَرُۗ وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ مَا تَصۡنَعُونَ} وهذا يشمل نواحي عديدة؛ منها ما يكون من العبد لذكر الله ومنها ما يكون من ذكر الله للعبد كما جاء في الحديث القدسي (أنا عند ظنِّ عبدي، وأنا معه حين يذكرُني، فإن ذكرني في نفسِه، ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأ، ذكرتُه في ملأ خيرٍ منه). كما جاء أيضا ذكر أهمية الذكر وفضله في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال عليه الصلاة والسلام: «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ» وقال: «ألا أخبرُكم بخيرِ أعمالِكم، وأزكاها عند مليكِكم، وأرفعِها في درجاتِكم، وخيرٌ لكم من إنفاقِ الذهبِ والفِضةِ، وخيرٌ لكم من أن تلقوْا عدوَّكم فتضربوا أعناقَهم، ويضربوا أعناقَكم، قالوا: بلى يا رسولَ اللهِ، قال: ذِكرُ اللهِ».

كيف يمكن للأذكار أن تساعد في تعزيز الاتصال بالله وتعزيز الإيمان؟

كان العرب قديما في الجاهلية يتفاخرون بآبائهم وأجدادهم ويذكرونهم فيقول الواحد منهم كان أبي وكان جدي، فأراد الله أن يغير ذلك ويربط ذكرهم بذكره سبحانه فيكونوا عصاميين بعدما كانوا عظاميين. يقول الله تبارك وتعالى: {فَٱذۡكُرُوا۟ ٱللَّهَ كَذِكۡرِكُمۡ ءَابَاۤءَكُمۡ أَوۡ أَشَدَّ ذِكۡرࣰاۗ} ولا ريب أن ذلك يعزز الاتصال بالله وبالتالي يعزز الإيمان به سبحانه، وبذلك يعي الإنسان أن كل مجريات الكون والحياة إنما يدبرها الله سبحانه وتعالى. ونحن نجد في كتاب الله عز وجل أن الله ربط الإيمان بمحبته فقال: {وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَشَدُّ حُبࣰّا لِّلَّهِۗ} وبكثرة الذكر عند الإنسان فإنه تتولد علاقة محبة بينه وبين ربه فيكون محبوبا عند الله، وبسبب هذه العلاقة فإن الحبيب وهو الله لا يُقدّر لمحبوبه الإنسان إلا الخير ولا يبتليه إلا بما يستطيع ثم إنه يسيّر كل أموره.

وعندما يكون القرآن الكريم أعظم الأذكار، فإن الله تبارك وتعالى يجعل عناية ورعاية خاصتين لذاكره ويحيطه بسياج الغيرة عليه فلا يريده أن يتمسك إلا به ثم إنه يحفظه من كل سوء ومكروه فلا تصل قوى الشر إليه {وَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ جَعَلۡنَا بَیۡنَكَ وَبَیۡنَ ٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ بِٱلۡـَٔاخِرَةِ حِجَابࣰا مَّسۡتُورࣰا}. وبهذه المعاني يكون الإنسان موصلا بالله تبارك وتعالى في كل أوقاته فيصير من أهل الله وخاصته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ للهِ أهلين من النَّاسِ. قالوا: يا رسولَ اللهِ من هم؟ قال: هم أهلُ القرآنِ، أهلُ اللهِ وخاصَّتُه).وكنتيجة لهذا الاتصال المتواصل بالله تبارك وتعالى، فإن إيمان الإنسان يتقوى أكثر وأكثر وبالتالي يعلم أن الله هو مدبر أموره كلها وأنها كلها من الله وبالله ولله. ففي قصة النبي يوسف عليه السلام ذكر الله المواقف والأحداث التي مر بها يوسف عليه السلام وكيف دبر الله حصولها في الأوقات والأماكن التي ذُكرت في سورة يوسف، ولكن نجد في نهاية السورة أن الله تبارك وتعالى ذكر أن يوسف عليه السلام نسب كل الأمور التي تحققت له بأنها إنما تحققت من الله بالله. فقد قال الله عن يوسف {وَقَالَ یَـٰۤأَبَتِ هَـٰذَا تَأۡوِیلُ رُءۡیَـٰیَ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَعَلَهَا رَبِّی حَقࣰّا} فنسب تحقق الرؤيا لله ولم ينسبها للرؤيا نفسها فيقول -مثلا- تحققت الرؤيا. كذلك قوله: {وَقَدۡ أَحۡسَنَ بِیۤ إِذۡ أَخۡرَجَنِی مِنَ ٱلسِّجۡنِ وَجَاۤءَ بِكُم مِّنَ ٱلۡبَدۡوِ} فقد كان خروج يوسف عليه السلام من السجن بأمر الملك ولكن عدم غفلته عليه السلام عن الله -أي ذكره له تبارك وتعالى- جعله ينسب ذلك الخروج له، وهكذا أكثر من عشرة أمور في نهاية السورة ذُكرت أنها حصلت ليوسف عليه السلام وقد نسب حصولها لله عز وجل.

ومن أهم تلك الأمور أمر العلم، فعندما نسبه يوسف عليه السلام بأنه من الله وقد آتاه الله إياه، جعله ذلك عارفًا لقدر ومقام الله {ذَ ٰ⁠لِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِی رَبِّیۤۚ} {رَبِّ قَدۡ ءَاتَیۡتَنِی مِنَ ٱلۡمُلۡكِ وَعَلَّمۡتَنِی مِن تَأۡوِیلِ ٱلۡأَحَادِیثِۚ} فتواضع له ثم إن الله رفع مقامه بذلك التواضع فجعله عزيز مصر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله). على النقيض من ذلك، فإن قارون عندما نسب العلم إلى نفسه صار متكبرًا {قَالَ إِنَّمَاۤ أُوتِیتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمٍ عِندِیۤ أَوَلَمۡ یَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَهۡلَكَ مِن قَبۡلِهِۦ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مَنۡ هُوَ أَشَدُّ مِنۡهُ قُوَّةࣰ وَأَكۡثَرُ جَمۡعࣰاۚ وَلَا یُسۡـَٔلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ} فكانت عاقبته أن خسف الله به وبداره الأرض { فَخَسَفۡنَا بِهِۦ وَبِدَارِهِ ٱلۡأَرۡضَ فَمَا كَانَ لَهُۥ مِن فِئَةࣲ یَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُنتَصِرِینَ}.

سلاح الذكر

يقول أبو مسلم البهلاني: «حملوا عصيهم وأحمل سبحتي .. شتان بين سلاحهم وسلاحي» كيف يمكن أن يتحول الذكر إلى سلاح عند المسلم؟

في تكملة بيت الشعر الذي ذكرته عن أبي مسلم، يقول:

ظلموا فما انتصر الحسام لظلمهم

ولَكَم قصمت الجيش بالمسباح

وذِكر السبحة أو المسباح في هذه الأبيات يدل على كثرة الذكر والمداومة عليه. وأيًّا كان الذكر سواءً قوليًا أو فعليًا أو قلبيًا، فإن الله تبارك وتعالى يسخّر خَدَمَته القائمين عليه من الروحانيات، وأسراره وأنواره وفيوضه للذاكر له. الله عز وجل قوة كبيرة وطاقة هائلة، ولو داوم الإنسان مثلًا على ذكر اسم من أسمائه وصفاته حتى يكون موصولًا به، فإنه سيناله نصيب من جنس ذلك الاسم أو الصفة ويمده بمدد رباني -وهو قد لا يعلم بذلك- يخدمه بما يريد ويدافع عنه ضد أي قوى محسوسة أو مخفية في هذا الكون. فمن أراد أن يتسلح ويتقوى بالعلم على سبيل المثال، فإنه يكثر من ذكر اسم الله العليم وذكر آيات العلم من كتاب الله وسيسخّر الله له نيل العلم بتدبير منه سبحانه.

وفي هذا الشأن قد يكون الذكر سرًّا أو جهرًا، ليلًا أو نهارًا، والمداومة عليه يعقبه حفظٌ من أمر الله أي منه وبأمره سبحانه وتعالى {سَوَاۤءࣱ مِّنكُم مَّنۡ أَسَرَّ ٱلۡقَوۡلَ وَمَن جَهَرَ بِهِۦ وَمَنۡ هُوَ مُسۡتَخۡفِۭ بِٱلَّیۡلِ وَسَارِبُۢ بِٱلنَّهَارِ، لَهُۥ مُعَقِّبَـٰتࣱ مِّنۢ بَیۡنِ یَدَیۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ یَحۡفَظُونَهُۥ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُغَیِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ یُغَیِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ وَإِذَاۤ أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوۡمࣲ سُوۤءࣰا فَلَا مَرَدَّ لَهُۥۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَالٍ}. وقد قيل في الرقائق: إن السعيد من كان مع الله ولكن الأسعد منه هو من كان الله معه، ولئن كان السحرة والمردة يتقوون ويستعينون بالشياطين بحيث إنهم قوة خارقة لا يراها الإنسان لأعمال الشر، فإن الله سبحانه لا يراه الإنسان ولا تراه الشياطين. فإذا تيقن الإنسان بأنه تبارك وتعالى كذلك فإنه سيكون هو له قوة أكبر وأعظم من قوة الشياطين وسيهزمهم به.

وإذا ما عدنا إلى أبي مسلم البهلاني فإننا نجده في قصيدة الوادي المقدس يضرب لنا مثالًا رائعًا لتحول الذكر إلى سلاح يحتمي به الإنسان من أعدائه. فقد شبّه كثرة ذكره لله بأسمائه الحسنى كالذي يطنّب خيمته أي ينصبها في وادٍ فسيح له حِمى وفيه شِعاب خضراء وافرة ترعى فيها أغنامه الكثيرة ولها حارس يحميها من الذئاب والسباع. فهو يشبّه أسماء الله كالشعاب لكثرتها، ويشبّه حاجاته وطلباته من الله كالأغنام تأخذ من مرعى الشِعاب ما تشاء، ويشبّه أعدائه كالذئاب والسباع المفترسة غير آبهٍ بها لشدة قوة الحارس، والحامي منها هو الله تبارك وتعالى. يقول:

طنّبتُ في الوادي المقدّس خيمتي

ورعيت بين شعابه أغنامي

قل للذئاب الكاسرات تفسّحي

عَزَّ الحمى وأعزُّ منه الحامي

فلقد نزلتُ على عظيم قادر

عِزُّ الجلال إليه والإكرام

التخلي والتحلي والتجلي

كيف تؤثر الأذكار في تزكية النفس وتقويم السلوك؟

إن أكبر أثر تفعله الأذكار في النفس هو أن يخلع الله عن صاحبها ثياب صفاته ويُلبسه ثياب الصفات الربانية التي تترجم تعامله مع الناس -بل أكثر من ذلك- وتعامله مع سائر المخلوقات أيضا. يتدرج الذاكر لله تبارك وتعالى عبر ثلاث مراحل حتى يصير رباني الصفات؛ وهي مرحلة التخلي ثم مرحلة التحلي ثم مرحلة التجلي.

ففي مرحلة التخلي يتخلص الذاكر من كل الصفات الذميمة والرعونات النفسية -كالحسد والنميمة والكراهية والبخل والبغض- التي تحجب عنه الأنوار الإلهية. فإذا ما تخلص منها فإنه يدخل في مرحلة التحلي التي يلبس فيها الصفات الحميدة -كالتسامح والتغافل والإيثار والمودة والحب- التي يُسمح له بها بوصول الأنوار الإلهية إلى قلبه. فإذا ما تمكنت منه الصفات الحميدة فإنه سيدخل في مرحلة التجلي التي يحركه فيها حب الله بحيث يكون الله سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها.

ولكن الانتقال بين هذه المراحل ليس بالأمر السهل، فهو يحتاج إلى مجاهدة ومصابرة ورياضة يبدأ فيها الإنسان حاملًا وينتهي محمولًا. حاملًا أي يغالب نفسه الكسولة على أداء الأذكار بأنواعها المختلفة ومحمولًا أي أن نفسه هي التي تألف الأذكار وتحفزه لأدائها. يقول أبو يزيد البسطامي: «ما زلت أسوق نفسي إلى الله وهي تبكي حتى سقتها إليه وهي تضحك». وبهذا يصل الإنسان إلى مقام عبادة الأنفاس، ونقصد بالأنفاس هنا معنيَين؛ الأول جمع النَفَس وهو الذي يكون فيه للإنسان ذكر لله في كل نفس يتنفسه فلا يفوته شيء من بركات ذلك الذكر، والثاني جمع الأَنْفَس وهو الذي يكون فيه عبادة راقية للذاكرين. فهؤلاء لا تكون توبتهم لله من الذنب فحسب بل يتوبون من كل نفس لم يكن لهم فيه ذكر لله. وكذلك لا يكونون في مستوى من «إذا أصابته ضراء صبر وإذا أصابته سراء شكر» بل أرقى من ذلك فيكون «إذا أصابته ضراء شكر وإذا أصابته سراء آثر».

الذكر الكثير

هل الأذكار مشروطة بالأعداد أم أن بأن يكون لسان المسلم رطبا بذكر الله في كل وقت؟ وما الحكمة من العدد؟

يقول الله تبارك وتعالى: {یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱذۡكُرُوا۟ ٱللَّهَ ذِكۡرࣰا كَثِیرࣰا}، وفي حديث نبوي أن رجلًا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شرائع الإسلام قد كثرت عليّ فأخبرني بأمر أتشبث به أي أتمسك به، فقال عليه الصلاة والسلام: «لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله». وهذا يدل على أن الذكر يكون كثيرا ولكن قد يكون أيضا مطلقا أو مقيدا.

فالذكر المطلق هو الذي يكون بأي صورة وفي أي وقت وأي مكان بدون تحديد. والذكر المقيد هو الذي يُحدد بزمن أو مكان أو حال كأذكار الصباح والمساء والأذكار بعد الصلاة والأذان وأدعية دخول البيت والمسجد والخروج منهما وما إلى ذلك. وجاءت بعض الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم التي تُحدد فيها بعض الأذكار بعدد معين كقوله عليه الصلاة والسلام «من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حُطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر».

من العلماء من يرى أن الأذكار لا تُحدد بعدد معين بل على الإنسان أن يكون منشغلا بالذكر دائما. ومنهم من يقول عكس ذلك وهم يعتمدون على أنظمة حسابية لتعيين عدد مرات ترديد الأذكار كنظام حساب الجُمَّل الذي يعطي كل حرف أبجدي قيمة عددية، على سبيل المثال لفظ الجلالة ‹الله› قيمته العددية ٦٦ فهو يُذكر ويُكرر ٦٦ مرة، وطريقة ذكره بأن يذكر الاسم ٦ مرات بنفس واحد ثم يكرر ذلك ١١ مرة. وقد تكون الحكمة من ذلك حتى لا تفتر نفس الإنسان عن الذكر وأن يكون له ورد يومي يستقي به من خزائن الله، والله أعلم.

شروط الذكر

هل هناك شروط معينة ينبغي للإنسان الالتزام بها أثناء الذكر؟

يقول الله تبارك وتعالى: {وَٱذۡكُر رَّبَّكَ فِی نَفۡسِكَ تَضَرُّعࣰا وَخِیفَةࣰ وَدُونَ ٱلۡجَهۡرِ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡـَٔاصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡغَـٰفِلِینَ}، قوله عز وجل: واذكر ربك يندرج فيه شروط الإخلاص للمذكور -الله- واستحضار القلب له عما سواه واستجماع الهمة والنشاط عند الذكر. ويلحق ذلك أيضا الخلوة والعزلة والتضرع الذي يصاحبه الخشوع المقرون مع خوف والإخبات المقرون مع محبة، وخفض الصوت بالذكر. وفي الإخلاص يراعي الذاكر أنه لا يذكر الله لينال حظًا من حظوظ الدنيا، بل يذكر لينال رضا الله، وقد قيل: «لا تذكره لتُعطى ولكن اذكره ليرضى، فإذا رضي أدهشك بالعطا». وقد يكون الذكر فرديًا كما أنه قد يكون جماعيًا أيضا.

ومن العارفين من زاد على الشروط آدابًا لزيادة الوصول والقرب إلى الله، ومنها؛ الوضوء والتطيب واستقبال القبلة واللباس الحسن النظيف والجلوس كجلسة التشهد في التحيات وتطهير الفم وإغماض العينين وتعطير المكان.

أما بالنسبة لذكر قراءة القرآن الكريم فإن من شروط ذكره أن يكون الذاكر على طهارة بدنية ومعنوية؛ فالجُنُب والحائض مثلًا لا يقرأون القرآن إلا بعد الاغتسال.

وهناك شروط أخرى تتعلق بالذكر لمريدي طريق السلوك تشمل العلم والتقوى والزهد والورع وقد ذكر الشيخ الرئيس جاعد بن خميس الخروصي جملة منها في قصيدة حياة المهج التي شرحها ثم زاد الشرح ابنه ناصر بن أبي نبهان. كما ذكرها أيضا الإمام المحقق سعيد بن خلفان الخليلي في قصيدة المعراج لسالك المنهاج. وذكرها الإمام أبو مسلم البهلاني في قصيدة هو الله فاعرفه.

لا يخلو من أثر يستفيد منه

ما الطرق والوسائل التي تجعل القلب حاضرا أثناء الذكر؟ وهل للذكر باللسان دون القلب أثر؟

نبدأ بالجواب على الشق الثاني من السؤال لندخل به إلى جواب الشق الأول. إن الذكر باللسان دون القلب لا يخلو من أثر يستفيد منه الذاكر وذلك لأنه يستخدم جارحة اللسان في شيء يحبه الله ويقربه إليه. أرأيت لو أنه استخدمه فيما لا يرضي الله كالغيبة والنميمة والسب والكذب، فهل يعود له بفائدة من ذلك؟. وانشغال اللسان بالذكر مع استحضار القلب يكون على طرق ومراتب يمكن أن نستخلصها من مفهوم التبتل والذي معناه الانقطاع القلبي الكلي لله تبارك وتعالى. ينقطع الذاكر بقلبه عن نفسه لله فلا يركز في غناه أو فقره أو صحته أو مرضه، وينقطع بقلبه عن الناس لله فلا يركز فيما ينفعه أو ما يضره منهم، وينقطع بقلبه عن مراده من الله لمراد الله بالله فمثلًا لا يركز على أجر الصدقة في مقابل أنها شيء يريده الله ويحبه. يقول الله تبارك وتعالى: {وَٱذۡكُرِ ٱسۡمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلۡ إِلَیۡهِ تَبۡتِیلࣰا} كلمة (تبتيل) هي مصدر من الفعل بَتِّلَ وتدل على التكثير والمبالغة، وكلمة تبتَّلْ هي فعل مصدره تبتُّلًا وتدل على التخفيف والقلة. فالآية فيها جملتان تدلان على التدرج في الذكر والتبتل الذي يكون بدايته بالتصبر والمجاهدة حتى يصل إلى التكثير والمبالغة. ففي مراحل الذكر والتبتل يبدأ الإنسان بلسان ذاكر وقلب غافل لا يستوعب ما يقول، ثم بلسان ذاكر وقلب واع يفهم معاني الذكر، ثم بلسان ذاكر وقلب حاضر يستشعر معاني الذكر ويتفاعل معها، ثم بلسان ذاكر وقلب شاهد وهذه أعلى مراتب الذكر والتبتل بحيث يكون الإنسان غارقا في معاني الذكر وتنطلق من قلبه قبل لسانه.

القدوة الحسنة

ما الأساليب والوسائل التي من خلالها نستطيع غرس مفهوم الذكر عند الناشئة والأطفال؟

الأطفال عادة ما يتعلمون بالتقليد والاقتداء ولذلك يجب أن يكون المربي قدوة حسنة. ولعلنا نذكر هنا جملة من بعض الوسائل المهمة التي تساعد على غرس مفهوم الذكر: الاقتداء بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم في الأذكار والأدعية المأثورة وتعويد الطفل على الصلاة والسلام عليه وتبيين أهميتها وفوائدها للإنسان. واستغلال المواقف والأحداث اليومية -كمواقف الرحمة مثلا- وربطها بأسماء الله وصفاته حتى يتعود الطفل على تعلق قلبه بالله.

وعند توجيه الطفل لفعل المعروف أو ترك المنكر فلا يُكتفى بكلمة الأمر أو النهي فحسب، وإنما يوضّح له السبب لماذا؟ ويشرح له مراد الله من ذلك. وتعويد الطفل على الالتزام بوِرد أو ذكر معين يأتي به في وقت محدد وعدد محدد خلال اليوم يُراعى فيه التخفيف حتى لا تأنف نفسه من ذلك. ثم يُبدأ معه في الزيادة تدريجيا مع تشجيعه وتكريمه.

وعمل خطة مرنة لقراءة القرآن الكريم وتدبره وحفظه لا تزيد عن ثلاث آيات في اليوم الواحد. وتعليم الطفل على حمد الله على كل حال سواء بمنع أو عطاء، وإفهامه كيف يصرف الله السوء بمنع الحصول على الأشياء أو عدم حدوثها. وإرشاد الطفل أن كل شيء هو ملك لله ولكن جعله في متناول يد الإنسان وسخره له ليستفيد منه. وإذا أراده من الله فإنه يطلبه بالصلاة والدعاء.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم یوسف علیه السلام الصلاة والسلام من ذکر الله الطفل على الذی یکون هو الذی ی فی قصیدة قد یکون إن الله أن یکون من الله د الله ر الله من ذلک یکون ا عز وجل التی ت التی ی

إقرأ أيضاً:

أدعية سيدنا موسى عليه السلام.. احرص عليها

ذُكر في القرآن الكريم العديد من الأدعية التي دعا بها سيدنا موسى -عليه السلام-، ومنها ما كان يدعو بها لنفسه، أو لأخيه، أو لقومه، ومنها ما كان يدعو فيها على الظالمين كفرعون وملئه، وفيما يأتي ذكر أدعية سيدنا موسى -عليه السلام-: دعاؤه في سورة طه (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي* وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي* وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي* يَفْقَهُوا قَوْلِي* وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي* هَارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي* كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا* وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا* إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا).

دليل فضل دعاء يوم الجمعة في الأحاديث المطهرة دعاء ساعة الاستجابة يوم الجمعة

 أما أدعيته في سورة القصص، فقد دعا سيدنا موسى -عليه السلام- في سورة القصص ما يأتي: (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي)، (رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ)، (رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)، (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) . و من أدعية سيدنا موسى -عليه السلام- في سورة الأعراف ما يأتي: دعا سيدنا موسى في الميقات أن يرى الله -سبحانه-، فقال: (قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ)، فردّ الله -عز وجل-: (قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا)، ثمّ دعا الله بالتوبة بسبب ما طلبه: (فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) .

 (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)، و(رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ* وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ).


 

مقالات مشابهة

  • الإفتاء: حماية المال والمحافظة عليه أحد مقاصد الشرع الشريف
  • بالفيديو.. ما حكم رفع الصوت بالذِكر؟
  • أدعية سيدنا موسى عليه السلام.. احرص عليها
  • الزعاق يوضح مراحل ضوء الشمس .. فيديو
  • عالم أزهري: الذكر من أعظم أسباب قوة الجسد (فيديو)
  • عالم أزهري: ذكر الله يرفع منزلتك في السماء
  • مندوب إسرائيل بالأمم المتحدة: الاتفاق مع لبنان سيكون على مراحل وشرطنا انسحاب حزب الله
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • تفاصيل جديدة ومروعة حول الجريمة التي هزت إسطنبول
  • فضل الذكر وأثره في حياة المسلم