ترشيد الاستهلاك ضرورة وليس رفاهية
تاريخ النشر: 27th, June 2024 GMT
بداية حل أى أزمة هو مدى الوعى بها وإدراك أبعادها، لكن فى عالم معقد ومتشابك التداعيات، الجهود الحكومية وحدها لاحتواء أى ازمة لم تعد كافية. هنا لا بد من تضافر الجهود بين جهود الدولة وفاعلية وإيجابية المواطن. وهذه الفاعلية وتلك الإيجابية لن تتأتى إلا من خلال «التوعية المجتمعية»، النموذج الأبرز لما سبق أزمة الكهرباء والطاقة الحالية، ما ترتب عليه اتجاه الحكومة لاتخاذ إجراءات قاسية بتخفيف الأحمال وقطع الكهرباء، لكن قبل أن نحاسب الحكومة التى اعتذرت عما أصاب المواطن المصرى من انزعاج وعمدت إلى اتخاذ تدابير عاجلة بتوجيهات رئاسية لاحتواء الأزمة، علينا أن نبدأ بأنفسنا.
وعى وإدراك الأزمة
الرئيس عبد الفتاح السيسى تحدث مرارا وتكرارا من «إن الهدف من اللقاءات والحديث المباشر للمواطن يتمثل فى التوعية الحقيقية لواقعنا وعدم الخجل من التطرق لمشاكلنا»، هنا بيت الداء، وهذه هى معركتنا الفعلية؛ ليس فقط ما بعد يناير 2011، لكن منذ الخمسينيات، إشكاليتنا الرئيسية تدور حول هذا التساؤل: ما هى مُدْرِكَاتُنَا وَقَنَاعَاتُنَا كمجتمع مصرى بمختلف فئاته تجاه قضايا مجتمعنا؟!، تجاه قضايا؛ التعليم، سوق العمل والتشغيل، الصحة، والصحة الإنجابية، الختان وزواج القاصرات. وقبل ذلك كله عاداتنا الاستهلاكية فى ضوء مواردنا المحدودة.
الحكومة بدأت خطة لترشيد وضغط الاستهلاك فى ضوء الأزمة الحالية، فهل يملك المواطن الحد الأدنى من الوعى بالأزمة؟
هناك فارق ما بين المعرفة بالأزمات والشعور بها، وبين الوعى والإدراك بأبعادها وتداعياتها، ومن ثم كيفية التعامل معها، وهو ما ينعكس بوضوح فى قراراتنا الاستهلاكية كمواطنين. نحن نعانى على المستوى الشعبى مما يطلق عليه عدم الوعى الاقتصادى أو «أمية الأزمة»، عاداتنا الاستهلاكية ونمط استهلاكنا هو ذات النمط فى الكهرباء، مياه الشرب، المواد الغذائية وغيرها، نمط ثابت لا يختلف فى أوقات الأزمة عن أوقات الرخاء أو الأوقات الاعتيادية، نمط مسرف وغير رشيد، والكهرباء ومياه الشرب خير دليل.
فى هذا السياق يشير الأستاذ فى جامعة مينيسوتا، مارك بيرجن، فى كلية كارلسون للإدارة، إلى أن «المستهلكين فى حاجة إلى بناء المعرفة – من خلال زيادة محو الأمية بشأن التضخم – حول عواقب التضخم لتحديد كيفية رد فعلهم عندما ترتفع الأسعار. قد يعنى ذلك الدفع نقدًا الآن بدلاً من التمويل، أو التفاوض على المرونة من خلال شروط الدفع، أو إضافة 10-20٪ أخرى فى ميزانية البقالة كل شهر، أو الاحتفاظ بمزيد من السلع والأصول المادية التى تحمل قيمتها أثناء التضخم».
المبدأ الرئيسى فى حماية المستهلكين يقوم على ضمان حصولهم على المعرفة التى يحتاجونها لاتخاذ قرارات رشيدة تمامًا، بداية حل أى أزمة هو الاعتراف بوجود الأزمة، وهو ما أقرته الحكومة ولم تنكره، بل واعتذرت عنه. وثانيا؛ دورى كمواطن إيجابى فى المشاركة فى علاج تلك الأزمة، وكما قال السيد الرئيس «هى دى بلادنا» نعم هى بلادنا وسنشرع فى تغييرها وتحويل هذا الواقع المؤلم كما تغير فى عديد المواقع التى كنا نظن أنها ستظل هكذا حتى قيام الساعة -العشوائيات نموذجاً- لكن قبل ذلك علينا السعى والعمل على تغيير تلك المدركات والقناعات السلبية الراسخة تجاه مختلف القضايا المجتمعية، وهذا هو بداية الطريق.
هنا يجب على مستوى المواطن أن يقر هو الآخر بوجود أزمة تتمثل فى محدودية الموارد، تستدعى تضامنه، ومشاركته بسلوك إيجابى، تتطلب بذل جهود جماعية فى إدارة موارد الطاقة المحدودة. مع استمرار نمو السكان فى مصر، يتزايد الطلب على موارد الطاقة. والمعدل الحالى لاستهلاك موارد الطاقة غير المتجددة غير مستدام، ومن الضرورى أن نتخذ إجراءات جماعية لإدارة هذه الموارد بشكل فعال. ولا سبيل غير الرشد والترشيد.
المجتمع المدنى وترسيخ ثقافة الترشيد
عندما ظهر مفهوم المجتمع المدنى فى القرن السابع عشر، وفى إطار المنظومة الفكرية الحديثة، كان يرادف مفهوم الدولة باعتباره «آلة اصطناعية، ساعة كبيرة تتجه نحو ضبط سلوك الأفراد وحماية أمنهم وسلامتهم وما يملكون» حسب تعبير هوبز. السياسة الحديثة هى سياسة مدنية. ومن هذه السياسة المدنية ــ عكس الدينية والعرفية ــ تتطور جميع المفاهيم الحديثة الأخرى مثل: المواطنية والديمقراطية والدولة القانونية.
لذلك؛ فى الديمقراطيات الحديثة لم يعد المجتمع المدنى والأهلى مؤسسات للعمل الخيرى فقط؛ هناك اعتراف متزايد بين العديد من الحكومات بأن العلاقة بين المنظمات غير الحكومية والحكومات أصبحت أكثر أهمية، خاصة فى المجالات غير التقليدية التى لا تتمحور بشكل رئيسى حول الدولة والأجهزة الحكومية. من أبرز تلك المجالات تعزيز القدرات، ودعم الوعى والمدركات. بناء المواطنة النشطة، وتحفيز المشاركة المدنية على المستوى المحلى.
ديناميكية الحركة لمنظمات المجتمع المدنى جعلت له فاعلية كبيرة أيضاً فيما يتعلق بنشر الوعى، دعم وتصحيح المدركات من خلال الفعاليات المركزية والقاعدية المحلية التى ينظمها المجتمع المدنى. وما أشد احتياجنا لهذا الدور فى سياق معركة الوعى وخلخلة ثوابت الهوية الوطنية المصرية، وهى أبرز مهددات الأمن القومى المصرى منذ انطلاق ما أطلق عليه «الربيع العربى»؛ حيث واجهنا أكبر محاولة لتزييف الوعى العربى والمصرى، من خلال محاولات التشويش والتأثير، والتحكم فى وعى الشعوب على النحو الذى يخالف توجهات وأهداف الدولة الوطنية.
حياة كريمة والكيانات الشبابية والتحالف الوطنى يقودون حملة الوعى الوطنية
انطلاقا مما سبق؛ بدأت ديناميات المجتمع المدنى الجديد فى مصر وقواه المحركة، البدء فى زرع وترسيخ ثقافة ترشيد الاستهلاك، ورفع مستوى وعى المواطن بأهميته وفوائده خاصة فى ضوء أزمة يعانى منها العالم بأكمله، لكنها قد تكون أشد وطأة على المواطن المصرى فى ضوء الواقع والضغوط الاقتصادية الحالية، وهو ما يتطلب تعامل ووعى مختلف من المواطن قبل الحكومة.
الدول المجاورة، ومع بداية فصل الصيف ورغم الوفورات المالية لديها، تطلق كل عام حملات سنوية للتوعية بأهمية ترشيد المواطن لاستهلاكه من الطاقة بمختلف صورها، ومن مياه الشرب، وغيرها من المواد الاستهلاكية، فمن باب أولى فى ظروفنا الحالية أن يكون هناك اهتمام مضاعف بتلك الحملات لتوعية المواطن. هنا أجد دور المجتمع المدنى والأهلى هو الأكثر فاعلية فى رفع مستوى الوعى والمدركات لدى المواطن تجاه التحديات الآنية.
«حياة كريمة» ومعها الكيانات الشبابية، تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، والتحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى كانوا عند الموعد، تم إطلاق الحملة الأكبر للتوعية وترشيد استهلاك الطاقة ودعم البيئة تحت شعار «استهلاك أقل.. تأثير كبير». مستهدفة رفع مستوى الوعى بأهمية ترشيد الطاقة وتأثيرها الإيجابى على البيئة والمجتمع وتحفيز المواطنين والمؤسسات على تبنى سلوكيات ترشيد الاستهلاك. لتنتفض مصر وعيا بأهمية ترشيد الاستهلاك من الكهرباء والمياه والطاقة، وحتى ينتبه المواطن العادى لواقع أزمة تتطلب منه استهلاك احتياجاته الفعلية فقط دون إهدار أو إسراف.
أبرز ما لفت فى البيان الصحفى للحملة هو الإشارة للمسئولية المشتركة بين الجميع، حتى أشار البيان إلى «أن ترشيد الطاقة هو مسئولية مشتركة بين جميع أفراد المجتمع، وأن لكل فرد دوراً هاماً فى حماية البيئة، وتأمين مستقبل أفضل لأجيالنا القادمة». الاستجابة المباشرة لتلك الحملة تمثلت فى إعلان واحدة من كبرى المؤسسات الصناعية العاملة فى مجال الأسمدة كثيفة الاستهلاك للغاز الطبيعى والطاقة الإعلان عن البدء فى إحلال التشغيل بالهيدروجين محل الغاز وتركيب محطات طاقة شمسية فى الشركة بقدرة إجمالية 2.5 ميجاوات، وذلك لتقليل استهلاك الكهرباء من الشبكة، أو مولدات الكهرباء الداخلية. ومن قبلها أعلنت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية عن ترشيد استهلاك الكهرباء فى جميع مقراتها الإعلامية واستوديوهاتها، وذلك إيماناً بدورها الوطنى فى المساهمة بجزء بسيط فى تجاوز أى تحديات تواجه الدولة المصرية، وانطلاقاً من ثوابتها فى دعم الدولة المصرية ضد كافة التحديات، وهى استجابات محمودة ومشكورة، وننتظر أن ينضم للحملة عديد المؤسسات والجهات، لو حتى بالمشاركة والدعم فى عملية التوعية، كالأحزاب السياسية، والأندية الرياضية، والمؤسسات الدينية لأنها معركة للجميع ولصالح الجميع.
الكلمات والشعارات التالية لم تعد من باب الشعارات المجازية، أو الطنطنة النظرية الإعلامية، بل هى ضرورة ملحة، يجب أن تكون فى عقل ووجدان وإدراك كل مواطن مصرى محب لوطنه (ترشيد الاستهلاك ضرورة مش رفاهية - ترشيد الاستهلاك.. مصلحتك أولا - لمستقبل أولادنا لازم نرشد استهلاكنا - الترشيد ليس تقتيرا؛ الترشيد وعى وسلوك، استهلك احتياجاتك الفعلية من المياه والكهرباء والبنزين والسولار والمواد الغذائية، علشان غيرك يلاقى - ابدأ بنفسك وخليك إيجابى).
حفظ الله مصر والوطن، ووقانا الله شر الأزمات والفتن.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: ترشيد الاستهلاك وليس رفاهية د وليد عتلم الجهود الحكومية ترشید الاستهلاک المجتمع المدنى من خلال فى ضوء
إقرأ أيضاً:
نمو الطلب على الذكاء الاصطناعي يهدد إمدادات الكهرباء في أميركا الشمالية
حذرت هيئة رقابية من أن شبكة الكهرباء في أميركا الشمالية تواجه "تحديات تشغيلية خطيرة" بسبب الطلب المتزايد على الذكاء الاصطناعي والتحول نحو الطاقات البديلة.
وفي تقرير نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" قال الكاتب مايلز ماكورميك إن "مؤسسة موثوقية الكهرباء في أميركا الشمالية" وجدت أن الارتفاع المتوقع في استهلاك الكهرباء خلال العقد المقبل، إلى جانب إغلاق محطات الطاقة التي تعمل بالفحم سيضيف ضغطا هائلا على شبكات الكهرباء في الولايات المتحدة وكندا.
ووفقا لهذه الهيئة الرقابية غير الربحية التي تشرف عليها لجنة تنظيم الطاقة الفدرالية، قد يؤدي العجز المنتظر في تلبية الاحتياجات المتزايدة إلى انقطاع التيار الكهربائي خلال فترات الذروة في البلدين، ومن المتوقع أن تتفاقم الأزمة بسبب التأخير في الاعتماد على مولدات الطاقة الشمسية والبطاريات والموارد الهجينة ضمن شبكات توليد الكهرباء.
ووفقا لتقرير تقييم الموثوقية طويل الأجل لعام 2024، قد تواجه بعض المناطق في الولايات المتحدة عجزا في إمدادات الكهرباء خلال العام المقبل.
وفي هذا السياق، يقول مدير تقييم الموثوقية في المؤسسة جون مورا "نحن نشهد تحولا جذريا، نلاحظ أن هناك نموا في الطلب لم نشهده منذ عقود، والوتيرة في تسارع".
إعلانوحسب الكاتب، فإن هذا التقرير يعد أحدث تحذير من أن احتياجات الذكاء الاصطناعي المتزايدة للطاقة تهدد بإغراق شبكة الكهرباء الهشة فعليا، تزامنا مع التحديات التي تواجهها الصناعة لمواكبة التحول في مجال الطاقة.
نمو هائل ومخاوف جديةوقد خلصت مؤسسة موثوقية الكهرباء في أميركا الشمالية إلى أن الطلب على الكهرباء نما بسرعة أكبر من أي وقت مضى في العقدين الماضيين، في ظل التطور السريع لمراكز البيانات الخاصة بتشغيل الذكاء الاصطناعي وتعدين العملات المشفرة، وإقبال المستهلكين على شراء المركبات الكهربائية ومضخات الحرارة.
وحسب المؤسسة، فإن الطلب سيزداد خلال العقد المقبل في أوقات الذروة خلال فصل الصيف بمقدار 132 غيغاواتا، أي بنسبة 15%، وهي زيادة أكبر بكثير من التوقعات التي كانت تشير العام الماضي إلى ارتفاع قدره 80 غيغاواتا، كما سيزداد الطلب في أوقات الذروة خلال الشتاء بمقدار 149 غيغاواتا، أي بنسبة 18% مقارنة بـ92 غيغاواتا حسب التوقعات السابقة.
من جانبها، تقدر الوكالة الدولية للطاقة أن الطلب العالمي على الكهرباء من مراكز البيانات وحدها قد يتجاوز ألف تيراواط/ ساعة بحلول عام 2026، وهو ضعف مستويات عام 2022 وما يعادل إجمالي احتياجات ألمانيا من الكهرباء.
وذكر الكاتب أن شركات التكنولوجيا الكبرى تسعى حاليا إلى إيجاد طرق بديلة لتلبية توقعات الطلب الهائلة، معلنة عن مجموعة من الصفقات الجديدة في مجال توليد الطاقة النووية.
لكن مؤسسة الموثوقية أوضحت أن زيادة الطلب سوف تتزامن مع تقلص حجم توليد الطاقة من الوقود الأحفوري، إذ من المقرر إغلاق ما يصل إلى 115 غيغاواتا من القدرة التشغيلية في السنوات العشر المقبلة.
وحذرت المؤسسة من أن العجز قد يؤدي إلى انخفاض احتياطي الإمدادات إلى ما دون المستويات المطلوبة في معظم الولايات خلال العقد المقبل، وقد يواجه مشغّل نظام "ميدكونتيننت" المسؤول عن شبكة الكهرباء في وسط غرب الولايات المتحدة عجزا محتملا في وقت مبكر من العام المقبل.
إعلانوقالت المؤسسة "يواجه معظم نظام الطاقة في أميركا الشمالية تحديات متزايدة لتأمين الموارد خلال السنوات العشر المقبلة مع استمرار نمو الطلب والإعلان عن إغلاق عدد من مولدات الطاقة الحرارية".