الشيخ ياسر مدين يكتب: كيف وصلتنا السُّنة؟ (8)
تاريخ النشر: 27th, June 2024 GMT
سبقت الإشارة إلى أن الصحابة كتبوا سُنّة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته الشريفة بإذنه وتحت سمعه وبصره.وقد اتبعوا في كتابتهم هذه طريقين، فبعض هذه الكتابات كان صحفًا [كُتُبًا] يسجل فيها الصحابة ما سمعوه من أحاديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعض هذه الكتابات كان مصنفات؛ أي: كُتبًا يتضمن كل منها أحاديث موضوع معين من الموضوعات.
وقد عقد الصحابة رضوان الله عليهم مجالس للعلم كان يحضرها التلاميذ من مختلف البلدان والأقطار، وكانوا في هذه المجالس يحدثون تلاميذهم بهذه الكتب التي سجلوا فيها السنة تسجيلًا عامًّا أو تصنيفًا خاصًّا.
وقد أُخذت هذه الكتب عنهم وقُرئت عليهم وحُملت إلى الآفاق، فكان طلاب العلم ينسخون الكتاب ثم يأتون الصحابي ليحدثهم به ويصححوا نُسخهم وَفْق ما يحدثهم به.
وقد ظهرت في هذا الوقت قضية علمية دقيقة تتصل بهيئات وطرائق أخذ العلم عن العالم، وكانت هذه القضية هي: هل تستوي القراءة على العالم بالسماع منه؟
أي: إذا ذهب التلميذ للعالم بالكتاب الذي نسخه من كتبه، وقرأ التلميذ عليه والعالم يسمع منه ويُعدّل له ما أخطأ فيه، هل هذا أفضل أم أن يقرأ العالم والتلميذ يسمع ويُصوّب؟
وقد سُئلَ سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن هذه المسألة، فأجاب رضي الله عنه وأرضاه بأن القراءة على العالم بمنزلة السماع منه.
وكان هذا أيضًا رأي سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وخاصة أنه فقد بصره في أُخريات حياته، وقد قال لأناس من أهل الطائف جاءوه ومعهم كُتب من كتبه ليسمعوها منه: مَن كان عنده عِلم من علمي، أو كُتب من كتبي فلْيقرأْ عليَّ، فإن إقراري له به كقراءتي عليه.
أي: إذا قرأتم عليَّ فأقررتُ ما قرأتمواه [أي: لم أعترض عليه] كان هذا بمثابة قراءتي عليكم وأنتم تسمعون.. فقرأوا عليه.
وهذه الأخبار تدل دلالة جلية على نشاط الحركة العلمية وتقدمها، وانطباعها بطابع من الدقة يناسب مادتها العلمية وقداستها، فها هي الكتب تنسخ وتسافر إلى شتى بقاع الأرض، فيأتي بها التلاميذ الذين نسخوها ليتلقوها على صاحبها الذي دَوَّنها حتى يسمعوها منه؛ لضمان السلامة من أي تصحيف أو تحريف.
ونشأ عن هذا ما سمَّاه علماء الحديث فيما بعد بـ«طرق التحمُّل وصيغ الأداء»، وصار علماء الحديث بعد ذلك يخصصون كل طريقة من طرائق أخذ الرواية عن الشيخ بصيغة من صيغ الأداء [التحديث] تُميزها عن غيرها، فإذا سمع التلميذ من لفظ شيخه قال في الرواية: سمعت، أو: حدثني.
أما إذا قرأ هو والشيخ يسمع فيقول التلميذ حين يروي: أخبرني.
ومما ينبغي أن يُلحظ أيضًا في هذا المقام أنه كان بوسع أولئك التلاميذ أن يسمعوا هذه الكتب على علماء بلدانهم الذين سبقوهم وقرءوا هذه الكتب على الصحابة وعادوا بها إلى أوطانهم، ولكنهم لم يكتفوا بهذا، بل طلبوا العِلم على صاحبه الأصلي.
وفي هذا زيادة توثيق للعلم، كما أن فيه شَرَفًا لزيادة القرب من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن أخذ العلم عن صحابي فسيكون بينه وبين سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم شخص واحد، أما إذا أخذ العلم عن تلميذ الصحابي فسوف يكون بينه وبين سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم شخصان، وهذا ما عُرِفَ عند علماء الحديثِ فيما بعدُ بعلو السند.
ومن هنا نجد أن تلامذة الصحابة كتبوا عنهم الكتب، فكتب همام بن مُنبِّه (ت 131هـ) الأحاديث التي سمعها من سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه (ت 59هـ) في كتاب وصلنا بعنوان «صحيفة همام بن منبه».
وكان لنافع مولى سيدنا عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما كتاب سجل فيه ما سمعه من عبد الله بن عمر من أحاديث، وجدير بالذكر أن سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قد أرسل نافعًا لمصر ليعلم أهلها السنن، ومن هنا وصل أهل مصر أحاديث هذا الكتاب.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: السنة النبوية المطهرة الصحابة الكرام سیدنا رسول الله صلى الله علیه وسلم رضی الله عنه هذه الکتب
إقرأ أيضاً:
الشيخ نعيم قاسم: لا استسلام في قاموس حزب الله… والتصعيد لن يُقابل بالصمت إلى ما لا نهاية
يمانيون |
شدّد الأمين العام لحزب الله اللبناني، الشيخ نعيم قاسم، على أن خيار الاستسلام لدى حزب الله “غير وارد على الإطلاق”، مؤكداً أن الحزب “لا يمكن أن يبقى صابراً إلى ما لا نهاية”، في ظل استمرار العدوان الصهيوني وتصاعد الضغوط الأمريكية.
وفي مقابلة خاصة مع قناة الميادين، كشف الشيخ نعيم قاسم تفاصيل جديدة عن موقف حزب الله من معركة “طوفان الأقصى”، وتطوّرات التصعيد مع العدو في الجنوب اللبناني، مشيراً إلى أن الحزب اتخذ خطوات مدروسة في إطار “معركة الإسناد” وليس الحرب الشاملة، لتفادي نتائج قد تكون كارثية على لبنان في ظل المعطيات الحالية.
وقال: “سنواجه عندما يكون هناك قرار لدينا بالمواجهة. لدينا خياران لا ثالث لهما: النصر أو الشهادة. ولا يوجد لدى حزب الله شيء اسمه الاستسلام، فهذا الأمر غير وارد.”
طوفان الأقصى .. قرار حماس ومفاجأة كبرى
واعتبر الشيخ نعيم قاسم أن عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023م كانت “حدثاً عظيماً ومؤثراً غيّر المنطقة”، مؤكداً أن قيادة حزب الله لم تكن على علم مسبق بالعملية، وأن السيد حسن نصر الله اطّلع عليها بعد نصف ساعة فقط من انطلاقها.
وأوضح أن قيادة حزب الله اجتمعت بعد ذلك، وقررت دخول معركة إسناد لغزة بدلاً من فتح جبهة شاملة، مشيراً إلى أن الحرب الشاملة كانت ستجر لبنان إلى دمار واسع وتدخل أمريكي مباشر، من دون ضمان تحقيق أي من الأهداف المرجوة.
وأشار إلى أن قرار قصف مزارع شبعا في اليوم التالي للطوفان جاء كموقف رمزي على أساس أنها أرض لبنانية محتلة، فيما خُططت معركة الإسناد لتخفيف الضغط على غزة، مع الحفاظ على توازنات الوضع الداخلي اللبناني.
وحدة الساحات… من الفكرة إلى الواقع
وحول مفهوم “وحدة الساحات”، أوضح قاسم أن الفكرة كانت مطروحة سابقاً، لكنها لم تكن منظمة بشكل كامل، إلا أن معركة “طوفان الأقصى” فرضت تنسيقاً عملياً بين الساحات المقاومة تحت عنوان الأهداف المشتركة، حيث عملت كل ساحة وفق قدراتها وتقديراتها الخاصة.
اختراقات أمنية في ملف البيجر والتنصت الواسع
وفي أخطر ما كشفه، تحدث قاسم عن تفجيرات البيجر التي استهدفت حزب الله، مؤكداً أن الاحتلال الصهيوني تمكن من اختراق عمليات شراء أجهزة البيجر المفخخة، ما أدى إلى وصول معلومات تفصيلية عن التركيبة والمواد المتفجرة.
وأوضح أن هذه الضربة كشفت مستوى خطيرًا من التنصت والتجسس الصهيوني واسع النطاق، الذي تجاوز التوقعات.
وأكد أن العدو الصهيوني تمكن من الوصول إلى معلومات هائلة عبر المسيرات وشبكة الاتصالات والتنصت الإلكتروني، في ظل وجود ثغرات لم تكن مكشوفة بالكامل لدى الحزب.
ومع ذلك، أشار إلى أن التحقيقات لم تكشف عن اختراق بشري مباشر للدوائر القيادية.
كما كشف أن هناك شحنة ضخمة تضم 1500 بيجر مفخخ كانت في طريقها إلى تركيا، وتم إيقافها بناءً على طلب مباشر من حزب الله إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بالتواصل مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي استجاب للطلب وصادر الشحنة.
استشهاد السيد نصر الله.. صدمة وخط مستمر
وتحدث الشيخ نعيم قاسم بحزن بالغ عن استشهاد السيد حسن نصر الله، الأمين العام السابق لحزب الله، واصفاً رحيله بأنه “لم يكن متوقعاً حتى داخل الحزب”، وأنهم كانوا يتصورون أن سماحته سيكون آخر من يغادر، لما كان يتمتع به من “شجاعة وتسديد إلهي وقيادة لا تُعوّض”.
وقال: “لا نبكي لأنه غادر، بل لأنه لا يعوّض، لقد رسم لنا خطاً واضحاً. وشهادته ليست نهاية، بل وقود يغذي استمرار المسيرة.”
وأشار إلى أن خروجه الإعلامي في 30 سبتمبر 2023، بعد ثلاثة أيام فقط من استشهاد السيد نصر الله، كان ضرورة حتمية لطمأنة القاعدة الشعبية، وقد تم في ظروف أمنية صعبة، قائلاً:
“سجلنا الكلمة من غرفة صغيرة بلا تكييف، مساحتها ثلاثة أمتار بثلاثة أمتار، وكانت تلك أقصى الإمكانات المتاحة حينها.”
العدوان على الضاحية.. رسالة صهيونية أمريكية مشتركة
وفي ما يتصل بالتصعيد الأخير على لبنان، أكد الشيخ قاسم أن الغارات الصهيونية على تسعة مبانٍ في الضاحية الجنوبية لم تكن سوى حلقة في سلسلة ضغط أمريكي واضح عبر أدوات “إسرائيل”، موضحاً أن المشروع الأمريكي بات يقوم على أخذ ما عجزت عنه الحرب، عبر الابتزاز السياسي والضغط العسكري.
وقال: “إذا كان العدو يظن أن بمقدوره تركيعنا بالضغط والخنق والتهديد، فهو واهم. نحن لن نبقى صابرين إلى ما لا نهاية، والقرار بالمواجهة ليس بعيداً إذا لزم الأمر.”