دعونا نضع حداً لحرب الضعفاء هذه: الجزء الثاني

إبراهيم أحمد البدوي

بسم الله الرحمن الرحيم

“يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ” البقرة: 269).

تحدثنا في الجزء الأول من هذا المقال عن أهمية أن يتواكب مع الجهد التعبوي والسياسي لإيقاف الحرب وبناء السلام المستدام مساهمات فكرية عميقة، تتناول ثلاث مراحل هامة في المشروع الوطني السوداني: أولاً ، بناء سردية وطنية جامعة عن المخاطر الوجودية لهذه الحرب؛ ثانياً، قضايا بناء واستدامة السلام والاستحقاقات المترتبة على القوى الوطنية المدنية الديمقراطية من أجل إنجاز هذه الأهداف الوطنية السامية.

ثالثاً، تحديات وآفاق التوافق علي عقد اجتماعي وازن لتحقيق الانتقال المدني، الديمقراطي وتأسيس شرعية سياسية-اقتصادية مزدوجة لبناء ديمقراطية برامجية تتعدى التنافس الانتخابي إلى إنجاز تحو لات اقتصادية نهضوية تعالج جذور أزمة التخلف والشمولية والنزاعات التي أقعدت بالمشروع الوطني السوداني.

في هذا الجزء الثاني من المقال نستدعي الدروس والعِبَر من مظانِ تراثنا العربي الثر عن كوارث الحروب الأهلية، لما لهذه العِبَر والدروس من دلالات عظيمة لحالنا ومآلنا في ظل هذه الحرب المأساوية.

لقد أصاب أديبنا العالمي الكبير، الراحل المقيم، الطيب صالح في إحدى مقالات سِفره الفخيم، “مختارات”، والتي تحدث فيها عن الحروب الأهلية وما ألحقته ببلده السودان وأيضاً لبنان التي عاصر حربها عندما كان يعمل في قسم الشرق الأوسط في الإذاعة البريطانية، لقد أصاب أستاذ الطيب حين قطع بأنه لم يجد توصيفاً لمآسي الحروب الأهلية أكثر بلاغة وتعبيراً عما جادت به قريحة الشاعر الجاهلي الفحل زهير بن أبى سلمى في معلقته الشهيرة عن حرب داحس والغبراء، منذ ما يقارب خمسة عشر قرناً من الزمان:

وَمَا الحَـرْبُ إِلاَّ مَا عَلِمْتُمْ وَذُقْتُـمُ وَمَا هُـوَ عَنْهَا بِالحَـدِيثِ المُرَجَّـمِ

مَتَـى تَبْعَـثُوهَا تَبْعَـثُوهَا ذَمِيْمَـةً وَتَضْـرَ إِذَا ضَرَّيْتُمُـوهَا فَتَضْـرَمِ

فَتَعْـرُكُكُمْ عَرْكَ الرَّحَى بِثِفَالِهَـا وَتَلْقَـحْ كِشَـافاً ثُمَّ تُنْتَجْ فَتُتْئِـمِ

فَتُنْتِـجْ لَكُمْ غِلْمَانَ أَشْأَمَ كُلُّهُـمْ كَأَحْمَـرِ عَاد ثُمَّ تُرْضِـعْ فَتَفْطِمِ

فَتُغْـلِلْ لَكُمْ مَا لاَ تُغِـلُّ لأَهْلِهَـا قُـرَىً بِالْعِـرَاقِ مِنْ قَفِيْز وَدِرْهَـمِ

يعتبر زهير عند بعض النقاد القدماء ثالث الفحول من الشعراء في الجاهلية وهم إمرؤ القيس، وزهير والنابغة الذبياني. بل إن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، اعتبره خير الشعراء في الجاهلية على الإطلاق لأنه شاعر الحكمة، وهذه لعمرى شهادة لا تدانيها شهادة.

يقول شاعرنا الحكيم إن الحرب وويلاتها لا تحتاج لترجمان، فهي واضحة لكم وقد خبرتموها، حيث أنها من فعلكم ومتى أشعلتموها تأتيكم ذميمة، تعرككم كما تعرك “الثِفال” ذرات العيش في الرحى الصخرية. هذه الحرب تلد المصائب كالناقة “الكشوف” التي تلد التوائم كل عام، نكاية عن كثرة وتطاول المصائب الى تأتى بها. هذه الحرب ستنتج لكم غلمان شؤم، وأشأم هو الشؤم بعينه ،كلهم مثل أحمر عاد (قدار بن سالف) الذي عقر الناقة، وعاد هنا تعنى ثمود قوم سيدنا صالح) لأن ثمود يقال لها عاداً الآخرة ويقال لقوم هود عاداً الأولى، ودليل قوله تعالى “وَأَنَّهُٓ أَهۡلَكَ عَاداً الأولى”، النجم: 50). ثم يتطاول أمر هذه الحروب، كما قطع الشاعر وتؤيد ذلك أدبيات الحروب الأهلية الحديثة، حتى تكون بمنزلة من تلد وترضِع وتُفطِم، وغِلة هذه الحرب ليس ما تسرون به مثل ما يأتي أهل العراق من الطعام والدراهم، ولكن غِلتها ما تكرهون من الموت والدماء.

بروفيسور إبراهيم أحمد البدوى عبد الساتر

وزير المالية والتخطيط الاقتصادي السابق

ibrahim.abdelsatir@gmail.com

دعونا نضع حداً لحرب الضعفاء هذه: الجزء الأول

الوسومإيقاف الحرب الجهد التعبوي والسياسي السودان الطيب صالح المشروع الوطني السوداني وزير المالية السابق إبراهيم البدوي

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: إيقاف الحرب السودان الطيب صالح الحروب الأهلیة هذه الحرب

إقرأ أيضاً:

نائب رئيس المؤتمر الشعبي أحمد علي عبدالله صالح يوجه كلمة لأبناء الشعب اليمني بمناسبة الذكرى السابعة لثورة الثاني من ديسمبر (النص)

وجَّه نائب رئيس المؤتمر الشعبي العام أحمد علي عبدالله صالح كلمةً بمناسبة الذكرى السابعة لثورة الثاني من ديسمبر.. فيما يلي نصها:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله رب العالمين، والصلاةُ والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد الصادق الأمين..
الإخوة والأخوات: يا أبناء شعبنا اليمني الكريم أينما كنتم في الداخل والخارج
الإخوة والأخوات قيادات وأعضاء المؤتمر الشعبي العام وحلفاءه وأنصاره
سلام من الله عليكم ورحمته وبركاته

في مثل هذا اليوم الثاني من ديسمبر عام 2017 بدأت كتابةُ فصولِ ملحمةٍ وطنيةٍ وإشراقةِ فجرٍ جديدٍ في التاريخ اليمني المعاصر... وهو اليوم الذي رسم فيه الرئيس الشهيد علي عبد الله صالح، ورفيق دربه الأمين عارف عوض الزوكا، ورفاقهما الأبطال انطلاق شرارة ثورة ضد الكهنوت والاستبداد، عُمِّدت بدمائهم الزكية ليكون يومُ استشهادهم في الرابع من ديسمبر نقطةً مضيئةً في سِفر النضال والتضحيات الوطنية، ورسموا في هذا اليوم قصة ملهِمة ستظل تتذكرها الأجيال، مقترنة بالدفاع عن مبادئ الثورة والجمهورية والحرية والكرامة، ومن أجل الانتصار للشعب والوطن... وفي هذه المناسبة نسأل الله العلي القدير أن يتغمد روحيهما وكل الشهداء بواسع رحمته وغفرانه ويسكنهم فسيح جناته مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين أنه سميع مجيب.

الإخوة والأخوات..
بدايةً نود أن نؤكد أنَّ دم الشهيد الزعيم وكل الأبطال الذين استشهدوا في هذا اليوم الحزين أمر لا يعني أسرهم فحسب، بل يعني الشعب اليمني كله، لأن الشهيد الزعيم ورفاقه استشهدوا وهم يدافعون ببسالة وشجاعة عن المبادئ الوطنية التي آمنوا بها، وعن حق الشعب في العيش بحرية وكرامة، ورفضاً لكل أشكال الطائفية والعنصرية والسلالية والتسلط بكل أشكاله وألوانه، دفاعاً عن الثورة والجمهورية والحرية والكرامة، وكانوا يدركون يقيناً ما هو الثمن الذي سيدفعونه وهم يخوضون معركة غير متكافئة ويذودون عن أنفسهم وشرفهم وكرامتهم، وعن حق الشعب في التحرر والعيش الكريم، وستظل تلك الملحمة البطولية التي خاضوها قصة تُروى للأجيال، وهي ملهمة لكل من يضحي في سبيل وطنه وشعبه، وقطعاً فإنَّ الحق لا يسقط بالتقادُم، ولكن لكل حين مقال ومقام، ودماء الشهيد علي عبدالله صالح ورفاقه هي امتداد لدماء كل شهداء الوطن الذين ضحوا في سبيله، ولم يتوانوا في تقديم أرواحهم فداءً في سبيل غايات وطنية عظيمة، ولكن أولويتنا الآن هي إنقاذ الوطن من الحال الذي وصل إليه، وإنقاذ الشعب من الغمَّة التي يعيشها، وإنقاذ الأجيال من مستقبل مظلم ينتظرهم إذا استمر الحال على ما هو عليه.

إخواني وأخواتي.. 
إن أكثر ما عانته شعوبنا العربية هو من تسلط تلك المليشيات المسلحة التي يتم تبنيها ودعمها من أجل إسقاط الأنظمة ونشر الفوضى وإثارة الفتن والبغضاء والأحقاد في أوساط الشعوب والدفع بالأمور إلى منزلقات خطرة ومدمرة تعاني منها الأوطان وتدفع بها نحو المهالك وقد رأينا أكثر من مثال على ذلك وفي أكثر من مكان.. فالميلشيات أياً كانت الشعارات أو اللافتات التي ترفعها إنما هي تخدم تلك الجهات التي أوجدتها وتلك الأجندة والمشاريع التي وجدت من أجلها، وهي تأتى على حساب الدولة ومؤسساتها وعلى حساب الأمن والاستقرار وتتعارض، حتماً، مع المصالح الوطنية ومع مفاهيم السيادة والاستقلال الوطني، ولا يأتي منها سوى الفوضى والخراب. وهذا ما عمل الزعيم الشهيد دوماً من أجل التحذير منه والتوعية بمخاطره ودفع ثمناً غالياً في سبيل قناعته.

ولهذا نمدُّ اليدَ للجميع للعمل معاً، من أجل تحقيق الاصطفاف الوطني لتحقيق الغايات العظيمة، المتمثلة في إنقاذ الوطن واستعادة الدولة وإيجاد جيشٍ وطنيٍ واحدٍ يعمل تحت رايةٍ وطنيةٍ واحدةٍ هدفها مصلحة الوطن وأمنه واستقراره، فلم يعد شعبنا يتحملُ المزيد من الانقسام والمعاناة والمآسي، وعلى القوى الوطنية الخيِّرة أن تتعالى على خلافاتها وتبايناتها، وأن تجعل مصلحة اليمن أولاً. وأن تعمل معاً على درب إنقاذ الوطن والشعب لضمان غدٍ أفضل لليمن وأجياله، ومن أجل أن يعمَّ أرجاءَ اليمن الأمنُ والسلامُ والتقدمُ والازدهار، وأن يعيش وطننا وشعبنا حياة كريمة كسائر شعوب العالم، وهو هدف وحق مشروع لا ينبغي التخلي عنهما تحت أي ظرف كان، وهذه أمانة يجب أن يتحمل مسؤوليتها كل وطني محب لوطنه ومدرك لواجباته، وليكون شعارنا معاً من أجل إنقاذ اليمن.

الإخوة والأخوات..
إنَّ الزعيم الشهيد علي عبد الله صالح لم يكن يوماً مِلْكاً لنفسه أو أسرته، بل كان مِلكاً للشعب، وخلَّف إرثاً عظيماً من المواقف والإنجازات يتذكرها له الشعب الوفيُّ على مدى أكثر من ثلاثة عقود، من تحمُّله مسؤولية قيادة مسيرة الوطن وكرَّس كل جهده من أجل أن ينتصر لكرامة وحرية الشعب وسلامة الوطن، وتوَّجَها بالتضحية بروحه من أجل أن لا يخيب ظن الشعب فيه، وكان من السهل عليه بعد أن ترك السلطة سلمياً، وحقن دماء اليمنيين، أن يعيش خارج الوطن منعَّماً مرفَّهاً، لكنه أبى إلا أن يكون ذلك القائد الوطني الشجاع، وأن يعيش في وطنه وبين شعبه، ورفض كل العروض والإغراءات التي قُدِّمت له، من أجل أن يكون بعيداً عن الوطن وهموم الشعب. هذا هو علي عبدالله صالح، الذي عرفه الشعب اليمني.

لذلك سنظل أوفياء ما حيينا لإرثه ومبادئه ومواقفه، مستلهمين نهجه الوطني ومستفيدين من كل الأخطاء والسلبيات، ومدركين كل متغيرات الواقع وما تقتضيه مصلحة الوطن والشعب، التي هي بوصلتنا وأساس قناعتنا فيما يتوجب عمله من أجل حاضر شعبنا ومستقبل أجياله، ومن أجل يمنٍ حُرٍ مزدهرٍ، ينعم بالأمان والسلام، ويتشارك مع كل أشقائه وأصدقائه كل ما فيه الخير والنماء للجميع.

الإخوة والأخوات.. 
لنجعل من يوم الثاني من ديسمبر محطة للتأمل والانطلاق نحو الأمام، متحررين من كل السلبيات والتعقيدات التي تحاول شدنا إلى الخلف أو تكبيلنا بحسابات أو مشاريع صغيرة عفا عليها الزمن، فنحن أبناء اليوم وأبناء الغد وأبناء هذا الشعب الجسور، الذي صنع لنفسه في غابر الأيام أمجاداً يزهو بها التاريخ، وهو قادر على أن يصنع لنفسه حاضراً ومستقبلاً، تمتد جسوراً مع أمجاده وحضارته، وحان الوقت أن يكون لليمن حضوره ودوره المحوري في محيطه العربي والإسلامي والدولي، وأن يشرق فجره الوضاء في كل الأرجاء، واليمن الذي نتطلع إليه هو يمن التسامح والتعايش... يمن الأمن والأمان والاستقرار... يمن العطاء والتقدم والازدهار... يمن المحبة والخير.

دمتم ودام الوطن حُراً عزيزاً كريماً
المجد والخلود لكل شهداء الوطن
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحمد علي عبد الله صالح – نائب رئيس المؤتمر الشعبي العام

مقالات مشابهة

  • بالفيديو.. الجزء الثاني من «عملية الانتصار لدماء يحيى السنوار»
  • المؤلف إياد صالح أول الحاضرين العرض الخاص لـ فيلم الحريفة 2
  • مياه أسيوط تعقد ورش عمل تدريبية لتنفيذ الجزء الثاني من محاكاة الأيزو
  • نائب رئيس المؤتمر الشعبي أحمد علي عبدالله صالح يوجه كلمة لأبناء الشعب اليمني بمناسبة الذكرى السابعة لثورة الثاني من ديسمبر (النص)
  • الفريق بن عزيز: الثاني من ديسمبر محطة فارقة في مواجهة الإمامة والمشروع الحوثي
  • امعان المليشيات في انتهاكاتها وسياسة التجويع والحوثنة تؤكد صوابية قرار انتفاضة الثاني من ديسمبر
  • جنرال أمريكي متقاعد: المنطقة تحترق.. وتجدد الحرب الأهلية بسوريا وارد
  • تفاصيل الجزء الثاني من مسلسل ديبو لمحمد أنور
  • إليك ما نعرفه عن إطاحة الحروب برئيس وزراء إسرائيلي ووزيرين للجيش
  • شاهد / الشهيد المجاهد صدام حسين حسن العكبري - الجزء الثاني