قالَ اللهُ سبحانه وتعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء: 36].
بدأت الآيةُ الكريمةُ بالأمرِ بعبادَةِ اللهِ سبحانه وتعالى والنهيِ عن الشركِ به، ثم أمرتْ بالإحسانِ إلى الوالدَيْنِ، وذي القربى [الأقارب]، واليتامَى والمساكينِ [المحتاجين]، ثم بعدَ ذلك جاءَ الأمرُ بالإحسانِ للجار، والجارُ نوعَانِ؛ الجارُ ذو القُربى وهو الجارُ الذي تربطُهُ بجارِهِ قَرابةٌ في النَّسَب، والجارُ الجنُبُ وهو الغريبُ الذي ليسَ له صِلةُ نسَبٍ بجارِهِ.
ثم جاءَ بعدَ هذا الأمرُ بالإحسانِ إلى (ابنِ السبيلِ)، والسبيلُ في اللغةِ هو الطريق، وابن السبيلِ هو المسافرُ الذي انقطعَ عن وطنِهِ، وليسَ في يدِهِ من المالِ ما يُوصّلُهُ إلى حيثُ يريدُ، وقد بيَّن السادةُ العلماءُ أنَّه سُمّيَ بـ(ابنِ السبيلِ) لأنه يلازمُ السبيلَ [الطريق] في سفرِهِ.
وابنُ السبيلِ يعاني الغربةَ والوحشةَ وقلةَ مَن ينصرُهُ ويؤازرُهُ، وقد راعَى الشرعُ الشريفُ حالَةَ ابنِ السبيلِ النفسيَّةَ والماديَّةَ، فمن حيثُ الحالةُ النفسيةُ أمرَ بالإحسانِ إليه، والإحسانُ إليهِ يشملُ حسنَ المعاملةِ والمحافظةَ على شعورِهِ، فهو يُعاملُ معاملةَ الضيفِ الكريمِ، وللضيافةِ عندنا في الإسلامِ آدابٌ، منها أنه يُستحبُّ للمُضيفِ أن يُؤنِسَ ضيفَهُ بالحديثِ الطيبِ المناسبِ ولا يطيلُ السكوت عندَه، وأن يلقاهُ بطلاقةِ وجهٍ.
وألَّا يغيبَ عنه، وأن يقومَ على خدمتِهِ بنفسِهِ فهذا من إكرامِه، وأَلَّا يجلسَهُ مع مَن يتأذَّى بالجلوسِ معَهم، وأنْ يَخرجَ معه إلى بابِ الدارِ إذا أرادَ الخروجَ، يقولُ سيدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن كانَ يُؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فَلْيُكرمِ ضيفَهُ» [متفق عليه]. والضيافةُ سُنةٌ نبويةٌ كريمةٌ، ومن العلماءِ مَن صرَّح بأنَّها تصيرُ واجبةً إذا لم يكن مع هذا الغريبِ مالٌ يكفيهِ لسفرِهِ وخشِيَ على نفسِهِ الهلاكَ.
ومن الناحيةِ الماديةِ فإنَّ ابنَ السبيلِ أحدُ مَن تُصرفُ لهم زكاةُ المالِ المفروضةِ على القادرِ مِن المسلمينَ، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60].
وقد اتفقتْ كلمةُ السادةِ الفقهاءِ على أنَّ ابنَ السبيلِ إذا أرادَ الرجوعَ إلى وطنِه ولم يكنْ معه من المالِ ما يُبلغُهُ موطنَهُ فإنَّه يُعطَى من الزكاة بحسَبِ حاجتِهِ، حتى لو كان ابن السبيل غنيًّا في بلده، لكنَّه لما نفَدَ ما معه مِن مالٍ في سفرِهِ، فإنه صارَ مستحقًّا للزكاة بقدرِ ما يُبلغُه وطنَهُ، ولا يحلُّ له ما يزيدُ على ذلك.
وهذا يبين كيفَ يعتني الشرعُ الشريفُ بالمسلمين حين يجعلُهم أسرةً واحدةً، فيعلمُ الغريبُ أنه سيجدُ ممّن يمرُّ به إكرامًا وبذلًا، وأنَّ الله تعالى جعل له حقًّا في مال الأغنياء، وأنه ندبَ للمسلمينَ جميعًا ضيافتَه وإكرامَه، وأنه رقيَ بمشاعرِ المسلمينَ حينَ أمرَهُم أن يتفقدُوا أحوالَ بعضِهم، حتى الغريبَ عنهم.وقد قاسَ بعضُ العلماءِ على ابنِ السبيلِ مَن فقدُوا المأوَى بسببِ سيولٍ أو زلازلَ أو غيرِها من الكوارثِ، فإنهم بِفقدِهم المأوى صاروا في حكمِ ابنِ السبيلِ، وصاروا مستحقين لما استحقَّه.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الفقراء والمساكين
إقرأ أيضاً:
مبادرة خبز السبيل تخصص قناة جديدة لدعم المحتاجين
دبي: «الخليج»
تعاونت مبادرة «خبز السبيل» التي أطلقها مركز محمد بن راشد العالمي لاستشارات الوقف والهبة مع «ديليفرو الإمارات»، للمساهمة في دعم المجتمعات في مختلف أرجاء الدولة. ويمكن للمتعاملين اليوم استخدام ميزة التبرع بأجزاء الدرهم المتبقية على تطبيق «ديليفرو»، لدعم هذه المبادرة النبيلة التي تعمل على توفير الخبز الطازج مجاناً للعائلات المحتاجة.
وتهدف الميزة الجديدة إلى تشجيع متعاملي «ديليفرو» على التبرع بمبالغ قليلة جداً، أو بمبلغ يختارونه وبسهولة كبيرة أثناء دفع قيمة الفاتورة في التطبيق، .
وقالت زينب التميمي، مديرة المركز «نسعى دائماً إلى تمكين مزيد من الأفراد من دعم مبادرة خبز السبيل».
وقالت تغريد عريبي، رئيسة قسم الاتصالات في ديليفرو «نواصل السعي بإحداث تأثير إيجابي في حياة شريحة واسعة من المحتاجين، بتعاوننا مع مبادرة خبز السبيل».