تحذير دولي: السودان يواجه أسوأ مستويات انعدام الأمن الغذائي على الإطلاق
تاريخ النشر: 27th, June 2024 GMT
أطلفت وكالات إنسانية تحذيراً من أن خطر المجاعة يلوح في 14 منطقة في السودان، مما يؤثر على كل من السكان والنازحين واللاجئين.
التغيير: وكالات
أفاد التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي- الذي يشارك في إعداده وكالات إنسانية وشركاؤها- والذي نشر اليوم الخميس، أنه بعد أربعة عشر شهرا من الصراع، يواجه السودان أسوأ مستويات انعدام الأمن الغذائي الحاد المسجلة هناك، حيث من المتوقع أن يواجه أكثر من نصف السكان– أي 25.
وخلال الفترة نفسها، يواجه 755,000 شخص في 10 ولايات، بما فيها ولايات دارفور الكبرى الخمس وكذلك ولايات جنوب وشمال كردفان والنيل الأزرق والجزيرة والخرطوم، مستوى الكارثة أو المجاعة – وهي المرحلة الخامسة من التصنيف. بينما يواجه 8.5 مليون شخص- أي 18 بالمائة من السكان- حالة الطوارئ وهي المرحلة الرابعة من التصنيف.
يشار إلى أن التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي يتكون من خمس مراحل، ومستوى “الأزمة” أو انعدام الأمن الغذائي الحاد هو المرحلة الثالثة من التصنيف. المرحلة الرابعة هي مرحلة الطوارئ أما المرحلة الخامسة فهي مرحلة الكارثة أو المجاعة.
خطر المجاعة يلوح في الأفقوحذر التقرير- بحسب مركز أخبار الأمم المتحدة- من أن خطر المجاعة يلوح في 14 منطقة- مما يؤثر على كل من السكان والنازحين واللاجئين- في دارفور الكبرى وكردفان الكبرى وولايات الجزيرة وبعض النقاط الساخنة في الخرطوم، إذا تصاعد الصراع بشكل أكبر، بما في ذلك من خلال زيادة حشد الميليشيات المحلية الأمر الذي يعرقل التنقل وتقديم المساعدة الإنسانية وأنشطة التسوق وسبل العيش.
وفقا للتقرير، يعد الوضع حرجا بشكل خاص بالنسبة للسكان المحاصرين في المناطق المتضررة من النزاع المباشر و/ أو انعدام الأمن ونقص الحماية، لا سيما في ولايات دارفور الكبرى وكردفان الكبرى والخرطوم والجزيرة.
ومن المحتمل أن يواجه ما لا يقل عن 534,000 من النازحين واللاجئين في المحليات والولايات المتضررة من النزاع والتي تتوفر عنها بيانات – يمثلون حوالي 20 بالمائة من السكان النازحين في السودان – مستويات حرجة أو كارثية من انعدام الأمن الغذائي الحاد (المرحلة 4 أو 5 من التصنيف المتكامل للأمن الغذائي).
وتشير نتائج التقرير إلى تدهور صارخ وسريع في وضع الأمن الغذائي مقارنة بالتحديث السابق للتصنيف المتكامل الذي صدر في ديسمبر2023. حيث زاد عدد الأشخاص الذين يواجهون مستوى “الأزمة” أو أعلى بنسبة 45 بالمائة (من 17.7 مليونا إلى 25.6 مليونا). كما زاد عدد الأشخاص في مرحلة (الطوارئ) بنسبة 74 بالمائة (+3.6 مليون).
أما السكان الذين يواجهون مرحلة الكارثة فقد زاد عددهم من صفر إلى 755,000.
المسببات الرئيسية لانعدام الأمن الغذائيوفقا للتقرير، فإن الصراع وانعدام الأمن والنزوح والصدمات الاقتصادية تعد من المسببات الرئيسية لانعدام الأمن الغذائي. فقد أدى تفشي الصراع وانعدام الأمن إلى ظهور أزمة غذائية معقدة لا تزال تؤثر على حياة ملايين الأشخاص بسبب القيود المفروضة على التحركات، وتعطيل الأسواق والخدمات الأساسية، وإعاقة الإنتاج الزراعي وسبل العيش، وتقليص إمكانية وصول المساعدات الإنسانية.
واتسع نطاق الصراع في السودان إلى ما هو أبعد من تركيزه الأولي على ولايات الخرطوم وغرب ووسط دارفور. وتحول خط المواجهة الآن ليشمل مناطق إضافية مثل شمال دارفور وجنوب وغرب كردفان والجزيرة وسنار والنيل الأزرق.
ويواجه السودان أسوأ أزمة نزوح داخلي في العالم حيث بلغ عدد النازحين 10.1 مليون نازح في جميع ولايات السودان وهو رقم غير مسبوق. بينما لجأ 2.2 مليون شخص آخر إلى البلدان المجاورة بحثا عن الأمان والمساعدة الإنسانية.
وفقد النازحون سبل عيشهم إلى حد كبير، مما أثر على قدرتهم على إنتاج و/أو الوصول إلى الغذاء. علاوة على ذلك، أدى النزوح داخل المجتمعات المحلية إلى تكثيف المنافسة والضغط على الموارد والخدمات الغذائية المتاحة، في حين استمرت الهياكل الاجتماعية والاقتصادية في الضعف.
بالنسبة للصدمات الاقتصادية، يشهد السودان ارتفاعا في أسعار المواد الغذائية، حيث ارتفعت أسعار السلع الأساسية بنسبة تتراوح بين 130 و296 في المائة في مايو- مقارنة بمتوسط السنوات الخمس- في بعض المناطق مثل الفاشر.
كما زاد التضخم بسبب عدد من العوامل من بينها انخفاض الأسواق- خاصة في المراكز الحضرية في الخرطوم وشمال دارفور وولايات الجزيرة، ومحدودية الإمدادات الغذائية- بسبب تعطل سلاسل التوريد، والانخفاض السريع في قيمة الجنيه السوداني، وانخفاض إنتاج الغذاء في الموسم السابق.
توصيات التقريرومن بين الإجراءات التي يوصي بها التقرير:
أولا، استعادة الوصول الآمن والمستدام للمساعدات الإنسانية لتمكين مرور الإغاثة الإنسانية بسرعة ودون عوائق إلى الأشخاص المحتاجين.
ثانيا، تقديم مساعدات إنسانية فورية متعددة القطاعات مثل ضمان التوصيل الآمن للإمدادات الإنسانية الأساسية، بما في ذلك الغذاء أو النقد والمياه والأدوية والخدمات الأساسية لجميع المحتاجين.
ثالثا، استعادة التدخلات التغذوية وتوسيع نطاقها مثل تنفيذ علاجات عاجلة لسوء التغذية، بما في ذلك الإدارة المجتمعية لسوء التغذية الحاد وتغذية الرضع والأطفال الصغار في حالات الطوارئ، وخاصة في دارفور الكبرى
رابعا، استعادة النظم الإنتاجية ودعم سبل العيش مثل ضمان إنشاء مناطق آمنة داخل الأراضي الزراعية وتوزيع المدخلات الزراعية في الوقت المناسب على المناطق الريفية حيث تكون الظروف مواتية للزراعة، بما في ذلك دارفور الكبرى وكردفان الكبرى والجزيرة وسنار.
الوسومالأمم المتحدة الجزيرة الخرطوم السودان انعدام الأمن الغذائي دارفور كردفانالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الأمم المتحدة الجزيرة الخرطوم السودان انعدام الأمن الغذائي دارفور كردفان انعدام الأمن الغذائی من التصنیف بما فی ذلک من السکان
إقرأ أيضاً:
رؤية نقدية لمؤتمر لندن للقضايا الإنسانية حول السودان
د. محمد عبد الحميد أستاذ مادة الحد من مخاطر الكوارث بالجامعات السودانية
لا ينطلقُ كاتب هذا المقال من أي موقف عدائي أو حتى متوجس نحو بريطانيا صاحبة الدعوة لمؤتمر لندن حول القضايا الإنسانية في السودان الذي عُقد في منتصف أبريل 2025م ... فالكاتب عمل ومايزال منذ العام 2013م ضمن فريق المدربين المشاركين بمنظمة RedR UK البريطانية وهي منظمة تعمل في تدريب الكوادر والأطر العاملة في الحقل الإنساني. كما أن الكاتب لا يشعر بالإنتماء النفسي أو الوجداني لمنظومة الحكم القائم الآن في السودان. وإنما يسعى لتسليط الضؤ من ناحية تخصصية لأوجه القصور التي شابت المؤتمر والدعوة له.
إن أهم ما نُركزُ عليه عادةً في تدريب الكوادر والطواقم الإنسانية في حالة أي تدخل إنساني هو عملية "تحليل السياق الكلي" للواقع الذي يُراد التدخل فيه. وذلك للتعرف على أصحاب المصلحة Stakeholders بإستخدام شكل فين Venn Diagram وهي الأداة التي تُحدد القوى أو الفاعِليّات المؤثرة والمتأثرة بعملية التدخل الإنساني إن كان مشروعاً إنسانياً أو برنامجاً تنموياً أو حتى دراسة مسحية... وتضمن هذه العملية عنصرين مهمين الأول: عدم ترك أي فاعل او صاحب مصلحة خلف المتدخلين. الثاني: مد جذور الثقة بين المتدخلين إنسانياً وأصحاب المصلحة لتحقيق أكبر فائدة مرجوة من عملية التدخل الإنساني.
إضافة لعملية تحليل السياق يتم التأكيد على الصبغة الإنسانية الخالصة لعملية التدخل والتي تحتكم في مجملها على مجموعة مبادئ وقيم يجب أن تُوضع في لُب عملية التدخل وهي الإلتزام بالمعايير الأخلاقية الأساسية لعملية التدخل الإنساني بعيداً عن المواقف السياسية أو التحيزات الفكرية أو العقائدية أو الإثنية أو ما إلى ذلك... وذلك بالتمسك الصارم بجملة قيم أهمها ما ورد في المبادئ الحاكمة للحركة الدولية لجمعيات الهلال والصليب الأحمر وهي مبادئ (الإنسانية، الحياد، عدم التحيز، الخدمة التطوعية والإستقلالية) فإذا كانت الإنسانية بشكل عام مفهومة وتقضِي أو تهدف لحماية الإنسان وحفظ كرامته، فمن الضروري التوقف سريعاً عند مبدئي الحياد وعدم التحيز... وهما المبدآن اللذان يصنعا الثقة في الفاعل الإنساني ويمهدا له ضمن إشتراطات أخرى ما يُعرف في أدبيات الإتحاد الدولي للصليب والهلال الأحمر بالوصول الآمن Safe Access... إن التَقيّدَ بجملة هذه المبادئ والإجراءات تُبعِد الفاعل الإنساني من "غُواية الموقف السياسي" وتجعله محلاً للثقة وتضمن بالتالي سلاسة التدخل وأمن المتدخلين وبلوغ عملية التدخل غاياتها وهي تقديم الخدمات الإنسانية اللازمة للمستفيدين.
يمكن القول إجمالا أن بريطانيا في دعوتها للمؤتمر لم تلتزم بكونها فاعل إنساني. فقد أهملت أصحاب المصلحة في النزاع لا سيما الحكومة السودانية بإعتبار أنها صاحبة مصلحة في عملية التدخل، وقد كان يقتضي التقيّد بمبدئي الحياد وعدم التحيز. كما كان جدير بها ألاَّ تتصرف مع حكومة السودان بموقف سياسي مُسبق حتى لو كانت الأخيرة متهمة بعرقلة عمليات الإستجابة الإنسانية... وما يُثير الدهشة أن بيان المؤتمر قد أوصى بضرورة فتح الممرات الإنسانية الآمنة لعمليات الإغاثة في المعابر وهذه توصية لا يمكن تحقيقها إلا عبر التفاهم مع أصحاب المصلحة في هذه الحالة هما الحكومة وقوات الدعم السريع. وهو الأمر الذي يفقد في المحصلة النهائية بريطانيا المصداقية في التدخل الإنساني ويؤكد طغيان الموقف السياسي على الدوافع الإنسانية.
إن قصور بريطانيا في كيفية الدعوة للمؤتمر لم تقتصر فقط على الناحية الفنية وما يرتبط بها من فقدان للمصداقية، وإنما أتبعته بقصور دبلوماسي كذلك، وهو الأمر الذي ما كان ينبغي أن يفوت على دولة عُظمى كبريطانيا صاحبة الخبرة الجمّة في المجال الدبلوماسي.
مهما يكن من شئ، فالمعروف أن عقد المؤتمرات من هذه الشاكلة يُعتبر محفلاً دبلوماسياً لا سيما وأن بريطانيا قد قصدت بأن يكون متعدد المسارات Mluti track، فقد وجهت الدعوة لِطيفٍ واسعٍ من دول جوار السودان والفاعلين الإقليميين والدوليين دولاً ومنظمات وحتى دولة الإمارات المتهمة بدعم أحد طرفي الحرب. فقد كان من المفترض أن تسعى بريطانيا لتنفيذ غايات المؤتمر عبر التفاوض والتقارب المباشر مع "الأطراف المعنية الحكومة والدعم السريع" بممارسة النفوذ عليهما إما بطرح الحوافز والمغريات، أو التلويح بالعقوبات والجزاءات كل ذلك في إطار دبلوماسي هادئ ورزين يُبيّنُ للطرفين المتنازعين ويشرحُ لهما عواقب ما قد يترتب على عدم السماح بتمرير المساعدات الإنسانية من المواقع التي يسيطران عليها في الميدان.. فقد كان جدير بالمحفل الدبلوماسي أن يكفل في نهاية الأمر وسيلة ناجعة للتواصل والتفاهم ويأخذ على طرفي الحرب ميثاقا غليظاً لمراعاة جوانب المعاناة التي تحيق بالمدنيين جراء نقص الحاجات الإنسانية. وهذا ما كاد يقوله وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي عند تأكيده بأن الحالة السودانية تتطلب (دبلوماسية صبورة)، فبرغم وجاهة هذا الطرح إلا أنه قد أُفرغ من محتواه تماماً بتغييب أطراف النزاع.. فلم تعد الدبلوماسية التي أنجزها المؤتمر سوى تظاهرة علاقات عامة جُمِعت فيها تبرعات وتعهدات والتزامات تماماً كما حدث في مؤتمر باريس في مايو من العام 2024م حيث أصبح مؤتمر لندن وكأنه deja vu لمؤتمر باريس.
ربما كان هذا القصور الدبلوماسي البريطاني ومن قبله الفرنسي مؤشران على أن الدبلوماسية الأوربية ليست في أحسن حالاتها. وأن إغفالها هذا الجانب المهم بهذه الطريقة وفي هذا الظرف الحرج الذي يموج بالتغيرات السياسية على الصعيد الدولي قد يقصي بها عن كونها فاعل قوي على الساحة السياسية السودانية ليفتح الأفق للاعبين آخرين لديهم أطماعهم ومصالحهم في منطقة القرن الأفريقي، كالصين وروسيا.
إن فشل بريطانيا ومن قبلها فرنسا الذريع في أحداث اختراق في الحالة الإنسانية في السودان عبر الدبلوماسية يؤكد صدقية رؤية ومقولة السياسي والدبلوماسي والمفكر السينغافوري كشور محبوباني بأن القرن الحادي والعشرين لم يعد غربياً وإنما آسيوياً.
د. محمد عبد الحميد
wadrajab222@gmail.com