الملء الخامس لسد النهضة.. إثيوبيا تنفرد بالنيل والسودان غارق في الحرب ومصر بلا ظهير
تاريخ النشر: 27th, June 2024 GMT
على وقع معارك مفتوحة في السودان بين فرقاء السلاح، وانشغال مصر بالأزمات المعيشية الداخلية من غلاء الأسعار وانقطاع الكهرباء، تعتزم إثيوبيا بدء الملء الخامس لسد النهضة، الذي تبنيه منذ عام 2011، لتحجز بذلك 23 مليار متر مكعب إضافية من مياه النيل تضاف إلى 41 مليار متر مكعب آخر تم احتجازها في المراحل الأربع السابقة.
ويُعتقد أن الملء الخامس للسد، والذي سيبدأ نهاية يوليو/تموز ويستمر حتى 10 سبتمبر/أيلول المقبلين، سيكون الأكبر منذ انطلاق عمليات الملء، وسط توقعات بإضافة أكثر من 15 مليار متر مكعب من المياه خلال موسم الفيضان الحالي.
وعملت إثيوبيا ولا تزال بوتيرة متسارعة على استكمال أعمال تعلية الحائط الأوسط للسد والذي تستهدف الوصول به إلى 625 مترا فوق سطح البحر، مما يعني قدرتها على تخزين نحو 50 مليار متر مكعب من المياه مستقبلاً.
ويرى الخبراء أنه كلما زادت السعة التخزينية للسد، زادت القدرة على التحكم في المياه، ويقدرون أن سد النهضة يستطيع تخزين عام ونصف العام من مياه النيل الأزرق، مما يعنى القدرة على تخزين نحو 50% من حصص دولتي المصب (مصر والسودان) لمدة 3 سنوات أو أكثر ستكون عجافا، ويزداد الأمر سوءا كلما زاد عدد سدود إثيوبيا التي تعتزم إنشاء المزيد منها.
غيابوتجري عملية الملء بمعزل عن السودان ومصر اللذين يشكل نقصان مياه السد الإثيوبي خطرا وجوديا عليهما، ويبدو الخطر أكثر قتامة بالنسبة لمصر المصنفة ضمن أكثر دول العالم التي تعاني فقرا مائيا، إذ سبق أن أعلن وزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم أن موارد بلده المائية تقدر بنحو 59.60 مليار متر مكعب سنويا، تقابلها احتياجات مائية تُقدر بنحو 114 مليار متر مكعب سنويا.
ولا تنسيق في الملء مع السودان المشغول بالمعارك المفتوحة التي لا يعرف أحد متى تنتهي، ولا مع مصر التي تشكو فقرا مائيا يصل إلى درجة الشح، رغم أن النيل هو المورد المائي الوحيد لكل الكائنات الحية على أراضيها، لكنها باتت عاجزة عن التحرك.
مصر تبدو بلا ظهير في هذه الأزمة الوجودية، وبلغ الحال درجة صمت الإعلام المصري عن ملف سد النهضة، ويبدو أن القاهرة باتت تكتفي بالتنديد الموسمي بالمواقف الإثيوبية "المنفردة" في المؤتمرات والمحافل الدولية، التي ترى فيها مناسبة لتسليط ضغوط دولية كبرى على أديس أبابا، وإقناعها بالعودة إلى طاولة المفاوضات.
محصلة 14 عاما من المحادثات كانت "صفرا كبيرًا"، إذ أعلنت القاهرة في ديسمبر/كانون الأول الماضي فشل آخر جولة للمفاوضات التي استمرت 4 أشهر، واتهمت إثيوبيا باستغلال الغطاء التفاوضي لتكريس الأمر الواقع على الأرض، وقالت إنها "ستراقب عن كثب عملية ملء وتشغيل السد".
في المقابل أعلنت إثيوبيا مطلع أبريل/نيسان الماضي انتهاء 95% من إنشاءات السد، وقبل أيام، اعتبر رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أن "ملء السد لن يكون محل نقاش بعد الآن".
وحول هذا الأمر، قال خبير المياه المصري عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، "سألت السفير الإثيوبي بالقاهرة: هل هناك أية بوادر لعودة المفاوضات بشأن سد النهضة بين مصر وإثيوبيا؟ فقال إنه لا توجد أي اتصالات".
ويرى شراقي أنه طالما لا توجد مفاوضات بشأن سد النهضة "فهناك فرصة أمام إثيوبيا لتخزين كافة المياه المتبقية"، مضيفا أن أديس أبابا ركّبت توربينين اثنين، ويتبقى لها 11 توربينا آخر.
الحديث عن فشل المسار التفاوضي ليس جديدا، فقبل نحو 6 سنوات اعترف مسؤول مصري بفشل المفاوضات، قائلا "لقد خسرنا. لم نستطع أن نحول دون تشييد السد، ولم نتمكن من تحصيل التعديلات على المشروع، خصوصا فيما يتعلق بخفض سعة تخزينه. أملنا الوحيد، والضعيف، هو أن تتم تعبئة بحيرة السد على فترة زمنية تتجاوز الثلاث سنوات التي أعلنت عنها أديس أبابا".
مخاطر ومخاوفويثير التخزين الجديد لسد النهضة مخاوف خبراء في مصر من نقص حصة القاهرة من مياه النيل، ويؤكد الخبراء أن إقدام إثيوبيا على تنفيذ مشروعات سدود مستقبلية يعد "كارثة"، حيث تطلق يدها في أعالي النيل الأزرق.
لكن إثيوبيا تتعنت وتطالب بإطلاق يدها، وتعلن أنها تدرس إقامة 3 سدود (سد مندايا، وسد بيكوابو، وسد كاردوبي)، وأن عملية ملء السدود الثلاثة تقدر بحوالي 80 مليار متر مكعب، وهي أكبر من تخزين سد النهضة، والمساحة التخزينية للسدود الثلاثة تبلغ 1369 كيلومترا مربعا.
مثل هذه الخطوة ستكون خصما من الحصة المائية السنوية لمصر والسودان، وستقل الكهرباء المولدة من السد العالي وخزان أسوان بحوالي 500 ميغاوات سنويا، وسيزداد العجز المائي خلال فترات الإنشاء والملء، إذا تم استخدام مياه السد في الأغراض الزراعية في إثيوبيا.
وتؤكد دراسات مصرية أنه في حالة استخدام السدود الإثيوبية بعد انتهاء فترات الملء، فإن العجز المائي لمصر سيتراوح سنويا ما بين 8 و14 مليار متر مكعب، أما في حالة استخدام مياه السدود الأربعة في الزراعة فسيزيد العجز المائي لمصر ليصل إلى 19 مليار متر مكعب سنويا من حصتها في مياه النيل. ونتيجة لذلك سيقل إنتاج الكهرباء المتولدة من السد العالي وخزان أسوان بمقدار ألف ميغاوات سنويا.
وتشكو مصر شحّا مائيا، وتتصدر قائمة الدول الأكثر جفافا بأقل معدل لهطول الأمطار في العالم، وتعتمد بشكل أساسي على مياه النيل بنسبة 98% من مواردها المائية، وتبلغ حصتها 55.5 مليار متر مكعب سنويا، في حين تبلغ استخدامات القاهرة الفعلية الحالية من المياه نحو 80 مليار متر مكعب سنويا، وموردها المائي واحد هو نهر النيل.
وسيجبر الملء الخامس لسد النهضة مصر -كما يقول الخبراءـ على السحب من مخزون المياه الإستراتيجي في بحيرة ناصر خلف السد العالي الواقع جنوبي البلاد 41 مليار متر مكعب لتعويض نقص المياه، مما ينذر بمزيد من الأزمات سواء توليد الكهرباء أو توفير مياه الري والشرب.
الفجوة الكبيرة بين الموارد والاحتياجات المائية دفعت مصر لتنفيذ 3 مشاريع لمعالجة مياه الصرف، ولتقليص زراعة الأرز ومحاصيل أخرى تستهلك كميات أعلى من المياه، لكن هذه الاجراءات لا تسد إلا نزرا يسيرا من الاحتياجات، كما أن مشاريع تحلية مياه البحر تبدو مكلفة وضاغطة في ظل الأزمة الاقتصادية.
ما بعد الفشلفي القرن الخامس قبل الميلاد كتب المؤرخ والرحالة اليوناني هيرودوتوس عبارته الشهيرة "مصر هبة النيل"، فقد هيأت مياه النهر وما يحمله من طمي للأرض لكي تزدهر على ضفتي النهر واحدة من أقدم الحضارات التي عرفتها البشرية. لكن هذه الهبة باتت مهددة بتقليص المياه التي تتدفق إليها من أطول أنهار العالم وتحمل الحياة لكل من يعيش على أرض مصر.
سعي القاهرة لحشد الضغط الدولي على إثيوبيا ثبت أنه بلا جدوى من الناحية العملية، خصوصا مع تراجع سقف المطالب، مما يستدعي مقولة "إنْ فشلت السياسة، هل فكرة الحرب واردة؟"، فهل تخيم نذر الحرب على شريان الحياة لدولة المنبع والمصب؟
ويذكّرنا التاريخ بأن الدبلوماسي المصري الشهير بطرس بطرس غالي قال لدى تسلمه منصب الأمين العام للأمم المتحدة عام 1992 إن "النزاع المقبل في الشرق الأوسط سيكون حول المياه، ستصبح قطرة الماء أغلى من قطرة البترول".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات ملیار متر مکعب سنویا الملء الخامس میاه النیل لسد النهضة من المیاه سد النهضة
إقرأ أيضاً:
"الصراعات الإقليمية وتحديات الأمن القومي" ندوة بالنيل للإعلام بالفيوم
نظم مركز النيل للإعلام بالفيوم التابع لقطاع الإعلام الداخلى بالهيئة العامة للإستعلامات ندوة حول " الصراعات الإقليمية وتحديات الأمن القومى" بقاعة المؤتمرات بالمركز وذلك ضمن حملة قطاع الإعلام الداخلى للتوعية باستراتيجية الأمن القومى والتى ينفذها القطاع من خلال مراكزه على مستوى الجمهورية برعاية وإشراف دكتور احمد يحيى رئيس القطاع.
شارك فى الندوة عدد كبير ممثلا للقطاعات الحكومية والمرأة ورجال الدين وعدد من طلبة الجامعة، حيث استضاف المركز اللواء أركان حرب حافظ محمود حسن مساعد رئيس هيئة العمليات العسكرية الاسبق وزميل كلية الحرب العليا بالأكاديمية العسكرية ونائب وزير الصناعة الأسبق، وذلك وبحضور فريق عمل المركز ا. محمد هاشم مدير المركز، ا حنان حمدى مسئول البرامج.
تناولت الندوة التعريف بمفهوم الأمن القومى، والتوعية بأهمية التهديدات والنزاعات الإقليمية وتأثيرها على الأمن القومى المصرى والاستراتيجيات التى يتم اتخاذها لحماية أمن الدولة واستقرارها.
حيث أشار اللواء حافظ محمود فى بداية حديث إلى أن مفهوم الأمن القومى يعنى بمفهومه الشامل، قدرة الدولة على حماية كيانها الداخلى من أى تهديدات أو تحديات قد تنشأ سواء من الخارج أو من الداخل وهو يتجاوز مجرد الدفاع العسكرى ليشمل جميع جوانب الاستقرار والتقدم الوطنى، مشيرا إلى أن القوة العسكرية تعتبر أحد الأعمدة الرئيسية للأمن القومى، حيث تسعى الدولة إلى بناء جيش قوى مجهز بأحدث التقنيات والقدرات.
لكن الأمن القومى لا يقتصر على الجانب العسكرى فقط. الاستقرار السياسى هو جانب حاسم آخر، والتنمية الاقتصادية تعتبر جزءًا لا يتجزأ من جهود الأمن القومى، حيث يرتبط النمو الاقتصادى بشكل وثيق بالاستقرار الاجتماعى والسياسى
وأكد على مصر لها خصوصية وبها مكانة كبيرة وتختلف عن اى أرض على مستوى العالم فهى الأرض الوحيدة التى تجلى فيها الله سبحان وتعالى لسيدنا موسى وهى قوية بقوة شعبها وارتباطه بأرضه والدفاع عنها فالشعب المصرى الوحيد على مستوى العالم الذى لديه انتماء بنسبة ٩٩% لأرضه وفق لبحث باحثة أمريكية عن الجينات فى العالم كله، مشيرا إلى أن الحروب لم تعد حروب بالمعنى العسكرى التقليدى بالسلاح وانما أصبحت الحروب طمس الوعى والهوية والتأثير على العقول وزعزعة الاستقرار والأمن الداخلى وتفكيك المجتمعات من الداخل مؤكدا على أن قوة مصر تأتى من الحفاظ على الأسرة والهوية.
وتناول بالشرح والتوضيح اهم المخططات التى تتم فى مجال هدم المجتمع من الداخل من خلال طمس الهوية واللعب على القيم والثوابت وتصدر التفاهات على السوشيال ميديا من ترندات، اغانى مهرجانات، لغة جديدة ( فرانكو ارب)، تيك توك
وعن مرتكزات الأمن القومى أكد على أن هناك ثلاث عناصر تعطى القوة للدولة أولاها الاكتفاء الذاتى، ثم الجيش القوى، وأخيرا تماسك ووحدة الشعب لافتا إلى أن هذه العناصر تتمتع بها مصر فهناك خطوات جادة من القيادة السياسية لتحقيق التنمية الاقتصادية وزيادة الرقعة الزراعية وهناك خطوات جادة فى مجال تحقيق الاكتفاء الذاتى إلى جانب أيضا التسليح القوى للقوات المسلحة وتنوع مصادر السلاح للجيش المصرى وتظل وحدة وتجانس الشعب تقف دائما وابدا أمام جميع المخططات
وشدد على ضرورة الوعى بحجم المخاطر والتحديات التى تواجه الدولة المصرية خاصة فى ظل ما يحدث فى المنطقة المحيطة فكافة الحدود المصرية مشتعلة بحروب وصراعات تهدد الأمن والسلم الداخلى .
مشددا أيضا على عدم الانسياق وراء الشائعات وبعض الدعوات التى تطالب الدولة بالتدخل العسكرى سواء فيما يحدث فى غزة أو سد النهضة مؤكدا على مصر كانت ومازالت هى المدافع الأول عن القضية الفلسطينية وأكثر الدول التى تحملت الكثير من أجل القضية مؤكدا على القيادة السياسية والقوات المسلحة المصرية تدرك تماما تبعات اى تصرف غير محسوب ربما لا يكون واضحا بالنسبة للمواطن العادى ولكن هناك تخطيط وسياسات تتبع للوصول لحل عادل.
وأكد فى نهاية اللقاء على أن مصر ستظل قوية بشعبها وجيشها وطالب الحضور بالوعى والثقة فيما تتخذه الدولة من إجراءات لحفظ أمنها واستقرارها
ندوة بمركز النيل للإعلام حول المبادرات الرئاسية ودعم التنمية البشرية وبناء الإنسان c65edf65-93da-444b-9662-e761f1f07adc 2daf6520-44c1-4a08-9aaf-dcdf490ff0a9 3e908064-0d51-4ee7-8a79-de0ed96d5feb 7e0cbf38-4439-4556-b575-332900852e18 84b0227a-df50-40c6-8d51-28fa58957479