منتخبنا الوطني في مجموعة متكافئة بتصفيات كأس العالم 2026
تاريخ النشر: 27th, June 2024 GMT
سُحبت في العاصمة الماليزية كوالالمبور مراسم قرعة المرحلة الثالثة من التصفيات المؤهلة لنهائيات كأس العالم 2026 لقارة آسيا حيث أوقعت القرعة منتخبنا في المجوعة الثانية بجانب كوريا الجنوبية والعراق والأردن وفلسطين والكويت، بينما ضمت الأولى إيران وقطر وأوزبكستان والإمارات وقرغيزستان وكوريا الشمالية، وضمت الثالثة اليابان وأستراليا والسعودية والبحرين والصين وإندونيسيا.
وتولت الإعلامية الرياضية كوليت وونغ تقديم فقرات حفل القرعة، التي أشرف على مراسمها مانولو زوبيريا، كبير مسؤولي بطولة كأس العالم 2026، كما شارك في عملية سحب القرعة اثنان من أساطير كرة القدم الآسيوية، وهما الدولي الياباني السابق شينجي أوكازاكي والدولي الإيراني السابق مهدي مهدافيكيا، وشهدت ترحيب السويسري جياني إنفانتينيو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم بالمنتخبات عبر تقنية الاتصال المرئي، ويتأهل أول فريقين في كل مجموعة من المجموعات الثلاث مباشرة إلى كأس العالم 2026 لتحجز ستة من المقاعد الثمانية المباشرة المتاحة للاتحاد الآسيوي لكرة القدم، في حين ينتقل المنتخبان الحاصلان على المركزين الثالث والرابع (ستة منتخبات) لخوض الملحق الآسيوي، الذي تقام مبارياته بنظام الدوري من جولة واحدة، بحيث يتأهل صاحب المركز الأول في كل مجموعة إلى كأس العالم، في المقابل ينتقل المنتخبان الحاصلان على المركز الثاني في الملحق الآسيوي لخوض مواجهة من مباراتي ذهاب وإياب، لتحديد الفريق المتأهل إلى الملحق العالمي.
13 تأهلا للمونديال
وسجلت منتخبات المجموعة الثانية 13 حضورا بالمونديال بواقع 11 لكوريا الجنوبية وواحد فقط للعراق والكويت بينما يبحث منتخبنا الوطني والأردن وفلسطين تسجيل الحضور الأول في كأس العالم، ويسعى منتخب جمهورية كوريا إلى تعزيز الرقم القياسي الآسيوي الذي يحمله بعدد مرات التأهل إلى نهائيات كأس العالم، حيث سبق له أن تأهل 11 مرة أعوام 1954 و1986 و1990 و1994 و1998 و2002 حينما استضاف الحدث مع اليابان و2006 و2010 و2014 و2018 و2022، ويطمح المنتخب العراقي في بلوغ نهائيات كأس العالم للمرة الثانية في تاريخه مع جيل مميز وموهوب من اللاعبين، حيث كانت المرة الأولى التي سبق أن شارك فيها في مونديال المكسيك عام 1986، ويتطلع المنتخب الكويتي لبلوغ نهائيات كأس العالم للمرة الثانية في تاريخه، حيث كانت المشاركة الأولى والوحيدة له في النسخة التي جرت في عام 1982 والتي أقيمت في إسبانيا.
وتصدّر المنتخب الكوري الترتيب العام للمجموعة الثالثة في الدور الثاني من التصفيات الآسيوية المشتركة لكأس العالم 2026 وكأس آسيا 2027 في السعودية، ليحجز أيضا بطاقة التأهل إلى النهائيات القارية، وجمع منتخب جمهورية كوريا 16 نقطة من ست مباريات، حيث فاز في خمس مباريات وتعادل في واحدة ولم يتلق أي خسارة، وسجل 20 هدفا واستقبلت شباكه هدفا واحدا فقط ليستحق الصدارة عن جدارة، وتصدر لاعب منتخب جمهورية كوريا هيونغ مين سون ترتيب هدافي التصفيات برصيد 7 أهداف متساويا مع المهاجم القطري المعز علي الذي سجل العدد ذاته من الأهداف، في حين سجل لي كانغ 4 أهداف، وجاء المنتخب العراقي في مقدمة الترتيب العام للمجموعة السادسة وجمع العلامة الكاملة بواقع 18 نقطة من ست مباريات، حيث فاز في جميع المواجهات التي خاضها بعدما قدّم عروضا مميزة طوال التصفيات مما يؤكد طموحاته المشروعة في الوصول إلى أبعد نقطة، وكان أيمن حسين أبرز هدافي العراق خلال الدور الثاني، بعدما نجح بتسجيل 5 أهداف، في حين سجل مهند علي وعلي جاسم هدفين لكل منهما.
واحتل المنتخب الأردني صدارة الترتيب العام للمجموعة السابعة ليحجز أيضا بطاقة التأهل إلى النهائيات القارية، وجمع الأردن 13 نقطة من ست مباريات، حيث فاز في 4 مباريات وتعادل في واحدة وخسر مثلها، وسجل 16 هدفا مقابل 4 في مرماه ليتأهل في المركز الأول للمجموعة بفارق الأهداف عن المنتخب السعودي الذي جاء في المركز الثاني، وكان موسى التعمري أبرز هدافي الفريق خلال الدور الثاني بعد أن نجح بتسجيل 5 أهداف، مقابل 4 أهداف لعلي علوان، و3 ليزن النعيمات، وجاء المنتخب الفلسطيني في المركز الثاني ضمن المجموعة التاسعة، ليحجز أيضا بطاقة التأهل إلى النهائيات القارية، وجمعت فلسطين 8 نقاط من ست مباريات، حيث فازت في مباراتين وتعادلت مثلها، كما أنها خسرت مواجهتين أيضا، وسجلت 6 أهداف واستقبلت شباكها العدد ذاته لتنجز المهمة بمواصلة المشوار نحو الدور الثالث بنجاح، وكان عدي دباغ أبرز هدافي منتخب فلسطين في الدور الثاني برصيد 3 أهداف، مقابل هدفين للمهاجم شهاب قنبر.
وجاء منتخب الكويت في المركز الثاني ضمن المجموعة الأولى بعد فوز عصيب على أفغانستان في الجولة الأخيرة، وجمع منتخب الكويت 7 نقاط من ست مباريات، بعدما حقق الفوز مرتين، مقابل تعادل وحيد وثلاث خسائر، وسجل 6 أهداف واهتزت شباكه بمثلها ليضمن بذلك المركز الثاني بعد منافسة صعبة استمرت حتى اللحظات الأخيرة من الجولة الأخيرة، وسجل أهداف الكويت الستة في التصفيات كل من شبيب الخالدي ومحمد دحام "هدفين لكل منهما"، وهدف لكل من عذبي شهاب وعيد الرشيدي.
وواجه منتخبنا العراق من قبل مرتين في تصفيات مونديال 1990 وتعادل في مسقط وخسر في بغداد وفي تصفيات مونديال 2014 تعادل في الدوحة وفاز في مسقط بهدف إسماعيل العجمي، وواجه الأردن 4 مرات، البداية بتصفيات 1990 وخسر منتخبنا ذهابا وإيابا بنتيجة 2-0، وفاز منتخبنا ذهابا في تصفيات مونديال 2014 قبل أن يسقط في مواجهة الإياب بهدف نظيف وهي الخسارة التي طارت بالمنتخب الأردني نحو الملحق الآسيوي ثم العالمي، ولم يسبق لمنتخبنا الوطني أيضا أن لعب أي مباراة رسمية في تصفيات كأس العالم أمام كوريا الجنوبية أو فلسطين أو الكويت واقتصرت المواجهات معها في بطولات قارية أخرى مثل دورة الألعاب الآسيوية وتصفيات وكأس الأمم الآسيوية.
البداية من البصرة
ويفتتح منتخبنا الوطني مشواره بمواجهة العراق 5 سبتمبر المقبل في ملعب جذع النخلة بمدينة البصرة وهو الملعب الذي تواجه فيه المنتخبان بافتتاح ونهائي خليجي 25 وشهد حضورا جماهيريا ناهز الـ 70 ألفا وتقام في اليوم نفسه مواجهتا كوريا الجنوبية وفلسطين والأردن والكويت، ثم يستضيف منتخبنا الوطني بعد 5 أيام كوريا الجنوبية في مسقط ويحل الأردن والعراق ضيفان على الكويت وفلسطين، ثم في الجولة الثالثة 10 أكتوبر يستقبل منتخبنا شقيقه الكويتي وترحل فلسطين وكوريا لمواجهة العراق والكويت وفي الخامس عشر من الشهر الجاري يسافر منتخبنا للقاء الأردن في عمّان ويحل منتخبا العراق والكويت ضيفان على كوريا الجنوبية وفلسطين، وستكون لدى منتخبنا يومي 14 و19 نوفمبر فرصة اللعب على أرضه في مباراتين متتاليتين حينما يستقبل منتخبي فلسطين والعراق على التوالي، وتقام الجولة السابعة 20 مارس 2025 حيث يحل منتخبنا ضيفا على كوريا الجنوبية ويستقبل العراق والأردن منتخبي الكويت وفلسطين، وتلعب الجولة الثامنة 25 مارس 2025 حيث يحل منتخبنا ضيفا على الكويت وتستقبل كوريا الجنوبية وفلسطين الأردن والعراق، وتختتم التصفيات يومي 5 و10 يونيو من عام 2025 حيث يلعب منتخبنا مباراة في أرضه أمام الأردن ثم ينهي التصفيات بمواجهة فلسطين بينما ستقام قمة كوريا الجنوبية والعراق في البصرة 5 يونيو.
وهذه هي المرة الرابعة التي يتأهل فيها منتخبنا للمرحلة النهائية من تصفيات كأس العالم بعد 2002 و2014 و2022، وفي المجمل العام لعب منتخبنا الوطني في التصفيات النهائية لكأس العالم 26 مباراة حقق الفوز في 7 مباريات فقط وخسر 11 مرة وخرج بالتعادل في 8 مباريات، وسجل هجوم منتخبنا الوطني 25 هدفا في حين اهتزت شباكه 36 مرة. وأكثر المنتخبات التي لعب أمام منتخبنا في التصفيات النهائية هي الصين وأستراليا واليابان والتي لعب أمامها بواقع 4 مرات لكل منتخب أي أن قرابة 46% من مبارياته في هذه المرحلة كانت أمام هذه المنتخبات، كما لعب مرتين أمام قطر وأوزبكستان والإمارات والعراق والأردن وفيتنام والسعودية، وتمكن المنتخب من تحقيق نتيجتين لافتتين من خلال الفوز التاريخي في أرض اليابان النسخة الماضية والتعادل في أرض أستراليا 2-2 في عام 2014.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: کوریا الجنوبیة منتخبنا الوطنی المرکز الثانی کأس العالم 2026 الدور الثانی فی التصفیات التأهل إلى فی المرکز فی تصفیات فی حین لکل من
إقرأ أيضاً:
كوريا الجنوبية وكيف تُفشل انقلابا عسكريا في خمس ساعات؟
قبل أسبوعين، حاول الرئيس يون سوك يول فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية. ارتعب الكوريون، لكنهم خلال ساعات قليلة كانوا قد استطاعوا إلغاء قرار الرئيس، وخلال عشرة أيام كانوا قد أجبروه على إعلان التنحي، بعد أن حاول وزير دفاعه الانتحار في محبسه، وبعد أن اتفق كافة الكوريين على رفض الأوضاع الاستثنائية، بما فيهم حزب الرئيس نفسه. لم يستغرق حراك الكوريين طويلًا، لكن دراسة الأسباب التي أدت إلى إفشال محاولة الرئيس الكوري النكوص عن الديمقراطية، حق لها أن تستغرق وقتا أطول كثيرا من ذلك الوقت الذي امتد لقرابة خمس ساعات وأفشل فيه الكوريون هذه المحاولة.
وعلى الرغم من أن الأمر يبدو نادر الحدوث، تخبرنا التجربة التاريخية أن تقريبا نصف محاولات الانقلاب العسكري تفشل في الإطاحة بالنظام أو في ترسيخ دعائم نظام جديد. وقبل أن ندلف إلى الحالة الكورية، فمن نافلة القول أنه كلما زادت الثقة في المؤسسات الديمقراطية، مثل الانتخابات والبرلمان، كلما كان من الأصعب تنفيذ محاولة الانقلاب. وفي أغلب المحاولات الفاشلة للانقلاب على الديمقراطية والدستور، كان المواطنون هم حائط الصد أمام المتآمرين، ينطبق هذا على الكثير من محاولات الانقلاب، مثل تلك التي فشلت في ألمانيا عام 1920، بعد عامين فقط من الهزيمة في الحرب العالمية الأولى، وليس انتهاء بمحاولة الانقلاب الفاشلة التي نفذها عسكريون ومدنيون أتراك في يوليو/تموز 2016 على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2سلجوق بَيْرَقْدار مهندس المُسيَّرات الطامح لتغيير العالمlist 2 of 2كيف يقتل جنود جيش الاحتلال بدمٍ بارد؟end of list إعلاناللحظات الأولى للانقلابات العسكرية تبدو أخطر لحظات البلاد على الإطلاق في البلاد المستقرة، إذ حينها يقرر المواطنون إذا ما كانوا مستعدين لدفع ثمن الديمقراطية الحقة، وإيقاف محاولة سرقة إرادتهم، إنها اللحظة التي يتحول فيها عوام الناس إلى أبطال لبلادهم، وهو ما حدث بالضبط في كوريا الجنوبية.
ما الذي حدث؟في الساعة الحادية عشرة مساء بالتوقيت المحلي يوم الثلاثاء 3 ديسمبر/كانون الثاني، أعلن رئيس كوريا الجنوبية "يون سوك يول" في خطاب متلفز مفاجئ تطبيق الأحكام العرفية في البلاد. اتهم الرئيس الذي انتُخب قبل سنتين الحزب الديمقراطي المعارض، والذي يسيطر على ما يقرب الثلثين من مقاعد البرلمان بالتعاون مع بعض الأحزاب الصغيرة، اتهمه بالتعاطف مع كوريا الشمالية والانخراط في أنشطة معادية للدولة.
ورغم محاولة الجيش والشرطة السيطرة على مبنى البرلمان، دعا زعيم المعارضة نواب الحزب الديمقراطي إلى الالتحاق بالبرلمان للتصويت لرفض القرار الرئاسي. تمكن النواب من اجتياز الحواجز بمساعدة آلاف المحتجين الذين واجهوا قوات الجيش والشرطة بلا عنف، والوصول إلى قبة البرلمان.
وخلال ساعة واحدة، كانت أسعار المواد الغذائية قد ارتفعت بشكل كبير، وانخفضت أسعار الأسهم، لكن الأهم أن المحتجين الذين نزلوا إلى الشوارع كانوا قد استطاعوا تأمين البرلمان الذي صوّت بالإجماع لحجب المرسوم في جلسة طارئة، بحضور 190 من الأعضاء البالغ عددهم 300.
وبعد 5 ساعات ونصف الساعة (أي أقل من المدة التي استغرقها هذا المقال بحثا وكتابة)، وتحديدا في الرابعة والنصف صباحا بالتوقيت المحلي، أعلن الرئيس "يون" أنه سيتراجع عن قراره بفرض الأحكام العرفية، وأن قوات الجيش ستنسحب إلى ثكناتها.
بالنسبة لمواطن كوري خلد إلى النوم في العاشرة مساء واستيقظ في السادسة صباحا، فلن يكون بإمكانه الشعور بما شعر به المحتجون حينها، لكن معرفته بتاريخ كوريا الجنوبية القريب سيمكّنه من استيعاب ما حدث بكل تأكيد.
إعلان كوريا الجنوبية.. الشعب يتذكر إسقاط النظامبدأ عهد الانقلابات العسكرية في كوريا الجنوبية قبل 63 عاما عندما أطاح انقلاب عسكري عام 1961 بالحكومة المنتخبة ديمقراطيا. سيطر الجيش على البلاد لـ18 عاما، إلى أن اغتيل قائد الانقلاب والرئيس "بارك شونغ هي" في أكتوبر/تشرين الأول عام 1979. كان "شونغ هي" قد أحكم السيطرة على السلطة، لذلك ترك مقتله المفاجئ فراغا كبيرا أدى لصعود عدد من الحركات الداعية للديمقراطية والتي كان "شونغ هي" قد ضيّق عليها الخناق.
تولى رئيس الوزراء حينها حكم البلاد مؤقتا. وبعد شهرين لم يستطع فيهما أن يبسط سيطرته على الحكومة، أطاح به انقلاب عسكري جديد عُرف بانقلاب الثاني عشر من ديسمبر/كانون الأول 1979، وهذا هو الانقلاب الذي يتذكره الكوريون جيدا، فقد كانت آخر مرة يتم فيها فرض الأحكام العرفية في البلاد.
كعادة قادة الانقلابات العسكرية، نفى قائد الانقلاب "شون دو هوان" أن يكون لحركته العسكرية أي بُعد سياسي، ونفى اهتمامه بالحكم والسياسات المحلية. لكن خلال أشهر قليلة، ومع عودة الطلاب للدراسة في المدارس والجامعات، أخذت المظاهرات الرافضة للانقلاب العسكري وحكم "دو هوان" في الاتساع إلى أن عطلت كثيرا من نواحي الحياة في العاصمة سيول وبقية مدن كوريا الجنوبية. وفي 17 مايو/أيار 1980، أعلن "دو هوان" تمديد العمل بالأحكام العرفية وتوسيع نطاقها لتشمل كامل البلاد، وحظر بث أو إذاعة أو نشر أي انتقاد علني للحكومة، وكذلك منع أي تجمعات سياسية، وإغلاق الجامعات، وتجريم الإضرابات العمالية، وإنهاء المظاهرات المطالبة بالديمقراطية.
يصنف الكوريون ما حدث في مايو/أيار باعتباره انقلابا جديدا، لكن ربما يكون من الدقة وصفه بخطوة تعزيز الجنرال "دو هوان" لسلطته التي بدأت مع انقلاب ديسمبر/كانون الثاني قبل ذلك بـ6 أشهر.
لم يرضَ الكوريون بذلك، خاصة الطلاب في جامعة شونام الوطنية العريقة، في مدينة غوانجو. تظاهر الطلاب والأساتذة والسكان، وساعدهم مواطنون رأوا التعامل الوحشي من الشرطة والجيش مع المتظاهرين. سيطر المدنيون على المدينة، واستطاعوا إبعاد الجيش، وحاولوا التفاوض معه، لكن على مدار الأيام التالية وصلت تعزيزات الجيش إلى القوات التي كانت قد انسحبت إلى تخوم المدينة وضواحيها، ليحاصروا جميع الطرق المؤدية إلى غوانجو.
إعلانعندما قرر الجيش اقتحام غوانجو في السابع والعشرين من مايو/أيار، استطاع هزيمة المدنيين في 90 دقيقة وصل فيها إلى قلب المدينة. لكن الجرائم التي ارتكبها الجيش عاش الكثيرون آثارها لسنوات طويلة، فقد أطلق الجيش النار على الطلاب، واغتصب جنوده المتظاهرات، وعذبوا الطلاب، وقتلوا خلال هذه المواجهات ما يصل إلى 2,300 مواطن كوري، في مذبحة يعرفها الكوريون جيدا، وتُخلدها الأفلام الدرامية والنصب التذكارية.
ما يفعله التعليم في وطن ضائعظلت كوريا الجنوبية تحت حكم العسكر 8 سنوات، عانى خلالها الكوريون من ديكتاتورية عسكرية مقيتة، تميزت بقمع الحريات السياسية، والقضاء على أي معارضة في مهدها. كذلك لم يستطع النظام الحفاظ على شرعيته طويلا بعد مذبحة غوانجو، والتي أكدت مطالب المتظاهرين بالحرية والعدالة، حتى لو لم تكن الأمور سانحة في ذلك الوقت.
لكن الديكتاتوريات العسكرية تختلف، ففي حالة كوريا الجنوبية، وهو كذلك ما جرى في تركيا إلى حد بعيد بعد انقلاب عام 1980، بدأت البلاد في التعافي اقتصاديا بدرجة كبيرة، وهو ما قاد إلى تغيرات اجتماعية هائلة، برزت في صعود طبقة وسطى أكثر تعليما وأرقى ثقافة وأشد وعيا بالسياسة وبتأثير الحكم السلطوي على حياة الناس.
وصعود الطبقة الوسطى يرتبط دوما بظهور المطالب بالمزيد من الحرية السياسية والاجتماعية، وهو ما حدث في كوريا. ففي يونيو/حزيران عام 1987، وبعد 7 أعوام من حكم "دو هوان" العسكري، قُتل الطالب الجامعي "بارك يونغ شول" على يد محققين من الشرطة أثناء التحقيق معه. ورغم أن آلاف الطلاب كانوا قد قُتلوا بطرق أكثر وحشية قبل ذلك بـ8 سنوات، أثار مقتل "شول" مظاهرات عارمة، قبل أن يزداد أوار هذه المظاهرات عقب مقتل ناشط آخر نتيجة عنف الشرطة مع المتظاهرين.
البرلمان الكوري الجنوبي أقر عزل الرئيس بعد محاولته فرض الأحكام العرفية (الأوروبية)اتسع نطاق المظاهرات ليشمل كوريا الجنوبية كلها، فقد شارك الملايين من العمال والموظفين والطلاب في المطالبات بالإصلاح السياسي والديمقراطي. وكان أهم ما ميز هذه المظاهرات هو جَلَد المتظاهرين واستمرارهم لفترات طويلة في الشوارع، ما جعل السلطة تستشعر الخطر، وليعلن نائب الرئيس "روو تاي وو" في 29 يونيو/حزيران عن قرارات مفاجئة بسلسلة من الإصلاحات الدستورية التي تستجيب لمطالب المتظاهرين.
إعلانفقد أعلن "تاي وو" عن السماح بانتخابات رئاسية بالتصويت الحر والمباشر، وعن عودة الحقوق المدنية، والسماح بالحريات الصحفية، وتمرير إصلاحات تضمن نزاهة الانتخابات.
وفي ديسمبر/كانون الأول 1987، شهدت كوريا الجنوبية أول انتخابات تعددية بعد عقود من الحكم العسكري، ليفوز فيها "تاي وو" نفسه، صديق الديكتاتور ونائبه، لأسباب من بينها انقسام المعارضة. لكن على الرغم من كونه جزءا من نظام "دو هوان"، وعلى الرغم من فساده وانخراطه في الحكم العسكري سابقا، كان "تاي وو" مضطرا للرضوخ لمطالب الناس واتخاذ إجراءات تضمن الانتقال الديمقراطي، وهو ما تعزز خلال التسعينات بشكل كبير.
لم ينسَ الكوريون ما حدث في غوانجو، ولم يغفروا لـ"دو هوان" ما فعل. لذلك، في عام 1996، حُكم على "دو هوان" بالإعدام جزاء تدبيره الانقلاب العسكري ولجرائم نظامه في غوانجو، وكذلك حُكم على "تاي وو"، الذي خرج من السلطة في فبراير/شباط عام 1993، بالسجن 17 عاما. لكن في العام التالي، أعلن الرئيس الكوري "كيم يونغ سام" عن العفو عن الرئيسين السابقين، بناء على نصيحة الرئيس المنتخب الجديد "كيم داي يونغ"، والذي تولى السلطة في فبراير/شباط 1998. المفارقة أن "داي يونغ"، الرئيس الثامن لكوريا الجنوبية، والذي أعطى النصيحة بالعفو عن "تاي وو" و"دو هوان"، كان معارضا حكم عليه نظام "دو هوان" بالسجن 20 عاما!
كيف يفشل الانقلاب العسكري؟يعتقد الأكاديميون والمحللون أن بداية الحكم الديكتاتوري تتنوع، لكن أغلب الديكتاتوريات لا تبدأ بالانقلاب الكامل عن نظم ديمقراطية قائمة، بل على العكس، تتطور من داخل بنى سياسية قائمة بالفعل. وبهذا التصنيف، يمكن القول إن محاولة الرئيس الكوري "يون سوك يول" فرض الأحكام العرفية تمثل الخطوة الأولى من الانقلاب العسكري.
لكن ما أضعف محاولة "يول" لم يكن الوعي الشعبي حديث التجربة بالحكم العسكري فحسب، بل وجود مؤسسات قوية وحس وطني عالٍ جعل النواب المنتمين إلى حزب الرئيس يصوتون لرفض الأحكام العرفية التي أعلنها. كذلك يمكن القول إن التراجع السريع عن القرار بفرض الأحكام العرفية يشير إلى أن الإعداد لهذه الخطوة لم يكن قد تم بكفاءة، فلم يكن الرئيس الكوري قد أمّن دعما لقراراته من داخل الحكومة أو حتى الجيش، إلا في نطاق محدود للغاية، وهو ما أدى بوزير الدفاع الكوري للاستقالة خلال أقل من 36 ساعة بعد العودة عن القرارات.
إعلاناعتُقل وزير الدفاع المستقيل بعد أيام، ويوم الأربعاء 11 ديسمبر/كانون الأول أعلنت السلطات عن إنقاذه من محاولة قتل نفسه في زنزانته في الليلة السابقة.
وبالتزامن، اقتحمت قوات الشرطة مقر إقامة الرئيس لتفتيشه وسط مقاومة منه. ويوم السبت، الرابع عشر من ديسمبر/كانون الأول، أعلن يون سوك يول أنه سيتنحى عن منصبه كرئيس للبلاد بعد عزله من قبل البرلمان في وقت سابق اليوم، معربا عن شعوره بـ"إحباط شديد"، ودعا إلى إنهاء "سياسة المواجهة".
يخبرنا السيناريو الكوري أنه كان على الرئيس أن يضمن ولاء عدد مؤثر من أفراد النخبة العسكرية والسياسية في البلاد، فلم يكن بإمكان الرئيس إقناع مؤيديه بأن منفعتهم المباشرة ستتحقق بفرض الأحكام العرفية. فالرئيس هو الخاسر الأكبر من التململ الشعبي، وحتى حزبه لم يرَ مصلحة في الحفاظ على قراره، ولم يكن ممكنا حشد المزيد من الدعم في الوقت الذي يلام فيه الرئيس على التسبب بما يعاني منه الكوريون من مصاعب اقتصادية وإضرابات طويلة شملت قطاعات مختلفة أهمها القطاع الطبي.
فكما تقول أدبيات العلاقات المدنية العسكرية، لا يمكن لانقلاب عسكري أن ينجح من غير تأييد من الجيش أو قطاع معتبر منه، وهو ما لم يتحقق في حالة كوريا الجنوبية. وكوريا الجنوبية ليست استثناء، فقد أفشل الأرجنتيون محاولة مماثلة في الثمانينيات، وأفشل الروس انقلابا آخر كان يحاول بث نفخة أخيرة من الحياة في الاتحاد السوفياتي، ونتذكر جميعًا كيف أفشل الأتراك محاولة انقلاب عسكري في يوليو/تموز 2016.
ورغم الاختلافات الكثيرة والفوارق الزمنية والمكانية بين محاولات الانقلاب الفاشلة تلك، تظل العديد من العوامل مشتركة بين التجارب، بما يشير إلى الطريقة الناجعة في مواجهة الانقلابات العسكرية، خاصة لوأدها في مهدها إن صح التعبير.
في الأرجنتين، عام 1987 حاول ضابط في سلاح الجو الانقلاب على الحكومة المنتخبة التي سعت إلى إخضاع العسكر للإدارة المدنية ومحاكمة الضباط الذين تسببوا في انتهاكات بالغة خلال فترة الديكتاتورية العسكرية. لكن الرفض الشعبي، والذي بدأ فقط بتظاهر 500 مدني تحركوا إلى القاعدة العسكرية التي أدار منها الضابط محاولة الانقلاب، أدى في النهاية لإفشال المحاولة. اقتحم المدنيون القاعدة العسكرية هاتفين للديمقراطية، وهو ما شجع الأرجنتينيين على الخروج دعمًا للحكومة المدنية التي كانت تفاوض على الرحيل.
إعلانخلال وقت قصير، خرج أكثر من 400 ألف أرجنتيني إلى شوارع بيونس آيرس، وتعاضدت جهود المجتمع المدني والكنيسة الكاثوليكية ومؤسسات الدولة، ليصل الأمر إلى أن يحاصر عسكريون مؤيدون للديمقراطية القاعدة العسكرية، من غير أن تشتبك أو تطلق النار على منفذي محاولة الانقلاب. انتهى الأمر باستسلام المنقلبين وإعادة الديمقراطية إلى مسارها في البلاد.
وهذا ما حدث في روسيا أيضا، ففي محاولة أخيرة من الشيوعيين السوفيات لإنقاذ الاتحاد السوفياتي من التفكك تحت قيادة ميخائيل غورباتشوف، نفذ ضباط محاولة انقلاب في أغسطس/آب عام 1981، حينها وضع الضباط الرئيس قيد الإقامة الجبرية وحاولوا السيطرة على موسكو، لكن بسبب الحراك الشعبي الرافض للانقلاب أُفشلت المحاولة بعد 3 أيام فحسب، بمقتل 3 أشخاص فقط.
مواطن تركي يسير مع طفله للمشاركة في الاحتفال في الذكرى الأولى لإفشال محاولة الانقلاب العسكري (الأناضول)
فعلى سبيل المثال، في عام 2016 شهدت تركيا محاولة انقلاب قادها ضباط وعسكريون وشارك فيها مدنيون تابعون لحركة الداعية التركي فتح الله غولن. وعلى الرغم من وجود دوافع مصلحية وسياسية وفكرية وراء محاولة الانقلاب، لم تنجح لأسباب تشبه كثيرا أسباب كوريا الجنوبية. إذ يذكر هذا الجيل من الأتراك كيف أنه في عام 1980 شهدت تركيا انقلابا عسكريا دمويا تسبب في مقتل الآلاف وإعدام المئات وسجن عشرات الآلاف وإغلاق المجال العام في تركيا لفترة طويلة. لم ينس الأتراك، إلى حد أنه في عام 2014، صدر حكم بالسجن المؤبد على زعيم الانقلاب والرئيس لـ3 سنوات بعده، كنعان إيفرين، والذي كان يبلغ 96 عاما حينها. لم ينس الأتراك، وتعلموا أن الانقلابات العسكرية التي أطاحت بـ4 حكومات منتخبة ديمقراطيا في تركيا بين عامي 1960 و1997 لم تأتِ إلا بالضرر الكبير على البلاد.
إعلانلذلك، استطاع المواطنون الأتراك أن يجدوا في أنفسهم الشجاعة الكافية للتصدي لمحاولة الانقلاب والتي أدت لمقتل قرابة 250 مواطنا بين عسكري ومدني دفاعا عن حق الشعب التركي في الحرية والديمقراطية. إن إفشال الانقلابات العسكرية ممكن، والتجربة التاريخية لسوء الأحوال، من تدهور اقتصادي وفساد اجتماعي وتكلس سياسي وضعف على الساحة الدولية نتيجة سيطرة العسكريين على مقاليد الأمور، تعزز من الرغبة الشعبية في تغيير أوضاع بلادهم نحو الأفضل.
إذا كان هناك عامل مشترك رئيس في التجارب الثلاثة، وفي تجربة كوريا الجنوبية بالطبع، فهو الشعب الذي تفاعل مع الحدث بما يليق باللحظة التاريخية، ثم تلعب عوامل أخرى أدوارا، مثل غياب قيادة واضحة للانقلاب، أو قوة مؤسسات الدولة. لكن يبقى البطل الحقيقي في كل هذه القصص هو المواطن والمواطنة اللذان وقفا أمام الدبابة مستعدين للتضحية بحياتهم من أجل ألا تُسلب منهم الحرية.