تأمُلات
كمال الهِدَي
من شدة ما أخرجنا البعض من طورنا وبلدنا يشهد كل هذه المآسي كتبت في صغحتي بالفيس بوك ما يلي: لما تكتب لي في صفحتي " جيش واحد.. شعب واحد" بحظرك طوالي مش لأنك بتغيظني كما تتوهم، بس لأنك غبي، إذ كيف يكون جيش واحد وهو من صنع هذه القوة الموازية له التي يسلمها مناطق البلد الواحدة تلو الأخرى!! في مثل هذه الظروف العصيبة وأمام موت أهلنا ودمار بلدنا بنفقد القدرة تماماً على احتمال الأغبياء والدلاهات.
* ناس إلى يومنا هذا يهللون لإداريي أندية كرة يلعبون دوراً رئيساً في موت أهلنا ودمار وطننا، وراجينهم يرسموا الفرحة بتسجيل لاعب لهذا النادي أو ذاك.. شعب يحير.
كمال الهِدَي
kamalalhidai@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
الأمة العربية.. موت يتجدد وصمت يطول
تحت الأنقاض في بيت لاهيا في قطاع غزة المحاصر بالنار والحديد طفلة لم تكمل عامها السابع تلفظ أنفاسها الأخيرة وتصعد روحها إلى السماء قبل أن تصل إليها يد الإنقاذ الرحيمة، وفي اليمن، طفل يموت جوعا بعد سنوات من الموت حسرة على مقتل والده، أمام عالم يوزّع المساعدات على من يختار ويمنعها عمن يختار.
وفي السودان فتاة تغتصب أمام والديها دون أن يعني ذلك شيئا لقوات التحرك السريع الذين يستبيحون القرية، وفي العراق وفي سوريا وفي لبنان، مدن كاملة تتلاشى بفعل الفتن والتمذهب والحروب الأهلية والانتقامية. مشاهد لم تعد تثير فينا الدهشة، بل صارت، مع الأسف الشديد، جزءا من روتين يومنا العربي الطويل. كيف وصلنا إلى هذا الحد من الموت واليأس؟ وكيف غابت عنّا كل معالم الأمل والحياة التي كانت في يوم من الأيام عنوان هذه الأمة ورمزا من رموزها؟
لا نستطيع أن نعبر عن حجم المأساة التي يعيشها الواقع العربي بالكلمات، ربما تكون الصورة، التي أصبحنا أبطالها، أكثر قدرة على التعبير عن حالنا ففيها ما لا يقال أو ما لا نستطيع قوله.
غزة التي ظننا أنها آمنة تُدفن من جديد تحت قصف الاحتلال الإسرائيلي الغاشم دون أن يتحرك الضمير العالمي الذي يدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان، وكنا نحسبه ذات وهم أنه صادق.
وسوريا التي كانت قلبا للعروبة يستبيحها الاحتلال الصهيوني فيما هي منشغلة بأوهام النصر الكبير وتصفية حسابات أحقاد سنوات طويلة من القهر. أما العراق فقد أصبح رهينة الانقسامات والطائفية المقيتة. ولبنان الذي كان منارة ثقافية وحلما من أحلام اليوتوبيا العربية يضمد جراح الاعتداءات الصهيونية من جهة ويحاول انتشال نفسه من الفوضى والفساد من جهة أخرى ولا يكاد يستطيع شيئا أبدا. واليمن، البلد الذي كان سعيدا ذات يوم كما تقول الأدبيات العربية، يعيش أسوأ أيامه على الإطلاق ويترقب اجتياحا أو ربما احتلالا صهيونيا في أي وقت فيما العرب منشغلون بمشاريع أخرى لا تنتمي لمستقبلهم ولا لماضيهم ولا تستطيع أن تحفظ حتى كرامتهم.
ورغم مشهد الموت الواسع، والإبادة التي لا مثيل لها في تاريخنا القريب إلا أن جوهر المشكلة تكمن في حالة الانسداد الحضاري والفكري التي نعيشها.. لم يعد هناك مشروع ثقافي أو معرفي يساهم في إخراج أمتنا من متاهتها الطويلة وينتشلها من كل ما هي فيه. التعليم في حالة تدهور، والمؤسسات الثقافية غائبة عن دورها الحقيقي، والقيم تتآكل بسرعة مخيفة والاقتصاد في الغالب الأعم منهار تماما والجوع والعوز في كل مكان في هذه الأمة إلا من رحم الله.
أما المثقف العربي، أحد أهم الرهانات التي كان يعول عليها في إحداث التغيير، فقد اختار الصمت الطويل أو تم تهميشه بعيدا عن أي دور، فلم يعد قادرا على القيام بدوره في صناعة الوعي وقيادة الأمة نحو الخروج من حالة اليأس والركود. وليس من اليأس القول إن الأمة على هامش التاريخ إن لم تكن خارجه تماما، فلا مشاريع يمكن أن تعطي أملا في تغيير ولا طريق واضحة المعالم يمكن الصراع من أجل السير فيها نحو مستقبل مختلف.
والأكثر ألما، وربما سخرية من أقدار هذه الأمة، أننا لم نعد نكتفي بالصمت، بل صارت الأمة تتآمر على بعضها البعض. دول عربية أصبحت شريكة في مشاريع استعمارية أو وظيفية تتقاطع مع الأجندة الصهيونية بشكل مباشر أو غير مباشر. وبدل أن يشعر الجميع بعظم اللحظة التي تمر بها الأمة وبالمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق الجميع بالنظر إلى المآلات التي تنتظر الأمة وبالتالي تنتظر الجميع، نرى بوضوح تام بعض الدول تحرّض على دول تحاول التمسك بمبادئها الإنسانية وبالدعوة إلى السلام والاستقرار وتقوم بدورها التاريخي تجاه الأمة، وتحاول الحفاظ على متانة قوتها الداخلية. ويدفع أولئك في سبيل تشظية المشهد وتكسيره ملايين طائلة كان الأولى أن يغاث بها المنكوبون في غزة وفي اليمن وفي السودان.. وكأن هناك قرارا ضمنيا بعدم السماح للعرب أن يخرجوا من دائرة الموت والضعف.. ولكن بأيديهم وبأموالهم قبل أيدي أعدائهم.
ويبقى السؤال الكبير اليوم: هل سنظل رهائن اليأس إلى الأبد؟ هل كُتب على هذه الأمة أن تعيش وتموت دون أن تحاول حتى تغيير واقعها؟ ماذا لو قررنا أن نتحرر من هذا الصمت، وأن نعترف أولا بحقيقة واقعنا المؤلم؟
تقع المسؤولية على عاتق الجميع، وأول تمظهراتها تكمن في تعرية الواقع وكشف زيفه، وتسمية الأسماء بمسمياتها وإلا فإن الأمة ذاهبة إلى حتفها. وعلى المثقفين أن يستعيدوا دورهم التاريخي في بناء الوعي وإنقاذ ما تبقى من قيم وحضارة وكرامة. والتاريخ لن يرحم من صمتوا، ولن يغفر لمن اختاروا أن يكونوا أدوات في مشاريع الانهيار كما هو حادث الآن.