هل اقترب عصر الذكاء الاصطناعي الواعي؟
تاريخ النشر: 27th, June 2024 GMT
استغرق الذكاء الاصطناعي التوليدي كتقنية "شات جي بي تي" شهرين فقط كي يصل إلى 100 مليون مستخدم، وهو رقم قياسي بالمقارنة مع الزمن الذي استغرقته التقنيات الأخرى للوصول إلى العدد نفسه من المستخدمين، فتيك توك استغرق 9 أشهر، وواتساب 40 شهرا، ويوتيوب 49 شهرا، وفيسبوك 54 شهرا، والإنترنت 80 شهرا، والهاتف المحمول 190 شهرا، والسيارة 400 شهر، والهاتف السلكي 900 شهر.
يتفق العديد من كبار رجال الأعمال على أن الذكاء الاصطناعي سيغير معالم الحياة خلال بضع سنوات فقط. ففي 21 مارس/آذار 2023 كتب بيل غيتس في مدونته تحت عنوان "لقد بدأ عصر الذكاء الاصطناعي" ما يلي:
"الذكاء الاصطناعي تطور أساسي مثله مثل المعالجات الدقيقة، والحاسوب الشخصي، والإنترنت، والهاتف المحمول وسوف يغير الطريقة التي يعمل بها الإنسان، ويتعلم، ويسافر، ويحصل على الرعاية الصحية، ويتواصل مع الآخرين".
وفي الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 2023 التقى إيلون ماسك مع رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، ودار حديث بينهما عن مستقبل الذكاء الاصطناعي، قال عنه ماسك إنه "القوة التغييرية الأعمق في تاريخ البشرية"، وأضاف "ستأتي اللحظة التي لا يعود فيها الإنسان بحاجة إلى وظيفة. طبعا يمكنه الحصول على وظيفة إرضاء لذاته، ولكن الذكاء الاصطناعي سيكون قادرا على القيام بكل شيء".
وعلى الرغم من اتفاق معظم رجال الأعمال والتقنيين على أهمية الدور الذي بدأ يلعبه الذكاء الاصطناعي في حياتنا، فإن الآراء تختلف بشكل كبير حول مدى اقترابه من الذكاء الاصطناعي العام والواعي.
"الواعي" و"المستيقظ"يتداول حاليا في الأوساط العلمية وأوساط مدراء الشركات والمفكرين مصطلحان هما "الذكاء الاصطناعي الواعي" (Sentient AI) و"الذكاء الاصطناعي المستيقظ" (Woke AI). وفيما يشير المصطلحان إلى مفاهيم مختلفة في سياق الذكاء الاصطناعي، فإن كلاهما يتعلق بميزات متقدمة لأنظمة الذكاء الاصطناعي.
الذكاء الاصطناعي الواعي: يشير إلى الذكاء الاصطناعي الذي يملك مستوى من الوعي الذاتي والوعي بالعالم الخارجي، بما في ذلك الشعور بالألم، والمتعة، والمشاعر الأخرى. يثير الذكاء الاصطناعي الواعي أسئلة عن حقوق الروبوت ومسؤولياته والمعاملات الأخلاقية المرتبطة بذلك. والجدير بالذكر أن التقنيات الراهنة لم تتمكن بعد من إنتاج الذكاء الاصطناعي الواعي، لكن يتوقع بعض العلماء المتفائلين أن نصل إليه خلال بضع سنوات.
الذكاء الاصطناعي المستيقظ: لا يملك تعريفا صارما، ولكنه يشير عموما إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي التي يتم تصميمها بحيث تعالج القضايا الأخلاقية والاجتماعية والثقافية، فتتجنب التحيزات العرقية والجنسية والاقتصادية، وتحترم التنوع.
وفي شهر أبريل/نيسان 2023، أجرى موقع فيوتشريزم الإعلامي (Futurism) مقابلة مع المهندس بليك ليموين الذي سبق أن طردته غوغل، لأنه قال إن الذكاء الاصطناعي الذي تطوره الشركة يمتلك وعيا. وفي هذه المقابلة كرر بليك القول إنه "يوجد احتمال أن يمتلك الذكاء الاصطناعي مشاعر وقد يمكنه أن يعاني ويفرح، ويجب على البشر على الأقل أن يضعوا ذلك في الاعتبار عند التفاعل معه".
وفي 13 مايو/أيار 2024، أطلقت شركة "أوبن إيه آي" (Open AI) إصدارة جديدة من جي بي تي باسم "جي بي تي-4 أو" (GPT-4o)، حيث يمثل الحرف "o" اختصارا لكلمة "Omni" التي تعني كل أو كلي. وقالت الشركة عن هذه الإصدارة إنها أول تقنية تفهم عواطف البشر وترد بشكل عاطفي أيضا، من خلال تحليل سياق الكلمات ونبرات الصوت وملامح الوجه، مما يشير إلى بداية التركيز على تطوير الذكاء العاطفي الاصطناعي.
المهندس بليك ليموين الذي طردته غوغل لأنه قال إن الذكاء الاصطناعي الذي تطوره الشركة يمتلك وعياً (مواقع التواصل الاجتماعي) ليس الجميع يتفق على الذكاءلا يتفق الجميع على أن الذكاء الاصطناعي سيصل قريبا إلى مستوى ذكاء الإنسان ويمتلك الوعي، بل حذر أستاذ الاقتصاد والحائز على جائزة نوبل بول رومر، من المبالغات الجارية حاليا بشأن تطور الذكاء الاصطناعي، فقال في مؤتمر "يو بي إس" (UBS) الآسيوي للاستثمار الذي عقد في هونغ كونغ أواخر شهر مايو/أيار الماضي "الثقة الجامحة السائدة حاليا بشأن المسار المستقبلي للذكاء الاصطناعي عالية جدا، وقد لا تتناسب مع التطورات المستقبلية الفعلية، وقد تؤدي إلى خطأ فادح للغاية".
وأضاف "نحن نغامر بتكرار فقاعة الضجيج حول العملات المشفرة التي حدثت قبل عامين فقط".
ويوجد من لا يعتقد بإمكانية أن يصبح الذكاء الاصطناعي واعيا. فالمؤلف الأميركي يوجين ليندن يرى أنه "قد تمر قرون قبل أن نتمكن من بناء نسخ حاسوبية طبق الأصل عن أنفسنا، هذا في حال تمكنا من ذاك".
والأعقد من ذلك، أن مفهوم الوعي بحد ذاته ما زال غامضا، ولهذا اقترح الفيلسوف الألماني توماس ميتزينجر فرض حظر عالمي على المحاولات المتعمدة لخلق وعي مصطنع للذكاء الاصطناعي إلى حين نصل إلى تفسير دقيق للوعي، لكن هذا الاقتراح لاقى معارضة كون الاتفاق على معنى الوعي قد يأخذ وقتا طويلا.
الخبراء يحذرون من أن الذكاء الاصطناعي المستيقظ متحيز حتى الآن على الأقل (غيتي) تحذيرات حول الذكاء المستيقظأما فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي المستيقظ، فيوجد إجماع على أن حقبته قد بدأت مع برامج الدردشة التي ترتكز على الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل شات جي بي تي، وغوغل جيمني (Gemini)، والتي تجيب عن الأسئلة المرتبطة بالثقافة والأخلاق والتنوع الاجتماعي.
لكن يحذر بعض الخبراء من أن الذكاء الاصطناعي المستيقظ متحيز (حتى الآن على الأقل)، فمثلا أظهر جيمني صورا لأشخاص سمر البشرة وآسيويين يرتدون الزي العسكري الألماني النازي في فترة الحرب العالمية الثانية، كما أظهر صورا لهنود حمر يرتدون زي الفايكونغ، وهو ما اعتبره الخبراء تزييفا للتاريخ.
ودفع إيلون ماسك للقول "الذكاء الاصطناعي المستيقظ مثل غوغل جيمني يمكن أن يقتل الناس".
وأقر الرئيس التنفيذي لشركة غوغل، ساندر بيتشاي في مذكرة داخلية، بأن بعض ردود جيمني "أساءت لمستخدمينا وأظهرت تحيزا". وقال إن ذلك "غير مقبول على الإطلاق"، مضيفا أن فرقه "تعمل على مدار الساعة" لإصلاح المشكلة.
لكن مشكلة الذكاء الاصطناعي المستيقظ لا تقتصر على جيمني، بل تتعلق بجميع نظم الذكاء الاصطناعي التوليدي، كونها ترتكز على الكميات الهائلة من البيانات التي يتم تدريب أدوات الذكاء الاصطناعي عليها، بما في ذلك بيانات عنصرية ومتحيزة.
تحاول الشركات المطورة لهذه النظم حاليا معالجة هذه المشكلة العويصة باستبعاد البيانات المتحيزة من التدريب. وعلى الرغم من هذه المشكلة الراهنة، يرى بعض المفكرين أن الذكاء الاصطناعي المستيقظ أكثر حيادية من ذكاء البشر. تقول جانيت آدامز، المديرة التنفيذية للعمليات المتفائلة في مؤسسة "سينغولارتي نت" (SingularityNET) "أرى مستقبلا يتخذ فيه الذكاء الاصطناعي العام قرارات أكثر أخلاقية من القرارات التي يتخذها البشر. ويمكنه أن يفعل ذلك لكونه لا يملك مشاعر غيرة أو جشع أو أجندات خفية".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات أن الذکاء الاصطناعی جی بی تی
إقرأ أيضاً:
الشارقة تُدخل اللغة العربية عصر الذكاء الاصطناعي بـ «معجم GPT»
الشارقة: «الخليج»
نظم مجمع اللغة العربية في الشارقة الحلقة النقاشية الإعلامية الخاصة تحت عنوان «المعجم التاريخي للغة العربية.. وثيقة الأمة الحضارية». في مقر المجمع، جمعت نخبة من الإعلاميين والباحثين لمناقشة الإنجازات والتحديات المرتبطة بالمشروع الطموح، وكشفت عن إطلاق مشروع «معجم GPT»، الذي يمثل نقلة نوعية لإدخال اللغة العربية في عصر الذكاء الاصطناعي.
في مستهل الجلسة، استعرض الدكتور امحمد صافي المستغانمي، الأمين العام للمجمع والمدير التنفيذي للمشروع، أهمية المعجم، موضحاً، أنه ليس مجرد سجل لغوي، بل هو مشروع حضاري يوثق تطور الكلمات العربية عبر العصور. وقال: «المعجم هو انعكاس للهوية الثقافية واللغوية للأمة، وهو بمنزلة الجسر الذي يربط بين ماضينا وحاضرنا، ويضع اللغة العربية في مكانتها اللائقة على الساحة الثقافية العالمية».
وأشاد بالدور المحوري لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي قدم دعماً غير محدود للمشروع. وأكد أن رؤية الشيخ سلطان جعلت من الشارقة مركزاً عالمياً لدعم اللغة العربية، ما أتاح تحقيق هذا الإنجاز الحضاري الذي يعزز مكانة اللغة على مستوى العالم.
رؤية علمية دقيقة.
تحدث بهاء الدين عادل دنديس، خبير الدراسات والبحوث في المجمع، عن المنهجية العلمية التي يقوم عليها إعداد المعجم التاريخي، موضحاً أن المشروع يعتمد على توثيق كل كلمة عربية من حيث أول ظهور لها، مع تتبع تطورها الدلالي عبر العصور.
وقال: «المعجم التاريخي يتميز بمنهجيته العلمية الفريدة، حيث يتتبع الكلمة منذ ولادتها، مسلطاً الضوء على تطورها الدلالي والسياقات المختلفة التي استُخدمت فيها».
وعلى سبيل المثال، كلمة «الألف» تحتوي على 72,000 مفردة موثقة، بينما يغطي حرف «الميم» 120 صفحة، ما يعكس ثراء اللغة العربية وتنوعها.
وفي إطار مواكبة التطور التكنولوجي، أعلن الدكتور المستغانمي إطلاق مشروع «معجم GPT»، الذي يمثل تحولاً ثورياً في استخدام الذكاء الاصطناعي لتطوير اللغة العربية.
وأوضح أن المعجم سيوفر تجربة بحث تفاعلية فريدة، قائلاً: «هذا المشروع يهدف إلى جعل اللغة العربية أكثر حضوراً في العالم الرقمي، من خلال تسهيل دراسة اللغة وجعلها في متناول الجميع».
وكشف أن المشروع في مراحله النهائية، ومن المتوقع إطلاقه رسمياً خلال العام القادم 2025.
أطلق المجمع نسخة إلكترونية من المعجم التاريخي، متاحة عبر الإنترنت وتطبيقات الهواتف الذكية، ما يتيح وصولاً سهلاً وسريعاً للمحتوى.
وأشار الدكتور المستغانمي، إلى أن النسخة الرقمية ليست مجرد أداة للوصول إلى المعلومات، بل هي منصة تفاعلية تساعد على استكشاف اللغة العربية بطريقة مبتكرة، موضحاً أن المعجم التاريخي يمكن أن يلعب دوراً محورياً في تطوير المناهج التعليمية، حيث يُمكن استخدامه كأداة فعالة لتعزيز مهارات اللغة لدى الطلاب. وقال: «المعجم ليس مجرد مرجع، بل هو وسيلة تعليمية تساعد على تقديم اللغة بطريقة شاملة وعميقة».
تعزيز الهوية
أكد المشاركون في الجلسة، أن المعجم يسهم في تعزيز الهوية الثقافية واللغوية للأمة العربية، خاصة في ظل التحديات التي تواجه اللغة العربية اليوم.
وقال المستغانمي: «المعجم يمثل حصناً منيعاً يحمي اللغة من الاندثار، ويضمن بقاءها للأجيال القادمة».