التعليم ومهارات القرن الحادي والعشرين
تاريخ النشر: 27th, June 2024 GMT
د. أحمد جمعة صديق
يتميز التعليم في القرن الحادي والعشرين بمجموعة من السمات تعكس التقدم التكنولوجي، والتغيرات التي حدثت في أنماط التعليم والتعلم التي استحدثت لتفي باحتياجات المجتمع المتطورة والمتسارعة بصورة لا تكاد تجارى، وهذه بعض السمات البارزة لما ينبغي أن يكون عليه التعليم في القرن الواحد والعشرين.
• استخدامم التكنولوجيا:
يتضمن التعليم الآن استخدام التكنولوجيا بصورة كبيرة في التدريس والتعليم والتقييم. فعلى سبيل المثال، تستخدم السبورات الذكية، ومنصات التعلم الإلكتروني مثل MoodleوZoom وCanvas، التطبيقات التعليمية، والمحاكاة بالواقع الافتراضي. وسنتعرض لها بالتفصيل في مقال قادم ان شاء الله.
• التعليم المدمج:
ويستخدم لتكييف التعليم وفقاً لاحتياجات وتفضيلات الطلاب الفردية من خلال تقنيات التعلم التكيفي، والتعليم المتنوع، وخطط التعلم الشخصية.
• الاتصال العالمي:
ساعدت الثورة الرقمية في تسهيل الوصول إلى المعرفة والمهارات على مستوى العالم من خلال التفاعل مع شبكة الإنترنت، مما يتيح للطلاب التعاون مع أقرانهم في جميع أنحاء العالم، والمشاركة في مشاريع دولية، والوصول إلى مصادر خارج بيئتهم المباشرة وهذا شئ كان في الماضي في عداد المستحيل. فلا غرو أن يتعاون مجموعة من الطلاب في دراسة أو تصميم مشاريع بالتزامن من بلدان مختلفة بالرغم من تباعد المسافات واختلاف المناخات.
• التعلم القائم على المشروع:
من السمات الحديثة لنظام التعليم الجديد ان يركز على المشاريع العملية والمتعددة التخصصات التي تعزز التفكير النقدي وحل المشكلات ومهارات التعاون بين الافراد والجماعات.
• التفكير النقدي والإبداع:
يلاحظ تحول المناهج من نمط التعليم بحفظ وتركيز المعلومات إلى تنمية قيم جديدة في التعليم مثل التفكير النقدي والإبداع والابتكار ويقوم جل هذه النشاطات على توظيف المعارف وتحويلها الى مهارات.
• المعرفة الرقمية:
يقوم تعليم القرن الواحد والعشرين بتعليم الطلاب كيفية التنقل والتقييم وإنشاء المعلومات الرقمية بشكل مسؤول، بما في ذلك فهم العمل بأمان عبر الإنترنت و وتشرب الثقافة الإعلامية والاعتبارات الأخلاقية في العالم الرقمي.
• التعلم مدى الحياة:
من سمات التعليم في هذا القرن هو المواكبة وذلك بتشجيع ورفع وعي الطلاب بالتعلم المستمر بعد نهاية التعليم الرسمي في الكلية أو الجامعة، مدعوماً بالدورات الإلكترونية وفرص التطوير المهني والاندماج المتواصل والمتفاعل بمجتمعات التعلم.
• التعاون والتواصل:
يتميز أيضاً التعليم الحديث بتعزيز مهارات العمل الجماعي والتواصل والفهم الثقافي من خلال المشاريع التعاونية والمناقشات عبر الإنترنت وأدوات مؤتمرات الفيديو. والآن تركز الدراسات العليا في منح درجات الماجسيتر والدكتوراه عبر العمل الجماعي في مشروع متكامل تتداخل وتتلاقح فيه جميع فروع المعرفة العلمية العملية والنظرية. لم تعد اطروحات الدكتوراه مثلاً مجهوداً فردياً بين المشرف والطالب ولكن تمنح من خلال انجاز اعمال تتطلب العمل الجماعي المتكامل مع عمل الفريق ككل.
• بيئات التعلم المرنة:
يتسم التعليم بالمرونة في أوضاع التعلم (مثل التعلم المدمج، والفصول الدراسية المقلوبة)، وتكييف بيئات التعلم لاستيعاب أساليب التعلم والاحتياجات المتنوعة.
• التركيز على الرفاهية:
الاعتراف بأهمية الصحة النفسية والرفاهية في نتائج التعلم، مع مبادرات تركز على اليقظة الذهنية وإدارة الضغوط وخلق بيئات مدرسية داعمة وجاذبة للطالب والمعلم على السواء. فتوفير المناخ العلمي يتطلب توفير الكثير من المعينات التي تقلل من الجهد البدني والنفسي على الانسان مما ينعكس على أداء الفرد والذي سيعمل بنفس مفتوح وبطواعية ان توافرت له عناصر السعادة في البيئة التعليمية بالمدرسة أو الجامعة.
هذه السمات تعكس تحولًا نحو تجهيز الطلاب لتحديات العالم الحديث، وتزويدهم بمهارات ومعرفة ذات صلة بواقع حياتهم اليومي، قابلة للتكيف مع التحديات المستقبلية.
• المنهج والكتاب المدرسي في القرن
يجب أن تكون الكتب المدرسية للمنهج في القرن الحادي والعشرين مصممة لتتماشى مع أهداف التعليم الحديثة وبيئات التعلم الحديثة. ويمكن أخذ بعض الاعتبارات الرئيسية في تنظيم وتقديم الكتب المدرسية:
1. الوصول الرقمي:
يجب أن تكون الكتب المدرسية متاحة في صيغ رقمية لدعم أوضاع التعلم المرنة مثل منصات التعلم عبر الإنترنت وبرامج قارئات الكتب الإلكترونية والأجهزة المحمولة، وهذا الأمر يضمن إمكانية الوصول الى المعلومة في أي مكان وفي أي وقت.
2. الميزات التفاعلية:
يجب دمج عناصر تفاعلية مثل مقاطع الفيديو المدمجة، والمحاكاة، والرسوم التفاعلية، والاختبارات في منهج متكامل وهذا من الميزات التي تشجع الطلاب على المشاركة بنشاط وتعزز ادراك المفاهيم.
3. دمج الوسائط المتعددة:
يجب تضمين المنهج لعناصر ووسائط متعددة مثل التسجيلات الصوتية، والرسوم المتحركة، وتجارب الواقع الافتراضي حيثما كان ذلك مناسباً. فهذه العناصر تثري تجربة التعلم وتلبي أنماط التعلم المتنوعة.
4. التجزئة والتخصيص:
يجب أن تكون الكتب المدرسية قابلة للتجزئة، مما يسمح للمعلمين بتخصيص المحتوى استناداً إلى احتياجات طلابهم الفردية لتتناسب مع متطلبات الدورات المختلفة من حيث الإيقاع والابعاد الزمانية والمكانية.
5. التطبيقات في الحياة الواقعية:
تقديم أمثلة ودراسات حالة توضح كيفية تطبيق المفاهيم النظرية في سياقات الحياة الواقعية. هذا يساعد الطلاب على ربط النظرية بالممارسة وفهم أهمية تعلمهم. تقوم الجامعات الامريكية والكندية بربط التعليم بواقع الطالب كمتطلب للحياة. ويغلب في البيئة التعلمية استخدام مصطلحات تهيئ عقل ونفس الدارس على استيعاب العملية التعلمية بصورة أفضل ولذلك نجد ان مصطلح التدريب يغلب على مصطلح التعليم. فتجد الطبيب يقدم نفسه بأنه تدرب في الكلية او الجامعة الفلانية ولا يستخدم مصطلح تعلمت أو درست أوتخرجت بل تدربت, وشتان ما بين شخص تعلم وىخر قد تدرب.
6. محفزات التفكير النقدي:
يجب تضمين المنهج أسئلة ومحفزات على طول النص تشجع على التفكير النقدي وحل المشكلات والتأمل. يجب أن تتحدى هذه المحفزات الطلاب لتحليل المعلومات وإيجاد الصلات بشكل مستقل. وهذا نمط يستبدل المعلومة بالمهارة فلا قيمة لمعلومات أو معارف لا يمكن ان تتحول الى مهارات. ينبغي ان يجد الدارس ان جميع ما تحصل عليه من معارف مفيد للمجتمع وقابل للقياس والتطبيق.
• فرص التعلم التعاوني:
من سمات المنهج القدرة على دمج الأنشطة والمشاريع التي تعزز التعاون بين الطلاب مثل المناقشات الجماعية، ومراجعات الأقران، ومهام حل المشكلات بالتعاون.
• محتوى حديث ومحدث:
ينبغي أن يكون المحتوى حديثاً، مع انعكاس أحدث الأبحاث والتطورات التكنولوجية والتغيرات الاجتماعية. وهذا يحافظ على قيمة المواد التعليمية وإشراك الطلاب في صنع واستهلاك المعرفة مما يعزز التعليم والتعلم في آن واحد.
• ميزات الوصول والحصول على المنهج:
بجب أن يراعى في تصميم الكتب المدرسية التوافق في الوصول والحصول عليها بسهولة، كأن يتاح ذلك للطلاب ذوي الإعاقة في إمكانية التحويل إلى النص، وتعديل أحجام الخطوط، وتقديم الصيغ البديلة وخلافه مما يراعي حالة الفرد المعاق واستعداده للتعلم واستراتيجياته في التعلم أيضاً.
• موارد دعم المعلمين:
لابد من توفير موارد مرافقة للمعلمين مثل خطط الدروس وأدوات التقييم والمواد الإضافية لتسهيل التدريس والتعلم.
• الاعتبارات الأخلاقية:
التعامل مع القضايا الأخلاقية المتعلقة بالموضوع عند الضرورة، مع تعزيز النقاشات حول مواضيع مثل الأخلاق الرقمية والاستدامة البيئية والمسؤولية الاجتماعية.
• المنظورات الثقافية والعالمية:
مع ان العالم قد اصبح قرية صغيرة اختذلت فيها المسافات بصورة لا يتصورها العقل لكن لا تظل الفروقات والاعتبارات الثقافية واللغوية والفكرية تختلف بين الشعوب. ولكن لكي نصل الى الحد الادني الذي يجمع بين البشر من كل جنس ولون وثقافة علينا ان نر اعي هذه الفروقات ونحترم هذه التباينات وهذا يتطلب دمج المنظورات والسياقات الثقافية المتنوعة لتعزيز الوعي العالمي والفهم بين الطلاب.
وباختصار، يجب أن تكون الكتب المدرسية لمنهج القرن الحادي والعشرين ديناميكية، تفاعلية، وقابلة للتكيف مع أنماط التعلم المتنوعة والمنصات التكنولوجية المختلفة. كما يجب أن تشجع على التفكير النقدي، وتدعم التعلم التعاوني، وتدمج عناصر الوسائط المتعددة لتعزيز المشاركة والفهم.
aahmedgumaa@yahoo.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: القرن الحادی والعشرین التفکیر النقدی فی القرن من خلال
إقرأ أيضاً:
هل ينجح ترامب في جني 700 مليار دولار سنويا من الرسوم الجمركية؟
في ظل تصاعد سياسات الحمائية التجارية، تعود التعريفات الجمركية إلى الواجهة بقوة في الولايات المتحدة، وهذه المرة عبر وعود طموحة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يعتزم، حسب مستشاره التجاري بيتر نافارو، جمع ما يصل إلى 700 مليار دولار سنويا من الرسوم الجمركية وحدها.
وناقش الخبير الاقتصادي الأميركي "جاستن فوكس" هذا السيناريو المفترض في مقال رأي نشرته وكالة بلومبيرغ، مقدّما تحليلا تاريخيا واقتصاديا معمقا حول ما إذا كان هذا الهدف واقعيا، وما الذي قد يعنيه للاقتصاد الأميركي.
بحسب نافارو، فإن خطة ترامب ترتكز على فرض 100 مليار دولار من الرسوم على واردات السيارات، و600 مليار دولار أخرى على مختلف السلع المستوردة، ما يعادل حوالي 2.4% من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي.
هذه النسبة تمثل زيادة ضخمة مقارنة بالإيرادات الجمركية الحالية التي تعادل تقريبا 9 أضعاف ما يتم تحصيله حاليا من الجمارك، وفقا لبيانات مكتب الإدارة والميزانية الأميركي.
سياق تاريخي.. من ماكينلي إلى ترامبويستعرض فوكس المسار التاريخي للإيرادات الجمركية الأميركية، مشيرا إلى أن هذه الإيرادات لم تتجاوز نسبة 2% من الناتج المحلي منذ أوائل سبعينيات القرن الـ19، ولم تحقق هذا الرقم بشكل مستمر إلا في فترات قصيرة جدا في عشرينيات وثلاثينيات القرن الـ19.
إعلانوحتى خلال رئاسة ويليام ماكينلي (1897-1901)، الذي غالبا ما يستشهد به ترامب كمصدر إلهام، لم تتجاوز الإيرادات الجمركية نصف ما يُتوقع أن تحققه خطط الإدارة الحالية.
ويضيف فوكس أن بيانات الناتج المحلي الإجمالي الأميركي قبل عام 1929 تعتمد على تقديرات غير رسمية، جمعها موقع "MeasuringWorth.com"، في حين تعتمد الإحصاءات الحديثة على مكتب التحليل الاقتصادي الأميركي. ويؤكد أنه رغم التفاوتات المحتملة في الدقة، فإن الأرقام تشير بوضوح إلى أن هدف ترامب يمثل قفزة غير مسبوقة في تاريخ الاقتصاد الأميركي.
تحوّل بنية الاقتصاد الأميركي.. اعتماد واسع على الوارداتوشهدت الولايات المتحدة منذ ستينيات القرن الماضي زيادة كبيرة في نسبة الواردات إلى الناتج المحلي الإجمالي، فعلى سبيل المثال، بلغت الواردات من السلع 11.2% من الناتج المحلي في عام 2024، وهي نسبة أعلى بكثير من النسب التي كانت تُسجَّل قبل عام 1996، حين كانت الواردات تمثل أقل من 10% من الناتج المحلي.
هذا الارتفاع في الاعتماد على الواردات يوفّر، نظريا، قاعدة أوسع لتطبيق الرسوم الجمركية، وفي هذا السياق، يشير فوكس إلى أن قيمة 700 مليار دولار من مجمل الواردات تعادل 21% تقريبا من قيمة السلع المستوردة، وهي نسبة لا تختلف كثيرا عن مستويات العائدات الجمركية في القرن التاسع عشر.
لكن المفارقة التي يسلط عليها الضوء أن أحد الأهداف المعلنة للرسوم هو تقليص حجم الواردات، وبالتالي، فإن أي نجاح لهذه السياسة في تقليص الواردات سيجعل من الصعب تحقيق هدف الإيرادات، ويضيف فوكس أن عودة الولايات المتحدة إلى مستويات التعريفات الجمركية في القرن التاسع عشر قد تُشكّل صدمة اقتصادية يصعب التنبؤ بعواقبها، خاصة في ظل بنية الاقتصاد الحديث.
تعريفات ثم ازدهار.. وهم أم واقع؟ويحذّر فوكس من الاعتقاد السائد بأن التعريفات المرتفعة ترتبط حتميا بالنمو الاقتصادي، فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة أصبحت قوة اقتصادية عُظمى خلال فترة التعريفات المرتفعة في القرن التاسع عشر، فإنه لا توجد أدلة قاطعة تربط بين ارتفاع الرسوم الجمركية وازدهار اقتصادي مستدام.
وتستشهد بلومبيرغ في المقال ببيانات من البنك الدولي لعام 2021، والتي تظهر أن الدول ذات الإيرادات الجمركية الأعلى نسبة من الناتج المحلي الإجمالي، مثل السنغال ومنغوليا، ليست من الدول الأكثر ازدهارا. وفي الواقع، فإن تطبيق سياسة ترامب سيضع الولايات المتحدة في مرتبة قريبة من تلك الدول، حسب المقارنة التي قدمها فوكس.
إعلانويوضح الكاتب أن الأميركيين اليوم أكثر ثراء بـ17 مرة من سكان السنغال، و10 مرات من الأميركيين في عام 1900، وهو ما يُثير القلق من أن السياسات الجمركية الجديدة قد تُعرض هذا التقدم للخطر.
بين الطموح والتكلفة المحتملةويخلص المقال إلى أن تحقيق إيرادات جمركية بقيمة 700 مليار دولار سنويا ليس مستحيلا من الناحية النظرية، لكنه يأتي بتكلفة اقتصادية محتملة باهظة. فرفع الرسوم إلى هذا المستوى، في وقت يعتمد فيه الاقتصاد الأميركي على الواردات بشكل كبير، قد يؤدي إلى:
زيادة أسعار المستهلكين. تعطيل سلاسل الإمداد. زعزعة العلاقات التجارية الدولية.ويرى الكاتب أن المضي قدما بهذه الخطة قد يُعيد الاقتصاد الأميركي إلى نموذج القرن التاسع عشر، ليس فقط في السياسات، بل وربما في النتائج أيضا، ويختم فوكس بتحذير ضمني من أن الطريق إلى تحقيق الإيرادات من الرسوم ليس فقط مليئا بالتحديات، بل قد يكون محفوفا بالمخاطر طويلة الأجل.