مع تصاعد العجز المالي.. إسرائيل تلجأ لرواتب موظفيها
تاريخ النشر: 27th, June 2024 GMT
يعاني الاقتصاد الإسرائيلي من آثار العدوان الذي تشنه إسرائيل على قطاع غزة منذ نحو 9 أشهر، ما أعطى إشارات لركود أصابه، وذلك بسبب تجنيد معظم العمالة الإسرائيلية، وصرف رواتب للجنود شهريا، مما أدى إلى فجوة كبيرة في الاقتصاد الإسرائيلي، وتحاول وزارة المالية التصدي للتدهور الحاصل من خلال إجراءات وقرارات عديدة.
ونشرت جريدة إسرائيل هيوم العبرية تقريرا للكاتب هايالي جاكوبي-هاندلزمان، تناول فيه أثر قرار وزارة المالية الجديد على الجمهور الإسرائيلي، حيث قررت الوزارة خصم يوم نقاهة واحد من كل مستوطن ومواطن في إسرائيل من أجل دفع رواتب الجنود، بما يوازي 418 شيكلا (111 دولارا) في القطاع الخاص و471 شيكلا (125 دولارا) في اليوم بالقطاع العام، وهو ما بدأ بالفعل من شهر يونيو/حزيران الجاري.
واستعرض الكاتب آراء المستوطنين حول القرار، حيث تقول "نوا"، معلمة إسرائيلية من منطقة شارون، "لا شك أنه يجب دفع الرواتب لجنود الاحتياط الذين ضحوا وساهموا بكل ما استطاعوا، ومع ذلك، من غير المنطقي أن يأتي هذا مرة أخرى من جيوب المستوطنين".
وبحسب الكاتب، فقد قال بعض الموظفين إنهم سوف يدفعون قريبا ضريبة نتيجة العجز الذي نشأ بسبب الحرب، مشيرين إلى أن الكثير من الموظفين لا يدركون أنه في الراتب المقبل لشهر يوليو/تموز، سيتم تحويل قيمة يوم نقاهة واحد من كل موظف للدولة.
وأضاف الكاتب أن بعض الموظفين الذين تحدث معهم عارضوا هذه الخطوة بدعوى أنها "تمس بالطبقة الوسطى التي تعاني بالفعل من غلاء المعيشة"، فيما أعلن البعض الآخر تفهمهم لهذه الخطوة، لأنها تهدف أيضا إلى دعم جنود الاحتياط الذين تضرروا اقتصاديا بشدة نتيجة الحرب، ويرون أنفسهم بهذا الشكل مساهمين في الحرب ولو قليلا.
ونقل الكاتب عن روتيم طبيب، الذي يعمل في الدعم الفني لأجهزة الكمبيوتر، قوله "إنه أمر محبط للغاية، لكن ماذا سنفعل؟ وضع الدولة بسبب هذه الحرب ليس في أفضل حالاته، ولكن بشكل عام، لا أريد أن يأخذوا مني يوم النقاهة، ولكن من ناحية أخرى، هذا أقل ما يمكنني فعله لدعم الجهد الحربي"، وأضاف "إذا كان هذا سيساعد الدولة، ليس لدي الكثير لأفعله، ليس لدي طريقة أخرى للمساهمة لأنني لست جنديا في الاحتياط، وبصفتي إسرائيليا، أشعر بالفخر بأن أكون جزءا من الدولة والمساهمة".
وتابع الكاتب استعراض رأي المستوطنين، حيث تكشف المستوطنة "إيما" أنها تتفهم الحاجة إلى معالجة العجز الناجم عن الحرب، لكنها تعارض هذه الخطوة بشدة، حيث تقول "أنا مع التجنيد المدني، من الواضح أننا في فترة صعبة، وأن هناك تداعيات للحرب التي تأتي أيضا على شكل عجز مالي، لا شك أنه يجب دفع الرواتب لجنود الاحتياط الذين ضحوا وساهموا بكل ما استطاعوا، ومع ذلك، من غير المنطقي أن يأتي هذا مرة أخرى من جيوب المستوطنين".
وأضافت نوا "منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، هناك تعبئة على نطاق واسع في المجتمع الإسرائيلي"، مشيرة إلى أن هناك أشخاصا يتطوعون في جمعيات ومبادرات مختلفة، ويهتمون بالآخرين ويعملون من أجل مستقبل الدولة، ولكن على الجانب الآخر هناك حكومة فاشلة مع 120 عضو كنيست، بدلا من أن يعملوا ليلا ونهارا لإعادة 120 محتجزا في غزة، فإن كل ما يهمهم هو تمرير قوانين شخصية، وقوانين تضر بمستقبل الدولة الليبرالي، وتمرير قوانين تضر بالجنود الاحتياط، الذين من المفترض أنهم يهتمون بهم في هذه الخطوة.
واختتم الكاتب التقرير بما قالته نوا إنها لا يمكنها التعاون مع إجراء، من وجهة نظرها، "غير منطقي تماما"، وأنها لو رأت الدولة تعمل بكفاءة وقيادة جديرة، لكانت شاركت في المساعدة وتقديم كل ما يلزم، مؤكدة أنه لو قام أعضاء الكنيست بتقديم 10 أيام نقاهة، فإنها سوف تلتزم بقرار الحكومة الجديد، وتقدم يوم نقاهة من راتبها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات هذه الخطوة
إقرأ أيضاً:
ميزان المدفوعات الإسرائيلي ومدى تأثره بالحرب
تأثر ميزان المدفوعات الإسرائيلي سلبا بسبب تداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة، والتي استمرت منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وحتى الشهر الأول من العام الحالي، حيث تراجعت موارد العديد من مصادر النقد الأجنبي خلال عامي الحرب، خاصة الصادرات السلعية والخدمية والاستثمارات الأجنبية الواردة، الأمر الذي أدى إلى تراجع مدفوعات عددا من الأنشطة الاقتصادية للخارج أيضا، إلا أن الملاحظ أن حدة التأثير كانت أكثر خلال العام الأسبق بالمقارنة بالتأثير الذي حدث في العام الماضي.
وميزان المدفوعات هو الميزان الذي يقيس الفرق بين موارد النقد الأجنبي الواردة لأية دولة من كل المصادر، وبين مدفوعات النقد الأجنبي منها إلى دول العالم بكل الأنشطة. وتسهيلا لبيان مدى تأثر نوعية الموارد والمدفوعات، يتم تقسيم الميزان الكلى للمدفوعات إلى موازين فرعية خمسة رئيسية، أبرزها الميزان التجاري الذي يرصد الفرق بين حصيلة الصادرات السلعية ومدفوعات الواردات السلعية، والميزان الخدمي الذي يرصد الفرق بين المتحصلات من الأنشطة الخدمية ومدفوعاتها، وميزان الدخل الأولى وميزان الدخل الثانوي والحساب الرأسمالي والمالي، والتي سنعرضها تباعا.
عادة ما يحظى الميزان التجاري السلعي بالاهتمام الأكبر بغالبية دول العالم، حيث إنه الأكبر من حيث القيمة والتأثير، إلا أنه في الحالة الإسرائيلية يقترب الميزان التجاري الخدمي من حيث الأهمية والتأثير من الميزان التجاري السلعي، حتى أن حصيلة الصادرات الخدمية أصبحت تفوق حصيلة الصادرات السلعية بالسنوات الأخيرة، كما أصبح الفائض المتحقق بالميزان الخدمي يفوق قيمة العجز المزمن بالميزان السلعي خلال السنوات العشر الأخيرة
وعادة ما يحظى الميزان التجاري السلعي بالاهتمام الأكبر بغالبية دول العالم، حيث إنه الأكبر من حيث القيمة والتأثير، إلا أنه في الحالة الإسرائيلية يقترب الميزان التجاري الخدمي من حيث الأهمية والتأثير من الميزان التجاري السلعي، حتى أن حصيلة الصادرات الخدمية أصبحت تفوق حصيلة الصادرات السلعية بالسنوات الأخيرة، كما أصبح الفائض المتحقق بالميزان الخدمي يفوق قيمة العجز المزمن بالميزان السلعي خلال السنوات العشر الأخيرة.
عجز تجاري سلعي وفائض خدمي
ولعل النظرة التاريخية لواقع تلك الموازين الفرعية داخل ميزان المدفوعات الإسرائيلي، تساعدنا في فهم مدى تأثرها بتداعيات الحرب خلال العامين الأخيرين، فالميزان التجاري السلعي يعاني من عجز مزمن أمكن رصده منذ عام 1980 وحتى العام الأخير، فيما عدا فائض محدود عام 2009 نتيجة انخفاض سعر النفط بشكل كبير في بلد تنخفض به نسبة الاكتفاء الذاتي من النفط إلى 6.5 في المائة، بينما يحقق ميزان الخدمات فائضا مستمرا منذ عام 1997 وحتى العام الماضي، أما ميزان الدخل الأولى الذي يقيس الفرق بين إيرادات فوائد الاستثمارات في الخارج، وبين مدفوعات الفوائد عن الاستثمارات الأجنبية الموجودة بالبلاد فيحقق عادة عجزا مستمرا، بينما يحقق ميزان الدخل الثانوي فائضا مستمرا، وهو الذي يقيس الفرق بين المعونات الواردة والمعونات الممنوحة للخارج، وبين تحويلات العمالة الواردة من الخارج وبين تحويلات العمالة الخارجة من البلاد.
أما الحساب المالي الذي يقيس الفرق بين تدفقات الاستثمارات الأجنبية، بأنواعها: المباشرة وغير المباشرة والودائع والقروض الداخلة للبلاد، وبين مثيلتها الخارجة من البلاد، فهو ميزان متقلب ما بين تحقيق فائض أو عجز في السنوات الماضية، وهكذا يميل ميزان المدفوعات الكلي لتحقيق فائض عادة، مما تسبب في ازدياد قيمة الاحتياطيات من العملات الأجنبية حتى خلال عامي الحرب.
وهكذا نجد أن اتجاه الموازين الفرعية للميزان الكلي خلال عامي الحرب رغم ما لحق بهم من تأثير، قد ظل على نفس الوتيرة التاريخية، حيث ظل الميزان السلعي يحقق عجزا والميزان الخدمي يحقق فائضا، والدخل الأولى يحقق عجزا والدخل الثانوي يحقق فائضا مع تدفق المعونات الخارجية خاصة من الولايات المتحدة، كما ظل الحساب المالي يحقق عجزا نتيجة زيادة الاستثمارات الأجنبية الخارجة عن قيمة الاستثمارات الأجنبية الداخلة.
وبرصد مدى شدة تأثر تلك الموازين الفرعية بعامي الحرب، نجد أنه في التجارة السلعية انخفضت قيمة الصادرات في العام الأول للحرب بنسبة 8.3 في المائة، في حين كانت نسبة انخفاضها في العام الثاني 3.8 في المائة. أما بالواردات فقد انخفضت في العام الأول بنسبة 12 في المائة، لكنها تحسنت في العام الثاني جزئيا وهو التحسن الذي لم يعيدها لمستوى عام ما قبل الحرب والذي ظلت أقل منه بنسبة 9 في المائة.
وذلك رغم زيادة واردات الدفاع في عامي الحرب لتصل إلى 7.2 مليار دولار في العام الماضي، لكنه قابلها تراجع تكلفة واردات الطاقة خلال عامي الحرب، بسبب تراجع أسعار النفط والفحم اللتان تستوردهما خلال العامين، ليصل العجز التجاري السلعي إلى 20.6 مليار دولار في العام الأول و26.3 مليار دولار في العام الثاني مقابل عجز بلغ 26.5 مليار دولار في العام السابق للحرب.
خدمات الأعمال وصمود الصادرات الخدمية
أما التجارة الخدمية فتعد نتائجها غير مفهومة للبعض، فرغم انخفاض حصيلتها خلال عامي الحرب عما كانت عليه في العام السابق على الحرب، فقد حققت فائضا في العام الماضي يفوق الفائض المتحقق في عام 2022 السابق على الحرب، وهو أمر يجده البعض غير مفهوما بسبب تراجع إيرادات السياحة نتيجة تراجع أعداد السياح الواصلين من بلدان العالم في العام الماضي، وكذلك تأثر خدمات النقل بسبب التعطيل الكبير لميناء إيلات بسبب حصار الحوثيين لباب المندب.
لكن سبب تلك الحصيلة الكبيرة للفوائض بالتجارة الخدمية البالغة 39.2 مليار دولار في العام الماضي، واستوعبت العجز في الميزان التجاري السلعي البالغ 26.3 مليار دولار، وتحقيق فائض في ميزان السلع والخدمات بلغ 13 مليار دولار، يمكن فهمه بالنظر إلى التوزيع النسبي لموارد الخدمات في العام الماضي، حين نجد أن خدمات الأعمال تستحوذ على نسبة 87 في المائة من الموارد الخدمية، وخدمات النقل 10 في المائة، والسياحة 2.6 في المائة، والباقي للخدمات التأمينية والحكومية، ومن هنا فإن الضرر الذي لحق بالإيرادات السياحية وخدمات النقل لم يكن له أثره الكبير في تأثر فائض التجارة الخدمية.
وهذا النصيب الكبير لخدمات الأعمال بين موارد الخدمات أمر مستمر بالسنوات الماضية، فخلال السنوات الخمس الأخيرة لم يقل نصيبه من موارد الخدمات عن الثمانين في المائة، وكان هذا هو السبب في أن مجمل حصيلة الصادرات الخدمية خلال عام 2023 والبالغة 81.9 مليار دولار، ورغم انخفاضها بنحو 3 مليارات دولار عن العام السابق للحرب، كانت أعلى من الحصيلة الخدمية في أية دولة عربية خلال العام، والتي تعتمد على الموارد الخدمية من السياحة والنقل والخدمات الصحية والتعليمية والمالية والترفيهية وغيرها، حيث كانت في الإمارات 72.5 مليار دولار والسعودية 48.5 مليار دولار شاملة الحج والعمرة، و33.6 مليار دولار بمصر.
الدين الخارجي يتراجع رغم الحرب!
أما في الدخل الثانوي فقد زادت المعونات الأجنبية من الحكومات إلى 8.2 مليار دولار، خاصة من الولايات المتحدة والتي تم رصد 6 مليارات دولار منها، واستمرت ألمانيا في تقديم التعويضات الشخصية البالغة حوالي نصف مليار دولار سنويا، كما زادت تحويلات العاملين الداخلة البالغة 5.3 مليار دولار، عن قيمة تحويلات العمالة الخارجة البالغة 2.8 مليار دولار.
ساهمت عوامل خارجية عديدة في امتصاص ميزان المدفوعات الإسرائيلي للآثار السلبية التي لحقت به في العام الأول للحرب، لتنخفض حدتها في العام الثاني، بسبب المساندة الغربية بل والعربية ومن دول إسلامية ساهمت في إمداد اسرائيل باحتياجاتها، من السلع والمواد الخام والوقود ليستمر دوران عجلة اقتصادها وآلة حربها، رغم حصارها المستمر لسكان غزة ومنع الغذاء والدواء والوقود عنهم لشهور طويلة
أما الاستثمار الأجنبي المباشر في إسرائيل فقد انخفض من حوالي 23 مليار دولار في العام السابق على الحرب، إلى 16 مليار دولار في العام الأول للحرب واقترب من 17 مليار دولار في العام الثاني، كذلك تحولت الاستثمارات الأجنبية في الأوراق المالية والتي تسمى استثمارات الحافظة، من تدفق للداخل في العام السابق للحرب بقيمة 4.3 مليار دولار، إلى تدفق للخارج بقيمة 11 مليار دولار في العام الأول للحرب، وعودة للداخل بقيمة ملياري دولار في العام الثاني، وبإضافة الاستثمارات الأخرى المتعلقة بالقروض والودائع الأجنبية، فقد انخفضت قيمة الاستثمارات الأجنبية بأنواعها الثلاثة مباشرة وحافظة وأخرى، من حوالي 24 مليار دولار في العام السابق على الحرب إلى أقل من 8 مليارات دولار في العام الأول للحرب، لكنها عادت للصعود في العام الثاني للحرب إلى حوالي 27 مليار دولار.
وهكذا ساهمت عوامل خارجية عديدة في امتصاص ميزان المدفوعات الإسرائيلي للآثار السلبية التي لحقت به في العام الأول للحرب، لتنخفض حدتها في العام الثاني، بسبب المساندة الغربية بل والعربية ومن دول إسلامية ساهمت في إمداد اسرائيل باحتياجاتها، من السلع والمواد الخام والوقود ليستمر دوران عجلة اقتصادها وآلة حربها، رغم حصارها المستمر لسكان غزة ومنع الغذاء والدواء والوقود عنهم لشهور طويلة، وهو المنع الذي عاد مؤخرا دون أي رد فعل عملي من قبل الدول العربية والإسلامية رغم حدوثه بشهر الصوم.
صحيح أن معدلات النمو قد تراجعت والعجز بالموازنة قد زاد، لكن الدين الخارجي الإسرائيلي الذي بلغ 155.2 مليار دولار بنهاية العام السابق على الحرب، اتجه للانخفاض بعامي الحرب ليصل إلى 147.4 مليار بنهاية العام الماضي، مع الدعم المالي والعسكري الغربي الذي قلل من الحاجة للاقتراض، كما زادت قيمة الاحتياطيات من العملات الأجنبية من 198.6 مليار في أيلول/ سبتمبر 2023 الشهر السابق للحرب، إلى 216 مليار دولار في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي.
x.com/mamdouh_alwaly