رفع العقوبات والاستقلالية.. مرشحو الرئاسة بإيران يبحثون حل مشكلات الاقتصاد
تاريخ النشر: 27th, June 2024 GMT
تعهد المرشحون في انتخابات الرئاسة الإيرانية المقررة يوم الجمعة المقبل بإنعاش الاقتصاد المتعثر، لكن الناخبين لا يرون أملا يذكر في تراجع ضغوط تكاليف المعيشة من دون انتهاء العقوبات والحد من العزلة الدولية التي تعاني منها إيران.
ويخوض الإيرانيون معركة يومية لتغطية نفقاتهم، وهو تحد مستمر للحاكمين في إيران الذين يخشون تأجج احتجاجات تندلع من آن لآخر من قبل الفئات ذات الدخل المنخفض والمتوسط الغاضبة من الصعوبات المستمرة.
وأضرت إعادة فرض العقوبات الأميركية عام 2018 بصادرات النفط الإيرانية، مما أدى إلى تراجع إيرادات الدولة واضطرارها لاتخاذ خطوات لا تحظى بشعبية، مثل زيادة الضرائب، وإدارة عجز كبير في الميزانية في سياسات أبقت التضخم السنوي بالقرب من 40%.
ورغم أن البلاد تجنبت الانهيار الاقتصادي التام، وذلك في المقام الأول بدعم من صادرات النفط إلى الصين وارتفاع أسعار الخام، فإن مستويات صادرات النفط لا تزال أقل مما قبل عام 2018.
ويقول معظم المرشحين الذين يسعون لخلافة إبراهيم رئيسي، بعد وفاته في حادث تحطم طائرة مروحية الشهر الماضي، إنهم يعتزمون محاكاة سياسته التي كانت قائمة على الاعتماد على النفس اقتصاديا وتعزيز العلاقات التجارية مع آسيا، ويدافع آخرون عن علاقات أوسع مع العالم من دون تقديم تصور لخطوات عملية لمعالجة العقوبات.
وخلال 3 أعوام قضاها رئيسي في السلطة، التقط الاقتصاد الإيراني أنفاسه من ركود في عامي 2018 و2019 ناجم عن إعادة فرض العقوبات، وبلغ النمو ذروته عند 5.7% في العام المنتهي في مارس/آذار الماضي، وفقا لمركز الإحصاء الإيراني.
ومع ذلك فإن معظم هذا التوسع كان مدفوعا بقطاع الطاقة، إذ سجلت إيران قفزة 70% في إنتاج النفط الذي يبلغ الآن نحو 3.5 ملايين برميل يوميا، مع تجاوز صادرات النفط 1.4 مليون برميل يوميا والموجهة في المقام الأول إلى الصين.
ويقول رئيس الجمارك الإيرانية محمد رضواني فر إن من دون النفط والغاز، كان النمو في إيران العام الماضي سيسجل 3.4% فقط، ويسجل ميزانها التجاري عجزا 16.8 مليار دولار، كما يقول مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) إن الاستثمار الأجنبي المباشر في إيران توقف عند 1.5 مليار دولار عام 2022.
القوة الشرائية
يبلغ معدل البطالة في إيران نحو 7.6%، وفقا للبنك الدولي، مقارنة بنحو 9.6% عندما تم انتخاب رئيسي، ومع ذلك، فإن رواتب عديد من الوظائف الرسمية ضعيفة، مما يعني أن العدد الحقيقي للأشخاص الذين ليس لديهم عمل مناسب يوفر سبل العيش ربما يكون أعلى بكثير.
وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة ومعهد فرجينيا بوليتكنيك، جواد صالحي أصفهان، "ليس من الصعب تفهم سبب غضب معظم الإيرانيين.. ربما تحسنت مستويات المعيشة وقل الفقر العامين الماضيين، لكن هذا ليس حقيقيا إذا نظرنا إلى عقد أو عقدين من الزمن.. يمكن للرئيس الجديد أن يضخ الأمل ويوقف تدهور الأوضاع، لكنه لن يعيد إيران إلى العقد الأول من القرن الـ21″، مشيرا إلى حقبة أكثر ازدهارا.
وواصلت القوة الشرائية للإيرانيين الانكماش خلال رئاسة رئيسي، إذ تراجعت قيمة الريال الإيراني في التداول الحر أكثر من النصف، وفقا لموقع تتبع العملة الإيرانية بونباست، وسجل الآن 600 ألف ريال إيراني مقابل الدولار.
وارتفعت أسعار السلع الأساسية، مثل الألبان والأرز واللحوم في الأشهر القليلة الماضية، كما زاد السعر المدعم لخبز اللواش، وهو الخبز الأكثر شعبية، بنسبة لا تقل عن 230% في السنوات الثلاث الماضية، في حين أصبحت اللحوم الحمراء غالية جدا بالنسبة لكثيرين، إذ ارتفع سعرها 440% إلى 10 دولارات للكيلوغرام الواحد.
ويبلغ الراتب الشهري للمعلم نحو 180 دولارا، ويكسب عديد من عمال البناء ما يزيد قليلا على 10 دولارات في اليوم.
ووعد مرشحون بتنفيذ خطة التنمية السابعة للبلاد، التي وافق عليها البرلمان العام الماضي، والتي تهدف إلى كبح التضخم وتعزيز الصادرات وتحدد أهدافا طموحة لتحقيق نمو سنوي بنسبة 8% في ظل العقوبات.
لكن توقعات البنك الدولي للسنوات الثلاث المقبلة تشير إلى معدلات نمو سنوية أقل من 3.2% لإيران نتيجة انخفاض الطلب العالمي والعقوبات ونقص الطاقة المحلي.
ونقلت رويترز عن ناخبين قولهم إن حالة الاقتصاد مرتبطة بالموقف الدبلوماسي للبلاد المناهض بشدة للغرب، والذي يحدده المرشد على خامنئي، صانع القرار النهائي في البلاد.
وخلال السنوات الثلاث التي قضاها في منصبه، تعهد رئيسي، الموالي لخامنئي، بعدم ربط الاقتصاد بالمفاوضات النووية مع قوى عالمية، رغم أن المحادثات كان من الممكن أن ترفع معظم القيود الأميركية من خلال إحياء اتفاق عام 2015 الذي يحد من برنامج طهران النووي.
وقال إداري في جامعة رودهن بإقليم طهران، اسمه محمد، إن "الاقتصاد تأثر بشكل كبير بالسياسة الخارجية، لا توجد إستراتيجية ناجحة للحد من الآثار المدمرة للعقوبات"، ومثل الناخبين الآخرين الذين أجريت مقابلات معهم، لم يرغب في التصريح باسمه بالكامل بسبب حساسية مسألة الانتخابات.
ولم تتح الانتخابات المبكرة للمرشحين سوى قليل من الوقت لوضع خطط اقتصادية مفصلة، وقال معظمهم إن الاقتصاد يجب أن يصبح أكثر اعتمادا على الذات قبل أن تحاول إيران إنهاء العقوبات المفروضة عليها، في حين كان الوسطي مسعود بزشكيان ورجل الدين المنتمي لغلاة المحافظين مصطفى بور محمدي أكثر صراحة بشأن الحاجة إلى علاقات مفتوحة لمساعدة الاقتصاد.
وركزت المناظرات الانتخابية بشكل أساسي على الاختلالات المالية وسوء إدارة الموارد والكسب غير المشروع، وهي قضايا داخلية يعتقد كثير من الإيرانيين أنها ضاربة بجذورها في البلاد ويصعب إصلاحها.
وقال بيمان، وهو مهندس مدني من طهران، "ما دامت السياسات الحكومية لا تدعم المنافسة والشفافية وأمن الاستثمار بشكل فعال، ستزداد الأمور سوءا".
وصرح رئيس صندوق التنمية الوطنية الإيراني مهدي غضنفري -لوسائل الإعلام الرسمية- بأن غياب أحزاب سياسية متطورة يعني أن المرشحين للانتخابات لم يحددوا الوزراء أو السياسات المستقبلية سلفا، وعادة ما يسارع الفائز إلى تعيين حكومة "تكون في النهاية غير متسقة".
ويرى محللون أن التوقعات الاقتصادية الإيرانية تبدو أكثر غموضا من أي وقت مضى، مع احتمال تطبيق أكثر صرامة للعقوبات التي تستهدف النفط إذا ما فاز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة مجددا، حسبما قال وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف خلال تأييده لحملة بزشكيان.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات فی إیران
إقرأ أيضاً:
الرسوم الجمركية بين التوتر الاقتصادي وإغراق الأسواق
منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية على غالبية دول العالم، يعيش الاقتصاد العالمي مرحلة مخاض ربما تفضي إلى توتر اقتصادي يتعدى مرحلة الركود إلى كارثة اقتصادية؛ خاصة وأنه يستهدف الصين بالدرجة الأولى التي تعد ندًا قويًا للولايات المتحدة الأمريكية لإزاحتها عن تربُّع عرش الاقتصاد العالمي، ورغم أن سلطنة عُمان وشقيقاتها دول مجلس التعاون الخليجي ليست الشريك التجاري الأساسي والمستهدف من فرض الرسوم الجمركية الأمريكية ولن يؤثر كثيرا على صادراتها إلى الولايات المتحدة الأمريكية؛ إلا أن ارتدادات الرسوم الجمركية المفروضة على شركاء دول الخليج المتأثرين بالرسوم مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند مما أدى إلى نزول حاد لأسعار النفط عالميا إلى حافة 60 دولارًا بعد أن اقترب عتبة 80 دولارًا، مجمل تأثر الصادرات الخليجية عمومًا والعُمانية على وجه الخصوص يتركّز في سعر سلعة النفط التي تمثّل نسبة عالية من الإيرادات الخليجية، ولأن الصين هي المستورد الرئيس للنفط العُماني، فإنه لا يمكن تجاهل ما يحدث كوننا طرفًا غير مباشرين من هذه الحرب التجارية المستعرة بين أمريكا والصين، وعلينا أن نهيئ اقتصادنا لأي سيناريو محتمل.
خلال الأيام الماضية، تابعت مستوى التفاعل مع الرسوم الجمركية الأمريكية ورغم توجُّس البعض من تأثيرها على الاقتصاد العُماني، إلا أنني متفائل كثيرا بالتعديلات التي طرأت على الاقتصاد العُماني منذ تولي جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ مقاليد الحكم في البلاد، حيث لم يعد انخفاض سعر النفط هو الهاجس الرئيس للتشاؤم بتضرر مؤشرات الاقتصاد الكلي؛ بسبب انخفاض سعر التعادل في الميزانية العامة للدولة إلى أقل من 70 دولارًا أمريكيًا بعد أن كان يتجاوز 80 دولارًا أمريكيا قبل خطة التنمية الخمسية العاشرة. وأن الأزمة الاقتصادية الحالية -إن حدثت- سيكون تأثيرها محدودًا بسبب أن المالية العامة للدولة حقّقت ارتفاعًا في الإيرادات منذ سنوات، وبالتالي لن يكون التوتر الاقتصادي عميقًا مقارنة بالفترة قبل الوباء العالمي كوفيد19، إضافة إلى استفادة المخططين الاقتصاديين والباحثين في الشأن الاقتصادي والمالي من مآلات أزمة انخفاض أسعار النفط العالمية منذ 2014 مرورا بأزمة كوفيد 19 إلى عودة الحياة إلى طبيعتها منذ أواخر 2021، والرسوم عمومًا تربك مؤشرات الاقتصاد الكلي من خلال ارتفاع نسبة التوظيف لتغطية الطلب على السلع والخدمات التي ستشهد ارتفاعا في الأسعار بلاشك؛ بسبب ارتفاع الطلب وانخفاض العرض. أيضًا يؤدي ذلك إلى تضرر دخل الأفراد؛ لزيادة الإنفاق على الاستهلاك وبالتالي يحدث انخفاض في دخل المستهلك، فأثر الرسوم الجمركية الأمريكية بمعدلات قياسية يمتد إلى ارتفاع احتمالية حدوث ركود في الاقتصاد العالمي والاقتصاد الأمريكي على وجه الخصوص؛ بسبب ضعف الطلب على المنتجات الأجنبية وارتفاع أسعار الصناعات الأمريكية؛ لارتفاع أسعار المواد المستخدمة في الصناعات. وبالتالي ما أتوقعه أن يحدث إغراق للأسواق بالمنتجات الصينية بأسعار مخفّضة للتخلص من تكدس المنتجات، رغم أن زيادة الإنتاج المحلي يدعم الصناعات المحلية إلا أن ذلك لا يمكن تعويض الخسائر المتوقعة من فرض الرسوم الجمركية؛ بسبب فرض رسوم جمركية على الصادرات إلى الدول التي تم فرض رسوم جمركية على سلعها ومنتجاتها. فماذا يمكن أن تفعل الدول بصادراتها إلى الولايات المتحدة الأمريكية؛ كونها فرضت رسومًا جمركية على غالبية الدول وحتى مع تأجيل الرسوم الجمركية الأمريكية لمدة 90 يومًا، كيف ستواجه سلطنة عُمان رفع الرسوم الجمركية على الصين إلى 145%؛ كون الصين الشريك التجاري الأهم لسلطنة عُمان ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى؟ حقيقة لابد من التوسع في الأسواق الأخرى غير السوق الصيني؛ لعدة أسباب أولها أنّ الحرب التجارية الأمريكية الصينية يبدو أنها مستمرة خلال الفترة القادمة في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين؛ أي خلال فترة رئاسة دونالد ترامب الحالية. ورغم الجهود التي بذلتها وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار لحماية السوق من حالة الإغراق كالسلع الكهربائية الصينية، إلا أن الصناعات العُمانية بحاجة إلى مواد أولية من الصين لمواصلة عمليات التصنيع والإنتاج، وبالتالي لا يمكن فرض رسوم جمركية على جميع المواد الأولية الصينية؛ لعدة أسباب من بينها أن فرض الرسوم، سيؤدي إلى ارتفاع المنتجات المحلية وبالتالي يؤثر على دخل الأفراد في حال كانت من الضروريات، وسيسهم في كسادها في حال كانت من الكماليات، مما سيؤثر على الأداء المالي والإداري للشركات وربما يتعرض بعض العاملين لحالات إنهاء الخدمات وإفلاس الشركات، وفي حال قررت الشركات بيع السلع بأقل من سعر تكلفتها؛ للتخلص من المخزون الزائد، وبقاء الشركات على قيد الحياة، سيؤدي ذلك إلى مخاطر كبيرة على المصنّعين المحليين في صادرات سلعهم إلى الأسواق العالمية؛ بسبب ضعف الطلب في ظل تباطؤ اقتصادي عالمي سيتعمّق في حال استمرار الرسوم الجمركية الأمريكية مما سيلقي بظلاله على أسعار النفط عالميًا.
إن جملة الإصلاحات المالية التي أقرتها سلطنة عُمان منذ عام 2020 ونتج عنها حوكمة الإنفاق الحكومي وتخفيض سعر التعادل إلى أقل من 70 دولارًا أمريكيًا كانت خطوة إيجابية للتعامل مع تقلبات أسعار النفط بسبب الحرب التجارية التي يشهدها العالم حاليا، إلا أننا نرجو أن ننوّع صادراتنا وأن نبحث عن أسواق بعيدة عن التوتر الاقتصادي بين أمريكا والصين الذي يبدو أمده طويلًا في ظل استمرار التنافس التجاري والاقتصادي بينهما على تربُّع عرش الاقتصاد العالمي، وأن نبذل جهودًا أكبر في التنويع الاقتصادي عبر رفع مساهمة القطاعات الأخرى في الناتج المحلي الإجمالي حتى لا يستمر سعر برميل النفط هو المؤثر الرئيس على الاقتصاد العُماني نتيجة الرسوم الجمركية الأمريكية سواءً الحالية أو المستقبلية.