مقاطعة المكّون الشيعي لبكركي يفتح باب النقاش واسعًا عن المصير المشترك
تاريخ النشر: 27th, June 2024 GMT
أظهرت مقاطعة المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى للقاء الروحي والوطني في بكركي في حضور أمين سر حاضرة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين أن ثمة مشكلة بنيوية في التركيبة اللبنانية الهشّة، خصوصًا أن السياسة البابوية منذ اندلاع الحرب في لبنان بأشكالها المتعددة ثابتة، وهي تقوم على حتمية العيش الواحد بين جميع اللبنانيين مهما اختلفت آراؤهم السياسية، إذ لا غنى عن هذه الصيغة الحضارية - النموذج، وأن أي طرح بديل لن يُكتب له النجاح، وما أمام اللبنانيين سوى خيار واحد لا ثاني أو ثالث له، وهو أن لا بد من أن ينتخبوا اولًا، وقبل أي شيء آخر، رئيسًا لجمهوريتهم، ومن ثم تشكيل حكومة وطنية جامعة، على أن يلي هاتين الخطوتين الدستوريتين إعادة الحياة إلى المؤسسات التشريعية والقضائية والإدارية والأمنية، على أن يكون الإصلاح السياسي والمالي عنوان المرحلة المقبلة، التي يُفترض أن تترافق مع ورشة سياسية قوامها مدّ جسور الحوار بين جميع مكونات هذا الوطن، الذي لم يعد قادرًا على الاستمرار كما هي الحال اليوم، على أن تُعقد الجلسات الحوارية تحت عنوان عريض، وهو "المصارحة والشفافية"، إذ من دون طرح جميع اللبنانيين هواجسهم التاريخية على مشرحة الحوار المجدي والبنّاء لن تتم مصالحة حقيقية، وسيبقى كل طرف متمترسًا خلف مواقف، يعتقد مطلقوها، كل من جانبه، أنهم على حق وأن الآخرين هم المخطئون.
فإذا لم يجلس اللبنانيون، ممثلين بأحزابهم وطوائفهم، إلى طاولة واحدة فسيبقى الوطن رهينة طروحات وتجاذبات لن تؤدّي سوى إلى المزيد من التشرذم والانقسام والتباعد. ومن الطبيعي أن يجلس الجميع إلى هذه الطاولة، التي يجب أن يدعو إليها ويترأسها رئيس الجمهورية العتيد في القصر الجمهوري وليس في أي مكان آخر، لأن الساكن فيه هو الوحيد الذي قال عنه الدستور إنه رمز وحدة اللبنانيين. ومن الطبيعي أيضًا أن تُطرح على هذه الطاولة كل الهواجس، بدءًا من مناقشة الاستراتيجية الدفاعية، ومرورًا بحتمية إدخال بعض النصوص التفسيرية لبعض المواد الدستورية المبهمة، والتي تحتمل اجتهادات متضاربة ومتناقضة، ووجوب تعديل ما يجب تعديله من دون المسّ بالجوهر بما يضمن سير عمل المؤسسات الدستورية بسلاسة ووضوح من دون أي لبس أو غموض، مع حسم ما ورد في وثيقة الطائف ولم ينفذ منها شيء، ومن بينها إقرار اللامركزية الإدارية الموسعة، وإقرار قانون انتخابي لا يكون على أساس القيد الطائفي وإلغاء الطائفية السياسية، وانتخاب مجلس للشيوخ تتمثّل فيه كل الطوائف والمذاهب بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين.
فما رافق وسبق مقاطعة مكّون أساسي من مكونات الوطن الفسيفسائية من حملات طاولت البطريرك الراعي بالشخصي حين اتهمه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان بأنه "يكاد يكون تغطية لمذابح الصهيونية"، فتح الباب واسعًا لجدل في غير مكانه الصحيح في الوقت الذي يتعرّض فيه الوطن في وقت واحد لعدوان إسرائيلي لا يعرف أحد إلى أين يمكن أن يصل، ولمحاولات تغيير الهوية اللبنانية، التي حافظت عليها بكركي مع المرجعيات الروحية الأخرى، وإن بنسب متفاوتة، كما تحافظ الأم عن أولادها في زمن الشدائد والمحن، وتدافع عنهم برموش العيون.
ولكن، وعلى رغم الحملات المبرمجة والمنظمة على سيد بكركي على خلفية ما قاله في عظة الأحد الماضي في معرض مناداته الدائمة بتنفيذ القرارات الدولية عن توقف "الأعمال الإرهابية " من لبنان، فإن بعض الأصدقاء المشتركين لم يألوا جهدًا في سبيل الحؤول دون انهيار الجسور بين بكركي والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، ومن ورائه "الثنائي الشيعي"، وبالتحديد "حزب الله"، الذي يقول مقرّبون منه أن التعرّض لـ "المقاومة الإسلامية" في هذا الظرف المصيري لن يمرّ مرور الكرام، أيًّا يكن قائله، في الوقت الذي حرصت دوائر معنية في بكركي على توضيح موقف البطريرك الماروني، نافية أن يكون قد قصد عمليات "حزب الله" في مواجهة إسرائيل، ولكن هذا التوضيح لم يخفّف من موجات حملات التطاول عليه.
إلاّ أن ما صدر عن الراعي عقب الاجتماع الوطني والروحي في بكركي لجهة دعوته جميع المسيحيين إلى تخصيص يومي السبت الأحد المقبلين للصلاة من أجل إنهاء الحرب في غزّة وجنوب لبنان وإحلال سلام عادل وشامل فيهما، قد بدّد بعض المخاوف والهواجس، خصوصًا أن هذه الدعوة قابلها إعلان مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان من أن دار الفتوى ستعمم على خطباء الجمعة تخصيص الخطبة للدعاء بالرحمة الى اهل غزة والشهداء فيها، وفي جنوب لبنان، ومختلف مناطق نصرة المظلومين في فلسطين ولبنان ولوقف الحرب.
قد تنجح الاتصالات في رأب الصدع بين بكركي والمكّون الشيعي، ولكن هذا الأمر إذا حصل لا يغني عن وجوب السير بالمسارات الدستورية بتراتبية الأولويات وصولًا إلى حوار من شأنه أن يستأصل الدملة من جذورها قبل أن تتسبّب بتسميم الجسم كله، لأن التداوي بالأعشاب والمسكنات لم يعد يفيد. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
إيران في مواجهة العقوبات: دعم الصين وروسيا يفتح الباب للحوار النووي
في وقت تتزايد فيه الضغوط الأمريكية على إيران لاستئناف المفاوضات بشأن برنامجها النووية، أعلنت الصين وروسيا دعمهما لطهران، مؤكدتين ضرورة رفع العقوبات وعودة الحوار على أساس "الاحترام المتبادل".
وقال ما تشاوشو، نائب وزير الخارجية الصيني، عقب الاجتماع مع الدبلوماسيين الروس والإيرانيين، إن الصين وروسيا وإيران اتفقت على أن الحل يجب أن يكون من خلال معالجة الأسباب الجذرية للأزمة النووية الإيرانية.
وفي إطار هذا الموقف الموحد، أصدرت الدول الثلاث بيانًا مشتركًا أكدت فيه عدة مبادئ رئيسية، أبرزها:
من جانبها، جددت طهران رفضها للضغوط الأمريكية، حيث أكد رئيسها مسعود بزشكيان أن بلاده لن تتفاوض مع الولايات المتحدة طالما كانت "مهددة". وأشار إلى أن إيران لن تنصاع للأوامر الأمريكية بشأن برنامجها النووي.
وفيما يخص الاجتماع الذي عقده مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي لمناقشة الملف النووي الإيراني، اعتبرت طهران هذا الاجتماع بمثابة "إساءة استخدام" للمجلس.
وقد انتقدت الصين أيضًا هذا الاجتماع، حيث أكد وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، أن "التدخل السريع" من قبل مجلس الأمن في هذه المرحلة لن يسهم في بناء الثقة بين الأطراف المعنية، مشيرًا إلى أنه يجب على الولايات المتحدة إظهار "الصدق" في تعاملها مع إيران والعودة إلى المفاوضات في أقرب وقت ممكن.
Relatedإدارة ترامب تدرس تفتيش ناقلات النفط الإيرانية.. هل يعود مسلسل خطف السفن؟ترامب يوجه رسالة إلى إيران: التفاوض أو التصعيد العسكريالرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لترامب: "لن أتفاوض معك وافعل ما شئت"اجتماع بين إيران وروسيا والصين في بكين لمناقشة البرنامج النووي الإيراني والعقوبات الأمريكيةهل العودة إلى طاولة المفاوضات ممكنة؟وبينما تستمر الخطابات الإيرانية في تأكيد رفض الضغوط الخارجية، يعبر بعض المسؤولين الإيرانيين عن اعتقادهم بأن الخيار الأكثر واقعية هو العودة إلى المفاوضات مع الولايات المتحدة. تعكس هذه النقاشات، وفقًا للمسؤولين الإيرانيين، التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد بسبب العقوبات المستمرة والتي تؤدي إلى اضطرابات داخلية.
فيما يخص البرنامج النووي، أكدت إيران مرارًا أنه سلمي، وأنه لا يتجاوز أهدافها المعلنة في الاستخدامات السلمية للطاقة النووية. وقال كاظم غريب آبادي، نائب وزير الخارجية الإيراني، إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أجرت عمليات تفتيش دقيقة وشاملة على البرنامج النووي الإيراني، وأن طهران ملتزمة بكافة القواعد والضوابط الدولية في هذا الصدد.
كما دعت الصين إلى ضرورة أن تجد الأطراف المعنية حلًا وسطًا، مشجعة على استئناف المفاوضات قريبًا، وأكد وانغ يي في لقاءات منفصلة مع المسؤولين الإيرانيين والروس ضرورة أن تعود الولايات المتحدة إلى المفاوضات مع إيران في أقرب فرصة.
وفي هذا السياق، أدانت إيران العقوبات الأمريكية الجديدة التي فرضت على وزير النفط الإيراني وبعض السفن التي ترفع علم هونغ كونغ، والتي يعتبرها الأميركيون جزءًا من "أسطول مظلل" يساعد في إخفاء شحنات النفط الإيرانية. واعتبرت طهران هذه العقوبات "دليلاً على كذب" المسؤولين الأمريكيين بشأن استعدادهم لإجراء مفاوضات.
تعود خلفية هذه الأزمة إلى عام 2015، عندما وافقت إيران على تقييد برنامجها النووي بموجب اتفاق مع القوى الكبرى، من بينها الولايات المتحدة، روسيا، الصين، وبريطانيا، في مقابل رفع العقوبات الاقتصادية. ولكن بعد فوزه بالرئاسة، انسحب الرئيس الأمريكي آنذاك، دونالد ترامب، من الاتفاق، مما أدى إلى تصاعد التوترات.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية الرئيس الصيني يلتقي شويغو ويؤكد تعزيز التنسيق مع روسيا ترامب يشدد قيود الرقائق على الصين.. هل نشهد فصلاً جديدًا في الحرب التقنية بين العملاقين؟ فرنسا والفلبين تعززان تحالفهما العسكري وسط تصاعد التوترات في بحر الصين الجنوبي إيرانروسياالصيندونالد ترامبالبرنامج الايراني النوويعقوبات