أظهرت مقاطعة المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى للقاء الروحي والوطني في بكركي في حضور أمين سر حاضرة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين أن ثمة مشكلة بنيوية في التركيبة اللبنانية الهشّة، خصوصًا أن السياسة البابوية منذ اندلاع الحرب في لبنان بأشكالها المتعددة ثابتة، وهي تقوم على حتمية العيش الواحد بين جميع اللبنانيين مهما اختلفت آراؤهم السياسية، إذ لا غنى عن هذه الصيغة الحضارية - النموذج، وأن أي طرح بديل لن يُكتب له النجاح، وما أمام اللبنانيين سوى خيار واحد لا ثاني أو ثالث له، وهو أن لا بد من أن ينتخبوا اولًا، وقبل أي شيء آخر، رئيسًا لجمهوريتهم، ومن ثم تشكيل حكومة وطنية جامعة، على أن يلي هاتين الخطوتين الدستوريتين إعادة الحياة إلى المؤسسات التشريعية والقضائية والإدارية والأمنية، على أن يكون الإصلاح السياسي والمالي عنوان المرحلة المقبلة، التي يُفترض أن تترافق مع ورشة سياسية قوامها مدّ جسور الحوار بين جميع مكونات هذا الوطن، الذي لم يعد قادرًا على الاستمرار كما هي الحال اليوم، على أن تُعقد الجلسات الحوارية تحت عنوان عريض، وهو "المصارحة والشفافية"، إذ من دون طرح جميع اللبنانيين هواجسهم التاريخية على مشرحة الحوار المجدي والبنّاء لن تتم مصالحة حقيقية، وسيبقى كل طرف متمترسًا خلف مواقف، يعتقد مطلقوها، كل من جانبه، أنهم على حق وأن الآخرين هم المخطئون.


فإذا لم يجلس اللبنانيون، ممثلين بأحزابهم وطوائفهم، إلى طاولة واحدة فسيبقى الوطن رهينة طروحات وتجاذبات لن تؤدّي سوى إلى المزيد من التشرذم والانقسام والتباعد. ومن الطبيعي أن يجلس الجميع إلى هذه الطاولة، التي يجب أن يدعو إليها ويترأسها رئيس الجمهورية العتيد في القصر الجمهوري وليس في أي مكان آخر، لأن الساكن فيه هو الوحيد الذي قال عنه الدستور إنه رمز وحدة اللبنانيين. ومن الطبيعي أيضًا أن تُطرح على هذه الطاولة كل الهواجس، بدءًا من مناقشة الاستراتيجية الدفاعية، ومرورًا بحتمية إدخال بعض النصوص التفسيرية لبعض المواد الدستورية المبهمة، والتي تحتمل اجتهادات متضاربة ومتناقضة، ووجوب تعديل ما يجب تعديله من دون المسّ بالجوهر بما يضمن سير عمل المؤسسات الدستورية بسلاسة ووضوح من دون أي لبس أو غموض، مع حسم ما ورد في وثيقة الطائف ولم ينفذ منها شيء، ومن بينها إقرار اللامركزية الإدارية الموسعة، وإقرار قانون انتخابي لا يكون على أساس القيد الطائفي وإلغاء الطائفية السياسية، وانتخاب مجلس للشيوخ تتمثّل فيه كل الطوائف والمذاهب بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين.
فما رافق وسبق مقاطعة مكّون أساسي من مكونات الوطن الفسيفسائية من حملات طاولت البطريرك الراعي بالشخصي حين اتهمه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان بأنه "يكاد يكون تغطية لمذابح الصهيونية"، فتح الباب واسعًا لجدل في غير مكانه الصحيح في الوقت الذي يتعرّض فيه الوطن في وقت واحد لعدوان إسرائيلي لا يعرف أحد إلى أين يمكن أن يصل، ولمحاولات تغيير الهوية اللبنانية، التي حافظت عليها بكركي مع المرجعيات الروحية الأخرى، وإن بنسب متفاوتة، كما تحافظ الأم عن أولادها في زمن الشدائد والمحن، وتدافع عنهم برموش العيون.
ولكن، وعلى رغم الحملات المبرمجة والمنظمة على سيد بكركي على خلفية ما قاله في عظة الأحد الماضي في معرض مناداته الدائمة بتنفيذ القرارات الدولية عن توقف "الأعمال الإرهابية " من لبنان، فإن بعض الأصدقاء المشتركين لم يألوا جهدًا في سبيل  الحؤول دون انهيار الجسور بين بكركي والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، ومن ورائه "الثنائي الشيعي"، وبالتحديد "حزب الله"، الذي يقول مقرّبون منه أن التعرّض لـ "المقاومة الإسلامية" في هذا الظرف المصيري لن يمرّ مرور الكرام، أيًّا يكن قائله، في الوقت الذي حرصت دوائر معنية في بكركي على توضيح موقف البطريرك الماروني، نافية أن يكون قد قصد عمليات "حزب الله" في مواجهة إسرائيل، ولكن هذا التوضيح لم يخفّف من موجات حملات التطاول عليه.
إلاّ أن ما صدر عن الراعي عقب الاجتماع الوطني والروحي في بكركي لجهة دعوته جميع المسيحيين إلى تخصيص يومي السبت الأحد المقبلين للصلاة من أجل إنهاء الحرب في غزّة وجنوب لبنان وإحلال سلام عادل وشامل فيهما،  قد بدّد بعض المخاوف والهواجس، خصوصًا أن هذه الدعوة قابلها إعلان مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان من أن دار الفتوى ستعمم على خطباء الجمعة تخصيص الخطبة للدعاء بالرحمة الى اهل غزة والشهداء فيها، وفي جنوب لبنان، ومختلف مناطق نصرة المظلومين في فلسطين ولبنان ولوقف الحرب.
قد تنجح الاتصالات في رأب الصدع بين بكركي والمكّون الشيعي، ولكن هذا الأمر إذا حصل لا يغني عن وجوب السير بالمسارات الدستورية بتراتبية الأولويات وصولًا إلى حوار من شأنه أن يستأصل الدملة من جذورها قبل أن تتسبّب بتسميم الجسم كله، لأن التداوي بالأعشاب والمسكنات لم يعد يفيد. المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

تعرف على محمد شاهين القائد القسامي الذي اغتالته إسرائيل في لبنان

محمد شاهين مسؤول عسكري في فرع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في لبنان، كان مسؤولا عن توجيه عمليات الضفة الغربية، حسب وسائل إعلام إسرائيلية، وعرف عنه قربه من القيادي في الحركة صالح العاروري، الذي كان نائب رئيس مكتبها السياسي منذ عام 2017، واغتالته إسرائيل بداية 2024.

وتقول وسائل إعلام إسرائيلية إن شاهين كان يدير عملية التنسيق والاتصال مع حزب الله اللبناني وإنه "كان جزءا من التخطيط لعمليات فدائية في الضفة الغربية مع العاروري وزكي شاهين".

وذكرت صحيفة يديعوت أحرنوت أنه كان يرأس "قسم عمليات حماس في لبنان"، الذي يخطط للهجمات ضد أهداف إسرائيلية في الخارج.

محمد شاهين (الثالث يسار) مع قيادات من حركة حماس (مواقع التواصل الاجتماعي)

ولد محمد شاهين -الملقب بأبو عماد- في مخيم البقعة في قطاع غزة لعائلة فلسطينية لجأت من قرية الفالوجة الفلسطينية المحتلة، وهو يحمل الجنسية الأردنية.

وأوردت شبكة القدس الإخبارية أن أخاه حمزة اغتيل قبله بسنوات في انفجار استهدف مخيم البرج الشمالي جنوبي لبنان.

الاغتيال

اغتيل شاهين بطائرة مسيرة إسرائيلية ظهر يوم الاثنين 17 فبراير/شباط 2025، في مدينة صيدا جنوب لبنان، وذلك عشية انتهاء المهلة المحددة لانسحاب القوات الإسرائيلية من الجنوب يوم 18 من الشهر نفسه.

إعلان

وذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو خرج من جلسة محاكمته مدة عشرين دقيقة للمصادقة على عملية الاغتيال.

كما قالت رئاسة الوزراء إن نتنياهو أوقف شهادته في المحكمة بهدف عقد مشاورة أمنية عاجلة مع وزير الدفاع يسرائيل كاتس.

مقالات مشابهة

  • الرئيس عون: لبنان لن يكون منصَّة للهجوم على الدول العربية الشقيقة
  • عون: لبنان لن يكون منصَّة للهجوم على الدول
  • إسرائيل تنسحب من قرى جنوب لبنان وتخلّف وراءها دمارًا واسعًا وخرابًا.. تقرير
  • القوات الإسرائيلية تنسحب من قرى جنوب لبنان وتخلّف وراءها دمارًا واسعًا وخرابًا
  • ياسين: المرحلة صعبة تتطلب منا العمل المشترك في إعادة إعمار القرى المهدّمة
  • الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اليوم لن يكون كاملاً ومعركة ديبلوماسية بسأنالتلال الخمس
  • هدنة لبنان على المحك.. الانسحاب الإسرائيلي لن يكون كاملا
  • 10 آلاف آخرين يواجهون المصير نفسه.. ألمانيا ترحل 47 عراقياً
  • عون أكد أمام لازارو ادانته للاعتداء الذي تعرض له اليونيفيل: : الامن خط احمر
  • تعرف على محمد شاهين القائد القسامي الذي اغتالته إسرائيل في لبنان