لا تطمينات باطفاء جبهة الجنوب قبل غزة: قواعد الاشتباك نافذة الى إشعار آخر
تاريخ النشر: 27th, June 2024 GMT
كتب نقولا ناصيف في" الاخبار": ما انتهت اليه زيارة الموفد الرئاسي الاميركي اموس هوكشتين اقتضبها الموقف الاخير لرئيس مجلس النواب نبيه بري، بأن كليْهما تبادل والآخر شروطه لوقف التصعيد في الجنوب، المرتبط في الاصل بوقف حرب غزة توصلاً الى تنفيذ القرار 1701 واعادة الروح اليه. تالياً، لم تقدّم الزيارة اي اضافة الى الزيارات التي سبقتها من ضمن التصوّر نفسه الذي حمله هوكشتين، ولم تطمئنه الى اطفاء جبهة الجنوب قبل اطفاء حرب غزة، ولا الى موافقة لبنان على التفسير الذي تريده الدولة العبرية لتطبيق للقرار 1701.
ليست هذه فحسب الخلاصة التي يقدّمها المسؤولون لزيارة هوكشتين. ثمة ما يمكن ضمّه اليها في ملاحظات منها:
1 - اعتقاد الزائر الاميركي ان امامه مهلة ثلاثة اسابيع، في ظنه انها كافية لانهاء سيطرة اسرائيل على رفح، يتوخى في خلالها الحصول على موافقة حزب الله من خلال رئيس البرلمان على فصل ما يجري هنا عما يجري هناك.
2 - أحضر هوكشتين معه مخاوف من اخطار التصعيد العسكري المتزايد بين اسرائيل وحزب الله، يُنبىء بالوصول الحتمي الى حرب مفتوحة لا احد يملك التكهن بمآلها ونتائجها. لم يكن الجواب الذي سمعه سوى نظرية «الاوعية المتصلة». ما يحدث في غزة يتمدد الى لبنان، شأن تمدده الى مناطق اخرى في الاقليم. تالياً الاوْلى البحث في المصدر الاول لتدفق الاضطرابات. نظرية «الاوعية المتصلة» تجعل حزب الله وفتْحه جبهة الشمال على اسرائيل ورقة قوية تملكها حماس لفرض وقف النار.
ما حمله الزائر الاميركي ليس بعيداً مما يتيقن منه المسؤولون اللبنانيون، من ان الحرب المفتوحة قد تمسي في لحظة ما احتمالاً مرجّحاً، رغم معرفتهم بموقف حزب الله، وهو تمسكه بقواعد الاشتباك بينه وبين اسرائيل بشتى اصولها، منذ اولاها عام 1996 مروراً بعام 2000 استمراراً الى عام 2006 وانتهاء بالحاضر. لن يبادر الى افتعال حرب مفتوحة مع اسرائيل، لكنه مستعد لها. على طريقته في ايصال الرسائل بالمضمون نفسه والمماثل في تشدده، كمفاوض لا يستغني الاميركيون عنه، اعاد برّي تأكيد الموقف المزدوج ذاته بقوله ان المقاومة تتمسك بقواعد الاشتباك المتفق عليها، وبجهوزها للمضي في المواجهة.
3 - في حسبان مسؤولين لبنانيين، في تقويم لأصداء ردود الفعل الاوروبية بعد الاميركية في ضرورة تجنب حرب جديدة مفتوحة بين اسرائيل وحزب الله ومخاوفهم من تداعياتها على المنطقة، ان هذه قائمة فعلاً دونما ان تكون مفتوحة تماماً. كلا الطرفين يستخدمان اسلحتهما دونما ان يتكافآ بالضرورة، سواء اسلحة الحرب براً وجواً او الحرب النفسية والاعلامية والتخويف المتبادل، وهذه كلها لم تعد تقتصر على الاشتباكات وتطاول الممتلكات والمدنيين والاحراج والبستانين لتصل الى المنشآت العسكرية المحظورة. لم تعد المشكلة في مبدئية وقوع الحرب المفتوحة ولا توسيع نطاقها، بل في التوقيت غير المتفق عليه بعد.
4 - التطمينات المتوافرة لدى المسؤولين اللبنانيين تتجمع من حول اصرار اميركي - اوروبي، الى اشعار آخر على الاقل، على ابقاء المواجهة بين حزب الله واسرائيل تحت سقف قواعد الاشتباك. على ان الانخراط في حرب مفتوحة كي تنجح - اذا كانت ستنجح - تحتاج الى شركاء اميركيين واوروبيين مع اسرائيل في خوضها واتمامها في اسرع وقت. ذلك ما هو معلّق قرارها في الوقت الحاضر. الاميركيون على ابواب انتخاباتهم الرئاسية، والاوروبيون تستنزفهم حرب اوكرانيا. خلافاً لهؤلاء واولئك يستعجلها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في اي لحظة.
5 - يلاحظ المسؤولون تعويل هوكشتين على التصوّر الذي يحمله لتنفيذ القرار 1701 تبعاً لشروط اسرائيل، على انه مدخل لفكّ ربط ما يجري في جنوب لبنان عما يجري في جنوب اسرائيل، كما لو انه يصلح للموافقة عليه وتطبيقه قبل وضع حرب غزة نهاياتها. في رأس همومه عندما يتحدّث عن مساحة خمسة الى ثمانية كيلومترات ينسحب منها حزب الله الى الشمال، لا الى شمال الليطاني بالضرورة، يفصح عن وزر ما تواجهه اسرائيل حيال استمرار تهجير سكان المستوطنات وسعيها الى عودتهم اليها في اسرع وقت بعدما أضحت عبئاً ثقيلاً. بيد ان ما يعكسه الزائر الاميركي ان في الامكان في الوقت الحاضر صوغ الحلول على الورق، وربما مباشرة تطبيقها جزئياً قبل الوصول الى وقف شامل للنار ايذاناً بانتهاء الحرب.
اما ما يسمعه، فهو ان السيناريوات الجدية للتسوية تُبنى في ضوء حقائق الارض وما تكون انتهت اليه الحرب ورابحوها او الخاسرون فيها. تلك الحقائق غير متوافرة في الوقت الحاضر: لا حرب غزة على ابواب وقف النار، ولا هي تعبر الساعات الاخيرة من الحرب على الاقل.
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: حزب الله حرب غزة ما یجری
إقرأ أيضاً:
انتصار غزّة.. بسمة على وجه الشهيد الأقدس
ليلى عماشا
يُقرأ الخبر من غزّة، وعن غزّة، وفي خلفيّته صورة السيّد الشهيد الذي كان كلّما تحدّث عن غزّة، وصمود غزّة، وشجاعة غزّة، تكتسي الكلمات بعاطفة تفيض من عينيه وصوته. غُصّة مطرّزة بالعزّة.. ولهفة النّاصر حين عزّ النّاصرون.
تلقَى أهل المقاومة في لبنان الإعلان عن التوصّل لاتفاق إيقاف الحرب على غزّة بشوقٍ مجرّح بالفقد، وباعتزاز مسكون بالفداء، وبتبريكات جاءت على قدر البذل، البذل العظيم.. فجبهة الإسناد التي استمرت طوال سنة وثلاثة أشهر، وتلقّت ما تلقّت من ملامات وانتقادات وتشكيك، أثمرت نصرًا في فلسطين.. والدم العزيز المبذول حبًّا وطوعًا وبدون منّة، أزهر ابتسامات على وجه أطفال غزّة وكلّ أهلها بعد صمودهم الأسطوري الجبّار.
بكثير من الحبّ ومن الكلمات التي وجهتها روح شهيدنا الأقدس، زفّ النّاس نصر غزّة إلى سيّد شهداء الأمّة، السيّد حسن نصر الله، رضوان الله عليه.
تساءل كثيرون عن جدوى جبهة الإسناد طوال شهور، وأيضًا حين تحوّلت هذه الجبهة إلى معركة مشتعلة قدّم فيها أهل المقاومة دم خيرة شبابهم وقادتهم وسيّدهم، لم يستحِ أهل التخاذل لحظة، وظنّ المتآمرون المتأمركون أن بات بإمكانهم العيش في عالم ليس فيه حزب الله، ليس فيه مقاومة.. وانتظروا طوال شهرين عسى أن تتمكّن “إسرائيلهم” من القضاء على المقاومة في لبنان. وأكثر من ذلك، حين فشل “ربّهم الأميركي” في تحقيق أهداف هذه الحرب، بلغت بهم الوقاحة حدّ القول إن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان هو خذلان لغزّة وتخلّ عنها. والعجيب أنّ هؤلاء أنفسهم هم ممّن عارضوا بشدّة جبهة الإسناد وشكّكوا في جدواها وهزِئوا مرارًا من إنجازاتها. أما حين دخلنا في لبنان مرحلة “الستين يومًا” والتي ارتكب ويرتكب خلالها الصهاينة ما عجزوا عن فعله خلال المعركة، فقد سمعنا من يغيّب مقاومتنا عن أيّ ذكر في مساندة غزّة.. كأنّ كلّ الذي بُذل “على طريق القدس” في هذه المعركة، وهو أغلى ما لدينا، ليس يُرى!
كلّ هذا، وغزّة تنظر بعين الحزن إلى مصابنا.. تكمل طريق المقاومة بعزيمة وثبات، تواصل رفع قرابينها الأجمل، وتلقّن العالم كلّه معنى الصمود، وكيفيّة صناعة النّصر من قلب الألم.
يا سيّدنا، يا ناصر فلسطين وقد خذلها من خذل، وتآمر عليها من تآمر، وشمت بها من شمت، وعانت ظلم العدا، وظلم ذوي القربى، الأشدّ.. ها غزّة، الجريحة الصّابرة تنتصر بدمها، ومن قلب الإبادة والمجازر، تخرج مرفوعة الرأس.. ها هي، بعد أن جرى عليها ما ليس له مثيل في العدوانية والإرهاب في تاريخنا الحديث، تسطّر حكاية جديدة من حكايات الانتصار، وتطبع على وجه العدوّ علامة هزيمة لم تمسحها قدراته العسكرية المتقدّمة ولم يخفِها تطوّره التكنولوجي. تنهض من جمرها المتوقّد بالدم وبالتعب، وتقول للعالم، أنا هنا، لستُ أُهزم..
يا سيّدنا البهيّ، ويا قائدنا الأبيّ، ويا شهيدنا الأقدس، ها غزّة، مخضّبة بآلاف الشهداء، مجرّحة بمعالم الإبادة الهمجية، مرصّعة بآثار الدّمار الشامل، تنهي المعركة الأصعب، وتبقى حيث ظنّ العدوّ أنّه سينهيها، تحرّر الأسرى بالتبادل، وتلملم الجرح الغائر وتمضي إلى عالم بات يعلم أنّ المقاومة حقّ مقدّس، لا يُزال من الوجود. يا سيّدنا الذي قال ألّا عودة لمستوطني الشمال قبل إيقاف الحرب على غزّة، والذي آمن أن انتصار غزّة حتميّ مهما طالت أيام الحرب، والذي لم يترك فلسطين مهما كانت الأثمان، والذي أدرك الحقّ فما حاد عنه، غزّة انتصرت، وستتوقّف الحرب قبل أن يتمكّن مستوطنو الشمال من العودة، والدم المبذول حاشاه يذهب هدرًا.. والمعركة التي ستهدأ أصواتها عمّا قريب شكّلت خطوة كبيرة في الطريق إلى عالم خالٍ من “إسرائيل”.
إذًا، زفّ أهل المقاومة نصر غزّة إلى سيّدهم نصر الله.. أهدوه على وقع الخبر دمعات الشّوق والعزّة، وبعيون قلوبهم رأوا الخبر يرتسم بسمة طمأنينة على وجهه.. وأيّ الأشياء تسكّن هذه القلوب كبسمة السيّد.