قانون تجنيد “اليهود المتدينين”.. هل يعمّق الأزمة الداخلية للاحتلال؟
تاريخ النشر: 27th, June 2024 GMT
الثورة / وكالات
أعاد قرار المحكمة العليا للاحتلال، أزمة تجنيد “الحريديم” إلى الواجهة، حيث أصدرت المحكمة قراراً يوجب التجنيد الإجباري للحريديم “اليهود المتدينين” داخل كيان الاحتلال، مع تجميد الدعم المالي للمدارس والمعاهد الخاصة بهم.
وتشكّل مسألة تجنيد “الحريديم” في جيش الاحتلال إحدى المسائل التي تغذي الصراع بين هذه المجموعة ومجموعة الأغلبية اليهودية غير المتدينة، وكذلك في الصراع بينها وبين الصهيونية الدينية التي يتجند شبانها في صفوف جيش الاحتلال.
وكانت في الماضي عدة محاولات تشريعية وتسويات سياسية عديدة للوصول إلى صيغة للتعامل مع هذه المسألة، غير أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وحاجة جيش الاحتلال المُلحة إلى المزيد من الجنود في الميدان قد أعاد طرح قضية تجنيد “المتدينين” إلى الواجهة.
وكانت محكمة الاحتلال العليا قد قضت بتجميد ميزانية مدارس “اليهود الحريديم” في 28 آذار المنصرم؛ بسبب رفض طلابها الالتحاق في جيش الاحتلال، تبع هذا القرار مناقشاتٍ داخلية أخرى تتعلق بقضية تجنيدهم داخل صفوف جيش الاحتلال دون الخروج بقرارٍ رسمي.
ويُشكل اليهود “الحريديم” نسبة 13% من مجتمع الاحتلال البالغ عدده 10 ملايين نسمة، ومن المتوقع أن تصل هذه النسبة إلى 19% بحلول عام 2035، بسبب ارتفاع معدلات المواليد لديهم، ويرفض مُنتسبي هذه الطائفة الالتحاق في الخدمة العسكرية الإلزامية في جيش الاحتلال، والانخراط في صفوفه؛ لاعتقادهم أن ذلك يخالف فطرتهم وعقيدتهم الدينية المتشددة.
في الأثناء، يقول المحلل السياسي د.عمر جعارة، إن فئة المتدينين من “الحريديم” يرفضون قرارات التجنيد منذ تأسيس كيان الاحتلال، وهذا مرتبط بقناعاتهم العقائدية التي تنص على أن لا دولة ولا جيش دون قدوم المسيح المخلص، فيما يقوم نتنياهو اليوم بعملية تضليل المجتمع الاحتلال بمثل هذا القرار وغيره من قرارات تمديد فترة التجنيد.
منذ عام 2017 فشلت حكومات الاحتلال المتعاقبة في التوصل إلى قانون شامل وموحد بشأن تجنيد “الحريديم”، بعد أن ألغت المحكمة العليا قانوناً تم تشريعه عام 2015 قضى بإعفائهم من الخدمة العسكرية، معتبرة أن الإعفاء يمس بـ”مبدأ المساواة”. وفقاً لحديث جعارة لـ “شبكة قدس”
ويعتمد ائتلاف بنيامين نتنياهو في بقائه على اليمين المتطرف الذي يعتقد بعدم وجوب تجنيد الحريديم، وأن ذلك ما سيحافظ على ناخبيه.
وبحسب قراءات المختص في الشأن الإسرائيلي ياسر مناع للإعلام العبري حول القرار فيقول ” الإعلام الإسرائيلي منحاز بشكل أو بآخر. فالمواقع والصحفيون المحسوبون على المتدينين المتشددين يرفضون التجنيد لأسباب دينية وخوفًا من التأثيرات العلمانية على الشباب الحريدي.
في المقابل، يرى الإعلاميون والصحفيون الليبراليون واليمينيون أن التجنيد ضروري لتقاسم عبء الدولة، خاصة أن الحريديم يشكلون 40% من المستوطنين في الضفة الغربية، والتجنيد يوفر الغطاء الأمني للاستيطان. هذا يعكس الانقسام في الإعلام، وهو انعكاس للانقسام المجتمعي حول هذه القضية، ويبرز كيفية استغلال الأحزاب لهذه القضية الجدلية في الحملات الانتخابية لجذب المزيد من أصوات الناخبين.”
ويضيف مناع لـ “شبكة قدس” إذا تم تشريع القانون الذي ينص على تجنيد 3000 طالب من “الحريديم” مع زيادة طفيفة سنويًا واستئناف تمويل المدارس الدينية، فمن الممكن أن يمر القرار، وبالتالي سينجح نتنياهو في تجاوز هذه الأزمة وأما إذا لم يمرّ القانون بهذه الصيغة، ستكون هناك أزمة حقيقية لنتنياهو.
تدرك المحكمة العليا للاحتلال حساسية هذه القضية منذ تأسيس دولة الاحتلال، ولا تزال اتفاقية الوضع القائم بين الحريديم وبن غوريون.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
سياسة العقوبات الأميريكية ضد “حميدتي” خطوات انتقائية تضر الشعب السوداني ولا تحقق السلام
القرار الأميريكي بفرض عقوبات على الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي" قائد قوات الدعم السريع يعكس أبعاداً سياسية تتجاوز البعد الإنساني الذي تبرر به واشنطن خطواتها. فمن الناحية التحليلية يظهر القرار تركيزاً على معاقبة طرف واحد في الصراع ما قد يؤدي إلى تعقيد المشهد السوداني بدلاً من تهدئته ورغم الإشارة إلى ما تم تسميته ب"الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع" إلا أن تجاهل جرائم القوات المسلحة السودانية المثبتة والموثقة يثير تساؤلات حول انتقائية القرار ؛ ما قد يفهم كخطوة سياسية لتوجيه الضغط نحو جهة معينة دون غيرها. من منظور تاريخي العديد من العقوبات الأميريكية السابقة لم تحقق أهدافها المنشودة؛ فمثلاً العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية منذ عقود عززت عزلة النظام دون أن تغير سلوكه؛ وبالمثل العقوبات الاقتصادية على العراق في التسعينيات ألحقت أضراراً جسيمة بالسكان المدنيين لكنها فشلت في إسقاط النظام آنذاك؛ إذاً هذه التجارب توضح أن العقوبات الفردية خاصة إذا لم تكن جزءً من استراتيجية شاملة قد تزيد من تعقيد الأزمات بدلاً من حلها. التوقيت المتأخر للقرار قبيل نهاية فترة بحكم "جو بايدن" يعكس دلالات سياسية واضحة فمن جهة يظهر رغبة الإدارة الأميريكية التي توشك على مغادرة مكانها في ترسيخ إرثها عبر التأكيد على التزامها بحقوق الإنسان ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم ومن جهة أخرى يمكن تفسيره كتحرك يهدف إلى تقييد خيارات الإدارة القادمة خاصة إذا كانت تحمل توجهاً مختلفاً بشأن السياسات الخارجية. الأزمة السودانية تتطلب حلولاً شاملة تتجاوز العقوبات الفردية ؛ ومع غياب رؤية دولية موحدة ومعالجة أسباب الصراع مثل تفكك المؤسسات وضعف الهياكل السياسية فإن القرارات العقابية قد تزيد من الانقسامات خاصة إذا لم ترافقها جهود جادة لتعزيز الحوار بين الأطراف المتصارعة، وعلاوة على ذلك تثير خطوة فرض العقوبات دون دعم واضح من الأمم المتحدة أو تفاعل حقيقي مع الشركاء الإقليميين شكوكاً حول قدرة هذه السياسة على تحقيق الاستقرار في السودان ما يجعل القرار أكثر ارتباطاً بالأجندة السياسية الأميريكية بدلاً من كونه وسيلة فعالة لتحقيق السلام. أمر شديد الأهمية وهو أن العقوبات الفردية تفتقر إلى بعد استراتيجي طويل الأمد إذ إنها قد تحفز الأطراف المستهدفة على البحث عن حلفاء جدد ما يخلق توازن قوى غير مستقر؛ وبالضبط في الحالة السودانية حيث تتشابك المصالح الإقليمية والدولية فإن العقوبات وحدها قد تساهم في تعزيز استقطاب وانقسام دوليين دون الدفع نحو الحلول السياسية المستدامة كما يعزز القرار الأميريكي حالة من عدم اليقين في السودان ما يصعب من إمكانية إجراء محادثات سياسية حقيقية بين مختلف القوى الفاعلة. بمنتهى الثقة يمكن التأكيد على أن العقوبات المفروضة على حميدتي قد تؤدي إلى تصعيد الوضع في السودان إذ ستسهم في تعزيز معسكره وموقفه العسكري من خلال البحث عن مصادر تمويل وموارد بديلة؛ كذلك في سياق الصراع السوداني المعقد تفتقر هذه العقوبات إلى حلول لمشاكل الشعب السوداني اليومية؛ وطالما أن فشل المجتمع الدولي في تقديم استراتيجيات شاملة لإعادة بناء المؤسسات السودانية مستمر فإن العقوبات لن تساهم في إيجاد حل دائم للأزمة السياسية والإنسانية.
lanamahdi1st@gmail.com