من المسلمات التي لا خلاف عليها فى الإسلام أن العدل هو أحد صفات الله عز وجل، وقد أمر به فى كل شؤون الحياة وجعله فريضة إسلامية ولا تستقيم الحياة إلا به، يقول تعالى: “إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعضكم لعلكم تدكرون.”1 ويقول تعالى في حديث قدسي: “يا عبادي: أني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا…”2
والإسلام ينظر لقضية العدل نظرة شمولية، فمن جهة يأمرنا الله عز وجل بالعدل ويشترط أن يكون حسنا، ومن جهة أخرى، يُحرم علينا نقيضه (أي الظلم)، فهل بعد هذا يُعقل أن الإسلام قد تجاهل المسألة الاقتصادية في المجتمع؟
الإجابة بكل بساطة: بالطبع لا.
وحيث أنني، فى هذا المقال المختصر، لا يمكن شرح جميع أبعاد العدل في الإسلام، فسوف يقتصر حديثي على جانب واحد من جوانب العدل في حياتنا السياسية المعاصرة، هذا الجانب هو ما سأطلق عليه اصطلاحا مفهوم: “العدالة الاجتماعية“.
وما أقصده بالعدالة الاجتماعية هو فهم الاقتصاد السياسي في ضوء مقاصد الشريعة لتحقيق مصالح البلاد والعباد، وحماية الكرامة الإنسانية في المجتمع، وإتاحة الفرص لكل مواطن قادر لممارسة نشاطاته الاقتصادية بكل حرية ووفقا لقوانين الدولة وأهدافها.
بمعنى أن تحقيق العدالة الاجتماعية، في أي مجتمع، هي من أهم القضايا الجديرة بالاهتمام والتعامل معها بالكيفية التي تحقق إشباع رغبات الناس المادية، وذلك لأنه لا يمكن فصل السياسة عن الاقتصاد، فهما “وجهان لعملة واحدة“، بمعنى آخر، أن الحرية الاقتصادية شرط ضروري وأساسي من شروط تأمين الحرية السياسية، وأنه:
لا يمكن تحقيق حرية الرأي إلا بتحقيق حرية الرزق والعكس صحيح.
وحيث أن قضية العدالة الاجتماعية في المجتمع المعاصر هي قضية شائكة ومعقدة وتحتاج إلى الكثير من الشرح والتفصيل، فسأختصر مقالي هذا بالتركيز على أهم المبادئ والشروط التي تقوم عليها عدالتنا الاجتماعية، ويمكننا تحقيق ذلك بالإجابة على الأسئلة التالية:
ما هي أهم مبادئ عدالتنا الاجتماعية؟ ما هي أهم واجبات الدولة؟ 3. متى يمكن للدولة أن تتدخل؟ 4. ما هي أهم الفروق بين عدالتنا الاجتماعية والمدارس الاقتصادية الأخرى؟أولا: ما هي أهم مبادئ عدالتنا الاجتماعية؟
لعل من أهم مبادئ العدالة الاجتماعية فى الإسلام الست مبادئ التالية:
(1) حق التملك
هذا يعني كقاعدة عامة أنه يحق للفرد أن يمتلك كل ما شاء ما دامت سبيل التملك مشروعة، بمعنى الإسلام يعترف بحق كسب الرزق بكل الوسائل المشروعة، وأن هذا الحق هو حق مقدس تؤكده الشريعة وتأمر باحترامه، وأن الاعتداء على هذا الحق يعتبر من الكبائر، ولا يؤخد من المواطن إلا لضرورة اقتضتها مصلحة المجتمع وفقا لإجرات قانونية وبتعويض عادل وفوري.
(2) حق العمل
وهنا يمكن القول إن الإسلام قد بالغ في احترام العمل حدّ التقديس واعتبره أساس الكسب المشروع، فقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قبّل يدا ورُمت من كثرة العمل قائلا:
“تلك يد يحبها الله ورسوله”3 ،
واعتبر الإسلام العمل أحد الوسائل الرئيسية للتملك والحصول على الثروة، فعن أنس بن مالك أن رجلا من الأنصار أتى النبي (ص) يسأله (أي يطلب منه المساعدة)،
فقال (ص): أمَا في بيتك شيء؟
قال الرجل: بلى،
حلس (أي كساء غليظ) نلبس بعضه ونبسط بعضه،
وقعب (أي إناء) نشرب فيه الماء.
قال (ص): “أئتني بهما”
قال: فأتاه بهما،
فأخدهما (ص) بيده وقال: “من يشتري هذين؟”
قال رجل: أنا أخدهما بدرهم،
قال (ص): “من يزيد على درهم؟” مراين أو ثلاثا,
قال رجل آخر: “أنا أخدهم بدرهمين” فأعطاهما إياه،
وأخذ الدرهمين وأعطاهما للأنصاري.
قال (ص): “أشترى بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك،
وأشتري بالآخر قدوما فأئتني به،
فأتاه به، فشد رسول الله (ص) عودا بيده، ثم قال: أذهب فاحتطب وبع،
ولا أرينك خمسة عشر يوما،
ففعل الرجل، ثم جاء إلى رسول الله وقد أصاب عشرة دراهم
فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما،
فقال (ص): “هذا خير لك من أن تجيء المُسألة (أي: سؤال الناس المال) نكتة في وجهك يوم القيام.
إن المُسالة لا تصلح إلا لثلاثة:
لذي فقر مدقع، أو لذي عزم مقظع، أو لذي دم مؤجع.”4
(3) التكامل الاجتماعية
بمعنى الإيمان بقيم التضامن والتعاون، لكي تكون حياة المواطنين أكثر سعادة وتألفا وتساندا، وحتى لا تطغى مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد، ولا تذوب مصلحة الفرد في مصلحة الجماعة، وبذلك يتحقق للمواطن استقلاليته، وتصان كرامته، وتتاح له فرص الإبداع والإنتاج، ويتقدم المجتمع، وتتوحد كلمة المواطنيين، وبذلك يتجسد فينا:
قول رسولنا (ص): “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا”5
وقوله (ص): “ترى المؤمنيين فى تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى”6
وقوله (ص): “والذي نفس محمد بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”7
وقوله (ص): “خير الناس أنفعهم للناس”8
(4) لا ضرر ولا ضرار
بمعنى يقول رسولنا (ص): “لا ضرر ولا ضرار“9، وهذا يعني:
“لا تبدأ غيرك بالضرر، ولا تُقابل الضرر بضرر مثله“.
وقد روى عن علي زين العابدين أنه قال: “كان لسمره بن جندب نخل في بستان رجل من الأنصار، وكان يدخل هو وأهله فيؤذيه، فشكا الأنصاري ذلك إلى رسول الله (ص)،
فقال رسول الله لصاحب النخل: بعه، … فأبى،
فقال الرسول: فأقطعه، … فأبى،
فقال الرسول: فهبه ولك مثله في الجنة، … فأبى،
فالتفت الرسول إليه وقال: أنت مُضار،
ثم التفت إلى الأنصاري وقال: أذهب فاقلع نخله.”10
(5) من أين لك هذا؟
بمعنى يجب ألا يسمح لأي مواطن أن يستغل مركزه السياسي أو الاجتماعي فى خدمة أغراضه الشخصية، ولا يجب أن يسمح لرأس
المال أن يأتي عن طرق مُحرمة أو غير مشروعة.
استعمل رسول الله (ص) رجلأ من الأزد على الصدقات، فلما رجع حاسبه،
فقال الرجل: هذا لكم وهذا أُهدي لىّ.
فقال النبىّ (ص) ما بال الرجل نستعمله على عمل مما ولانا الله،
فيقول: هذا لكم وهذا أهدي لي، أفلا قعد في بيت أبيه وأمه،
فينظر أيهدى إليه أم لا!
والذي نفسي بيده، لا نستعمل رجلا على عمل مما ولانا الله،
فيغل منه شيئا، إلا جاء يوم القيامة يحمله على رقبته،
إن كان بعيرا له رغاء،
وإن كان بقرة لها خوار،
وإن كان شاة لها تيعر.”11
ويروى ان أبو ذر قال لمعاوية لما راءه يشيد قصر الخضراء
ويُسخر آلاف العمال فى رفع قواعدة وسدّ [12] شرفاتة قال له:
“إن كانت هذه أموال المسلمين، فهي خيانة، وإن كانت أموالك فهي إسراف.”
(6) محاربة الفقر
الفقر بمعناه الاقتصادي هو النقص في السلع والخدمات اللازمة لإشباع حاجات المواطن الأساسية، ولعل من الأشياء الجميلة في الإسلام أنه يحقق العدالة الاجتماعية:
ليس بمعاقبة الأغنياء، وإنما بمساعدة الفقراء ومحاربة الفقر.
بمعنى ينظر الإسلام إلى الفقر كظاهرة اجتماعية سلبية وشادة، ويساويه بالكفر، وكان رسولنا (ص) يقول “كاد الفقر أن يكون كفرا“،12
وكان من دعائه (ص): “اللهم أني أعو بك من الكفر والفقر“.
فقال له رجل: أيعدلان؟
فاجاب الرسول (ص): نعم.”13
وقد ورد في الأثر أنه “إذا ذهب الفقر لبلد قال له الكفر خدني معك”14
وفي هذا الصدد يقول الإمام علي كرم الله وجهة:
“والله لو كان الفقر رجلا لقتلته”.
وعليه فإن محاربة الفقر في المجتمع واجب إنساني قبل كل شيء، ويجب أن تكون من أهم أهداف الدولة، ويمكن تلخيص هذا المبدأ الاقتصادي بالتأكيد على أن المجتمع الإسلامي:
“لا يمنع الغنى … ولكنه يحارب الفقر”.
لأن الأغنياء هم جزء لا يتجزأ من المجتمع ويجب يشتركوا في محاربة الفقر، وفي هذا الصدد لا يملك المرء إلا أن يُذكر الأغنياء بما قاله سيدنا علي كرم الله وجهة:
“إن الله فرض على الأغنياء في أموالهم بقدر ما يكفى فقراءهم،
فإن جاعوا أو عروا وجهدوا فبمنع الأغنياء.”15
ويجب أن يكون دور الأغنياء في محاربة الفقر كدور الأشعريين،
فقد روى عن أبي موسى الأشعري أنه قال: قال رسول الله (ص):
“الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة،
جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد،
ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية،
فهم مني وأنا منهم.”16
في الجزء الثاني من هذا المقال سوف أحاول الإجابة على
السؤال التالي:
ما هي أهم واجبات الدولة في تحقيق العدالة الاجتماعية من منظور إسلامي؟
يتبع…
والله المستعان.
هوامش
سورة النحل : اّية 901
رواه مسلم , والترمدى , وأبن ماجه2
عبد السميع المصرى (1975) “مقومات الاقتصاد الاسلامى.” مكتبة وهبة عابدين , جمهورية مصر العربية. ص232 .3
رواه ابو دواد فى سننه (ج) 2/ 293 رقم (1641) , والترمدى فى الجامع بأختصار 4
رقم (1218) , وابن ماجه فى التجارات رقم (198) , والنسائى
رواه البخارى وأحمد بن حنبل5
رواه البخارى فى كتاب الاذب. 6
رواه البخارى 7
رواه جابر 8
رواه احمد وابن ماجه عن ابن عباس9
الاحكام السلطانية لابى العلى , انظر أيظا دز عبد العزيز الخياط (1986) “المجتمع المتكافل فى الاسلام.” دار السلام. الطبعة الثالتة . القاهرة , مصر. ص 7910
كتاب التاج , فى باب الامارة والقضاة. أنظر أيظا دز عبد العزيز الخياط ص161.11
محمد الغزالى “نمادج من العدالة فى الاسلام.” [12]
عماد الدين خليل (1979) “مقال فى العدل الاجتماعى” دار الرسالة. بيروت. الطبعة الاولى. ص7512
نفس المرجع السابق13
د. احمد كمال ابوالمجد (1988) “حوار لا مواجهة”. دار الشروق. 14
عماد الدين خليل (1979) “مقال فى العدل الاجتماعى” دار الرسالة. بيروت. الطبعة الاولى. ص 3115
نفس المرجع السابق ص 8616
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: العدالة الاجتماعیة محاربة الفقر فی المجتمع رسول الله ما هی أهم إن کان
إقرأ أيضاً:
أحمد علي سليمان من إندونيسيا: الأزهر هدية الله للعالم ومنهجه حصانة للمسلمين ضد التطرف
شهد معهد دار النجاح الإسلامي الثاني بمنطقة شبينينج بمدينة وجور بإندونيسيا استقبالًا حافلًا للعالم الأزهري المصري المفكر الإسلامي الدكتور أحمد علي سليمان، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بجمهورية مصر العربية، أمس الخميس 13 رمضان 1446هـ / 13 مارس 2025م، في زيارة علمية تستهدف تعزيز التواصل العلمي وتبادل الخبرات بين المؤسسات التعليمية في العالم الإسلامي.
وفي مستهل اللقاء، ألقى الشيخ ناسخون، مدير رعاية الطلبة، كلمة الترحيب نيابة عن مجلس إدارة المعهد، معبرًا عن سعادته البالغة بهذه الزيارة التي تأتي في شهر رمضان المبارك، ومؤكدًا على أهميتها في دعم العملية التعليمية وتعزيز القيم الإسلامية بين الطلاب والمعلمين.
من جانبه، أعرب المشرف العام على المعهد، الشيخ جمهاري عبد ذي الجلال، لدى استقباله الضيف الكبير عن اعتزاز إدارة المعهد بهذه الزيارة، مشيرًا إلى أن جميع أفراد معاهد دار النجاح في مختلف مناطق إندونيسيا يشعرون بالفخر بوجود فضيلة الشيخ الدكتور أحمد علي سليمان بينهم. كما استعرض برنامج الزيارة التي تستمر ثلاثة أيام، وتتضمن لقاءات علمية مع المدرسين والطلاب، إضافةً إلى خطبة الجمعة، ومحاضرات وفعاليات علمية ودينية متنوعة.
مكانة العلم في الإسلام ومنهج الأزهر في نشرهخلال محاضرته، استهل الدكتور أحمد علي سليمان حديثه بالثناء على الله والصلاة والسلام على سيدنا محمد ﷺ، معبرًا عن سعادته بزيارة إندونيسيا، مؤكدًا أن الأزهر الشريف هو هدية من الله لمصر والعالم الإسلامي، وله دور محوري في نشر منهجية علمية تُظهر جمال الإسلام وجلاله ورحمته وعزته ونوره.
وأشار إلى أن الأزهر الشريف يتميز بمنهجية علمية تقي طلابه من الانحراف أو الانجراف أو الانجرار نحو التطرف أو التشدد، وهي منهجية علمية فريدة تميز الأزهر الشريف عن غيره، حيث يدرس الأزهر لطلابه العلوم النقلية (القرآن والسنة)، والعلوم العقلية (كالفلسفة)، وعلوم الآلة (كاللغة والبلاغة)، والعلوم العصرية الحديثة، ما يجعل طالب الأزهر لديه الفهم العميق لعلوم الإسلام ومن ثم يتكون لديه تدريجيا ملكة حسن الفهم وحسن التعبير وحسن الأداء حتى يصبح موسوعة علمية متنقلة.
الإسلام أكثر دين اهتم بالعلم:
كما أكد أن الإسلام هو أكثر دين اهتم بالعلم والعلماء وطلاب العلم وأماكن العلم وطرق تدريس العلم وكتب العام ووسائل التعليم، موضحًا أن أول آية نزلت في القرآن الكريم لم تتحدث عن الصلاة أو الصيام أو الجهاد على الرغم من أهمية كل ما سبق، بل تحدثت عن العلم، حيث قال الله تعالى: "اقرأ باسم ربك الذي خلق"، في إشارة إلى أن كل ما سبق وغيره يحتاج إلى العلم.
وأكد الدكتور أحمد علي سليمان، أنه لم يهتم دين من الأديان، ولا حضارة من الحضارات، بالعلم والعلماء وطلاب العلم وأوقات العلم ومؤسسات العلم، وطرق تدريس العلم، ومخرجات العلم، وتكامل العلوم، وتطبيق العلوم في هذه الحياة، مثلما اهتم الإسلام ورسول الإسلام وحضارة المسلمين عبر عصور التاريخ.
وأشار إلى أن العلم في الإسلام نوعان:
الأول: علم مكتسب يأتي بالجهد والتعب والسهر والتحصيل والمذاكرة.
الثاني: علم لدني، وهو الذي يأتي بالمنح والإلهام من الله سبحانه وتعالى.
ولفت إلى أن الله سبحانه وتعالى خلقنا في هذه الحياة، وحدد لنا ثلاث غايات من وجودنا فيها، وهي:
1. عبادة الرحمن، وهي تحتاج إلى علم، فأحكام العبادات لها علوم كالفقه والمعاملات والأحوال الشخصية… إلخ.
2. رعاية الإنسان، وهي تحتاج إلى علم.
3. عمارة الأكوان، وهي تحتاج إلى علم.
وفي أي حضارة من حضارات التاريخ الإنساني القديم والحديث، كان العلم أهم أركانها، وقد كان أساس الإعمار المادي، والإعمار المعنوي، والإعمار الحضاري، وأيضا إعمار العقل، وإعمار النفس، وإعمار القلب، وإعمار الحياة.
وألمح إلى أن الله سبحانه وتعالى جعل العلم أيضًا أساس التجديد والتحديث والتطوير عبر التاريخ، فلولا العلم لما عرفنا ديننا، ولولا العلم لما عرفنا تاريخنا، ولولا العلم لما تناقلت الخبرات، ولولا العلم لما رأينا الطب، ولا الهندسة، ولا الزراعة، ولا التجارة، ولا وسائل النقل الحديثة من سيارات وطائرات وقطارات، ولا شبكة الإنترنت التي تنقل البيانات عبر أعماق المحيطات، ولا الأقمار الصناعية، ولا الاتصالات الفضائية.
خير وأحب إلى الله.. د. أحمد علي سليمان يكشف الصفات المقصودة بـ المؤمن القوي
أحمد علي سليمان: المرأة المسلمة كانت دائمًا ركيزة أساسية في نهضة الأمة
ونبه الدكتور أحمد علي سليمان، على أنه في ديننا، فضل العالم يفوق فضل العابد، لأن العالم فضله للآخرين، وفي ديننا العلماء ورثة كم الأنبياء فلهم أعظم ميراث، لأنهم ورثة الأنبياء.. وفي ديننا الإسلامي أيضًا، يُقدَّم العالم على غيره في الصلاة، وفي القيادة، وفي شتى أمور الحياة.. وفي ديننا طلب العلم بأنواعه المختلفة فريضة على كل مسلم ومسلمة، وهو واجب مستمر من المهد إلى اللحد.
وواصل: وفي ديننا، يُطلب العلم مهما كان بعيدًا، حتى لو كان في الصين، وفي ديننا نحترم التخصص وأهل الخبرة، قال تعالى: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون". فأهل الذكر في الطب هم الأطباء، وأهل الذكر في الهندسة هم المهندسون وهكذا.وفي ديننا، التعليم متاح للجميع، وليس حكرًا على الأغنياء أو على فئة دون أخرى، وفي ديننا هناك بون شاسع بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون، قال الله تعالى: "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات". وفي الإسلام، أجر العلم النافع لا ينقطع بوفاة صاحبه، بل يمتد إلى يوم القيامة، كما قال النبي ﷺ: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له".
واستطرد: وفي ديننا ومن عظمة اهتمام الإسلام بالعلم، أن الله سبحانه وتعالى أباح لنا أكل الصيد الذي جاء به الكلب المُعَلَّم، ولم يبح لنا أكل الصيد الذي جاء به الكلب العادي، في إشارة إلى قيمة التعليم حتى في عالم الحيوان، وفي ديننا أيضًا، فإن مخلوقات الله، من الملائكة، والحيتان في البحار، والدواب، وغيرها تستغفر لطالب العلم، وتدعو للعالم، تقديرًا لما يحملونه من نور المعرفة الذي ينفع البشرية جمعاء.
العلوم الدينية والحديثة.. تكامل لا تناقض:استشهد الشيخ الدكتور أحمد علي سليمان بقول الإمام المجدد التركي الراحل الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي، الذي أكد ضرورة الجمع بين العلوم الدينية والعلوم الحديثة، لأن الاقتصار على العلوم الشرعية فقط قد يُبقي الإنسان بعيدًا عن الواقع، بينما يواجه دارس العلوم الحديثة خطر الغرور إذا لم يقترن علمه بالدين.
وأشار إلى تجربته في تدريب أكثر من 6000 إمام وداعية في مصر ودول أخرى، موضحًا أنه كان يحرص على توجيههم للاطلاع على مبادئ العلوم الحديثة والعصرية بجانب العلوم الشرعية؛ حتى يتمكنوا من فهم الواقع بشكل أعمق وأدق ومن ثم تقديم خطاب ديني يتناسب مع متطلبات العصر.
كما شدد على أهمية إجادة الدعاة والمربين لمهارات التأثير والفعالية ومهارات التنمية البشرية، فضلا عن لثلاثة أمور رئيسية:
1. حُسن فهم النص الديني.
2. حُسن فهم الواقع.
3. حُسن تنزيل النص الديني على الواقع.
وأكد أن الإسلام دين عالمي وخاتم، صالح لكل زمان ومكان، وأن الله جعل فيه قوة ذاتية تضمن تجديده واستيعابه للتطورات والمستجدات في كل زمان ومكان وحال.
أهمية الخط العربي في حفظ القرآن ونقل العلوم
بعد استراحة قصيرة، استأنف الدكتور أحمد علي سليمان حديثه بجلسة خاصة حول **الخط العربي، موضحًا أنه كان وسيلة لحفظ القرآن الكريم وتدوينه عبر العصور.
وبين أن الخط العربي ينقسم إلى نوعين:
1. الخط الجامد: مثل أنواع الخط الكوفي والهندسي، الذي يكتب بالقلم والمسطرة.
2. الخط المرن: مثل الرقعة والنسخ والديواني والفارسي والثلث، الذي يمتاز بجمالياته الفنية.
كما تناول بعض الأخطاء الشائعة في الكتابة، مثل:
- عدم الالتزام بالسطر بالصعود فوق السطر أو النزول تحت في الكتابة.
- عدم تناسق الحروف فبعضها يُكتب بشكل كبير جدا وبعضها صغير للغاية.
- المسافات غير الصحيحة بين الكلمات والمقاطع داخل الكلمات.
- خلط أنواع مختلفة من الخطوط في نص واحد.
وأكد أن الخط العربي هو مأثر عظيم من مآثر حضارة الإسلام، شرفه الله بكتابة القرآن العظيم، والخط الحسن يزيد الحق وضوحًا، موضحًا أن إتقان الخط العربي يعزز الفهم الصحيح للنصوص الإسلامية ويسهم في تطوير مهارات الطلاب، ودعا إلى التوسع في تعليم الخط العربي في معاهد إندونيسيا، وأعرب عن تبرعه بتدريسه لهم عبر التقنيات الحديثة.
وفي ختام الجلسة، قام الدكتور أحمد علي سليمان بكتابة اسم "دار النجاح الثاني" بخطه الجميل على لوحة تذكارية، كما قدّم تمرينات عملية على على السبورة بالخط العربي، شارحا قواعد وموازين ومبادئ خط الرقعة باعتباره أيسر الخطوط والبوابة الأولى لتعلم الخطوط مما لاقى إعجاب الحاضرين.
ختام الزيارة والدعاء بالبركة والتوفيقاختتم الدكتور أحمد علي سليمان محاضرته بالدعاء أن يبارك الله في معهد دار النجاح، وأن يرحم مؤسسه، ووأن يجزي القائمين عليه خير الجزاء، وأن ينفع الله بالعلم الذي يُنشر فيه، ويحفظ الأمة الإسلامية من الفتن، ويرزقها العلم النافع والعمل الصالح، ويجعل القرآن العظيم نورًا في قلوب المسلمين.