ليس لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غير قائمة قصيرة للغاية من البلاد المتاح لرحلاته الدولية في هذه الأيام. وقد لجأ إلى اختيار حكيم منها بالسفر إلى بيونج يانج، حيث يمكن الاحتفاء به باعتباره زميلا، وحيث يمكن أن يجرب إحساس الارتياح من العزلة التي توجبها العقوبات المفروضة على بلده.

غير أن قرار بوتين بالتوقيع على اتفاقية دفاع مشترك شاملة مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون قد يكون في نهاية المطاف هدفا في ذاته أكثر مما يكون فتحا استراتيجيا - وهذا إذا ما مضت حكومة كوريا الجنوبية بالفعل في تنفيذ تعهدها بالانتقال من الاكتفاء بتعويض المخزونات الأمريكية والبولندية إلى الدعم العسكري المباشر لأوكرانيا.

ومن المرجح أن يكون بوتين قد اعتقد أن زيارته لبيونج يانج سوف تعزز الشلل الكوري الجنوبي فيما يتعلق بالدعم العسكري العلني لأوكرانيا مع توسيع نطاق وأنواع الذخائر الكورية الشمالية المتاحة لجهود الحرب الروسية.

ازدهرت العلاقة بين كوريا الشمالية وروسيا في الأشهر الأخيرة لتشمل إدانتهما المشتركة للإمبريالية الأمريكية وفق ما يتصور البلدان، فضلا عن الإجراء الذي اتخذته روسيا لمنع فريق خبراء الأمم المتحدة المكلف بالتحقيق والتوصية بفرض عقوبات دولية على كوريا الشمالية بسبب انتهاكاتها للقرارات الصادرة بالإجماع ضد أنشطتها في نشر الأسلحة النووية والصاروخية.

على الرغم من هذه التطورات، أعرب رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول في مؤتمر صحفي عقد في التاسع من مايو عن رغبته في الحفاظ على العلاقات مع روسيا «سلسة قدر الإمكان» وأعاد التأكيد على سياسة كوريا الجنوبية المتمثلة في عدم تقديم الأسلحة العسكرية مباشرة إلى أوكرانيا.

فيما يتعلق بمصداقية كوريا الجنوبية باعتبارها شريكا متماثل التفكير، فقد أثارت تعليقات كوريا الجنوبية الخطابية السابقة على قمة كيم وبوتين العديد من التساؤلات من جانب الممثلين الدبلوماسيين للاتحاد الأوروبي وبريطانيا الذين أجريت معهم محادثات قبل أسبوع من زيارة بوتين.

لقد أكد أولئك الذين حاورتهم -بصفة خاصة- أن لدى أوروبا أولوية تتمثل في ضمان تضامن كوريا الجنوبية في دعم أوكرانيا وخيبة أملها من الدعم الخطابي الذي تقدمه كوريا الجنوبية -والذي يبدو فاترا بصفة خاصة عند مقارنته بالدعم الذي تقدمه اليابان. وقد تساءل الأوروبيون الذين حاورتهم عن سبب غياب ضغوط أكثر وضوحا من جانب الولايات المتحدة لحمل كوريا الجنوبية على مزيد من الاصطفاف مع الغرب باتجاه الحرب في أوكرانيا.

يشير رد الفعل الأولي من كوريا الجنوبية تجاه إعلان معاهدة الدفاع المشترك بين كوريا الشمالية وروسيا إلى أن هذا التطور قد يعمل على محو المخاوف الأوروبية من خلال تحفيز إدارة يون على تقديم الدعم المباشر لأوكرانيا في المجالات العاجلة من قبيل الأنظمة المضادة للصواريخ وإمدادات الذخيرة المباشرة.

لقد جاءت مخاطبة كوريا الجنوبية للسفير الروسي لديها جورجي زينوفييف عقب الإعلان متضمنة مطالبتها لروسيا بإنهاء العلاقات العسكرية مع كوريا الشمالية. غير أن استدعاء السفير قد أدى أيضا إلى تحذير عام من بوتين قال فيه إنه سيكون «خطأ كبيرا جدا» من جانب كوريا الجنوبية أن تنفذ تهديدها بتزويد أوكرانيا بالذخائر بشكل مباشر.

يشير تعليق بوتين المبهم إلى تأثير كبير لتوقيع اتفاق الدفاع المشترك الذي قد ترغب كل من كوريا الشمالية وروسيا في استغلاله، والذي سيتعين على كوريا الجنوبية الآن أن تتعامل مع وجوده: وهو إعادة ربط مخاطر الصراع في شبه الجزيرة الكورية بالبيئة الاستراتيجية الأوسع والتنافسات الجيوسياسية العالمية.

فمن العواقب أن تصرفات كوريا الجنوبية ضد روسيا يجب أن تأخذ في الاعتبار احتمال قيام روسيا بالانتقام من خلال تسريع نطاق وعمق التعاون العسكري مع كوريا الشمالية، بما في ذلك من توفير تقنيات الأقمار الصناعية والصواريخ الباليستية المتقدمة.

وواقع الأمر أن الدافع الروسي المحتمل وراء التوقيع على معاهدة الدفاع المشترك مع كوريا الشمالية، قد يتمثل في طرح إمكانية فتح جبهة ثانية للصراع العسكري بعيدا عن أوكرانيا، ليكون ذلك في الآن نفسه وسيلة يمكن من خلالها حث كوريا الجنوبية على الحذر فيما يتعلق بتصدير الأسلحة والمعدات العسكرية إلى أوكرانيا، والإشارة إلى احتمال نشوب صراع واسع النطاق تكون له أيضا تداعيات على الاستراتيجية العسكرية الأمريكية العالمية.

سوف يكون لزاما على إدارة يون أن تتعامل مع هذه المخاطر من خلال سد الفجوة في التصور والنهج مع الحلفاء الأوروبيين ذوي التفكير المماثل، ومن خلال مزيد من تعزيز التنسيق العسكري بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية في الاستجابة لتوثيق العلاقات بين كوريا الشمالية وروسيا.

وفي هذا الصدد، فإن توقيت زيارة بوتين إلى بيونج يانج سوف يجذب الاهتمام ويؤدي إلى رد فعل موحد في الاحتفال بالذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس حلف شمال الأطلسي في واشنطن، ومن زعماء الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية على هامش تلك الاجتماعات.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: کوریا الشمالیة وروسیا کوریا الجنوبیة الدفاع المشترک من خلال

إقرأ أيضاً:

قراصنة كوريا الشمالية ينهبون 1.3 مليار دولار من العملات الرقمية في عملية جريئة!

شمسان بوست / متابعات:

بلغ إجمالي قيمة العملات الرقمية المشفرة المسروقة في العام 2024، 2.2 مليار دولار (أي ما يعادل 1.75 مليار يورو)، أكثر من نصف هذا الرقم نُهب من قبل قراصنة من كوريا الشمالية، وفق ما أظهرته دراسة جديدة.

واستناداً إلى الدراسة التي أجرتها شركة تشيناليسيس، فإن القراصنة في الدولة المنعزلة سرقوا 1.3 مليار دولار من العملات الرقمية، في رقم يشكل ما يزيد عن ضعف حصيلة العام الماضي.


وبعض السرقات التي يبدو أنها مرتبطة بقراصنة من كوريا الشمالية “يتظاهرون بأنهم عمّال في مجال تكنولوجيا المعلومات عن بُعد، لاختراق شركات العملات المشفرة ومؤسسات تكنولوجية أخرى”، على ما ذكرت الدراسة.


ويأتي ذلك، في وقت تضاعفت فيه قيمة “بتكوين” العملة الرقمية الشهيرة، هذا العام، مع وصول الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى السلطة الذي يتوقع أن يكون أكثر ودية مع العملات الرقمية مقارنة مع سلفه جو بايدن.

وبشكل عام فإن قيمة العملات المشفرة المسروقة من قبل قراصنة خلال العام الحالي ارتفعت بنسبة 21 في المئة مقارنة مع العام الماضي، لكنها تبقى أقل من المستويات المسجلة في عامي (2021 و2022)، وفق الدراسة.

“يؤكد ارتفاع حجم سرقة العملات المشفرة في عام 2024 الحاجة إلى أن تتعامل الصناعة مع مشهد تهديد معقد ومتطور بشكل متزايد” على ما أفادت الدراسة.


وعزت الدراسة سرقة غالبية العملات المشفرة هذا العام، إلى “اختراق المفاتيح الخاصة” المستخدمة للتحكم في الوصول إلى أصول المستخدمين على منصات هذه العملات.


و”لأن التبادلات المركزية تدير كميات كبيرة من أموال المستخدمين، فإن تأثير اختراق المفتاح الخاص يمكن أن يكون وخيماً”، وفق الدراسة.


ومن أهم الحوادث هذا العام، سرقة ما يعادل 300 مليون دولار من “بتكوين” من بورصة العملات المشفرة اليابانية، وخسارة نحو 235 مليون دولاراً من بورصة عملات مشفرة مقرها الهند.

وقالت الحكومة الأمريكية إن “النظام في كوريا الشمالية يلجأ إلى سرقة العملات الرقمية وأشكال أخرى من الجرائم الإلكترونية للتحايل على العقوبات الدولية وجمع الأموال”.


والأسبوع الماضي، وجهت محكمة فيدرالية في سانت لويس، اتهامات إلى 14 كورياً شمالياً بزعم تورطهم في “مؤامرة طويلة الأمد تهدف إلى ابتزاز أموال من شركات أمريكية وتحويلها إلى برامج الأسلحة في بيونغ يانغ”.

وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أنها ستعرض مكافأة قدرها 5 ملايين دولار لمن يزودها بمعلومات إضافية عن المخطط المزعوم.

مقالات مشابهة

  • وزيرا خارجية كوريا الجنوبية والولايات المتحدة يتفقان على عقد اجتماع في أقرب فرصة
  • ‏كوريا الجنوبية تعلن نجاحها في وضع قمرها الاصطناعي الثالث للتجسس في مداره
  • الدفاع الصينية تنتقد تقرير البنتاجون حول التطور العسكري
  • انقسام شعبي حاد بشأن مصير رئيس كوريا الجنوبية المعزول
  • عدد العمال الأجانب في كوريا الجنوبية يتجاوز المليون لأول مرة
  • لقاء ليبي-أمريكي يناقش التعاون العسكري وميزانية موحدة لعام 2025
  • قراصنة كوريا الشمالية ينهبون 1.3 مليار دولار من العملات الرقمية في عملية جريئة!
  • للتجسس على الشمالية..كوريا الجنوبية تطلق قمراً صناعياً ثالثاً
  • وزير الدفاع البريطاني يقترح نشر قوات بريطانية في أوكرانيا لتدريب الجنود
  • رغم التخوف من تخلي ترامب عن أوكرانيا.. أوروبا تتمسك بالدعم العسكري لكييف