الحرب في غزة تنهي إعفاء الحريديم من التجنيد
تاريخ النشر: 26th, June 2024 GMT
إذا كان هناك شيء جيد واحد من مأساة الحرب بين إسرائيل وغزة، فهو احتمال أن يكون زمن احتيال الأرثوذكس المتطرفين في إسرائيل عن طريق جمع المال العام للإنفاق على الدراسة الدينية، والتهرب من الخدمة العسكرية، قد يصل أخيرا إلى نهايته.
إذ أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية يوم الثلاثاء حكما بالإجماع أعلنت فيه مرة أخرى أن مشروع إعفاء اليهود المتشددين يفتقر إلى مسوغ قانوني.
من المؤكد أنه ليس من الحكمة أبدًا الوقوف ضد الأرثوذكس المتطرفين، المعروفين أيضًا باسم الحريديم، فقد تمكن هؤلاء من الإبقاء على هذا الوضع منذ تأسيس الدولة في عام 1948، عندما وافق رئيس الوزراء ديفيد بن غوريون على إعفاء طلاب المدارس الدينية (يشيفوت) من الخدمة العسكرية. وكانت الفكرة هي أن المجتمع اليهودي، الذي دمرته المحرقة، يمكن أن يعيد إحياء دراسة التوراة والتلمود اللذَين يمثلان النقاش الحاخامي للقانون اليهودي.
في ذلك الوقت، كان عدد الطلاب المعفيين 400 طالب. وقد ارتفع بشكل متواضع إلى 800 بعد حرب عام 1967. واليوم، ارتفع إجمالي المعفيين إلى رقم قياسي بلغ 66 ألف شخص، مع تزايد عدد السكان الحريديم إلى أكثر من 13% من السكان. يجب على معظم الرجال اليهود الإسرائيليين الخدمة في الجيش لمدة 32 شهرًا، وعلى النساء اليهوديات عامين. (الخدمة ليست إلزامية للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل). ومع ذلك، فإن الحريديم ليسوا معفيين فحسب، بل يتلقون أيضًا رواتب من الدولة حتى سن 26 عامًا، في حين تدفع الحكومة للمدارس الدينية التي يدرسون فيها ملايين أخرى.
ومن أجل الحفاظ على هذا الوضع، قام اليهود المتطرفون بمهارة بتحويل أعدادهم المتزايدة إلى قوة سياسية، إذ يشكل حزبان يهوديان متشددان، شاس ويهدوت هتوراة، جزءا من الائتلاف الحاكم الضيق لرئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، ويهددان الآن بالانسحاب إذا نُـفّـذَ حكم المحكمة العليا.
وهذا الخلل في التوازن بين الحقوق والواجبات، الذي ظل كذلك لسنوات، أمر لا يمكن السكوت عنه، والحرب في غزة والتهديد بزيادة الأعمال العدائية على الحدود الشمالية مع لبنان ربما يكونان قد فكّا هذه المعضلة، فقد استدعي نحو 360 ألف جندي احتياطي بعد السابع من أكتوبر، كما قامت قوات الدفاع الإسرائيلية بتمديد فترات الخدمة لكل من المجندين وجنود الاحتياط. الجنود يموتون، العائلات قلقة، والاقتصاد معطل.
ومع ذلك، يتمسك معظم اليهود المتشددين بانفصالهم، ويصرون على أنهم يخدمون الدولة من خلال الصلاة ودراسة التوراة، ويبدو أن الاستياء من هذا الرأي واضح وواسع الانتشار، بل ويمتد من اليسار إلى اليمين، ومن العلمانيين إلى الأرثوذكس. وأظهر استطلاع للرأي أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلي في مارس أن 70% من المشاركين يعتقدون أنه ينبغي إلغاء الإعفاء.
وفي الوقت نفسه، أحدثت صدمة السابع من أكتوبر صدعا، ولو بسيطا، في رفض الحريديم الثابت تاريخيا بالتفكير في الخدمة العسكرية بأي شكل من الأشكال. في مجتمع الحريديم، لا يتم تثبيط الخدمة العسكرية فحسب، بل إن التسجيل فيها يعني المخاطرة بنبذ الشخص المسجل من قبل المجتمع، لذلك فإن أقل من 10% يسجلون في الخدمة العسكريّة. وهذا الموقف المعارض منطقي إلى حد ما: فالجيش في إسرائيل من جنسيات متعددة، وبالنسبة للحريديم، يشكل الاختلاط مع الآخرين تهديدا وجوديا، إذ إن السماح لشبابهم بالتعرض لأسلوب حياة مختلف عما اعتادوا عليه هو بمثابة إغرائهم بذلك الأسلوب.
إلا أن ذلك ربما بدأ يتغير، ففي الأسابيع التي تلت 7 أكتوبر، تطوع آلاف الرجال الحريديم للخدمة، وأظهرت استطلاعات الرأي داخل المجتمع الحريدي زيادة التشجيع للانضمام للخدمة العسكرية.
ومع ذلك، فهذه ليست وجهة النظر الحريدية السائدة، فقد حذر الحاخام الأكبر للسفارديم يتسحاق يوسف من أن اليهود المتشددين سيغادرون البلاد إذا ألغيت الإعفاءات. قال يوسف: «إذا أجبرونا على الانضمام للجيش، فسنغادر جميعًا إلى الخارج. إنّ كل هؤلاء العلمانيين لا يفهمون أنه من دون المدارس الدينية، لن ينجح الجيش، وأن الجنود لا ينجحون إلا بفضل من يتعلمون التوراة». مرة أخرى، تتبادر إلى ذهني كلمة «الوقاحة».
قد تكون المحكمة هي آلية الإجبار النهائية، فقد قضت محكمة العدل العليا، المحكمة العليا في إسرائيل، مرارا وتكرارا منذ عام 1998 بأن إعفاء الحريديم ينتهك المبادئ الأساسية للمساواة. وفي عام 2017، منحت المحكمة الحكومة سنة واحدة لإيجاد بديل، لكن الحكومة تمكنت من منع التغييرات من خلال سلسلة من العمليات التشريعية والتنظيمية.
وانتهى الإعفاء الأخير في الأول من أبريل، وأمرت المحكمة العليا بتجميد الأموال المخصصة لليشيفوت في غياب أي حل تشريعي، رافضة بذلك ادعاءات نتانياهو بأنه يحتاج إلى وقت إضافي بسبب الحرب. الجدير بالذكر أن المدعي العام لم يوافق نتانياهو، وأخبر المحكمة أن الحكومة لم يعد لديها أي أساس قانوني لمواصلة إعفاء اليهود المتشددين من الخدمة العسكرية. (الأحكام المتعلقة بالخدمة العسكرية هي أحد الأسباب الكامنة وراء الجهود الفاشلة التي بذلتها الحكومة في العام الماضي لتقويض استقلال المحكمة).
لقد كتبت آخر مرة عن هذه القضية خلال رحلة قمت بها إلى إسرائيل قبل عشرة أعوام، عندما كان ائتلاف نتانياهو يمر بخلاف يتصارع فيه حول كيفية تخفيف الإعفاء. لم يحدث ذلك مطلقًا، ولكن هذه المرة يبدو الأمر مختلفًا، مع ضغوط الحرب ومستوى متصاعد من الغضب العام. في ذلك الوقت، كان يوهانان بليسنر عضوًا في الكنيست الإسرائيلي، وترأس لجنة لإعادة كتابة قواعد الخدمة. وهو اليوم رئيس المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، وهو مركز أبحاث غير حزبي. قال لي بليسنر قبل صدور الحكم الأخير: «كنا نظن أن هذه المشكلة يمكن أن تتصاعد ولكن بصمت، وظننا أنه يمكننا تجاهلها، إلا أن 7 أكتوبر جعلها في مركز النقاش العام، ولم يعد من الممكن تجاهلها».
لذا، سألت بليسنر، هل هذا يعني أن الوقت قد انتهى الآن؟ فأجاب: «لقد انتهى الوقت» فقط في الأفلام، وليس في السياسة»، مشيرا إلى مهارة نتانياهو في إدارة سنوات من المماطلة بشأن هذه القضية. ومع ذلك، قال: «الوقت ليس في صالح أولئك الذين يريدون إدامة حالة الإعفاء الحالية».
وهذا بصيص أمل من الأخبار الجيدة في وقت مظلم بالنسبة لإسرائيل.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الیهود المتشددین الخدمة العسکریة المحکمة العلیا فی إسرائیل ومع ذلک
إقرأ أيضاً:
إسرائيل تتجه لتنفيذ المرحلة الأولى وإجهاض الثانية ضمن مفاوضات غزة
حذّرت أوساط سياسية وعسكرية في إسرائيل من الاتجاه الذي يتبلور في الحكومة لتنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة ، وإجهاض المرحلتين الثانية والثالثة التي يفرض أن يتم بموجبهما إتمام عملية إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين وألوف الأسرى الفلسطينيين وإنهاء الحرب.
وقالت هذه الأوساط بحسب صحيفة "الشرق الأوسط"، إن المداولات التي تمت في الأيام الأخيرة، وبينها اجتماع دام ثماني ساعات بمشاركة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، ووزراء الجيش والشؤون الاستراتيجية والقضاء وقادة الجيش والمخابرات وأعضاء فريق التفاوض، بيّنت بوضوح أن "استئناف الحرب على غزة يكاد يكون حتمياً"، وأن الجيش كُلّف بجلب خطة تفصيلية إلى الحكومة، في الأيام المقبلة، تشتمل على المخططات العسكرية لاستئناف الحرب.
إقرأ أيضاً: بث مباشر: بدء الاستعدادات للإفراج عن الدفعة السادسة من أسرى إسرائيل في غزة
وبموجب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن خطة الجيش الإسرائيلي ستكون مبنية على أساس إعادة احتلال محور نتساريم وسائر مناطق قطاع غزة كله بشكل سريع، من خلال زج فرقتين أو ثلاث فرق عسكرية إضافية. ولأن الجيش لا يريد التورط مع القانون الدولي بمنع دخول مواد غذائية ومعدات طبية إلى القطاع بشكل كامل، فإنه يخطط لإجراء محاولة لتجميع كل السكان الفلسطينيين في مكان واحد، يتم إدخال المساعدات الإنسانية إليه فقط، فيما سيتم الإعلان عن بقية القطاع "منطقة قتال" لا تصل المساعدات إليها، بهدف السيطرة عليها بشكل كامل.
ونقلت الصحيفة عن ضباط إسرائيليين اعتبارهم أن هذه السيطرة على القطاع ستستغرق "أشهراً معدودة"، وبعدها أشهراً عدة أخرى "لتطهيره" من المقاتلين الفلسطينيين، مضيفة أن "تحييد الأنفاق التي لم تُدمر وتوجد فيها عناصر ( حماس )، سيستغرق وقتاً طويلاً".
إقرأ أيضاً: الكشف عن تفاصيل خطة عربية للرد على مقترح ترامب بشأن مستقبل غزة
وتابعت أن الجيش الإسرائيلي سيسيطر على توزيع المواد الغذائية ومراقبة المستشفيات والعيادات عن كثب و"عملياً هذا يستوجب احتلالاً عسكرياً". وخلال ذلك، ستحاول إسرائيل تهجير الغزيين. وقالت الصحيفة: "سيقترح على الفلسطينيين في هذا الجيب (الذي سيتم تركيزهم فيه) أن يهاجروا. لكن ليس معروفاً إلى أين سيُهجرون. وحتى الآن، لا توجد دولة أو منطقة في أنحاء العالم وافقت على البحث في ذلك مع إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، حول خطة الترانسفير التي طرحها".
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية قولهم إن "المرحلة الثانية من اتفاق وقف النار وتبادل الأسرى، لن تحدث، ولا يمكن أن تحدث، إلا إذا وافقت (حماس) على الخروج من قطاع غزة، وهو الأمر الذي ترفضه (حماس) بشكل قاطع، وسبق أن رفضته علناً منذ أكثر من سنة".
لكنّ أوساطاً أخرى في إسرائيل أبدت تحفظات على هذه الصورة المتشائمة، وقالت إن حكومة بنيامين نتنياهو تتحدث عن "حرب غزة الجديدة" كأنها حتمية للمصالح الوطنية، إلا أنها "في الواقع ستعتبر بنظر فئات إسرائيلية كثيرة أنها حرب سياسية حزبية تؤدي إلى انقسام المجتمع الإسرائيلي، لأنها ستحدث قبل انتخابات مبكرة، وتضحي بالمخطوفين الذين سيموتون في الأسر على الأرجح. ولا توجد إجابة لدى أحزاب الوسط - يسار، ولا لدى حزب الليكود، حول ما إذا سيتم تنفيذ المرحلة الثانية وإعادة المخطوفين، وكيف سيتم التخلص من (حماس)". وأضافت هذه الأوساط أن "فرض حكم عسكري في القطاع والقضاء على المقاومة الحمساوية قد يستغرق وقتاً طويلاً، مثلما حدث للأميركيين في العراق".
ونقلت الصحيفة عن مسؤول أميركي وصفته بأنه مقرب من مستشاري ترمب، قوله "إننا نعلم أن هذا قد ينتهي بـ200 ألف فلسطيني فقط الذين سيغادرون، في أفضل الأحوال"، بينما عدّ مسؤول أمني إسرائيلي أن "هذا قد يلحق ضرراً. والـ200 ألف هؤلاء هم أشخاص بالإمكان العمل معهم في القطاع، في سيناريو معين. فهم النخبة ولا يجوز التفريط بهم".
ورأت صحيفة "معاريف" أنه في ظل هذه التناقضات الإسرائيلية، فإن هناك احتمالاً غير قليل بأن تصحو القيادة الإسرائيلية وتقرر ألا تستأنف الحرب على غزة، "لأن أفضليتها الاستراتيجية، في عام 2025، هي أن تكون هذه سنة تعامل مع إيران". وأضافت: "تقول المؤسسة الإسرائيلية كلها، وبصوت مرتفع، إن هذه نافذة الفرص للعمل ضد الإيرانيين. وإسرائيل لا تريد اتفاقاً (نووياً جديداً)، مثلما يطمح الرئيس ترمب. والنموذج الذي تريده هو (حزب الله) في لبنان في الحرب الأخيرة. أن نضرب أولاً. وبعد ذلك نوقع (اتفاق وقف إطلاق النار). وليس العكس".
وأضافت الصحيفة أنه "نأمل فقط ألا يبيعون لنا أوهاماً، رحيل غزة الذي لن يحدث، وخلال ذلك يسارع الإيرانيون نحو القنبلة".
وبموجب مسؤول آخر، فإن إسرائيل "تخشى أن تنتهي المعركة من دون أي نتيجة. فالرئيس ترمب، صاحب نظرية ترحيل الفلسطينيين يدير جدول أعمال جنونياً ولن يثابر على طلباته وأفكاره. فإذا وقّع اتفاقاً مع إيران سيفرضه على إسرائيل. ولكنه يفضل ألا تعترض طريقه، حتى يظل متحيزاً لها في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني".
المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين لليوم الـ20 تواليا: الاحتلال يواصل عدوانه على مدينة طولكرم ومخيمها استشهاد شاب برصاص الاحتلال قرب مخيم عسكر شرق نابلس استشهاد ثلاثة شبان برصاص الاحتلال في مخيم نور شمس بطولكرم الأكثر قراءة إسرائيل تداهم منازل عائلات أسرى مرتقب الإفراج عنهم اليوم بالضفة والقدس موريتانيا تحتج على مخطط ترامب لقطاع غزة ماذا حملت لافتة لـ"القسام" في موقع تسليم أسرى إسرائيل وسط قطاع غزة؟ استشهاد طفلتين وإصابة ثالث في انهيار منزل تعرض للقصف في غزة عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025