مرّت 70 سنة منذ كشفت معامل بيل التابعة لشركة الهاتف «أيه تي آند تي» عن تقنية جديدة لتحويل ضوء الشمس إلى طاقة كهربائية. كانت الشركة تأمل في إمكانية إحلالها البطاريات التي تتولى تشغيل المعدات في الأماكن النائية. كما أدركت أيضا أن تزويد الأجهزة بطاقة مستمدة من الضوء فقط يُظهِر كيف يمكن أن يبدو المستقبل مدهشًا بفضل العلم.

ومن هنا كان ذلك الحدث الصحفي (يوم 25 أبريل 1954) والذي عرضت فيه معامل بيل أول خلية طاقة شمسية في العالم وهي تقوم بتشغيل لعبة صغيرة تمثل دولابًا دوَّارا.

اليوم تجاوزت الطاقة الشمسية إلى حد بعيد مرحلة تحريك تلك اللعبة. فألواح الطاقة الشمسية تحتل الآن ما يساوي نصف مساحة ويلز. وفي هذا العام ستزود العالم بحوالي 6% من حاجته من الكهرباء. هذه النسبة تعادل تقريبًا ثلاثة أضعاف الطاقة الكهربائية التي استهلكتها الولايات المتحدة في عام 1954.

القول بأن استخدام الطاقة الشمسية يتسارع بمتوالية هندسية ليس مبالغة ولكنه تقريرُ لحقيقة ماثلة؛ فالسعة الإنتاجية للطاقة الشمسية تتضاعف كل ثلاثة سنوات تقريبا وبالتالي تزداد بمعدل عشرة أضعاف في كل عقد.

مثل هذا النمو المستدام نادرًا ما يشاهد في أية صناعة مهمة، وذلك يجعل من الصعب للناس فهم ما يحدث، فعندما كانت الطاقة الشمسية تساوي عُشر حجمها الحالي قبل عشر سنوات كانت شيئًا هامشيًا حتى في نظر الخبراء الذين أدركوا مدى سرعة نموها، وستكون الزيادة القادمة بمعدل عشرة أضعاف (في سعة إنتاج الكهرباء من ضوء الشمس) مساوية لحاصل ضرب (سعة) إجمالي مفاعلات الطاقة النووية في العالم في الرقم ثمانية وذلك في أقل من الوقت الذي يستغرقه بناء مفاعل واحد منها.

من المؤكد تقريبا أن الخلايا الشمسية ستكون أكبر مصدر منفرد للطاقة الكهربائية على ظهر الكوكب بحلول منتصف الثلاثينيات. وفي الأربعينيات قد تكون المصدر الأكبر ليس فقط للكهرباء ولكن لكل أنواع الطاقة.

بناء على الاتجاهات الحالية تَعِدُ التكلفة الكلية للكهرباء التي تنتجها الخلايا الشمسية بأن تكون أقل من نصف تكلفة أرخص كهرباء متاحة اليوم. هذا لن يوقف التغير المناخي لكن يمكن أن يبطئه كثيرا، وسيبدأ معظم العالم بما في ذلك إفريقيا التي لا يتمكن فيها 600 مليون نسمة حتى الآن من إضاءة بيوتهم في الإحساس بوفرة الطاقة، وسيكون ذلك الإحساس جديدا ومغيِّرا للبشرية.

لكي نفهم أن ذلك ليس هذيانا لأحد دعاة صون البيئة دعونا ننظر في اقتصاديات الطاقة الشمسية. فمع ازدياد الإنتاج التراكمي لسلعة مصنَّعة تنخفض التكاليف. ومع انخفاض التكاليف يرتفع الطلب عليها وتنخفض التكاليف أكثر. لكن لا يمكن أن يستمر ذلك إلى ما لانهاية. إذ دائما ما يكون هنالك قيد على الإنتاج أو على الطلب أو عليهما كليهما. ففي التحولات المبكرة للطاقة من الحطب إلى الفحم الحجري ومن الفحم الحجري إلى النفط أو من النفط إلى الغاز كانت كفاءة استخلاص الطاقة تزداد. لكن في نهاية المطاف تعادلها تكلفة الحصول على المزيد من الوقود.

الطاقة الشمسية لا تواجه مثل هذه القيود. فالموارد المطلوبة لإنتاج الخلايا الكهروضوئية وتركيبها في مزارع الطاقة الشمسية تتمثل في الرمال الغنية بالسليكون والأماكن المشمسة وبراعة البشر. وكل هذه العناصر الثلاثة وفيرة.

صناعة الخلايا أيضا تستهلك طاقة. لكن الكهرباء المستمدة من أشعة الشمس تجعلها وفيرة كذلك. أما الطلب فهو ضخم ومرن. فإذا جعل هذا المورد الكهرباء أرخص سيجد الناس استخداماتٍ لها. والنتيجة هي أن الطاقة الشمسية، خلافا لموارد الطاقة المبكرة، أصبحت أرخص باطراد وستظل كذلك.

توجد قيود أخرى حقا. فبالنظر إلى ميل الناس لممارسة أنشطتهم الحياتية في غير ساعات النهار هنالك حاجة لاستكمال الطاقة الشمسية بالتخزين وإضافة تقنيات أخرى لها.

لقد كان من الصعب «كهربة» الصناعة الثقيلة والطيران والشحن، لكن لحسن الحظ هذه المشاكل قد يتم حلها مع الانخفاض التدريجي لأسعار البطاريات والوقود المنتَج بواسطة التحليل الكهربائي.

سبب آخر للقلق وهو أن ألواح الطاقة الشمسية في العالم تأتي في معظمها من الصين. وكذلك تقريبا كل السليكون النقي الذي تصنع منه. وصناعة الطاقة الشمسية الصينية فائقة في قدرتها التنافسية كما أنها مدعومة بشدة ويفوق إنتاجها الطلب الحالي. ذلك إنجاز حقا بالنظر إلى كل تلك القدرات الإنتاجية التي تبنيها الصين داخل حدودها هي نفسها. هذا يعني أنها كبيرة بما يكفي لاستمرار التوسع في الإنتاج لسنوات قادمة حتى إذا أخفقت بعض الشركات العاملة في هذا المجال ونضب بعض الاستثمار.

في الأجل الطويل ستكون هنالك إمكانية أكبر للاعتماد على توليد المزيد من الطاقة بدون اللجوء إلى واردات الغاز والنفط والتي تأتي من أجزاء من العالم غير مستقرة أو غير صديقة.

مع ذلك وعلى الرغم من أن الصين لا يمكنها التلاعب بسعر ضوء الشمس على نحو ما تحاول أوبك أن تفعل ذلك بسعر النفط إلا أن وجود صناعة حيوية في بلد وحيد ومُعادٍ مدعاةٌ للقلق. إنه إحساس تشعر به أمريكا بشدة وذلك هو السبب في فرضها رسوما جمركية على معدات الطاقة الشمسية الصينية.

لكن لأن كل الطلب تقريبا على ألواح الطاقة الشمسية يوجد في المستقبل سيكون لدى باقي العالم مجال واسع للدخول في السوق. يمكن لرئاسة ترامب المنحازة للوقود الأحفوري (إذا فاز في الانتخابات) أن تحبط تبني أمريكا للطاقة الشمسية. لكن مؤقتا فقط. فمن الممكن بذات القدر تعزيز تبنيها إذا تخلت أمريكا عن الضغط على الطلب وذلك بتيسير تركيب الألواح في المنازل وربطها بشبكة الكهرباء. فهي لديها سعة إنتاجية من الطاقة الشمسية تبلغ واحد تيراواط في انتظار الربط. ويمكن أن تساعد أسعار الكربون في ذلك، تماما كما فعلت في الانتقال من الفحم الحجري إلى الغاز في بلدان الاتحاد الأوروبي.

يجب أن يكون الهدف دورانَ «الدائرة الحميدة» لإنتاج الطاقة الشمسية بأسرع ما يمكن. ذلك لأنها تقدم طاقة أرخص. وتبدأ فوائدها بتعزيز الإنتاجية. فأي شيء يستخدم له الناس الطاقة اليوم سيكلف أقل. وهذا يشمل كل شيء. ثم تأتي الأشياء التي ستجعلها الطاقة الرخيصة ممكنة. فالناس الذين ما كان في مقدورهم أبدا إضاءة بيوتهم أو قيادة سيارة سيفعلون ذلك. والطاقة الرخيصة يمكنها تنقية الماء، بل حتى تحليته. ويمكنها تحريك ماكينة الذكاء الاصطناعي التي تستهلك كميات كبيرة من الكهرباء. ويمكنها جعل ملايين المساكن والمكاتب أكثر احتمالا في مواسم الصيف التي ستكون في العقود القادمة أشد حرارة.

لكن الأشياء التي لم يفكر فيها أي أحد بعد هي تلك التي ستكون الأكثر أهمية. فالطاقة الرخيصة والوفيرة بشكل جذري ستحرر الخيال وتطلق «دواليب» العقل الصغيرة «الدوَّارة» على نحو مثير وباتجاه ممكنات جديدة.

شهد هذا الشهر انقلاب الشمس الصيفي في النصف الشمالي للكرة الأرضية. والشمس التي ترتفع إلى أعلى نقطة لها في السماء في العقود القادمة ستسطع على عالم لا ينبغي لأحد فيه أن يستغني عن نعمة الكهرباء.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الطاقة الشمسیة یمکن أن

إقرأ أيضاً:

أبو العينين: يجب الاهتمام بالاستثمار في مجالات الطاقة النظيفة لأنها المستقبل

أكد النائب محمد أبو العينين وكيل مجلس النواب أهمية الاتفاق الإطاري للتحالف الدولي للطاقة الشمسية ISA، مشددا على أهمية توطين المبادرات الخاصة بالمشروعات العملاقة التي تربط شرق مصر بغربها، باعتبارها رؤية جديدة تقدمها مصر للعالم.

جاء ذلك خلال الجلسة العامة لمجلس النواب؛ لمناقشة قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 176 لسنة 2025 بشأن الموافقة على تعديل الاتفاق الإطاري للتحالف الدولي للطاقة الشمسية ISA.

بحضور أبو العينين.. الجبهة الوطنية يعلن آليات اختيار مرشحي الشيوخأحمد موسى منتقدا الحكومة: لم تتحدث عن البدائل المتاحة للمستأجرين.. أبو العينين: الرئيس السيسي نجح في زيادة مساحة العمران من 6% إلى 14%| أخبار التوك شوأبو العينين: الرئيس السيسي نجح في زيادة مساحة العمران من 6% إلى 14%أبو العينين: يجب موافقة إسرائيل على حل الدولتين من أجل السلام

وقال "أبو العينين" إن الاتفاق يهدف إلى فتح العضوية في التحالف الدولي للطاقة الشمسية لجميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة، والتي كانت مقتصرة على الدول الغنية بالطاقة الشمسية الأعضاء بالأمم المتحدة والتي تقع كليًا أو جزئيًا بين مدار السرطان ومدار الجدي.

وأكد النائب محمد أبو العينين وكيل مجلس النواب ضرورة الاهتمام بالدراسات المستفيضة في هذا المجال؛ لأنها تمثل المستقبل.

وشدد على ضرورة أن نتجه سريعا لهذا المجال بما يخدم توجه الدولة نحول مجال الطاقة النظيفة، وأن يتم الاستفادة واستغلال المبادرات بما ينعكس على الاقتصاد الوطني.

طباعة شارك النائب محمد أبو العينين مجلس النواب تحالف الدولي للطاقة الشمسية المشروعات العملاقة لجلسة العامة

مقالات مشابهة

  • فتح مظاريف مناقصة محطة الطاقة الشمسية لمشروع مياه مدينة البيضاء
  • أشغال ذمار يدشن مشروع إنارة شوارع المدينة بالطاقة الشمسية
  • أبو العينين: يجب الاهتمام بالاستثمار في مجالات الطاقة النظيفة لأنها المستقبل
  • البرلمان يفتح بوابة الطاقة الشمسية أمام العالم.. ويقر اتفاقيات التكامل الكهربائي العربي
  • مدرسة الطاقة الشمسية بعد الإعدادية 2025.. اعرف المميزات وشروط وموعد التقديم
  • وزير الطاقة السوري: زيادة كميات الغاز التي سترسل عبر الأردن إلى سوريا
  • اتفاقيات بقيمة 300 مليون دولار لتعزيز النمو الأخضر وتحول الطاقة في مصر
  • بدعم سخي من الإمارات.. مشروع محطة الطاقة الشمسية في شبوة يدخل مراحله الأخيرة
  • محافظ الإسكندرية يتابع تنفيذ خطة ترشيد استهلاك الكهرباء
  • توجه فلسطيني لتوسيع الاعتماد على الطاقة الشمسية كمصدر للكهرباء