الخرطوم- تدحرجت الأوضاع العسكرية بولاية سنار في جنوب شرقي السودان، إثر معارك دامية بين الجيش وقوات الدعم السريع على تخومها الشمالية، وهو ما أدى إلى حالة من الهلع بين سكان عاصمة الولاية قبل أن تعلن حكومتها المحلية عودة الأوضاع إلى طبيعتها بعد "دحر" قوة حاولت التسلل للمدينة عبر مدخلها الغربي.

وأكد توفيق محمد عدم، حاكم ولاية سنار، سقوط عاصمة الولاية بيد الدعم السريع، موضّحا أن 7 مركبات قتالية حاولت الالتفاف على الجيش ودخول حدود المدينة وأطلقت 3 قذائف؛ وهو ما أحدث إرباكا وخوفا وسط المواطنين.

وأشار إلى التعامل مع السيارات المهاجمة وتدميرها بالكامل بفضل "جهود الجيش وجهاز المخابرات والمقاومة الشعبية"، وأكد عودة الهدوء للمدينة.

ونشرت منصات محسوبة على الدعم السريع مقاطع فيديو ومعلومات عن دخول القوات إلى سنار، وهو ما أثار هلع مواطنيها وخروج بعضهم إلى مناطق مجاورة قبل أن يعودوا بعد بيان حكومة الولاية بتدمير القوة التي حاولت التسلل إلى المدينة.

أوضاع جبل موية

وتأتي هذه التطورات بعد يوم من إعلان قوات الدعم السريع السيطرة على منطقة جبل موية الإستراتيجية الواقعة على الطريق الرابط بين ولايات سنار والجزيرة والنيل الأبيض.

وأعلن بيان للناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع الفاتح قرشي، سيطرتها على هذه المنطقة واستلام 57 عربة وحرق 12 ومقتل وأسر مئات الجنود، وأوضح أنهم تمكنوا -خلال معركتين- من بسط سيطرتهم التامة عليها.

غير أن مصادر عسكرية في الجيش قالت -للجزيرة نت- إنهم يحاصرون قوات الدعم السريع التي انتشرت في بعض قرى جبل موية منذ مساء الاثنين الماضي، واحتمت بالمواطنين واستخدمتهم دروعا بشرية ولم يعد أمامهم إلا "الاستسلام أو الفناء".

وأوضحت المصادر ذاتها -التي طلبت عدم الكشف عن هويتها- أن قوة الدعم السريع التي حاولت التسلل إلى مدينة سنار، مساء أمس الثلاثاء، سعت إلى تخفيف الضغط على قواتهم المحاصرة في جبل موية، وإثارة الذعر بإطلاق قذائف على الأحياء السكنية لدفع السكان على النزوح وتحرك "خلايا نائمة" بالمدينة، "لكن القوات المسلحة تصدت لهم في "كبري العرب" في مدخلها الغربي وسحقتهم".

وكشفت المصادر العسكرية أن قوات الدعم السريع تستهدف عزل ولايتي سنار والنيل الأبيض مع شرق السودان والموانئ بالبحر الأحمر، وتعقيد مهمة الجيش في تحرير ولاية الجزيرة بتعطيل المحور الغربي الزاحف نحو مدينة ود مدني عاصمة الولاية.

كما تستهدف محاولة الوصول إلى حدود دولة جنوب السودان لضمان استمرار "المرتزقة الجنوبيين" الذين يقاتلون إلى جانبهم حاليا في جبل موية، والدعم اللوجستي عبر الجنوب لبعد خط إمدادهم من دارفور عبر أم درمان، حسب المصادر نفسها.

– قوات #الدعم_السريع تعلن سيطرتها على منطقة جبل مويا غرب ولاية سنار

– لجان مقاومة #الفاشر تتهم قوات الدعم السريع بقصف المركز الصحي الوحيد شمالي المدينة

https://t.co/Tgc2n9M2Sc

— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) June 25, 2024

موقع سنار

وتقع مدينة سنار في الجزء الجنوبي من وسط السودان، وتعتبر حلقة الوصل الرئيسية التي تربط بين عدد من المدن الإستراتيجية في شرق وغرب البلاد وجنوبها لوقوعها على الطريق الرئيسي الرابط بين مدينة سنار وعدد من المدن في ولايتي النيل الأبيض والجزيرة، كما تشكل عمقا مهما لمناطق ولايات كردفان لربطها مع ميناء بورتسودان على ساحل البحر الأحمر.

وتتبع منطقة جبل موية -إداريا- لولاية سنار، وتقع إلى الشمال من الطريق الرئيسي الذي يربط ما بين ولايتي سنار والنيل الأبيض والذي يبلغ طوله 98 كيلومترا، وعلى مسافة 24 كيلومترا غرب مدينة سنار، وعلى بعد 71 كيلومترا غرب مدينة ربك بالنيل الأبيض، كما أنها تحتوي على محطة قطار وخط السكك الحديدية الذي يربط بين سنار وكوستي بالنيل الأبيض.

وتبلغ مساحة منطقة جبل موية حوالي 12 كيلومترا مربعا وتضم نحو 9 قرى، وسميت بجبل موية لكثرة عيون المياه فوق الجبل، كما تعد منطقة تداخل جغرافي بين ولايات سنار والنيل الأبيض والجزيرة.

وفق الخبير العسكري طه محمد إسماعيل، يكتسب جبل موية أهمية عسكرية لوقوعه في منطقة وسطى بين 3 من ثكنات الجيش الكبرى في الفرقة "17 -مشاة" في سنار، واللواء "265 -قوات جوية" في سنار من جهة الشرق، والفرقة "18 -مشاة" في كوستي من جهة الغرب.

ويوضح للجزيرة نت أن قوات الفرقة الأولى -مشاة التي انسحبت من ود مدني تتمركز حاليا في مدينة المناقل إلى الشمال من جبل موية، كما توجد في المنطقة أكبر قاعدة جوية في جنوب الخرطوم، هي قاعدة كنانة الجوية التي تبعد عن مدينة ربك حوالي 21 كيلومترا إلى الجنوب الشرقي.

منطقة إستراتيجية

كما أن تمركزات القوات المسلحة في هذه المنطقة تتيح الحفاظ على طرق الإمداد مفتوحة لقواتها المنتشرة في جنوب الجزيرة وولاية النيل الأبيض، بعد أن أضحى إمداد هذه القوات صعبا عن طريق أم درمان- كوستي بسبب سيطرة الدعم السريع على مناطق بجنوب أم درمان ابتداء من الصالحة وحتى جبل أولياء، وفق الخبير إسماعيل.

ويضيف أن الجيش لا يستطيع استخدام الطريق الشرقي المحاذي للنيل الأبيض بسبب سيطرة الدعم السريع على المنطقة الممتدة من جنوب الشجرة في الخرطوم وحتى القطينة بشمال ولاية النيل الأبيض.

أما بالنسبة للدعم السريع، فيبين الخبير العسكري أن السيطرة على جبل موية تسمح بقطع الطريق ما بين سنار وكوستي وبالتالي عزل الأخيرة عن طريق البر، لتبقى قاعدة كنانة الجوية كطريق بديل عالي التكلفة، مع الأخذ في الاعتبار سيطرتها على الطريق المتجه غربا الرابط بين كوستي والأبيض حيث تنتشر في مدينتي أم روابة والرهد وحول الأبيض حاضرة شمال كردفان.

بدوره، يرى الباحث في الشؤون الأمنية مصطفى عبد الرحمن أن قوات الدعم السريع تستهدف الوصول إلى الحدود مع دولة جنوب السودان عبر ولاية سنار، حيث تستعين حاليا بآلاف "المرتزقة الجنوبيين" المقاتلين وبالدعم اللوجستي، كما ورد في تقرير خبراء الأمم المتحدة في فبراير/شباط الماضي.

وحسب حديث الباحث للجزيرة نت، فإن السيطرة على سنار ستفتح للدعم السريع الطريق نحو مدينة سنجة ومناطق جنوب إقليم النيل الأزرق حتى الحدود الإثيوبية، وسيكون ذلك خط إمداد جديد من الشرق بديلا عن الغرب في دارفور لطول المسافة من الحدود التشادية حتى ولايتي الجزيرة وسنار.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات قوات الدعم السریع النیل الأبیض ولایة سنار مدینة سنار منطقة جبل جبل مویة

إقرأ أيضاً:

حفتر يزور فرنسا بعد بيلاروسيا.. ماذا وراء زياراته الخارجية الآن؟

طرحت زيارة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي يقود قوات شرق ليبيا، إلى فرنسا بشكل مفاجيء وغير معلن بعض التساؤلات عن دلالة وأهداف تحركات حفتر الخارجية، وتأثير ذلك على علاقاته مع الإدارة الأمريكية الجديدة.

وزار حفتر العاصمة الفرنسية باريس التقى خلالها الرئيس، إيمانويل ماكرون بشكل مفاجيء مؤكدا أنه ناقش معه تعزيز التعاون الثنائي.

"4 ملفات"
وذكرت بعض المصادر الفرنسية أن زيارة حفتر لباريس تناولت 3 ملفات أساسية، وهي: الوجود الروسي في ليبيا، والاتفاقيات التي وقعها حفتر مع بلاروسيا، والدور الرئيسي لحفتر في العملية السياسية، كما جرى التطرق إلى قضية قائد المعارضة النيجيرية، محمود صلاح الذي اعتقلته قوات حفتر في منطقة القطرون الليبية، وسط مطالبة فرنسا من حفتر الإفراج عنه، حيث تعارض تسليمه للمجلس العسكري الحاكم في النيجر"، وفق الإذاعة الفرنسية الرسمية.

وأوضحت الإذاعة الفرنسية الحكومية أن "هذا اللقاء المفاجئ يعد نهاية فترة من البرود بين باريس وشرق ليبيا، وأنه جاء بعد عودة الرئيس الفرنسي من الولايات المتحدة ولقائه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ما يحمل دلالات ورسائل.


وقبل لقاء ماكرون، زار حفتر دولة بلاروسيا صحبة أفراد من عائلته العسكريين التقى خلالها برئيس بيلاروسيا ووزير الدفاع وقاموا بتوقيع عدة اتفاقات لم يكشف عن تفاصيلها حتى الآن.
فماذا وراء زيارات وتحركات حفتر الدولية الآن، وهل يعارض الرفض الأمريكي لتوسيع علاقاته مع روسيا؟

"استغلال حفتر لتعزيز النفوذ في إفريقيا"
من جهتها قالت عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، ربيعة بوراص إن "تحركات حفتر الخارجية، سواء إلى بيلاروسيا أو فرنسا، تعكس سعيه لتعزيز موقعه كلاعب أساسي في المشهد الليبي، لكنها أيضًا تعكس رغبة هذه الدول في استخدام ليبيا لتعزيز نفوذها في أفريقيا، خاصة مع تزايد التنافس الدولي على القارة".

وأكدت في تصريحات لـ"عربي21" أن "ليبيا الآن أصبحت ساحة مفتوحة لأي سيناريو، حيث تتشابك المصالح السياسية والعسكرية مع الطموحات الاقتصادية، خصوصًا بعد بروز المعادن الاستراتيجية كمحرك جديد للصراع، إلى جانب النفط".

وأشارت إلى أن "فرنسا، التي تسعى لحماية مصالحها في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل، قد ترى في حفتر شريكًا أمنيًا، لكن دعمها له لم يعد كما كان، خاصة مع ضغوط واشنطن التي تراقب أي تقارب بينه وبين روسيا، في المقابل، حفتر يستخدم هذه الزيارات لإظهار أنه لا يزال لاعبًا دوليًا، قادرًا على عقد تفاهمات مع قوى مختلفة، لكنه يواجه تحديًا حقيقيًا في موازنة هذا التنافس دون أن يصبح تابعًا لأي طرف"، وفق قولها.

وأضافت: "التحدي الأكبر، سواء لحفتر أو لأي قائد ليبي آخر، هو ليس فقط التعامل مع الحسابات الدولية، بل أيضًا تحديد مستقبل ليبيا في ظل صراع المعادن الذي بدأ يظهر إلى السطح، القوى الكبرى لا تتنافس فقط على النفوذ السياسي، بل على الموارد الاستراتيجية التي قد تجعل ليبيا بؤرة جديدة للتدخلات الاقتصادية والعسكرية".

وتابعت: "السؤال الحقيقي هو: هل سيتمكن القادة الليبيون من فرض سيادتهم على هذه الثروات وتوجيهها لصالح استقرار البلاد، أم ستتحول ليبيا إلى نقطة صراع جديد بين القوى الكبرى؟ هذا هو الرهان الأساسي الذي سيحدد شكل المرحلة القادمة"، حسب كلامها.


"تزاحم روسي غربي"
في حين رأى الكاتب السياسي الليبي المقيم في أمريكا، محمد بويصير أنه "لا يمكن أن نجد مفتاحا لفهم زيارات حفتر لروسيا البيضاء وفرنسا إلا فى إطار التزاحم الروسي الغربى على التمركز الاستراتيجى في ليبيا، فبعد يوم واحد من لقاءات الرياض بين الروس وإدارة ترامب، وجهت بلاروسيا الدعوه لحفتر لزيارة مينسك بل أرسل رئيس هذه الدولة طائرته الرئاسية الخاصة لإحضار حفتر على عجل".

وأكد في تصريحه لـ"عربي21" أن "زيارة بيلاروسيا حظيت بتغطية إعلامية كبيرة، وركزت على القضايا الاستراتيجية والدفاعية دون غيرها وبشكل معلن لإرسال رسالة واضحة للإدارة الأمريكية بأن لروسيا حليف قوي في ليبيا".

وبخصوص زيارة فرنسا قال بويصير: "هذه الزيارة التي تمت عشية عودة ماكرون من واشنطن هي في نفس الإطار ولنفس الغرض ولكن في الاتجاه المعاكس أي في اتجاه ضمه للمعسكر الغربى وإخراجه من العباءة الروسية"، وفق تقديراته.

"ضمانات ومصالح"
وحول مصالح حفتر من الزيارات الخارجية وخاصة فرنسا، أوضح الكاتب الليبي أن "هذه المزاحمة تعطي حفتر فرصة سياسية حقيقية ليس فقط لأن يحتل موقعا مهما فى العملية السياسية فى ليبيا والتى يتم إنضاج آلياتها فى واشنطن الآن، بل يمكنه أن يضع هو مشروعه لهذا التصور السياسي مع فرصة جادة لأن يتبناه الغرب خاصة أن يمتلك ورقة تهم الغرب جدا وهي إبعاد روسيا عن بطن أوروبا الرخوة"، كما رأى.

وختم حديثه بالقول: "أراقب بدقة قدرة فريق حفتر السياسي على صياغة مشروعه السياسي، الذي لابد أن يحمل في ثناياه ثلاثة ضمانات :تحقيق الغرض الاستراتيجى الغربى بإبعاد الوجود الروسي المسلح مع إمكانية الإبقاء على العلاقات الاقتصادية، وتحقيق رغبة ترامب المعلنة في أن تستفيد بلاده من مخزون النفط الليبي، وثالثا: تحقيق قبول الليبيين بالمشروع باعتباره يخرجهم من سنوات الفوضى ويفتح أمامهم أبواب بناء دولة حديثة ويرفع من مستواهم الاقتصادي، وهذا عمل ليس سهلا"، كما صرح لـ"عربي21".

مقالات مشابهة

  • سوريا.. انفجار ضخم يهز مدينة طرطوس وقتلى في دير الزور
  • انفجار ضخم يهز مدينة طرطوس السورية
  • الخارجية السودانية تندد بالمساعي الكينية لاحتضان حكومة موازية بقيادة “الدعم السريع”
  • ثالث دولة عربية تعلن رفضها دعوات تشكيل حكومة موازية فى السودان للدعم السريع
  • لماذا تحتضن نيروبي مشروع حكومة الدعم السريع؟
  • ليبيا.. استقرار الأوضاع في مدينة الأصابعة بعد حرائق غامضة
  • السودان .. الفوج الأول من نازحي ولايتي الجزيرة و سنار يغادر أم درمان
  • ثاني دولة عربية تعلن رفضها تشكيل حكومة سودانية موازية بقيادة الدعم السريع
  • حفتر يزور فرنسا بعد بيلاروسيا.. ماذا وراء زياراته الخارجية الآن؟
  • سماع دوى انفجار وإطلاق رصاص فى مدينة جرمانا جنوب دمشق