وجهت زعيمة حزب التجمع الوطني في فرنسا، مارين لوبان، رسالة واضحة بعد تحقيق حزبها انتصارا ساحقا في الانتخابات الأوروبية، وبعدما أحدث الرئيس الفرنسي زلزالا سياسيا بحل البرلمان، مفادها: "نحن جاهزون للسلطة".

وقالت لوبان: "رسالة الليلة - بما في ذلك الحل - موجهة أيضا إلى القادة في بروكسل.. هذا النصر الكبير للحركات الوطنية يتماشى مع اتجاه التاريخ، نحن مستعدون للاستيلاء على السلطة إذا رغب الشعب في ذلك".



ونشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للصحفيين جون هينلي وجنيفر رانكين قالا فيه: "لم تعد مسألة مغادرة الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو مدرجة في البيانات الانتخابية لحزب الجبهة الوطنية؛ وفي المرة الأخيرة التي فعلوا فيها ذلك، في الانتخابات الرئاسية عام 2017، ألحق إيمانويل ماكرون بالحزب اليميني المتطرف هزيمة مهينة مثل تلك التي ردها إليه هذا الشهر".


وأضافت الصحيفة "لكن بعد مرور سبع سنوات، فإن النصر شبه المؤكد الذي حققه حزب الجبهة الوطنية بزعامة لوبان في الانتخابات العامة المبكرة قد يكون ضارا بالاتحاد الأوروبي بنفس القدر، مما يثير أسئلة وجودية حول دور فرنسا ويقيد بشدة قدرة الاتحاد على إنجاز الأمور".

وقال رئيس حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، ورئيس الوزراء المحتمل، جوردان بارديلا،  إذا فاز بالأغلبية المطلقة: "في أوروبا سيشكل وصولنا إلى السلطة بمثابة عودة فرنسا إلى المسرح الأوروبي - للدفاع عن مصالحها".

وقال بارديلا إن "الجبهة الوطنية مستعدة للتفاوض بشأن الاستثناءات لعدد من قواعد الاتحاد الأوروبي لفرنسا، وهي عضو مؤسس في الاتحاد الأوروبي، وثاني أكبر اقتصاد فيه، ونصف المحرك الفرنسي الألماني الحيوي والذي شغّل الكتلة منذ إنشائها".

وتشير جميع استطلاعات الرأي حتى الآن، باستثناء استطلاع واحد، إلى أنه من غير المرجح أن يفوز الحزب اليميني المتطرف بأغلبية مطلقة لا تقل عن 289 نائبا في الانتخابات التي ستجرى على جولتين في 30 حزيران/ يونيو و7 تموز/ يوليو، وقال بارديلا إنه لن يكون مستعدا لتشكيل حكومة إلا إذا فاز حزبه بأغلبية مطلقة.

ولكن حزب الجبهة الوطنية في طريقه للحصول على ما بين 32 بالمئة إلى 35 بالمئة من الأصوات، وهو ما من شأنه أن يجعله بكل تأكيد القوة الأكبر في الجمعية الوطنية ــ برغم أن ترجمة حصة الأصوات إلى أرقام المقاعد تشكل عملا محفوفا بالمخاطر.

ومع حصول الجبهة الشعبية الجديدة اليسارية الخضراء على ما يتراوح بين 28 بالمئة إلى 30 بالمئة وتراجع ائتلاف ماكرون الوسطي إلى نحو 20 بالمئة، فإن النتيجة الأكثر ترجيحا للانتخابات هي برلمان منقسم بشكل أكثر مرارة واستقطابا من البرلمان السابق.

وأضافت الصحيفة أنه من المفهوم أن قرار ماكرون بالدعوة إلى انتخابات مبكرة أثار الفزع والانزعاج في عواصم الاتحاد الأوروبي الأخرى، التي ترى في هذه الخطوة إما خطأ، أو رمية نرد، أو كليهما.

وقال أحد دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي: "إنها مقامرة كبرى"، محذرا من أن البرلمان المعلق قد يبطئ عملية صنع القرار في الكتلة التي تكافح أصلا للتوصل إلى اتفاق بشأن سياسات تتراوح من حماية الطبيعة إلى إنفاق الاتحاد الأوروبي في المستقبل.


وينظر أيضا إلى الفوز الكبير لحزب الجبهة الوطنية على أنه قد يعزز على الأرجح فرص الأحزاب اليمينية المتطرفة الأخرى المتشككة في الاتحاد الأوروبي في الانتخابات الإقليمية في شرق ألمانيا والانتخابات الوطنية في النمسا في وقت لاحق من هذا العام.

ونقلت الصحيفة عن مجتبى الرحمن من مجموعة أوراسيا الاستشارية، إنه مع وجود برلمان معلق [بدون أغلبية مطلقة لحزب ما]، فإن فرنسا "تواجه احتمال البقاء لفترة طويلة دون حكومة تعمل بكامل طاقتها - مع عواقب لا تحصى على قدرتها على المشاركة بشكل بناء في الاتحاد الأوروبي".

وتعتمد السلطات الواسعة التي يتمتع بها الرؤساء الفرنسيون إلى حد كبير على دعمهم البرلماني. وقال فرانسوا هايسبورغ من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: "النتيجة ستكون الغياب التام لأي عملية صنع قرار أوروبية".

وسوف تواجه مؤتمرات القمة التي يعقدها الزعماء الأوروبيون أيضا رئيسا فرنسيا ضعيفا إلى حد خطير، والذي كان، على الرغم من كل أخطائه التي لا شك فيها، واحدا من بين القلائل الذين دفعوا باستمرار نحو اتحاد أوروبي أقوى وأكثر اتحادا وأكثر "سيادة".

منذ وصوله إلى السلطة في حملة مؤيدة للاتحاد الأوروبي، كان ماكرون مصدرا رئيسيا للأفكار للاتحاد الأوروبي، مثل اقتراحه بإنشاء مجتمع سياسي أوروبي أو الاقتراض المشترك لانتشال اقتصادات أوروبا من الركود الناجم عن الوباء.


وحتى من دون الأغلبية المطلقة، فإن اليمين المتطرف في البرلمان الفرنسي سوف يسعى إلى تعزيز رؤيته الأوروبية: "أوروبا الأمم"، مع عودة المزيد من السلطة إلى العواصم. وقالت الجبهة الوطنية إنها تريد حجب جزء من مساهمة فرنسا المالية في الاتحاد الأوروبي.

ويهدف المشروع إلى تشريع "تفضيل وطني" للشركات والزراعة الفرنسية، في انتهاك لقواعد السوق الأوروبية الموحدة، ومراجعة اتفاقيات التجارة الحرة للاتحاد الأوروبي التي لا "تحترم" فرنسا، ومنع أي توسع آخر للاتحاد الأوروبي.

ومن الممكن أن تؤدي أجندة الحزب المناهضة للاتحاد الأوروبي إلى تعريض الآمال المبدئية لمزيد من الاقتراض المشترك من الاتحاد الأوروبي لتمويل الدفاع أو التحول الأخضر. وقال ماركو بوتي، المدير العام السابق للشؤون الاقتصادية والمالية في المفوضية الأوروبية: "يمكن للاتحاد الأوروبي، ولو بصعوبة، أن يتقبل إيطاليا المتشككة في أوروبا إلى حد ما".

وقال بوتي: "لا أعتقد أن بإمكانها تقبل فرنسا المتشككة في أوروبا". ويمكن لحزب الجبهة الوطنية أن يتبنى "نوعا من الموقف التكتيكي الحكيم" على المدى القصير، "لكن ليس على المدى المتوسط: فقيمه معادية للغاية لتلك التي تشكل أساس المشروع الأوروبي".

وأضاف بوتي، وهو الآن أستاذ في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا، إن معارضة حزب الجبهة الوطنية لعملية صنع القرار في الاتحاد الأوروبي ستجعل من "الصعب للغاية" استكمال الاتحاد المصرفي أو أسواق رأس المال، "ناهيك عن الانتقال إلى سياسة دفاعية مشتركة".

واذكر أن التداعيات السياسية لابتعاد فرنسا عن المشروع الأوروبي "ستكون من الناحية الموضوعية أكثر أهمية بكثير من ... الدول الأخرى".


وقد تراجع الحزب بالفعل عن بعض السياسات التي من المحتمل أن تجعله في صراع فوري مع بروكسل، بما في ذلك خطة لتحدي سوق الكهرباء الأوروبية، وسعى بارديلا هذا الأسبوع إلى طمأنة شركاء فرنسا الأوروبيين.

وبين الرجل البالغ من العمر 28 عاما أن أي حكومة يرأسها ستتبع سياسات اقتصادية "واقعية وذات مصداقية" ولن تضعف صوت البلاد في الخارج. لكنه وعد أيضا "بالدفاع عن القوة الشرائية" من خلال خفض الضرائب على الوقود والغاز والكهرباء.

إلى جانب التخفيضات الضريبية الموعودة للشركات إذا قامت بزيادة رواتب الموظفين ذوي الأجور المنخفضة والمتوسطة والتعهد بخفض سن التقاعد إلى 60 عاما، فإن خطط الإنفاق الخاصة بـحزب الجبهة الوطنية ستضعه على مسار تصادمي مع المفوضية الأوروبية.

وأصدرت السلطة التنفيذية للاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي توبيخا لباريس بسبب الإنفاق الحكومي "المفرط"، ويبدو من المستحيل التوفيق بين تعهدات حزب الجبهة الوطنية مع خطة يفرضها الاتحاد الأوروبي في الخريف حول كيفية قيام فرنسا بخفض العجز بما يتجاوز الحد القانوني للاتحاد الأوروبي.

وفي حين سيظل ماكرون كرئيس مسؤولا عن السياسة الخارجية، فمن الناحية العملية، يلعب وزراء الحكومة دورا حيويا في صياغة قوانين الاتحاد الأوروبي، سواء فيما يتعلق بالسياسات الخضراء أو الهجرة.

وتسيطر الجمعية الوطنية الفرنسية أيضا على دفتر الشيكات في البلاد، مما يعني أن حكومة حزب الجبهة الوطنية يمكن أن تعرض مساعدات فرنسا المستقبلية لأوكرانيا للخطر. وتعهد بارديلا الأسبوع الماضي بألا يجعل الإنفاق الدفاعي الفرنسي في "موضع شك"، لكنه يعارض إرسال قوات أو أسلحة بعيدة المدى إلى أوكرانيا.

وقالت سوزي دينيسون، الزميلة البارزة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إنه على الرغم من أن ماكرون كان مؤيدا بقوة لأوروبا، إلا أن الجمهور الفرنسي كان أكثر تشككا في المشروع الأوروبي.

ووجد استطلاع أجراه المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في عام 2019 أن 69% من الناخبين الفرنسيين شعروا بأن الاتحاد الأوروبي والأنظمة السياسية المحلية لا تعمل، مقابل 38% في المتوسط في الاتحاد الأوروبي. وفي كانون الثاني/ يناير 2024، اعتقد 56% من الفرنسيين أن السياسة الفرنسية والأوروبية معطلة.

وأضافت دينيسون: "لقد كانت هناك دائما ظاهرة غريبة إلى حد ما داخل المشروع الأوروبي، حيث على المستوى السياسي ومستوى صنع السياسات، تقود فرنسا المشروع، ولكن على المستوى الشعبي كانت دائما متشككة تماما".

وإذا اضطر ماكرون إلى "تعايش" مؤلم مع برلمان من الاتجاه المعاكس، فقد يصبح الحيز المتاح للمناورة على مسرح الاتحاد الأوروبي أقل كثيرا.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية سياسة دولية فرنسا الاتحاد الأوروبي المانيا فرنسا الاتحاد الأوروبي الانتخابات الفرنسية المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الاتحاد الأوروبی حزب الجبهة الوطنیة للاتحاد الأوروبی المشروع الأوروبی فی الانتخابات إلى حد

إقرأ أيضاً:

زعماء الدول الأوروبية يوافقون على رؤساء المناصب القيادية للاتحاد الأوروبي

وافق رؤساء الدول والحكومات الأوروبية على ترشيحات للمناصب القيادية في الاتحاد الأوروبي للسنوات الخمس المقبلة.
ووفقا لوكالة الأنباء الروسية "تاس"، قال دبلوماسيون أوروبيون للصحفيين على هامش قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل، أن الزعماء في أوروبا استقروا على اسماء محددة للمناصب القيادية في الاتحاد الأوروبي والتي جاءت كالتالي:
- أعيد تعيين أورسولا فون دير لاين رئيسة للمفوضية الأوروبية.
- سيتولى رئيس الوزراء البرتغالي السابق أنطونيو كوستا رئاسة المجلس الأوروبي.
-  ستصبح رئيسة الوزراء الإستونية كايا كالاس الممثلة العليا الجديدة للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية.

كما أكد رئيس المجلس الأوروبي المنتهية ولايته شارل ميشيل هذه المعلومات رسميًا.
ومن المقرر أن يصوت البرلمان الأوروبي على المرشحين خلال جلسته العامة في يوليو.
ومن المتوقع أن تبدأ كالاس مهامها في أكتوبر، في حين ستتولى كوستا مهامها في ديسمبر، ومن المقرر أن تكشف فون دير لاين عن تشكيلتها الجديدة للمفوضية الأوروبية في سبتمبر.

وفي سياق آخر، بحث الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) ينس ستولتنبرج، خلال لقائه، الخميس مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مقر الناتو بالعاصمة البلجيكية بروكسل، الاستعدادات النهائية لقمة الناتو التي ستعقد في العاصمة الأمريكية واشنطن خلال الفترة من 9 إلى 11 يوليو القادم.


وبحسب بيان صحفي صدر عن الناتو، فإنه من المتوقع أن تكون زيادة الدعم لأوكرانيا هي القضية ذات الأولوية القصوى لمناقشات قادة الحلفاء خلال قمة واشنطن.

وقال ستولتنبرج في بداية الاجتماع: "أعتقد أننا نسير حقًا على المسار الصحيح نحو عقد قمة جيدة للغاية لحلف الناتو من أجل أوكرانيا ومن أجل الناتو".

 توقيع الاتفاقية الأمنية بين الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا 

كما أعرب عن توقعه بأن يتفق الحلفاء على أن يتولى حلف شمال الأطلنطي زمام المبادرة في التنسيق وتوفير المساعدة الأمنية والتدريب لأوكرانيا، واقترح ستولتنبرج أيضًا تعهدًا ماليًا طويل الأجل لمنح أوكرانيا المزيد من القدرة على التنبؤ بالدعم الذي تتلقاه.

وهنأ الأمين العام الرئيس زيلينسكي على توقيع الاتفاقية الأمنية بين الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا وبدء محادثات انضمام البلاد إلى الاتحاد الأوروبي في وقت سابق من الأسبوع الجاري.

مقالات مشابهة

  • فرنسا.. انتخابات تشريعية مبكرة يتصدرها اليمين المتطرف
  • الفرنسيون يصوتون في انتخابات تشريعية تاريخية بنهاية الأسبوع
  • الاتحاد الأوروبي يدعو لحماية المدنيين في غزة ويؤكد دعم لبنان
  • الاتحاد الأوروبي يدعو إلى حماية المدنيين في غزة ويؤكد دعم لبنان
  • زعماء الدول الأوروبية يوافقون على رؤساء المناصب القيادية للاتحاد الأوروبي
  • دول من الاتحاد الأوروبي تطلب مساعدة لتعزيز الحدود الشرقية
  • اتفاق وشيك على توزيع المناصب العليا بالاتحاد الأوروبي قبيل انتخابات فرنسا
  • الناخبون الفرنسيون أمام خيار مخيف.. مارين لوبان أو اليسار المتشدد
  • الاتحاد الأوروبي يستعد للسيناريو الكابوس.. فرنسا المتشككة في أوروبا