سكان جنوب لبنان.. تهجير يتكرر ومعاناة لا تطاق
تاريخ النشر: 26th, June 2024 GMT
البيسارية (لبنان) "رويترز": ولد أحمد أبو دلة في قرية يارين اللبنانية قبل أن يطلق على الأراضي الواقعة إلى الجنوب اسم إسرائيل.
كان يأمل أن يقضي أيامه الأخيرة هناك، ولكن بعد مرور 80 عاما، ومع تعرض مسقط رأسه للقصف الإسرائيلي، أعطاه أبناؤه خيارا لا رجعة فيه: إما أن يرحل عن يارين أو أن يأتوا للعيش معه والموت معه.
وقال "تفتكري أنا اللي قررت؟ ولادي. حطوني بخيار. يا تنزل يا منطلع .. هيدا اللي خلاني انزل (انتقل)".
كان أبو دلة وشقيقه الأصغر آخر سكان يارين الذين ما زالوا يعيشون هناك هذا الربيع. نزحت معظم العائلات في أكتوبر بعد وقت قصير من بدء جماعة حزب الله اللبنانية تبادل إطلاق النار مع جيش الاحتلال الإسرائيلي بالتزامن مع الحرب في قطاع غزة.
وقال أبو دلة لرويترز والدموع تغرق عينيه وهو يصف المنزل الذي بناه في يارين وتحيط به مزرعته الخاصة ومجموعات من الماشية "يللي خلاني اصمد.. التربة (الأرض)... في ناس ما عندها جذور الأرض. ما تعبانة بالأرض عايشة - بس يللي بني حبة حبة، تصوري واحد يعيش 80 سنة بأرضه".
وأضاف "الأرض اللي بنبني فيها إذا بتبرمي (تقلبي) التراب بتلاقي اثار ايدينا فيه".
وبحسب المنظمة الدولية للهجرة، نزح أكثر من 95 ألف شخص من جنوب لبنان منذ اندلاع الأعمال القتالية. وعلى الطرف الآخر من الحدود في إسرائيل، نزح 60 ألفا من منازلهم.
ووفقا للمنظمة الدولية للهجرة، يسكن أكثر من 80 بالمئة من النازحين في لبنان مع أقاربهم أو أصدقائهم. ويؤجر 14 بالمئة منهم منازل ويعيش اثنان بالمئة فقط في ملاجئ جماعية. وسكان يارين من بين الأغلبية الذين انتقلوا للعيش مع أقاربهم، وهذه ليست المرة الأولى.
ويتذكر العديد من سكان القرية الفرار من يارين عام 1978، أثناء التوغل العسكري الإسرائيلي في السنوات الأولى للحرب الأهلية في لبنان.
وسافروا إلى مدينة صيدا الساحلية مرورا بعدة بلدات في الجنوب وصولا إلى منطقة الشوف الجبلية قبل أن يستقروا في نهاية المطاف على مشارف البيسارية على بعد 50 كيلومترا شمالي مسقط رأسهم وبنوا منازل متواضعة.
ومع استقرار المزيد من سكان يارين هناك في الثمانينيات، مدوا شبكتهم الخاصة من أنابيب المياه وبنوا مدرسة، ما أكسب المنطقة اسم "حي يارين" في البيسارية.
"ناس عندها خوف"
سامر أبو دلة، ابن أخت زوجة أحمد، من مواليد "حي يارين" خارج البيسارية عام 1979. أصبح معلما وبنى منزلا في قرية يارين عام 2011 ليعيش فيه مع زوجته وأطفالهما الستة معتقدا أن الأوضاع على الحدود استقرت بعد الحرب التي استمرت شهرا بين حزب الله وإسرائيل عام 2006.
لكنه عاد الآن إلى "الحي" بعد فراره من القصف على الحدود.
وقال "نحن كتجربة بالهجرة، أول ما طلعوا أهلنا، قالوا يومين وبنرجع، فهذا الشعور أو التجربة السابقة بتضل تسير كأنها معلومات تتوارثها الأجيال، منقول يومين ومنرجع وقعدنا تلاتين سنة لرجعنا".
وقال أمام منزل والدته المتواضع على مشارف البيسارية حيث يقيم الآن "هذا الشعور فيه بعض ناس عندها خوف منه".
ينام ابنا سامر الصغيران على الأريكة منذ شهور، بينما يعيش هو وزوجته وبناتهما الأربعة في غرفة نوم واحدة. لم تكن الطاولة في مطبخ والدته كبيرة بما يكفي لاستيعاب 11 شخصا يعيشون هناك الآن، لذا كانت تقدم كل وجبة على مرتين للتأكد من أن الجميع يتناولون طعامهم وهم يجلسون.
وقال سامر إن هناك ما لا يقل عن 70 عائلة مثل عائلته فرت من يارين وعادت الآن إلى البيسارية، وإن مواردهم الضئيلة لا تكفيهم.
ويعاني اللبنانيون بشدة جراء الانهيار الاقتصادي المستمر منذ خمس سنوات والذي أدى إلى تجميد مدخراتهم في البنوك وخفض قيمة الليرة، وأجبر الدولة على رفع الدعم الذي كان في السابق يجعل بعض الخدمات الأساسية في متناول الجميع.
وقالت عائلة أبو دلة إنها حصلت على سلة غذائية من مجلس الجنوب، وهو جهة رسمية، لكنها لم تكن كافية لتغطية احتياجاتهم أثناء نزوحهم.
وقالت لمياء أبو دلة (74 عاما) خالة سامر "ولا شي ولا حدا دق بابنا ولا حدا سأل.. كل واحد دبر حاله بجهده الخاص يعني"، وأضافت "نحن من 1977 اتهجرنا، وبعدنا بنتشرشح من هون لهون. شو بنعمل؟ شيء انفرض علينا، مش بايدنا".
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
تدمير المنازل في جنوب لبنان: استراتيجية إسرائيلية ممنهجة أم تداعيات حرب؟
في أعقاب الحرب العدوانية التي عصفت بجنوب لبنان، ومع إعلان وقف إطلاق النار، تظل ظاهرة تدمير إسرائيل للمنازل واحدة من أبرز نتائج هذه الحرب، مما يثير تساؤلات عديدة حول أسباب هذا التدمير وأهدافه. هل كان التدمير جزءا من استراتيجية إسرائيلية ممنهجة تهدف إلى تغيير الواقع الديموغرافي والسياسي في المنطقة، أم أنه نتيجة حتمية للاشتباكات العسكرية؟ وكيف سيتعامل المجتمع الدولي مع هذه الممارسات بعد توقف الحرب؟ وهل ستتمكن الأسر النازحة من العودة إلى منازلها المدمرة في ظل الجهود الدولية لإعادة الإعمار وضمان حقوق السكان المتضررين؟
هذا المقال يسلط الضوء على هذه القضية من زوايا متعددة، مستعرضا معطيات وأرقام ميدانية تعكس حجم الكارثة الإنسانية، ويحلل خلفيات هذا التدمير وأهدافه. كما يناقش رؤى الأطراف المختلفة حول إعادة الإعمار، بين التصور اللبناني الذي يهدف إلى تعزيز صمود السكان، والتصور الإسرائيلي الذي يسعى إلى فرض شروط تعيد تشكيل المنطقة الحدودية وفق مصالحه.
أرقام ومعطيات:
تشير التقارير الميدانية الحديثة إلى أن الحرب الأخيرة في جنوب لبنان خلفت دمارا هائلا في المنازل والبنية التحتية، حيث بلغ عدد المنازل المدمرة كليا حوالي 45,000 منزل، وتضرر 30,000 منزل بشكل جزئي، بالإضافة إلى تضرر أكثر من 125,000 منزل بأضرار طفيفة. تضم المنطقة الجنوبية حوالي 129 قرية، منها 82 قرية جنوب نهر الليطاني و26 قرية بين نهري الليطاني والأولي، وهي مناطق تعرضت بشكل متكرر للاستهداف، مما أدى إلى نزوح أكثر من 886,000 شخص داخليا وفرار 540,000 شخص إلى سوريا.
تدمير المنازل في جنوب لبنان يحمل سمات منهجية واضحة تتجاوز كونه نتيجة عرضية لاشتباكات مسلحة. يتم ذلك من خلال اختيار الأهداف بعناية، حيث تُستهدف منازل تقع في مناطق استراتيجية، ما يشير إلى خطة مدروسة تهدف إلى تفريغ المناطق الحدودية من سكانها وإضعاف البنية المجتمعية والديموغرافية. كما يتسم التدمير باستخدام قوة عسكرية مفرطة، وهو ما يتجاوز الضرورات العسكرية التكتيكية، ما يعكس نية متعمدة للإبادة المادية
أما البنية التحتية، فقد تضررت 35 منشأة مياه، مما أثر على إمدادات المياه لأكثر من 400,000 شخص، وتعرضت 80 مدرسة للتدمير، مما حرم حوالي 25,000 طفل من التعليم. وعلى الصعيد الاقتصادي، قُدرت الخسائر الإجمالية بحوالي 10.5 مليار دولار، منها 3.2 مليار دولار تخص قطاع السكن، مع توقع انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.7 في المئة لعام 2024.
وتشير التقديرات إلى أن النساء والأطفال يمثلون 40 في المئة من إجمالي النازحين، في حين ارتفعت معدلات الفقر في المناطق المتضررة إلى 48 في المئة، والبطالة إلى 36 في المئة. تعكس هذه الأرقام مدى الكارثة الإنسانية والاجتماعية التي يعيشها لبنان، مما يؤكد الحاجة إلى تدخل عاجل لإعادة الإعمار ودعم السكان المتضررين. ومن المفيد ذكره أن هذه الأرقام والإحصاءات تم جمعها من تقارير الأمم المتحدة، ووكالات الإغاثة الدولية، والمؤسسات الإعلامية الموثوقة، والبيانات اللبنانية الرسمية.
أشكال تدمير المنازل في الحرب الحالية على جنوب لبنان:
تشير الشهادات والتقارير الميدانية الحديثة إلى أن تدمير المنازل في جنوب لبنان خلال الحرب كان يتم عبر أساليب متعددة وممنهجة؛ تعكس استراتيجية واضحة تهدف إلى إخلاء المنطقة الحدودية من سكانها. القصف الجوي والمدفعي المباشر هو أبرز أشكال التدمير، حيث تستهدف القوات الإسرائيلية المنازل بشكل دقيق، مما يؤدي إلى تسويتها بالأرض، كما حدث في بلدة رامية. إلى جانب ذلك، تُستخدم أساليب التفجير الممنهج عبر تفخيخ المنازل وتفجيرها، خاصة في القرى الحدودية مثل العديسة وميس الجبل وكفركلا، بغية خلق مناطق عازلة خالية من السكان. كما توظف القوات الإسرائيلية الجرافات العسكرية لتجريف المنازل وتسويتها بالأرض، في أسلوب يهدف إلى محو أي بنية تحتية قد تُستخدم مستقبلا.
حق العودة إلى المنازل: رؤية قانونية
وفقا للقانون الدولي الإنساني، تُصنَّف المنازل ضمن الممتلكات المدنية التي تحظى بحماية كاملة خلال النزاعات المسلحة. تنص اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 على حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، وتحظر استهداف الممتلكات المدنية إلا إذا استُخدمت لأغراض عسكرية. كما يُعزِّز البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 هذه الحماية، مؤكدا على ضرورة التمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية وتجنب استهداف المدنيين وممتلكاتهم.
بالإضافة إلى ذلك، يضمن القانون الدولي لحقوق الإنسان حق الأفراد في العودة إلى منازلهم بعد انتهاء الأعمال العدائية. تنص المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن "لكل فرد حق في حرية التنقل وفي اختيار محل إقامته داخل حدود الدولة"، و"لكل فرد حق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، وفي العودة إلى بلده".
كما تؤكد المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على حق الأفراد في حرية التنقل واختيار محل إقامتهم، والحق في مغادرة أي بلد والعودة إليه.
بناء على هذه النصوص القانونية، فإن تدمير المنازل بشكل متعمد أو منع سكانها من العودة إليها يُعد انتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. يُلزم المجتمع الدولي باتخاذ التدابير اللازمة لضمان احترام هذه القوانين، ومحاسبة الجهات المسؤولة عن أي انتهاكات، وتقديم الدعم اللازم للمتضررين لضمان عودتهم الآمنة إلى منازلهم.
هل التدمير منهجي أم نتيجة اشتباك مسلح؟
تشير التقارير والشهادات الميدانية إلى أن تدمير المنازل في جنوب لبنان يحمل سمات منهجية واضحة تتجاوز كونه نتيجة عرضية لاشتباكات مسلحة. يتم ذلك من خلال اختيار الأهداف بعناية، حيث تُستهدف منازل تقع في مناطق استراتيجية، ما يشير إلى خطة مدروسة تهدف إلى تفريغ المناطق الحدودية من سكانها وإضعاف البنية المجتمعية والديموغرافية. كما يتسم التدمير باستخدام قوة عسكرية مفرطة، وهو ما يتجاوز الضرورات العسكرية التكتيكية، ما يعكس نية متعمدة للإبادة المادية وزعزعة استقرار المنطقة على المدى الطويل.
إضافة إلى ذلك، يشمل اتساع نطاق التدمير مناطق متعددة، مما يعزز فرضية السياسة الممنهجة بدلا من الردود العشوائية. هذا التدمير لا يستهدف فقط المواقع ذات الأهمية العسكرية بل يمتد ليشمل ممتلكات المدنيين والبنى التحتية الأساسية، ما يزيد من الضغط النفسي على السكان المحليين ويدفعهم إلى التهجير القسري، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.
كل هذه المعطيات تُظهر نمطا متعمدا للتدمير يهدف إلى تحقيق أهداف عسكرية وسياسية واسعة النطاق، مثل زعزعة الاستقرار الديموغرافي، وتعطيل البيئة الحاضنة للمقاومة، وتكريس سياسات الإخضاع الجماعي في المناطق الحدودية. هذا النهج يثبت أن التدمير ليس نتيجة عرضية لاشتباكات، بل استراتيجية منظمة تخدم رؤية طويلة الأمد لتغيير الواقع الجيوسياسي والاجتماعي في جنوب لبنان.
تشكل قضية عودة النازحين وإعادة إعمار المنازل المدمرة في جنوب لبنان اختبارا حقيقيا للتصورات المتناقضة
عودة النازحين وإعادة الإعمار: بين التصور اللبناني والإسرائيلي
تشكل قضية عودة النازحين وإعادة إعمار المنازل المدمرة في جنوب لبنان اختبارا حقيقيا للتصورات المتناقضة. تاريخيا، كشفت الوقائع في مناطق أخرى مثل مخيم جنين في عام 2002 عن استراتيجيات إسرائيلية تسعى لإعادة الإعمار وفق شروط أمنية صارمة، حيث سمحت بإعادة بناء المخيم تحت قيود مشددة، بهدف التحكم في الحركة السكانية وضمان خلو المناطق من أي بنية تحتية قد تُستخدم في أنشطة مقاومة. في جنوب لبنان، قد يتكرر المشهد، حيث تظهر رؤيتان متناقضتان لإعادة الإعمار:
1- التصور اللبناني:
تسعى الحكومة اللبنانية، بدعم من منظمات محلية ودولية، إلى إعادة بناء المنازل والبنية التحتية كما كانت قبل الحرب، بهدف تعزيز صمود السكان وتأمين عودتهم إلى أراضيهم. وقد تمثل ذلك في أعقاب حرب 2006، عندما أطلقت الحكومة اللبنانية بدعم من المجتمع الدولي مشاريع واسعة لإعادة الإعمار، كما أطلق حزب الله مشروع "وعد"، الذي أعاد بناء آلاف المنازل في الضاحية الجنوبية وكثير من المناطق المتضررة.
2- التصور الإسرائيلي:
تميل إسرائيل إلى فرض شروط على إعادة الإعمار لضمان خلو المناطق الحدودية من أي نشاط مقاوم. تشير التقارير إلى أن إسرائيل تسعى إلى منع عودة السكان إلى المناطق الحدودية عبر تدمير شامل للبنية التحتية، كما فعلت في بلدة بنت جبيل بعد حرب 2006، حيث تعمدت تدمير المباني السكنية والمرافق الحيوية بشكل ممنهج. في بعض الحالات، تترك إسرائيل المناطق مدمرة تماما، مراهنة على أن ذلك سيؤدي إلى نزوح دائم للسكان، ما يخلق "مناطق عازلة" تخدم أهدافها الأمنية. على الرغم من الأضرار الجسيمة التي خلفها التدمير، يُظهر التاريخ أن هذه الاستراتيجية لا تحقق نجاحا مستداما. يعود السكان إلى منازلهم رغم الدمار، ويعملون على إعادة بنائها كجزء من مقاومتهم للسياسات الإسرائيلية. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي تدمير المنازل إلى زيادة التعاطف الدولي مع الضحايا، مما يضع إسرائيل تحت ضغوط سياسية وقانونية.
إعادة الإعمار في جنوب لبنان ليست مجرد عملية تقنية لإعادة بناء المنازل والبنية التحتية، بل هي جزء من صراع أعمق على الهوية والسيادة. يسعى لبنان من خلال إعادة البناء إلى تعزيز صمود سكانه وربطهم بأرضهم، في حين تستخدم إسرائيل التدمير كوسيلة لترسيخ سيطرتها وفرض واقع ديموغرافي يخدم مصالحها الاستراتيجية
تشير التقارير إلى أن إسرائيل ترفض بشكل قاطع السماح بعودة النازحين إلا في ظل ترتيبات أمنية صارمة، وهو ما يُظهر توجهها نحو خلق واقع ديموغرافي جديد. ويعكس ذلك استراتيجيتها في مناطق أخرى مثل قطاع غزة، حيث استخدمت تدمير المنازل كوسيلة لإجبار السكان على النزوح، مع فرض قيود على دخول مواد البناء والمساعدات الدولية.
إن إعادة الإعمار في جنوب لبنان ليست مجرد عملية تقنية لإعادة بناء المنازل والبنية التحتية، بل هي جزء من صراع أعمق على الهوية والسيادة. يسعى لبنان من خلال إعادة البناء إلى تعزيز صمود سكانه وربطهم بأرضهم، في حين تستخدم إسرائيل التدمير كوسيلة لترسيخ سيطرتها وفرض واقع ديموغرافي يخدم مصالحها الاستراتيجية. ورغم أن القانون الدولي الإنساني يضمن للسكان المدنيين حق العودة إلى منازلهم، إلا أن التطبيق العملي لهذا الحق يظل مرهونا بالتوازن بين إرادة المجتمع اللبناني والدعم الدولي من جهة، والسياسات الإسرائيلية الممنهجة التي تسعى لتحقيق أهدافها الأمنية والسياسية طويلة الأمد من جهة أخرى. هل تنجح إسرائيل في تحقيق أهدافها؟
إن تدمير المنازل في جنوب لبنان، بما في ذلك النمط الممنهج الذي يستهدف البنية التحتية والممتلكات المدنية بشكل متعمد، يتطلب استجابة عاجلة تتجاوز الوصف والتحليل إلى خطوات عملية ملموسة. تتحمل الدول الكبرى والمنظمات الدولية مسؤولية أخلاقية وقانونية تجاه دعم المدنيين المتضررين ومساءلة إسرائيل على انتهاكها للقانون الدولي الإنساني عن هذه الجرائم الممنهجة. إن الصمت الدولي أمام هذه الكارثة لا يساهم إلا في تعميق معاناة السكان، وترسيخ آثار التدمير المنهجي، وفتح المجال أمام المزيد الجرائم الإسرائيلية. وهي جرائم لن تبقى آثارها محصورة في جنوب لبنان أو قطاع غزة كما كان متوقعا أن تبقى فقط في قطاع غزة!