لجريدة عمان:
2024-06-29@10:12:02 GMT

عين «الفراهيدي» التي لم يغمضها الغياب

تاريخ النشر: 26th, June 2024 GMT

حين سألت السيد عبدالله بن حمد البوسعيدي -رحمه الله-، عن كيفية الموازنة بين مسؤولياته الوظيفية التي كان آخرها رئاسته لمجلس إدارة الجامعة الشرقية ومواظبته على متابعة الفعاليات؟ أجاب: «أحرص على اقتناص الفرص بعد ساعات الدوام لأحضر فعالية، فالعمل الوظيفي له وقته والاهتمامات الثقافية لابدّ أن تجد لها فسحة من الوقت المتبقي»، هذه الـ(لابدّ) التي ألزم نفسه بها لم تأت من فراغ، فهو يعتبر الزاد المعرفي هو النسغ الذي يمدّ الإنسان بطاقة إضافيّة لمواصلة حياته، وهذه الاهتمامات تعود إلى النشأة، فهو وُلد في بيت تتوفّر به مكتبة كبيرة، ولوالده دور في توجيه اهتماماته، فالسيد حمد بن سيف البوسعيدي كان فقيها وقاضيا وقد أوكلت إليه ولاية عدد من المناطق، وله كتب عديدة أبرزها: (الموجز المفيد نُبذ من تاريخ البوسعيد) الصادر عام 1995م، بأكثر من طبعة، و(إرشاد السائل من أجوبة المسائل)، و(قلائد الجمان من أسماء شعراء عمان)، فورث من والده حبّ المعرفة، وقد أتيحت للسيد عبدالله، بوقت مبكّر من حياته، حضور المجالس الأدبية برفقة والده، وكانت تلك المجالس «عامرة بعلماء الفقه والمشايخ، هذه النشأة في هذا المناخ الثقافي أسهمت كثيرا في توجهاتي، اللاحقة مع حرصي -والكلام للسيد عبدالله- على تنمية القدرات الذاتية بالاطلاع على ما يدور في أروقة الحياة الثقافية داخل السلطنة وخارجها».

وهذا الشغف المعرفي المبكّر جعله يحرص على حضور الفعاليات، والندوات، وفتح بيته لضيوف السلطنة من الأدباء والفنانين والأكاديميين، فجعله صالونا ثقافيا، وخلال عمله سفيرا للسلطنة في القاهرة، ومندوبا دائما للسلطنة في جامعة الدول العربية بمرتبة وزير، في الأول من فبراير 1989م، أسّس في القاهرة صالونا ثقافيّا أطلق عليه اسم (صالون الفراهيدي) نسبة إلى العالم اللغوي الخليل بن أحمد الفراهيدي، صاحب كتاب (العين) بهدف إبراز الدور الحضاري لعمان عبر التاريخ، والتعريف بالثقافة العمانية، في الخارج، إيمانا منه أن السبيل الوحيد لتقريب وجهات النظر هو الحوار، فمن خلاله يمكننا « الإجابة عن التساؤلات ومحاولة النهوض من العثرات وتلافي السلبيات والمحافظة على الخصائص والميزات» كما أشار في مقدمة كتاب (حوارات صالون الفراهيدي)، مبينا سبب تسمية الصالون باسم الفراهيدي لأنّ «ابن عمان واحد من رموز هذه الأمة اعتزازا بأصالة الثقافة العربية وسعة أفقها ونزعتها الدائمة إلى الحوار والتجديد»، كما أشار إلى ذلك في الكتاب الذي صدر الجزء الأول منه عام 1998م.

وكانت انطلاقة الصالون يوم 29 أكتوبر 1996م في حفل كبير رعاه معالي دكتور عصمت عبدالمجيد الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية وتجاوز الصالون فكرة تبادل الأحاديث عبر جلسات مفتوحة، فوضع له برنامجا ثقافيا، على هيئة حلقات جرى خلالها تقديم أوراق عمل، وقد تنوّعت موضوعاتها بين اللغة، والأدب والشعر، والسياسات الدولية، والعلاقات الثقافية، ومن بين الموضوعات التي نوقشت في الصالون (الخليل بن أحمد الفراهيدي وجهوده في الدراسات اللغوية العربية ) و(الدلالات الحضارية لموسوعة السلطان قابوس لأسماء العرب) و(المدائح النبوية في الشعر العربي) و(التواصل الحضاري بين مصر وعمان) و(الحب في الشعر الإلهي) و(عمر بن الفارض الشاعر الصوفي) و( رابعة العدوية) و(نظرات في التجربة الصوفية في شعر الشاعر العماني اللوّاح ) و( أبعاد التواجد العربي في شرق أفريقيا ) و(أثر اللغة العربية في اللغة السواحيلية) و(نشأة الصحافة العمانية في شرق أفريقيا ) و(عمان في عيون الرحالة)، بمشاركة قامات ثقافية عربية عالية من بينها: الدكتور أحمد هيكل، والشاعر فاروق شوشة والدكتور صلاح فضل والدكتور أحمد درويش، والدكتور يونان لبيب رزق، والدكتور محمد صابر عرب، وجمال الغيطاني.

وبعد عودة السيد عبدالله إلى مسقط، أسهم في دعم الحراك الثقافي، من خلال رعايته، وحضوره ومداخلاته في الندوات، ووضع علاقاته الثقافية في خدمة المشهد، فهو يحتفظ بعلاقات إنسانية عميقة مع أبرز رموز الثقافة العربية، وكان من مؤسّسي الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء، ورغم كل هذه الأنشطة، ظلّت فكرة إحياء (صالون الفراهيدي) في مسقط تشغله، رغم أن بيته -كما أشرنا- كان صالونا ثقافيا مفتوحا، وبعد جهود تمكّن من ذلك، وحضرنا في 5 مايو 2015م حفل تدشين الصالون الذي أقيم بجامعة السلطان قابوس، وكعادته في العمل، وضع خطة دقيقة لعمل الصالون، وسعى لتنفيذها على أرض الواقع، لكن مشاغله العديدة حالت دون ذلك، وفي لقاءاتنا الأخيرة أكّد حرصه على ترجمة مفردات تلك الخطّة، ضمن برامج ثقافية عديدة رسمها في الجامعة الشرقية، إلى جانب تحويل مكتبة والده إلى مرفق ثقافي في ولاية (سمد الشأن)، وكان قد وضع لها مخططا يشمل إقامة ندوات ومحاضرات ومعارض وتمّت فهرست الكتب فهرسة إلكترونية علمية وشملت تلك الفهرسة أكثر من خمسة آلاف كتاب، كما ذكر لي، وذلك لتيسير عمل الباحثين وسهولة الاستخدام وتوفير المعلومة، لكنّ الموت عاجله، بدون إنذار مسبق، ليرحل ولكن (عين) الفراهيدي تبقى مفتوحة ولن يغمضها الغياب.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

وزارة الثقافة تطلق مخيمها الصيفي الخامس 2024

أعلنت وزارة الثقافة اليوم عن إطلاق الدورة الخامسة من مخيمها الصيفي لعام 2024 الذي يستمر حتى 31 يوليو المقبل ، بهدف الاستثمار في طاقات جميع أفراد المجتمع، وبناء قدراتهم، وتوسيع مداركهم، وإطلاعهم على كلّ ما هو جديد في ميدان المعرفة، وتعزيز هويتهم وثقافتهم، ليكونوا قادرين على بناء مستقبل دولة الإمارات.

ويجسّد المخيم التزام الوزارة بتوفير بيئة محفزة ومشجعة لجميع أفراد المجتمع، من عمر 6 سنوات وصولا إلى كبار المواطنين ممن تجاوزت أعمارهم 60 عاما، تسهم في تعزيز مهاراتهم، وقدراتهم الشخصية، عبر توفير مجموعة متكاملة من الأنشطة التنموية ضمن برنامج يقدّم نحو 215 فعالية تشتمل على ورش العمل التفاعلية، والدورات التدريبية التخصصية، ومجموعة من اللقاءات والجولات، بالشراكة مع العديد من الجهات المتخصصة، والجمعيات الثقافية والجهات الحكومية في الدولة.

وقال سعادة مبارك الناخي وكيل وزارة الثقافة”المخيم يجسّد التزام الوزارة السنويّ بتوفير بيئة محفزة ومشجعة لأفراد المجتمع، تلعب دورا فاعلا في تعزيز مهاراتهم الفكرية والمعرفية، وتوعيتهم بالتوجهات المستقبلية، وتسهم في اكتشاف وصقل مواهبهم، ومعارفهم الشخصية، وتضيف إلى مخزونهم الفكري والمعرفي الشيء الكثير، فضلا عن تعزيز ثقافتهم وتعميق ارتباطهم بالهوية الوطنية، وترسيخ قيم الآباء والأجداد في نفوس أجيال المستقبل”.

وأضاف”نؤمن بضرورة الاستفادة من أوقات الفراغ وتحويلها إلى مكتسبات تعود بالنفع على جميع فئات المجتمع، حيث حرصنا هذا العام عبر برنامج متكامل على تعزيز وعي ومدارك المشاركين بالتوجهات المستقبلية التي تنتهجها الدولة، فيما يتعلّق بتمكين جميع أفراد المجتمع من مصادر العلم والإبداع، والمضي قدما في تطوير مجتمع المعرفة، عبر مواصلة العمل من أجل تهيئة البيئة الملائمة التي تسهم في تعميق صلتهم وارتباطهم بموروثهم، ومقدرات العلم والمعرفة، ليكونوا عناصر فاعلة في بناء مستقبل بلادهم”.

ويعقد المخيم سلسلة من الجلسات واللقاءات الحوارية التي تستضيف مجموعة من الشخصيات المؤثرة في الدولة ومع كبار المواطنين، بهدف بناء حوار تفاعلي بين الأجيال لتعزيز الهوية الوطنية وتنمية عقول الشباب بشأن أولويات الشباب الوطنية في التعليم والمهارات، والعمل وريادة الأعمال، والصحة والسلامة وغيرها، حيث ستتم مناقشة العديد من المحاور، كالمسؤولية المجتمعية، والمواطنة الإيجابية، والاستدامة البيئية، وريادة الأعمال الرقمية، إلى جانب العمل في القطاع الخاص، وأبرز التحديات العالمية الحالية والمستقبلية، وعادات وتقاليد مجتمع الإمارات، والقيم الإماراتية.

وسيعمل المخيم على تنظيم سلسلة من الزيارات إلى مجموعة من المعالم التراثية والأماكن الثقافية في إمارات الدولة، بهدف الاطلاع على حضارة، وثقافات الدولة، حيث تمثل المعالم منارة للعلم والثقافة والمعرفة كالمتاحف والمراكز الثقافية والتعليمية في الدولة.

ولدعم جهود الدولة في تعزيز الهوية الوطنية وأجندة التسامح، تم التعاون مع صندوق الوطن في طرح برامج تعزيز التراث الثقافي والهوية الإماراتية في جميع المراكز الثقافية والإبداعية التابعة للوزارة من خلال برامج تفاعلية غنية بالمعلومات والمهارات العملية التي تحافظ على التراث وتزرعه كبذرة في نفوس أطفال والشباب الغد.

ويتيح المخيم لمنتسبيه مجموعة من الدورات التخصصية المتنوّعة، ضمن قطاعات الصناعات الإبداعية، الفنون البصرية والفنون الأدائية والمسرح والسينما والموسيقى والتراث والأدب والألعاب الإلكترونية وصناعة الرسوم المتحركة، وغيرها من تكنولوجيا المعلومات الرقمية في الصناعات الإبداعية، مثل تقنية الميتافيرس والذكاء الصناعي، وأثرها على المستقبل، وغيرها.

وسيتم تنظيم سلسلة من الورش الإبداعية، والتفاعلية التي تستهدف جميع أفراد المجتمع في مجالات متنوعة، لغرس روح التنافسية والإبداعية بداخلهم، منها الأنشطة الرياضية مثل بادل تنس، وكرة القدم، إلى جانب تعليم فنون الرسم والفنّ الرقمي، والمكياج السينمائي، والتصوير، والشطرنج، وتسلق الجبال “هايكينغ”.وام


مقالات مشابهة

  • الأكاديمية العربية للعلوم تنظم ورشة عمل حول “ أخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي”
  • الثقافة تطلق مخيمها الصيفي الخامس
  • وزارة الثقافة تطلق مخيمها الصيفي الخامس 2024
  • «خطابات إصلاح النفس: رسائل وأدوات».. عنوان صالون حنان يوسف في دورته الـ55
  • انطلاق أولى الفعاليات الثقافية العُمانية في معرض سول الدولي للكتاب 2024
  • الحروب الثقافية وحرب غزة.. كيف صاغ السابع من أكتوبر مفهوم الأمة؟
  • 30 يونيو| إرادة شعب ومسيرة وطن.. الحفاظ على الهوية وصون المقدرات الحضارية إنجازات الثقافة في 10 سنوات
  • فارس الخليل يترجل
  • التيار عن لقاء بكركي: الغياب الشخصي لبعض رؤساء الاحزاب المسيحية موقف سلبي