عين «الفراهيدي» التي لم يغمضها الغياب
تاريخ النشر: 26th, June 2024 GMT
حين سألت السيد عبدالله بن حمد البوسعيدي -رحمه الله-، عن كيفية الموازنة بين مسؤولياته الوظيفية التي كان آخرها رئاسته لمجلس إدارة الجامعة الشرقية ومواظبته على متابعة الفعاليات؟ أجاب: «أحرص على اقتناص الفرص بعد ساعات الدوام لأحضر فعالية، فالعمل الوظيفي له وقته والاهتمامات الثقافية لابدّ أن تجد لها فسحة من الوقت المتبقي»، هذه الـ(لابدّ) التي ألزم نفسه بها لم تأت من فراغ، فهو يعتبر الزاد المعرفي هو النسغ الذي يمدّ الإنسان بطاقة إضافيّة لمواصلة حياته، وهذه الاهتمامات تعود إلى النشأة، فهو وُلد في بيت تتوفّر به مكتبة كبيرة، ولوالده دور في توجيه اهتماماته، فالسيد حمد بن سيف البوسعيدي كان فقيها وقاضيا وقد أوكلت إليه ولاية عدد من المناطق، وله كتب عديدة أبرزها: (الموجز المفيد نُبذ من تاريخ البوسعيد) الصادر عام 1995م، بأكثر من طبعة، و(إرشاد السائل من أجوبة المسائل)، و(قلائد الجمان من أسماء شعراء عمان)، فورث من والده حبّ المعرفة، وقد أتيحت للسيد عبدالله، بوقت مبكّر من حياته، حضور المجالس الأدبية برفقة والده، وكانت تلك المجالس «عامرة بعلماء الفقه والمشايخ، هذه النشأة في هذا المناخ الثقافي أسهمت كثيرا في توجهاتي، اللاحقة مع حرصي -والكلام للسيد عبدالله- على تنمية القدرات الذاتية بالاطلاع على ما يدور في أروقة الحياة الثقافية داخل السلطنة وخارجها».
وكانت انطلاقة الصالون يوم 29 أكتوبر 1996م في حفل كبير رعاه معالي دكتور عصمت عبدالمجيد الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية وتجاوز الصالون فكرة تبادل الأحاديث عبر جلسات مفتوحة، فوضع له برنامجا ثقافيا، على هيئة حلقات جرى خلالها تقديم أوراق عمل، وقد تنوّعت موضوعاتها بين اللغة، والأدب والشعر، والسياسات الدولية، والعلاقات الثقافية، ومن بين الموضوعات التي نوقشت في الصالون (الخليل بن أحمد الفراهيدي وجهوده في الدراسات اللغوية العربية ) و(الدلالات الحضارية لموسوعة السلطان قابوس لأسماء العرب) و(المدائح النبوية في الشعر العربي) و(التواصل الحضاري بين مصر وعمان) و(الحب في الشعر الإلهي) و(عمر بن الفارض الشاعر الصوفي) و( رابعة العدوية) و(نظرات في التجربة الصوفية في شعر الشاعر العماني اللوّاح ) و( أبعاد التواجد العربي في شرق أفريقيا ) و(أثر اللغة العربية في اللغة السواحيلية) و(نشأة الصحافة العمانية في شرق أفريقيا ) و(عمان في عيون الرحالة)، بمشاركة قامات ثقافية عربية عالية من بينها: الدكتور أحمد هيكل، والشاعر فاروق شوشة والدكتور صلاح فضل والدكتور أحمد درويش، والدكتور يونان لبيب رزق، والدكتور محمد صابر عرب، وجمال الغيطاني.
وبعد عودة السيد عبدالله إلى مسقط، أسهم في دعم الحراك الثقافي، من خلال رعايته، وحضوره ومداخلاته في الندوات، ووضع علاقاته الثقافية في خدمة المشهد، فهو يحتفظ بعلاقات إنسانية عميقة مع أبرز رموز الثقافة العربية، وكان من مؤسّسي الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء، ورغم كل هذه الأنشطة، ظلّت فكرة إحياء (صالون الفراهيدي) في مسقط تشغله، رغم أن بيته -كما أشرنا- كان صالونا ثقافيا مفتوحا، وبعد جهود تمكّن من ذلك، وحضرنا في 5 مايو 2015م حفل تدشين الصالون الذي أقيم بجامعة السلطان قابوس، وكعادته في العمل، وضع خطة دقيقة لعمل الصالون، وسعى لتنفيذها على أرض الواقع، لكن مشاغله العديدة حالت دون ذلك، وفي لقاءاتنا الأخيرة أكّد حرصه على ترجمة مفردات تلك الخطّة، ضمن برامج ثقافية عديدة رسمها في الجامعة الشرقية، إلى جانب تحويل مكتبة والده إلى مرفق ثقافي في ولاية (سمد الشأن)، وكان قد وضع لها مخططا يشمل إقامة ندوات ومحاضرات ومعارض وتمّت فهرست الكتب فهرسة إلكترونية علمية وشملت تلك الفهرسة أكثر من خمسة آلاف كتاب، كما ذكر لي، وذلك لتيسير عمل الباحثين وسهولة الاستخدام وتوفير المعلومة، لكنّ الموت عاجله، بدون إنذار مسبق، ليرحل ولكن (عين) الفراهيدي تبقى مفتوحة ولن يغمضها الغياب.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
نورة البكران : الموسيقى تعزز التعددية الثقافية
كتب – عبد الرحمن آل عميقان
أكدت عضو هيئة التدريس بجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن الباحثة المختصة في مجال الطفولة خلود البكران أن الموسيقى تلعب دورًا مهمًا في تعزيز التعدُّدية الثقافية لدى الأطفال، وهو ما يتماشى مع رؤية المملكة العربية السعودية 2030 التي تسعى إلى بناء مجتمع حيوي ومتعدد الثقافات، يحتفي بالإبداع والفنون كجزء من التنمية المستدامة.
وأوضحت البكران في دراستها الحديثة أن الموسيقى تُعد وسيلة فعالة لغرس قيم التسامح والتفاهم بين الثقافات المختلفة، مما يسهم في تكوين أجيال أكثر وعيًا وانفتاحًا على التنوع الثقافي. وأضافت أن رؤية المملكة 2030 تدعم الفنون كجزء أساسي من الهوية الوطنية، وتسعى إلى تعزيز الثقافة والفنون في المناهج التعليمية، مما يجعل الموسيقى أداة مثالية لتحقيق هذا الهدف.
اقرأ أيضاًالمجتمعالمسابقة الدولية في حفظ القرآن للعسكريين تواصل فعالياتها
وأشارت إلى أن دمج الموسيقى متعددة الثقافات في البرامج التعليمية والأنشطة المدرسية يعزز الحوار الثقافي بين الأطفال وخاصة أطفال ما قبل المدرسة، ويشجعهم على استكشاف تراثهم الموسيقي بجانب التعرف على ثقافات أخرى، مما يُسهم في تحقيق أهداف الرؤية التي تركز على تعزيز التبادل الثقافي والانفتاح على العالم.
ودعت البكران إلى تفعيل البرامج والمبادرات الموسيقية التي تتماشى مع أهداف رؤية 2030، مؤكدة أن الاستثمار في الفنون والموسيقى يُسهم في بناء مجتمع أكثر إبداعًا وتنوعًا، ويدعم التنمية الثقافية والاجتماعية للمملكة العربية السعودية.