لجريدة عمان:
2025-02-16@20:23:48 GMT

عين «الفراهيدي» التي لم يغمضها الغياب

تاريخ النشر: 26th, June 2024 GMT

حين سألت السيد عبدالله بن حمد البوسعيدي -رحمه الله-، عن كيفية الموازنة بين مسؤولياته الوظيفية التي كان آخرها رئاسته لمجلس إدارة الجامعة الشرقية ومواظبته على متابعة الفعاليات؟ أجاب: «أحرص على اقتناص الفرص بعد ساعات الدوام لأحضر فعالية، فالعمل الوظيفي له وقته والاهتمامات الثقافية لابدّ أن تجد لها فسحة من الوقت المتبقي»، هذه الـ(لابدّ) التي ألزم نفسه بها لم تأت من فراغ، فهو يعتبر الزاد المعرفي هو النسغ الذي يمدّ الإنسان بطاقة إضافيّة لمواصلة حياته، وهذه الاهتمامات تعود إلى النشأة، فهو وُلد في بيت تتوفّر به مكتبة كبيرة، ولوالده دور في توجيه اهتماماته، فالسيد حمد بن سيف البوسعيدي كان فقيها وقاضيا وقد أوكلت إليه ولاية عدد من المناطق، وله كتب عديدة أبرزها: (الموجز المفيد نُبذ من تاريخ البوسعيد) الصادر عام 1995م، بأكثر من طبعة، و(إرشاد السائل من أجوبة المسائل)، و(قلائد الجمان من أسماء شعراء عمان)، فورث من والده حبّ المعرفة، وقد أتيحت للسيد عبدالله، بوقت مبكّر من حياته، حضور المجالس الأدبية برفقة والده، وكانت تلك المجالس «عامرة بعلماء الفقه والمشايخ، هذه النشأة في هذا المناخ الثقافي أسهمت كثيرا في توجهاتي، اللاحقة مع حرصي -والكلام للسيد عبدالله- على تنمية القدرات الذاتية بالاطلاع على ما يدور في أروقة الحياة الثقافية داخل السلطنة وخارجها».

وهذا الشغف المعرفي المبكّر جعله يحرص على حضور الفعاليات، والندوات، وفتح بيته لضيوف السلطنة من الأدباء والفنانين والأكاديميين، فجعله صالونا ثقافيا، وخلال عمله سفيرا للسلطنة في القاهرة، ومندوبا دائما للسلطنة في جامعة الدول العربية بمرتبة وزير، في الأول من فبراير 1989م، أسّس في القاهرة صالونا ثقافيّا أطلق عليه اسم (صالون الفراهيدي) نسبة إلى العالم اللغوي الخليل بن أحمد الفراهيدي، صاحب كتاب (العين) بهدف إبراز الدور الحضاري لعمان عبر التاريخ، والتعريف بالثقافة العمانية، في الخارج، إيمانا منه أن السبيل الوحيد لتقريب وجهات النظر هو الحوار، فمن خلاله يمكننا « الإجابة عن التساؤلات ومحاولة النهوض من العثرات وتلافي السلبيات والمحافظة على الخصائص والميزات» كما أشار في مقدمة كتاب (حوارات صالون الفراهيدي)، مبينا سبب تسمية الصالون باسم الفراهيدي لأنّ «ابن عمان واحد من رموز هذه الأمة اعتزازا بأصالة الثقافة العربية وسعة أفقها ونزعتها الدائمة إلى الحوار والتجديد»، كما أشار إلى ذلك في الكتاب الذي صدر الجزء الأول منه عام 1998م.

وكانت انطلاقة الصالون يوم 29 أكتوبر 1996م في حفل كبير رعاه معالي دكتور عصمت عبدالمجيد الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية وتجاوز الصالون فكرة تبادل الأحاديث عبر جلسات مفتوحة، فوضع له برنامجا ثقافيا، على هيئة حلقات جرى خلالها تقديم أوراق عمل، وقد تنوّعت موضوعاتها بين اللغة، والأدب والشعر، والسياسات الدولية، والعلاقات الثقافية، ومن بين الموضوعات التي نوقشت في الصالون (الخليل بن أحمد الفراهيدي وجهوده في الدراسات اللغوية العربية ) و(الدلالات الحضارية لموسوعة السلطان قابوس لأسماء العرب) و(المدائح النبوية في الشعر العربي) و(التواصل الحضاري بين مصر وعمان) و(الحب في الشعر الإلهي) و(عمر بن الفارض الشاعر الصوفي) و( رابعة العدوية) و(نظرات في التجربة الصوفية في شعر الشاعر العماني اللوّاح ) و( أبعاد التواجد العربي في شرق أفريقيا ) و(أثر اللغة العربية في اللغة السواحيلية) و(نشأة الصحافة العمانية في شرق أفريقيا ) و(عمان في عيون الرحالة)، بمشاركة قامات ثقافية عربية عالية من بينها: الدكتور أحمد هيكل، والشاعر فاروق شوشة والدكتور صلاح فضل والدكتور أحمد درويش، والدكتور يونان لبيب رزق، والدكتور محمد صابر عرب، وجمال الغيطاني.

وبعد عودة السيد عبدالله إلى مسقط، أسهم في دعم الحراك الثقافي، من خلال رعايته، وحضوره ومداخلاته في الندوات، ووضع علاقاته الثقافية في خدمة المشهد، فهو يحتفظ بعلاقات إنسانية عميقة مع أبرز رموز الثقافة العربية، وكان من مؤسّسي الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء، ورغم كل هذه الأنشطة، ظلّت فكرة إحياء (صالون الفراهيدي) في مسقط تشغله، رغم أن بيته -كما أشرنا- كان صالونا ثقافيا مفتوحا، وبعد جهود تمكّن من ذلك، وحضرنا في 5 مايو 2015م حفل تدشين الصالون الذي أقيم بجامعة السلطان قابوس، وكعادته في العمل، وضع خطة دقيقة لعمل الصالون، وسعى لتنفيذها على أرض الواقع، لكن مشاغله العديدة حالت دون ذلك، وفي لقاءاتنا الأخيرة أكّد حرصه على ترجمة مفردات تلك الخطّة، ضمن برامج ثقافية عديدة رسمها في الجامعة الشرقية، إلى جانب تحويل مكتبة والده إلى مرفق ثقافي في ولاية (سمد الشأن)، وكان قد وضع لها مخططا يشمل إقامة ندوات ومحاضرات ومعارض وتمّت فهرست الكتب فهرسة إلكترونية علمية وشملت تلك الفهرسة أكثر من خمسة آلاف كتاب، كما ذكر لي، وذلك لتيسير عمل الباحثين وسهولة الاستخدام وتوفير المعلومة، لكنّ الموت عاجله، بدون إنذار مسبق، ليرحل ولكن (عين) الفراهيدي تبقى مفتوحة ولن يغمضها الغياب.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

مبروكة: نحرص على تبادل الخبرات الثقافية والفنية مع الكويت

التقت مبروكة توغي، وزيرة الثقافة بحكومة الدبيبة، بعبد الرحمن المطيري وزير الإعلام والثقافة ووزير الدولة لشؤون الشباب بدولة الكويت، لبحث آليات دعم وتعزيز التعاون الثقافي والإعلامي بين البلدين.

جاء اللقاء على هامش فعاليات الكويت عاصمة الثقافة والإعلام العربي 2025، وأشادت مبروكة باستضافة الكويت، وأكدت على أن وزارتها تولي اهتمامًا بتعزيز التعاون مع دولة الكويت الشقيقة في مختلف المجالات الثقافية، وتبادل الخبرات في مجالات الثقافية والفنية.

من جانبه، وزير الإعلام والثقافة الكويتي على حرص بلاده على توثيق العلاقات الثقافية مع الأشقاء في ليبيا، مشيرا إلى أهمية تبادل البرامج والمشاريع التي تعزز الهوية والإبداع الثقافي.

وبحث الجانبان بحضور الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الدكتور محمد الجسار والأمين العام المساعد لقطاع الثقافة عائشة المحمود سبل تعزيز ودعم التعاون الثقافي والفني بين البلدين، بالإضافة إلى آفاق التعاون في مجالات صناعة المحتوى الثقافي بما يسهم في تعزيز التفاهم الثقافي العربي.

كما التقت مبروكة بالسفير الليبي بالكويت سليمان الساحلي، وتناول اللقاء مناقشة سبل التعاون في المجالات الثقافية لدعم مجالات التعاون الليبي الكويتي.

الوسوممبروكة

مقالات مشابهة

  • مبروكة: نحرص على تبادل الخبرات الثقافية والفنية مع الكويت
  • إذاعة حفل توزيع جوائز البافتا عبر شاشة الثقافية السعودية
  • بعد عام من الغياب.. المئات يزورون قبر المعارض نافالني في موسكو
  • نائب:الغياب صفة دائمة لأعضاء مجلس النواب والبرلمان الحالي هو الأسوأ
  • ثريا آل سعيد لـ"الرؤية": الأزياء تسهم بدور فاعل في تعزيز الهوية الثقافية
  • الهوية الثقافية ومعركة البقاء والتجديد
  • أمير جازان يتجول في معرض الكتاب ويطّلع على برامجه الثقافية
  • محمود الحديني ضيف الصالون الثقافي بقصر الإبداع الفني غدا
  • مصدر: رفع الغياب من المدارس خلال شهر رمضان
  • خبراء أردنيون: القمة العربية التي دعت لها مصر رسالة للعالم بوحدة الصف العربي ضد التهجير