ربما كانت إجازة عيد الأضحى المبارك المنقضية، واحدة من أطول الإجازات وأفضلها منذ سنوات عديدة، وفي أوقات سابقة طالبت بعض الأصوات بأن تُحَدَّ هذه الإجازات وتبقى لثلاثة أيام فحسب! وبعضهم طالب بأقل من ذلك؛ ولكن ما الذي يتماشى حقا مع روح العائلة ومع النهج الحكومي الجديد الذي يولي اهتماما بالأسرة، الإجازات الطويلة أم القصيرة؟
يلاحظ المرء التغيرات الهائلة في مجتمعنا العماني والتي حدثت بسرعة صاروخية مجنونة، فقبل أقل من ربع قرن كانت التجمعات السكانية موزَّعة على أنحاء السلطنة بشكل متساو تقريبا، مع أفضلية للعاصمة مسقط.
وباعتقادي أن إجازة العيد المناسبة تمنح الأسرة مزيدا من الألفة والتقارب، فأي تقارب في الأسرة في وقت يعمل فيه الموظف تسع ساعات في اليوم ولا يجد من يومه إلا سويعات قليلة لا يعرف أين ينفقها قبل الاستعداد لليوم التالي والعمل من جديد! ولأنه لا يمكن بحال أن نتوقع من الإنسان أن يكون آلة لا تشعر ولا تحس بشيء؛ فإنه يتأثر طرديا بانفعالاته النفسية التي تتأتّى غالبا من البيت. فالبيت المولد والمحرك الرئيس للإنسان، إن كان بيتا مليئا بالمحبة والألفة، فإن السكينة والاتزان تتبدى على المرء في تعاملاته اليومية وفي عمله بالأخص؛ وإن كان البيت مشحونا مليئا بالفرقة والنفور التي يعززها فقدان الطاقة وساعات الغياب الطويلة، فإن القادم منها يكون -غالبا- شرسا تنعكس شراسته في تعاملاته اليومية والعملية كذلك، وهو ما يسبب مشاكل حقيقية ومفصلية يصعب التخلص من آثارها خصوصا إن كان هذا الشخص ممسكا بزمام أمور دائرة ما، أو بيده قرار يمس حياة الناس ومصالحهم.
إن ما يتبقى للمرء من ذكريات، تلك المرتبطة بأناس آخرين؛ فلا تقرأ سيرة ذاتية لأحد أو تجلس مع كبير من كبار السن إلا ويخبرك عن من عاش معهم وعايشهم والتقى بهم في حياته. أي أن ذاكرة الإنسان -وحياته الحقيقية بالضرورة- مرتبطة بآخرين من بني جنسه، لا بما يحققه من إنجازات فردانية. فكل من يكتب سيرته الذاتية وكل من يحكي عن ما مضى من حياته، يخبرك بأنه التقى فلانا، أو عمل مع فلان، أو تعلم من فلان، أو تأثر بفلان؛ وكيف يمكن التأثير والتأثر لو كان المرء متقوقعا على ذاته لا يعرف محيطه القريب قبل البعيد!. ولأن العمل يصبح روتينا -أي أنه يصبح شيئا آليا- بمرور الوقت، تنبهت إلى ذلك كبريات الشركات، فمنحت موظفيها إجازات جيدة تتيح لهم استرداد إبداعهم وشغفهم بالحياة من ذويهم ومن محطيهم الاجتماعي.
قد يبدو الأمر مثيرا للسخرية قليلا، ولكن واحدة من أجمل فترات حياتي، تلك التي كنت فيها باحثا عن عمل؛ وكان من حسن الطالع أني قرأت كتابا للمؤلفة الأسترالية بروني وير، يحمل عنوان «أهم خمسة أشياء يندم عليها المرء عند الموت» وهو كتاب ظريف متوسط الحجم، ولكن أثره عميق. وبسببه أعدت النظر في علاقاتي الاجتماعية فجنيت لذة اكتشاف الإنسان الذي عاش وجرب وعاصر وكافح، أعني كبار السن، وبسببه ازداد تقديري للحظات العائلية حتى البسيطة والسريعة منها؛ فالإنسان يدرك بأنه راحل يوما ما لا محالة، ولكنه في تعاملاته اليومية ينسى هذه الحقيقة. فأولئك الذين قدروا لحظاتهم وعاشوها بأقصى وأفضل طريقة، لن يتندموا على ما فات ولا على من مات، لأنهم أعطوا كل ذي حق حقه؛ وأولئك الذين فرطوا -في حق الآخرين خصوصا- فلن ينفعهم الندم، وإن عضوا أصابعهم. وكما قال لنا أحد أصدقاء أبي في زيارته لنا «اللقاء في الحياة..» ، أي أنه لا تنفع أحدا الزيارة بعد الممات، لا الزائر ولا المزور. والإجازة الصيفية طويلة وفيها متسع، فهل نتدارك العائلة بشيء من الوقت؟ أم سنستيقظ على أجراس المدارس بغتة وقد انقضت دون أن نشعر بها!.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
قطر تعتمد مصطلح كبار القدر بدلا من كبار السن في المؤسسات الرسمية
لقي تعميم صادر عن السلطات القطرية يقضي بالاستغناء عن مصطلح "كبار السن" بـ"كبار القدر" في جميع المخاطبات والمراسلات الرسمية ترحيبا وإشادة واسعة من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي، معتبرين إياه قرارا يعكس احتراما وتقديرا لهذه الفئة ويخلق قيمة ذاتية وإنسانية كبيرة في نفوسهم.
????????♥️| تقديرًا لهم وحرصًا عليهم
دولة قطر ???????? تعتمد مصطلح
"كبار القدر" بدلًا من "كبار السن"#نديب_قطر | #قطر ???????? pic.twitter.com/Odagv6RSZZ
— نديب قطر (@NadeebQa) November 13, 2024
وأظهرت الوثيقة الصادرة عن وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء التعميم رقم (20) لسنة 2024 بشأن استخدام مصطلح "كبار القدر" بدلا من "كبار السن"، انطلاقا من الحرص على الاهتمام بكبار السن، بناء على اقتراح وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة.
وقال مدونون إن هذا القرار يوضح أهمية التركيز على دور هذه الفئة كمصدر حكمة وخبرة، بدلا من التركيز على العمر، كما يعكس التزام الدولة بتقدير مساهماتهم ودعم رفاهيتهم ودمجهم الفعّال في المجتمع.
اختيار مسمى كبار القدر بدلاً من كبار السن في #دولة_قطر يعكس احترامًا وتقديرًا كبيرين لهذه الفئة من المجتمع، مع أهمية التركيز على دورهم المهم كمصدر حكمة وخبرة، بدلاً من التركيز على العمر.
كما يعكس هذا التغيير التزام دولة قطر بتقدير مساهمات كبار القدر ودعم رفاهيتهم ودمجهم الفعّال… https://t.co/co4rm2zDCO
— د.عائشة جاسم الكواري (@aishaalkuwari7) November 13, 2024
هكذا تتألق قطر كرائدة في رعاية حقوق الكبار
حيث يتجلى إلتزامها الراسخ بقيم الرعاية والإحترام والتقدير
شكراً على هذا التعميم الصادر
لكبار القدر وإللي يعكس التقدير العميق لتضحيات وإسهامات الكبار ويعكس مكانتهم كأعمدة حية في بناء المجتمع وتأسيس القيم الأسرية والإجتماعية
والأهم ان… pic.twitter.com/aTCMxatUhT
— عبدالعزيز محمد (@a_mohamed_qtr) November 13, 2024
في حين رأى آخرون أن هذا القرار يجب أن يتبعه منظومة كاملة لترجمة المسمى بما يتناسب مع احترام هذه الفئة التي تفقد الكثير من قدرها عند دخولها العديد من وزارات ومؤسسات الدولة، بحسب تعبيرهم.
وقال رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الدكتور علي القره داغي، في منشور على منصة "إكس": "استبدال مصطلح (كبار القدر) بدلا من (كبار السن) يبرز القيمة المعنوية لهذه الفئة ويظهر مكانتهم ودورهم المهم في المجتمع".
سررت بهذه اللفتة الكريمة وهذا القرار الذي يعكس احترامًا كبيرًا لفئة مجتمعية تحتاج إلى تقدير خاص واهتمام مستمر.
استبدال مصطلح "كبار القدر" بدلًا من "كبار السن" يُبرز القيمة المعنوية لهذه الفئة ويُظهر مكانتهم ودورهم المهم في المجتمع. شكراً لوزارة الدولة لشؤون مجلس الوزراء على… pic.twitter.com/ydffRLIKE2
— د. علي القره داغي (@Ali_AlQaradaghi) November 13, 2024
وأشار مدونون إلى أن القرار يمكن أن يترجم بإعطاء أصحاب هذه الفئة الأولوية في إنجاز المعاملات الحكومية والمواعيد الطبية والعلاجات في المؤسسات العلاجية والتعاملات المرورية، بالإضافة إلى توفير مواقف خاصة لسياراتهم في المؤسسات الحكومية والمولات وغيرها.