- على الكاتب ألا يتعاطف مع نفسه إن كان يسعى للتقدم

- تلاشت كل الضغوط بعد فوزي بجائزة شاعرة الرسول

- العمل الأدبي إن لم يكن مغايرًا لما يكتبه الآخرون فنحن نلوث البيئة به !

- الجائزة هي الوسيلة التي يظهر بها العمل الأدبي للآخر

ألتقي قبيلَ الضحى بشاعرةِ الرسول فيمتزجُ ضوء الشمسِ بعذوبة صوتها فتخرجُ كلماتها مفعمة بالدهشة، مليئة بالصدقِ، بعدَ تبادلِ التحايا ارتفعت أعمدة الجسارة والألفة، تحدثني عن الفوزِ والإخفاقِ، وعنِ الذبولِ والإشراق، فأنصتُ بكل ما أوتيت من سمع لصوتها الذي يسيلُ لأذني عبر الأثير، بدرية البدرية شاعرة وروائية وكاتبة في أدب الطفل، وهي قبل هذا وذاك أم ومعلمة، صدرت لها أربع روايات للكبار، هي: "ما وراء الفقد" (2015) الحاصلة على المركز الأول في جائزة المنتدى الأدبي عام 2013؛ و"العبور الأخير" (2017) التي صدرت بالإنجليزية في عام 2023؛ و"ظل هيرمافروديتوس" (2018) الحاصلة على جائزة الإبداع الثقافي 2019؛ و"فومبي" (2022) وقد تأهلت للقائمة الطويلة في الجائزة العالمية للرواية العربية، صدرت لها أيضا روايتان للفتيان هما: "سموثي المغامر" (2021) التي وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب فرع أدب الطفل والناشئة 2021، و"الفزاعة" (2021)، وتكتب في مجلة مرشد الموجهة للأطفال، غصتُ معها في لجةِ الشعرِ، ثمَّ ارتشفنا من معينِ الروايةِ، وكان حديثنا الشائق الفضفاض عنها وعن السردِ النقد، تنبتُ ابتسامة في وجهي إثر كلِّ إجابةٍ تجيبها، ولا أشعرُ بتقدمِ الوقتِ فقد كنا نحلق في سماءِ الأدبِ لثلاثِ ساعاتٍ وصفت فيها الأدب بالرسالة التي نحملها للإنسانية، ونحاول من خلالهِ تغيير الوجه البشعِ للوجهِ الأجمل ليس من خلالِ تزيين وتلوين الحقائق، وإنما من خلال تهذيب الروح، تهذيب روح القارئ، وروح الكاتب.

الشعر أم النثر؟!

كان افتتاح الحديث حول أيهما الشعر أم النثر كان له السبقُ في أخذِ نصيبٍ من قلب وحبر بدرية البدرية، فقالت: بدايتي كانت مع القصة القصيرة كونها الأسهل لي، وهذا كان في المرحلةِ الابتدائية، ثم الشعر في المرحلة الجامعية، بعدها توقفت لعدة سنوات، ثم عدت للشعر، ثم اتجهتُ للرواية ثمَّ أدب الطفل، وكل هذا كان يحدث بالتزامن دون تمييز صنفٍ عن آخر.

لكلِّ كاتب أشخاصٌ قد يجعلون أصابعهُ تلامس السماء، وآخرون يردمون بئر إبداعه، وحول ما إذا كانت بدرية البدرية قد مرت بأحدهما تقول: "حقيقة قابلتُ الاثنين في مسيرةِ كتابة الشعرِ والقصة القصيرة، ففي المرحلة الإعدادية أعلن عن مسابقة للقصة القصيرة، فكتبتُ قصة ذهبتُ بها للمعلمةِ فانفعلت ورمتِ القصة، وشككت في كون القصة لي، بل وقالت: لمَ تأتيني بقصة مسروقة؟ فكيف لطالبة في المدرسة أن تكتب بذاك المستوى، فعدتُ للمنزلِ، وكتبتُ قصة أخرى بمستوى أقل، وسلمتها إياها وقبلت بها ولكني لم أفُز في المسابقة لعلمي أنَّ القصة الأخيرة ليست بمستوى جيد للمنافسة، أمَّا عنِ التجربة المشرقة فحدث حين كنتُ أكتب الشعر في سبلة عمان فتنبه المشرفون لموهبتي وأصروا على تعلمي العروض، والأمر بالنسبةِ لي كان متعبا فكنت آن ذاك أكتب باسمٍ مستعار وكنت أرى أنهُ من التدخل في خصوصياتي، ولكن أحد المشرفين أصرَّ على ذلك بقوله لي: من حق الشعرِ عليكِ أن تتعلمي العروض، فأرسل لي أول درس في العروض، فتحديت ذاتي وأتقنتُ العروضَ في ثلاثة أيام فقط، حتى قال لي المشرف: أنتِ شاعرة، والآن حلِّقي".

الأدب والعائلة

كان "ناصر البدري" شقيق الشاعرة مصدرها في الحصول على الكتب، تقول: "شقيقي ناصر البدري شاعر أيضًا، وقد سبقني كتابة وظهورًا، ولهُ دار عرب للنشر والترجمة الآن، وبحكم نشأتي في أسرة متواضعة لم تكن لدينا الإمكانية الكبيرة في شراء الكتب، ولكن كان ناصر يوفر نقوده ثمَّ يشتري بها الكتب والمجلات، وهذهِ كانت وسيلتي في الحصول على الكتب وقراءتها، ولولا وجوده لما توفرت لي الكتب، كما كان والدي مهتمًا بالعلمِ حريصًا عليه، وأجدادي لأمي عرف عنهم العلم، وكتبوا جملة من الكتب، ولكن لدينا عادة غريبة في المنطقة وهي أنَّ من يموت تحرق كل آثاره، وبهذا فقد حرقت الكتب ولم يبق لها أي أثر".

سلطة المجتمع

تؤكد البدرية أنها تعرضت لهذا النوع من السلطة لدرجة أنها توقفت تمامًا عن الكتابةِ والنشر في فترة من الفترات، وقالت: "ثم عدت للكتابة بشكل متقطع وكانت الكتاباتُ لا تعدو كونها خواطر تطرأ ببالي، ثمَّ عدت للنشرِ باسمٍ مستعار، كما أنَّ المجتمع بدأ يؤثر على عائلتي فأمي تارة تشجعني، وتارة تمنعني من الظهورِ محتجة على ذلك بأنَّ صوت المرأة عورة، وقد تلاشت كلُّ الضغوطِ بعد فوزي بجائزةِ شاعر الرسول، فمجال المسابقة ديني وربما لا يجرؤ أحد على الاعتراض وقد كانت المسابقة المُنجية، بيدَ أنَّ النقدَ كان مستمرًا لفترة فهناك فئة انتقدت القصيدة، وعارضوا على فوزي، ولكن ما لبثوا أن توقفوا فالنصُّ فرض نفسه ولم يجدوا آذانًا تصغي لهم."

ما الرواية؟

في تعريفها الخاص بالرواية تقول الشاعرة والكاتبة بدرية البدرية: "الرواية حياة متكاملة، قد تعكس الواقع، وقد تأخذنا بعيدًا إلى ما نتمنى، وأحيانًا إلى ما نحاول الدفاع عنه، أو ما نحاول إظهاره، والرواية تذكرنا بأنّ ما نعيشه الآن قد عاشهُ شخص آخر وقد يعيشهُ آخرون بعدنا أيضًا".

أما في إجابتها على سؤال: هل بالضرورةِ أن يطَّلعَ الكاتب على المدارسِ والمذاهب النقدية قبل شروعهِ في الكتابة؟ قالت: "بالنسبةِ لي لا، فكل رواية لها نهج خاص، فمثلا حين أستخدم نظرية تعدد الأصوات في فومبي فهذا لا يعني أني قرأتُ عنها، وتمثلت أسلوبها في الكتابة، بل يكمن السبب في أنَّ الرواية لا يمكن كتابتها إلا بهذه الطريقة، فأنا أفسحُ مجالا للشخصيات لكي تتحدث وتبدي وجهة نظرها في الأمورِ التي تحدث داخل الرواية، وكأنَّ الرواية قاعة محكمه وكل يدلي بدلوهِ والقارئ هو الحكم الوحيد في الرواية، وإن استخدمتُ أسلوب الراوي العليم مثلا لن تصل المشاعر كما أريد لها أن تصل؛ فحين يتكلم الشخص بلسانهِ يكون أصدق".

تتضح شعرية السرد في روايات الكاتبة كما عند إبراهيم نصر الله، فسألتها: هل يمكن إعزاء ذلك لبدرية الشاعرة أم أنَّ القصص الإنسانية التي تكتبين عنها تفرض عليكِ هذهِ اللغة؟

فقالت: "حقيقة لا أتعمد الكتابة بشاعرية، ولكن لا أنكر أنَّ أعمالي بها شاعرية وخاصة رواية العبور الأخير؛ لأنَّ هناك حالة إنسانية قوية، وحين نتحدث عن العاطفة لا بد من حضورِ الشعر، فالشعر عاطفة، والعاطفة قصيدة".

أما عن كيفية اختيارها لموضوعات رواياتها فتقول: "يجب علينا أن نكتب المغاير والمختلف، ولا نكرر، كتبتُ حتى الآن أربع روايات، اثنتينِ منها تنطلق من تجارب واقعية شاهدتها وسمعتُ عنها، وقد بدأتُ ذات مرة بكتابة رواية ووصلتُ لأكثر من عشرة آلاف كلمة وتركتها فترة وحين عدتُ لقراءتها وجدتُ أنها مكررة من حيث الأفكار مع رواية كتبتها سابقا، حينها حذفت الرواية من الجهاز تماما، وأنا أؤمن أنَّ العمل الأدبي إن لم يكن مغايرا لما يكتبه الآخرون فحنُ نُلوث البيئة به، فكما تعلمي أنّ الأوراق هي أشجار تقطع".

وفي حديثها عن الوسيلة التي تنقد بها أعمالك وتحكم عليها، قالت: إن على الكاتب أن يتبرأ من أعمالهِ حتى ينظر لها بعينِ الناقد، وبعد كتابتي لأيِّ عملٍ أدبي أتركه فترة، وأرجع لهُ بعد عدة أشهر وأقرؤه بعينِ الناقد، وأتعامل مع النص بالحذفِ أكثر من التعديل، فأحذف الجمل والأفكار الزائِدة، بل حتى الشخصية الزائدة أحذفها، وأفضلُ وأصدقُ ناقد للكاتب هو نفسه؛ فقد لا يرى الآخرون الأخطاء وقد يجاملونَ في إبداءِ الملاحظات، فعليهِ ألا يتعاطف هو مع نفسهِ إن كان يسعى للتقدم، ويمكنني القول إنّني أملك شجاعة الحذف أكثر من السابق".

قيمة الجوائز

في سؤال: هل تعتقدين أنَّ تأهل الأعمال العمانية في الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) كان بسبب دور النشرِ أم جودة العمل؟ قالت: "بداية لا ننكر دَور دُورِ النشر، والبوكر هي الجائزة الوحيدة التي تتقدم دار النشر فيها بالعمل، في حينِ أنَّ الجوائِز، وكل دار نشر تشارك بالعمل الروائي القوي الذي تظن أنهُ سينافس، وكذا فإنَّ العمل الأدبي يفرض نفسه".

أما عن قيمة الجائزة من وجهة نظرها، فقد أعربت قائلة: "في ظلِّ تزايد أعداد الكتّاب والأعمال الأدبية اليوم أظن أنَّ الجائِزة هي الوسيلة التي يظهر بها العمل الأدبي القوي للآخر، فالجائزة تختصر سنوات كفاح طويلة، كما أنها وسيلة للكُتَّاب حتى يُجوِّدوا أعمالهم، وبالنسبة لي الجائزة مهمة، وأول رواية لي قمت بطباعتها هي رواية "ما وراء الفقد"، وقد فازت بجائِزة المنتدى الأدبي في عامِ 2013 وأثبتت وجودها".

سألتها عما إذا كان هناك فرق برأيها في توجه القارئ الأجنبي مقارنة بالعربي في قراءة الأدب؟ فأجابت: "القارئ الأجنبي يرغب في قراءة ما يُصور البيئة السوداوية العربية، والغرب ينظر للعالم العربي بأنهُ متخلف، وليس حتى من الدرجة الثالثةِ من الإنسانية، وكل عمل يثبت هذهِ النظرة يُتقبل، ونحنُ بحاجة إلى الوصولِ للقارئ الأجنبي بوعي، لا بالطريقة التي يريدها هو، وينبغي علينا ألا نكتب لما يُروِّجُ لنظرتهم".

في حديثها عن فرحة الفوز البِكر في مسيرتها الأدبية، قالت: "كان أول نص نشر لي في مجلةِ الشرقِ الأوسط، وقد فاز بنصِّ العددِ آنذاك، وأرسلت لي هدية رمزية، وشهادة تقدير، ولعل الفرحة آن ذاك تفوق فرحة الحصول على هدية حين أصبحتُ شاعرة مُجيدة".

رأت البدرية أن للسياسة دور كبير في الجوائز التي لم يحوم الكثير من اللغطِ حولَ جائزة نوبل، سواء في الآدابِ أو العلوم أو غيرها من التخصصات بعد سؤالها عن السبب في عدم تتويج أي عربي بجائِزة نوبل للآداب في فرعِ الرواية بعد نجيب محفوظ.

الأم الكاتبة

كونها روائية وأم تشير الكاتبة والشاعرة بدرية البدرية إلى أن أبناءها يقرأون أعمالها بعد النشر، وتقول: "أطلع أبنائي على أعمالي قبل النشرِ حين أكتب للناشئة، فابنتي علا كانت تقوم بنقدِ أعمالي، فكنت أعطيها القصة وأطلب منها قراءتها، ولي أسلوب في هذا، فأنا أعطيها العمل وأطلب منها قراءة أول عشر صفحات وإبداءِ رأيها فيها سواء بالسلبِ أو الإيجاب، فإن لم تشدها الرواية وتدفعها للإكمال أتوقف عن كتابتها؛ لأنني لم أصل للهدفِ المنشودِ، والكتابة للناشئة مختلفة تماما عن الكتابة للكبار، وفي الوقتِ نفسه هناك شعرة فاصلة بينهما؛ فالناشئة اليوم لديهم من الوعيِ ما يجعلهم قادرين على القراءة للكبار، وأعتبرُ نفسي قد نجحتُ في الوصولِ للناشئةِ إن تمكنتُ من جعلهم ينشئون قصصًا أخرى في خيالهم بعدَ إنهائهم قراءة عملي".

وعن ابنتها التي تملك ذات التوجه نحو الرواية، وحول تعامل البدرية مع تكتبه ابنتها قالت: "ابنتي سما تكتب في مجالِ الرواية، وقد فازت بفضل الله، دوري يقتصر على القراءةِ والمراجعةِ والتوجيهِ فقط، لا أختارُ لها ولا أكتبُ عنها، فلا يمكنني صنع مجدٍ كاذب لها، ودوري كأم أيضا مساندتها، ولا ننشر لها إلا حين يكون العمل جاهزًا".

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: العمل الأدبی

إقرأ أيضاً:

مواضيع وطنية ووجدانية ضمن لقاء شعري في ثقافي حمص

حمص-سانا

تضمن اللقاء الشعري الذي استضافه المركز الثقافي بحمص قصائد وطنية ووجدانية، إضافة إلى شعر الزجل بمشاركة عدد من الشعراء والأدباء.

وألقت الشاعرة لمى الريس قصيدة وطنية بعنوان “سوري في المهجر” بأسلوب الشعر العمودي.

بدوره شارك الشاعر محمد سامر الشيخ طه بقصيدة وجدانية بعنوان “حنين إلى عالم الطفولة”.

كما وصفت الشاعرة فاطمة الحسن في قصيدتها النثرية “ثمالة” حالة الحب.

كما جاءت مشاركة الشاعر حسن مرعي بقصيدة غزلية عنوانها “يا ريح”.

وقدمت الشاعرة بهيجة خضور قصيدة بعنوان “وجع الفراق”.

وبدورها شاركت الشاعرة صباح العبد الله بقصيدة غزلية عنوانها “حنين”.

واختتم اللقاء شاعر الزجل آصف شيحة بقصيدة زجلية بعنوان “تراب الوطن” تغنى فيها بتضحيات الشهيد الذي أوفى بوعده تجاه الوطن.

لارا أحمد

مقالات مشابهة

  • كيف ينظر أهالي قطاع غزة لمصطلح اليوم التالي من الحرب؟
  • انطلاق أولى الفعاليات الثقافية العُمانية في معرض سول الدولي للكتاب 2024
  • عادل حمودة يفتح صندوق أسرار أحمد زكي من البداية حتى الرحيل
  • علامات تكشف نقص فيتامين ب 12 في الجسم.. منها تساقط الشعر
  • فزغلياد: معارك المسيّرات تحفز الفكر العسكري الروسي الحديث
  • أبرزها البرتقال والفراولة.. عصائر طبيعية لـ معالجة تساقط الشعر
  • كاتب إسرائيلي: ليست إيران هي التي تخيفني بل بلدي إسرائيل
  • مواضيع وطنية ووجدانية ضمن لقاء شعري في ثقافي حمص
  • المشيئة الكتابية