لجريدة عمان:
2024-06-29@10:26:07 GMT

حكاية المدرسة الدستورية بالقدس

تاريخ النشر: 26th, June 2024 GMT

في تاريخنا الفلسطيني النهضوي قبل النكبة ثمة ظواهر ثقافية تربوية حدثت، ولم ينتبه لها أحد بما يكفي، وبقيت للأسف في متحف الذاكرة يعاد لها فقط للاستشهاد السريع من قبل باحثين صغار متسرعين يبحثون عن التخرج، يقعون في التحليل الديكوري القشري لا التاريخي العلمي الوطني العميق.

من هذه القصص الملهمة قصة تأسيس المدرسة الدستورية في القدس، والتي تأسست عام 1909 وسمّيت بالدستورية تيمنا بالدستور العثماني الذي صدر عام 1908، وفتح المجال واسعًا لتأسيس المدارس والأحزاب والصحف، الواقع هو أن الحديث عن المدرسة الدستورية لن يكتمل، ولن يكون منه فائدة دون أن نربط هذا الحديث مع صاحب فكرة المدرسة ومؤسسها المربي والمثقف الكبير خليل السكاكيني، هذا العظيم الذي ألهمت نظرياته التربوية والفكرية المئات من المثقفين والمعلمين الفلسطينيين والعرب.

ولد في مدينة القدس في الثالث والعشرين من شهر يناير في عام 1878، وتلقّى تعليمه في مدارسها ثم التحق أولا بمدرسة الروم الأرثوذكس، ومن بعدها انضمّ إلى مدرسة (C.M.S)، وبعد تخرجه منها التحق بمدرسة صهيون الإنجليزية، وتعلّم الأدب على يديّ المربّي نخلة زريق. وفي عام 1907، وبعد وفاة والده سافر إلى بريطانيا وثم إلى الولايات المتّحدة الأمريكيّة لدراسة التربية، لكنه ولأسباب مالية لم يتمكن من إتمام تعليمه وقرّر العودة إلى مسقط رأسه سنة 1908. وخلال وجوده في أمريكا عمل السكاكيني مترجمًا ومدرِّسًا للّغة العربيّة، كما كتب عدة مقالات في المجلات العربيّة الأدبيّة الصادرة هناك، عاد خليل الى القدس عام 2008 انتهازًا لفرصة صدور دستور الحريات، وقرر تطبيق نظرياته وخبراته التربوية في تأسيس مدرسة خاصة لها دستورها الخاص ومنهجها المفارق لكل مناهج المدارس الأخرى، واتصل المؤسس بثلاث شخصيات مهمة ليشاركوه تأسيس هذه المدرسة: علي جار الله وافتيم مشبك وجميل الخالدي، خليل كان مدير المدرسة التي كانت تعنى بموضوعات لم تكن مألوفة في المشهد التعليمي الفلسطيني كالتمارين العسكرية والصراع ( الملاكمة)، تنشئ المدرسة الأولاد حسبما جاء في دستورها على الاخلاق والقوة الجسدية وعاطفة الإخاء والشجاعة والوطنية، ولعلّ أهم صفة امتازت بها المدرسة هو عدم إيمانها بالعقاب البدني وغير البدني ورفضها أسلوب التقييم بالعلامة، والامتناع عن زجر الطالب، وتعنيفه حتى بالكلام، شعار المدرسة كان (إعزاز الطالب لا إذلاله). أما دروس المدرسة فهي: التصوير والموسيقى اللغة العربية والتركية، الإنجليزية، الفرنسية وأيضًا كانت تدرس الرياضيات والجغرافيا وتاريخ، الطبيعيات، والأصول التجارية و المدنية، والمبادئ الدينية، الصحية، والحركات العسكرية.

كانت المدرسة ليلية التوقيت، ومن سياستها عدم التمييز بين الناس، فاستقبلت الطلاب من كل الطوائف، وكان فيها يهودي واحد، وهي المدرسة الوحيدة التي استحدثت فرعًا للأطفال من سن 4 إلى 7 وسمي (ببستان الأطفال) ولربط الطلاب بمجتمعهم تم تأسيس فرق للنظافة والصحة والقراءة، ومهمة الطلاب نقل هذه الخبرات الى مدنهم وقراهم. كان خليل السكاكيني يرغب في إحداث انقلاب في روح التعليم، وقد كان بشهادة الكثيرين أحد أهم من أحدثوا تغييرًا عميقًا في بنية التعليم العلماني البعيد عن المحددات الطائفية والدينية والعشائرية، والذي يتكئ على التفكير الحر، والاعتزاز بالذات، والنقاش والتحليل والربط، ورفض اسلوب الحفظ والتلقين. يقول الباحث الفلسطيني ماهر الشريف: (طمح خليل السكاكيني إلى أن يزرع في مجتمعه الفلسطيني، عبر اشتغاله في حقلي التربية والتعليم، بذور حداثة جوّانية حقيقية، لا يجمعها جامع بالتحديث البرّاني، وذلك بعد أن أدرك أن هذه الحداثة التي ولدت في الغرب، تحوّلت، مع الوقت، بفضل مساهمات شعوب وأمم غير غربية، إلى مكتسب إنساني وإلى سيرورة تغتني باستمرار؛ فعظّم شأن النزعات العلمية والعقلانية والإنسانية، وروّج قيم الحرية والمواطنة والوطنية والعلمانية، معتقدًا، اعتقادًا راسخًا، بأن تمثّل العرب والفلسطينيين هذه النزعات والقيم لا ينال من هويتهم الثقافية ويضعفها بل يعمقها ويعززها.).

عام 48 اقتحم أعداء الحياة (حي القطمون) القريب من القدس ونكّلوا بسكانه قتلًا وطردًا، فاضطر السكان الى الرحيل عن أكثر أحياء القدس جمالًا وثراء، كان آخر من رحل هو خليل السكاكيني وعائلته، تاركًا مكتبته الضخمة التي عشقها واعتنى بها كطفل، وقد تم نهب المكتبة من قبل لصوص التاريخ والحياة ونقلها إلى الجامعة العبرية. في مصر عاش خليل ثلاث سنوات فقط، مات بالسكتة القلبية، ودفن هناك.

رحم الله مؤسس المشهد التعليمي الحداثي في فلسطين، المثقف الكبير الذي لم يكن ابن زمانه، كما وصفه الكاتب مالك ريماوي، كان آتيًا من زمن مستقبلي، لهذا كان الاغتراب عنوان حياته وكتبه وحتى سعاله الصباحي.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

شاهد| استهداف سرايا القدس لـ موقع أبو عريبان الإسرائيلي بمحور نتساريم

عرضت فضائية الجزيرة، مساء الجمعة، مقطع فيديو بثته سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد، مشاهد قالت إنها لاستهداف موقع "أبو عريبان" الإسرائيلي، بمحور نتساريم، في قطاع غزة. 
 

أونروا: أكثر من 625 ألف طفل في غزة خارج المدرسة استطلاع لـ CNN يكشف رأي الأمريكيين في المناظرة بين بايدن وترامب الوضع في غزة

قالت نبيال فرسخ، مسئولة إعلام الهلال الأحمر الفلسطيني، إن الاحتلال الإسرائيلي، يواصل قصفه على مناطق متفرقة بقطاع غزة، مشيرة إلى أن القصف تسبب في نزوح آلاف الفلسطينيين من مواصي رفح إلى مواصي خان يونس جراء القصف الإسرائيلي.

وأضافت مسئولة إعلام الهلال الأحمر الفلسطيني، خلال مداخلة هاتفية على فضائية "القاهرة الإخبارية" مساء اليوم الجمعة، أن استمرار الاحتلال في إغلاق الجانب الفلسطيني من معبر رفح يعوق إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، ويزيد من المعاناة للشعب الفلسطيني.

مقالات مشابهة

  • أهالي كفر عقب بالقدس ينظمون وقفة احتجاحية على تخفيض الاحتلال المياه المخصصة لهم
  • الاحتلال يمنع طلبة الثانوية العامة الفلسطينيين من أداء الامتحانات بالقدس
  • شاهد| استهداف سرايا القدس لـ موقع أبو عريبان الإسرائيلي بمحور نتساريم
  • أونروا: أكثر من 625 ألف طفل في غزة خارج المدرسة
  • كنيسة الصعود.. أحد أهم معالم المعمار المسيحي بالقدس
  • سرايا القدس تعلن مسئوليتها عن كمين جنين
  • الاحتلال يهدم مسكنا فلسطينيا بالقدس
  • “التعاون الإسلامي” تحتضن الندوة الدولية حول القدس
  • التعاون الإسلامي والأمم المتحدة يناقشان الهوية والوجود الفلسطيني في جدة