لجريدة عمان:
2024-12-24@19:20:37 GMT

حكاية المدرسة الدستورية بالقدس

تاريخ النشر: 26th, June 2024 GMT

في تاريخنا الفلسطيني النهضوي قبل النكبة ثمة ظواهر ثقافية تربوية حدثت، ولم ينتبه لها أحد بما يكفي، وبقيت للأسف في متحف الذاكرة يعاد لها فقط للاستشهاد السريع من قبل باحثين صغار متسرعين يبحثون عن التخرج، يقعون في التحليل الديكوري القشري لا التاريخي العلمي الوطني العميق.

من هذه القصص الملهمة قصة تأسيس المدرسة الدستورية في القدس، والتي تأسست عام 1909 وسمّيت بالدستورية تيمنا بالدستور العثماني الذي صدر عام 1908، وفتح المجال واسعًا لتأسيس المدارس والأحزاب والصحف، الواقع هو أن الحديث عن المدرسة الدستورية لن يكتمل، ولن يكون منه فائدة دون أن نربط هذا الحديث مع صاحب فكرة المدرسة ومؤسسها المربي والمثقف الكبير خليل السكاكيني، هذا العظيم الذي ألهمت نظرياته التربوية والفكرية المئات من المثقفين والمعلمين الفلسطينيين والعرب.

ولد في مدينة القدس في الثالث والعشرين من شهر يناير في عام 1878، وتلقّى تعليمه في مدارسها ثم التحق أولا بمدرسة الروم الأرثوذكس، ومن بعدها انضمّ إلى مدرسة (C.M.S)، وبعد تخرجه منها التحق بمدرسة صهيون الإنجليزية، وتعلّم الأدب على يديّ المربّي نخلة زريق. وفي عام 1907، وبعد وفاة والده سافر إلى بريطانيا وثم إلى الولايات المتّحدة الأمريكيّة لدراسة التربية، لكنه ولأسباب مالية لم يتمكن من إتمام تعليمه وقرّر العودة إلى مسقط رأسه سنة 1908. وخلال وجوده في أمريكا عمل السكاكيني مترجمًا ومدرِّسًا للّغة العربيّة، كما كتب عدة مقالات في المجلات العربيّة الأدبيّة الصادرة هناك، عاد خليل الى القدس عام 2008 انتهازًا لفرصة صدور دستور الحريات، وقرر تطبيق نظرياته وخبراته التربوية في تأسيس مدرسة خاصة لها دستورها الخاص ومنهجها المفارق لكل مناهج المدارس الأخرى، واتصل المؤسس بثلاث شخصيات مهمة ليشاركوه تأسيس هذه المدرسة: علي جار الله وافتيم مشبك وجميل الخالدي، خليل كان مدير المدرسة التي كانت تعنى بموضوعات لم تكن مألوفة في المشهد التعليمي الفلسطيني كالتمارين العسكرية والصراع ( الملاكمة)، تنشئ المدرسة الأولاد حسبما جاء في دستورها على الاخلاق والقوة الجسدية وعاطفة الإخاء والشجاعة والوطنية، ولعلّ أهم صفة امتازت بها المدرسة هو عدم إيمانها بالعقاب البدني وغير البدني ورفضها أسلوب التقييم بالعلامة، والامتناع عن زجر الطالب، وتعنيفه حتى بالكلام، شعار المدرسة كان (إعزاز الطالب لا إذلاله). أما دروس المدرسة فهي: التصوير والموسيقى اللغة العربية والتركية، الإنجليزية، الفرنسية وأيضًا كانت تدرس الرياضيات والجغرافيا وتاريخ، الطبيعيات، والأصول التجارية و المدنية، والمبادئ الدينية، الصحية، والحركات العسكرية.

كانت المدرسة ليلية التوقيت، ومن سياستها عدم التمييز بين الناس، فاستقبلت الطلاب من كل الطوائف، وكان فيها يهودي واحد، وهي المدرسة الوحيدة التي استحدثت فرعًا للأطفال من سن 4 إلى 7 وسمي (ببستان الأطفال) ولربط الطلاب بمجتمعهم تم تأسيس فرق للنظافة والصحة والقراءة، ومهمة الطلاب نقل هذه الخبرات الى مدنهم وقراهم. كان خليل السكاكيني يرغب في إحداث انقلاب في روح التعليم، وقد كان بشهادة الكثيرين أحد أهم من أحدثوا تغييرًا عميقًا في بنية التعليم العلماني البعيد عن المحددات الطائفية والدينية والعشائرية، والذي يتكئ على التفكير الحر، والاعتزاز بالذات، والنقاش والتحليل والربط، ورفض اسلوب الحفظ والتلقين. يقول الباحث الفلسطيني ماهر الشريف: (طمح خليل السكاكيني إلى أن يزرع في مجتمعه الفلسطيني، عبر اشتغاله في حقلي التربية والتعليم، بذور حداثة جوّانية حقيقية، لا يجمعها جامع بالتحديث البرّاني، وذلك بعد أن أدرك أن هذه الحداثة التي ولدت في الغرب، تحوّلت، مع الوقت، بفضل مساهمات شعوب وأمم غير غربية، إلى مكتسب إنساني وإلى سيرورة تغتني باستمرار؛ فعظّم شأن النزعات العلمية والعقلانية والإنسانية، وروّج قيم الحرية والمواطنة والوطنية والعلمانية، معتقدًا، اعتقادًا راسخًا، بأن تمثّل العرب والفلسطينيين هذه النزعات والقيم لا ينال من هويتهم الثقافية ويضعفها بل يعمقها ويعززها.).

عام 48 اقتحم أعداء الحياة (حي القطمون) القريب من القدس ونكّلوا بسكانه قتلًا وطردًا، فاضطر السكان الى الرحيل عن أكثر أحياء القدس جمالًا وثراء، كان آخر من رحل هو خليل السكاكيني وعائلته، تاركًا مكتبته الضخمة التي عشقها واعتنى بها كطفل، وقد تم نهب المكتبة من قبل لصوص التاريخ والحياة ونقلها إلى الجامعة العبرية. في مصر عاش خليل ثلاث سنوات فقط، مات بالسكتة القلبية، ودفن هناك.

رحم الله مؤسس المشهد التعليمي الحداثي في فلسطين، المثقف الكبير الذي لم يكن ابن زمانه، كما وصفه الكاتب مالك ريماوي، كان آتيًا من زمن مستقبلي، لهذا كان الاغتراب عنوان حياته وكتبه وحتى سعاله الصباحي.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

اندلاع حريق بمدرسة داخلية بالقدس

تمكنت فرق مكافحة الحرائق من إنقاذ عشرات الطالبات بعد اندلاع حريق في مدرسة داخلية بالقدس قبل وقت قصير.

ونقلت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" عن خدمة الإطفاء والإنقاذ قولها: إنه تم الدفع باثني عشر فريقاً من فرق مكافحة الحرائق إلى المدرسة بعد تلقي الخدمة تقارير عن اندلاع حريق، حيث نجحت في إخراج 32 طالبة من المبنى المحترق.

إصابات خطيرة 

أوضحت خدمة الإنقاذ أن طالبتين أصيبتا بإصابات خطيرة، بينما لحقت بالأخريات إصابات متوسطة أو هن في حالة جيدة.
وقال رجال الإطفاء إنهم يقومون حاليا بالبحث في المبنى عن ضحايا، واستبعدوا وجود أي شخص بحاجة إلى المساعدة.
وأشاروا إلى أنهم يعملون حالياً على إخماد النيران بالموقع.

مقالات مشابهة

  • الاحتلال يهدم منزلين ومطعما فلسطينيا بالقدس
  • حقيقة وجود إصابات في صفوف الإسرائيليين بمحاولة طعن بحاجز حزما بالقدس.. فيديو
  • بالفيديو والصور: الاحتلال يطلق النار على شاب بزعم محاولته تنفيذ عملية طعن بالقدس
  • سول: بدء جلسات الاستماع لتأكيد تعيين قضاة المحكمة الدستورية للنظر في عزل الرئيس يون
  • اندلاع حريق بمدرسة داخلية بالقدس
  • في إطار متابعتها الدورية وضمن مسؤولياتها الدستورية والقانونية ..
  • مفتي القدس يشيد بدعم المغرب بقيادة جلالة الملك لصمود الشعب الفلسطيني
  • وزير العدل يناقش مع اللجنة الدستورية بمجلس الشورى التعاون لتعزيز الاصلاحات القضائية
  • سرايا القدس : النفير هو أقل واجب أخلاقي وشرعي نحو حقن الدم الفلسطيني وإسنادًا لمخيم جنين
  • الاحتلال يجبر فلسطينييْن على هدم منزليهما بالقدس