لما تكون من الجيل الذى عاش فى الأقاليم وخصوصًا بالصعيد، ومع ذلك شاهد معظم أفلام السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات فى السينما.. فلا شك تشعر بالحزن على الجيل الحالى من أبناء كل المحافظات الذى لا يشاهد الأفلام بدور العرض ولكن ينتظرها عندما تسرقها التطبيقات الرقمية ليراها على الموبايل.. لأنه ببساطة لا توجد سينما واحدة فى الأقاليم!
صحيح معظم دور العرض فى القاهرة تم هدمها وبناء أبراج سكنية مكانها أو محلات لبيع الملابس أو مطاعم.
ولا أعتقد أن مسئولًا واحدًا فى مؤسساتنا الثقافية يدرك خطورة عدم وجود دور عرض سينمائى فى الأقاليم، ومخاطر غياب المشاركة الجماعية فى رؤية عرض مسرحى أو سينمائى بعيدًا عن المشاهدة الفردية أمام التليفزيون أو عبر شاشة الموبايل.. وأنصح بسؤال خبراء علم النفس والاجتماع حول ذلك وكيف يمكن أن تكون تأثيرات انتشار الحالة الفردية نفسيًا واجتماعيًا وأن الانعزالية يمكن أن تكون سببًا رئيسيًا لتحويل الشباب إلى إرهابيين فكريًا وعمليًا والى مدمنى مخدرات!
وبنظرة واحدة فاحصة للحالة السلبية المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعى من إحباط وشعور بالخيبة فى الحاضر والمستقبل، والانتقاد لكل شيء والشتائم والبذاءات من كل الأعمار.. لا شك يكشف هذه الانعزالية التى يعيشها معظم الناس وخصوصًا فى الأقاليم سببها هذا الحياة الفردية أمام شاشة الموبايل داخل الغرف وحتى ولو كان يجلس وسط مجموعة!
ولا أقول أن سبب كل ذلك عدم وجود دور عرض سينمائية ومسرحية ولكن عدم وجود عمل جماعى مشترك حتى ولو كان ترفيهيًا.. الكل يعيش فى جزر منعزلة.. حتى الجلسة الشهيرة أمام التليفزيون لمشاهدة مسلسل أو فيلم لم تعد موجودة والكل تقريبًا يشاهد مسلسله المفضل على الموبايل وهذه الظاهرة موجودة فى الأقاليم والقاهرة!
وكل ما أطلبه وأتمناه أن تقوم وزارة الثقافة والجهات المعنية بدراسة مثل هذه الظواهر وإيجاد حلول لها، خاصة أن المتغيرات والمستجدات التكنولوجية والتقنيات الجديدة تفرض علينا مشكلات نفسية واجتماعية جديدة أيضًا وتحتاج للرصد والمتابعة وإيجاد الحلول!
وكان زمان يقوم المركز القومى للبحث والاجتماعية يقوم بدور مهم فى مجال الأبحاث والدراسات الاجتماعية والنفسية والجنائية وكان يضم الكثير من العلماء النابغين مثل الدكتور سيد عويس وأحمد المجدوب وغيرهم العشرات الذين رصدوا وحللوا كل كبيرة وصغيرة فى المجتمع بشكل علمى وقدموا التوصيات والنصائح للجهات المسئولة للتعامل معها!
والآن توجد لدينا مؤسسة ثقافية مهمة وهى الهيئة العامة لقصور الثقافة.. كان يمكن أن تقوم بدور مهم فى الأقاليم لتعويض دور العرض السينمائية ولكنها تعيش هى الأخرى فى عزلة عن الواقع!
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الناصية الأفلام بدور العرض القاهرة فى الأقالیم دور العرض
إقرأ أيضاً:
فلترق كل الدماء ولكن من المستفيد؟
فلترق كل الدماء ولكن من المستفيد؟
عمر البشاري
بالبسابير البارحة أعلن برهان بألا تفاوض إلا باستسلام الدعم السريع… ولا عودة لجدة وأن الفاشر وشندي واحد في حساباته…
في ذات الوقت كان البراؤون وهم كتائب الإسلاميين في مكان ما من امدرمان يحتفلون ويتغنون بأهازيج تردد ضرورة القتال في دار فور وتحرير الفاشر.. ولسان حالهم يقول فلترق كل الدماء..حتي نعود للسلطة ونعد للدين مجده…
وفي ذات الليلة نشرت سودان تربيون مقابلة مع مناوي يظهر فيها امتعاطا من التعديلات في الوثيقة الدستورية التي اجراها برهان مؤخرا ويعترض على أي حكومة تنشأ عنها ويصفها بأنها ستكون مهيضة الجناح لأن الأولوية الآن للحرب وليس الحكم…
قراءة هذا المشهد توحي لك بأنه مكرر وسبق وأن عشناه في حرب الجنوب فماذا كانت النتيجة ؟
إذا كنا نعتبر بالتاريخ بعد سنوات الهوس الديني التي بذل فيها الإسلاميون في الجنوب دمائهم شلالات وانهار بتنظير من الشيخ الترابي وبتحريض من العقيد يونس محمود الذي يقوم بدوره الانصرافي اليوم وساحات الفداء وخزعبلات اسحق أحمد فضل الله حول الغزلان وريحة المسك التي تسد ميديا البلابسة فراغها الآن…ثم انتهى كل ذلك بالمفاصلة الشهيرة واستنكار الترابي لكل تلك الفظاعات التي تمت باسم الدين الى درجة وصف شهداء الأمس بفطائس اليوم كما شاع وانتهي كل ذلك بنيفاشا وحق تقرير المصير وانفصال الجنوب ونحر الطيب مصطفى للثيران السود ابتهاجا بفصل الجنوب واعتلى البشير المنبر في كادقلي ليعلن للناس في العالم أن ( زمن الشريعة المدغمسة قد ولى وجاء عهد التطبيق الصريح للدين…)
وكأني اري كل تلك الصور تمر ببطء امام ناظري لتكرر نفسها مرة أخرى في مقبل الأيام…وقد كان البشير هو بطل الرواية السابقة والمستفيد منها بتمديد سنوات حكمه الى عدد ناهز العشرة بعد فصل الجنوب في ٢٠١١ الى أن تهاوى تحت ثقل تناقضاته الداخلية وفقدان بترول الجنوب وضغط الكفاح المسلح والغضب الشعبي في ديسمبر، ٢٠١٩ .
ولكن السؤال هو من المستفيد من اعادة المأساة الملهاة هذه المرة ومن الذي يحرك مسرح العرائس ممسكا بخيوطها…ويتحكم في المشهد المنظور ؟
كالعادة المستفيدة هي قيادة الجيش وتحديدا الجنرال برهان فمحرقة دارفور /كردفان الوشيكة ستريحه من اثنين من ألد خصومه واخطرهما على مستقبله السياسي السلطوي هما الإسلاميين والمشتركة الإثنين معا بضربة حجر واحد… فليذهبوا إلى جحيمها إن حرروها فله الفضل والمنة وإن هلكلوا وانكسرت شوكتهم فهو الرابح… وذلك أقصى أحلامه…
والغالب أن يتواطأ على هلاكهم لا يتوانى لسببين:-
الأول أن يتخلص من حرج التيار الشعبوي المتصاعد فكريا بقيادة النهر والبحر وبتنظير سخي من عمسيب وله مشايعوه وعسكريا عبر درع البطانة وكيكل والداعي للتخلص من دارفور ومن سكان الكنابي والمشتركة في الجزيرة… وهما المكافئ الموضوعي لتيار الانتباه ومنبر السلام العادل بقيادة الطيب مصطفى سياسيا وعبدالرحيم حمدي صاحب المثلث المعلوم اقتصاديا في النسخة الفائتة من الإنقاذ
والثاني أن ذلك يقع في نطاق تعزيز الطموح السلطوي لبرهان كديكتاتور عسكري همه الأكبر التخلص من خصومه السياسيين والعسكريين خصوصا أولئك الذين لهم عليه افضال في إنقاذ الجيش وسلطانه من التهديد الوشيك والخطر الذي مثله تمرد الدعم السريع…عبر ما اصطلح على تسميته بحرب الكرامة والطغاة لا يحبون من يشعرون تجاهه بالفضل والامتنان.
وعليه السيناريو المتوقع لهذه الحرب أن تستمر وبما أنه لم يكن هناك من سابقة في تاريخنا المعاصر بأن تمكنت الحكومة من قمع تمرد وانهائه بالعنف ولا العكس أي أن نجح تمرد في اقتلاع حكومة وتنصيب نفسه مكانها فمن المتوقع أن تنتهي باتفاق يفصل كردفان ودارفور…هذا إذا أخذنا في الاعتبار أن ميثاق نيروبي ودستوره قد شرعن ذلك عبر حق تقرير المصير وذلك بعد أن يكون البرهان قد استخدم الحرب كمحرقة لإبعاد أو على الأقل أضعاف خصومه السياسيين والعساكر ..لينفرد بالسلطة ولو الى حين كما فعل نظيره البشير في الانقاذ الأولي ..فها هو التاريخ يعيد نفسه والأحداث والظروف تتكرر لتجعله يكرر سلوك البشير وإذا الأخير هو الرابح الاكبر من اراقة كل الدماء في الانقاذ الأولى فما الذي يمنع البرهان بأن يكون هو الرابح الأكبر من ذلك في الانقاذ بنسختها الثانية التي يقود سفينتها اليوم ؟
أرى ألا مانع لديه مع استمرار وجود قوى سياسية وعسكرية بدرجة من الغباء الفكري والروحي والأخلاقي يجعلها مستعدة لتنفيذ ارادته عبر الاستمرار في الحرب ولو قادت إلى وضع نهايتها بأيديها…لتمزق الوطن وتجلس على اشلائه تندب حظها أو قل سوء تقديرها وفساد منطقها وقلة حيلتها وهوان أمرها على نفسها والناس.
عمر البشاري.