الجزيرة نت تحاور محمد نجيب أبو زيد خبير البناء الأخضر المستدام
تاريخ النشر: 26th, June 2024 GMT
قبل سنوات، كان مصنع السبائك الحديدية في مدينة أسوان المصرية يعاني من مادة "غبار السيليكا"، وهي أحد نواتج الصناعة، وكان أمام إدارته خياران لا ثالث لهما، فإما أن تُطلق هذا الغبار في الهواء فيسبب مشاكل صحية كبيرة عند استنشاقه، أو أن تحجزة بفلاتر، وهو الخيار الذي نفذته الإدارة، لكنها فوجئت لاحقا بتراكم كميات كبيرة منه، ولم تعد هناك إمكانية للسيطرة عليها.
وبينما كان طالب الماجستير محمد نجيب أبو زيد، يبحث عن مقترح جديد ومختلف لأطروحته لنيل درجته العلمية، وقعت عينه على قصاصة من إحدى الصحف تتضمن تقريرا يطلب فيه مدير المصنع حلا لتلك المشكلة، وهنا قفزت إلى ذهنه فكرة استغلال هذا المخلّف في تدعيم خرسانة البناء، ونجحت فكرته وأنتج خرسانة كانت من القوة والمتانة لدرجة أن الماكينات الخاصة بالتجارب في الجامعة لم تقو على كسرها، ليكون ذلك إيذانا بتدشين خط بحثي سار عليه الدكتور أبو زيد الأستاذ بقسم التشييد بالجامعة الأميركية بالقاهرة، حتى صار من الخبراء البارزين على مستوى العالم العربي في البناء صديق البيئة أو ما يعرف بـ"البناء الأخضر" أو "المستدام".
والبناء الأخضر كما يعرفه د. أبو زيد، هو الذي يَستبدل ببعض أو كل مواد البناء التقليدية التي يؤدي إنتاجها لتلويث البيئة مثل الأسمنت، مواد أخرى غير تقليدية، مما يؤدي لفوائد بيئية واقتصادية، وهو ما يتحقق في خامة "غبار السيليكا" التي انطلق منها إلى عالم البناء صديق البيئة الذي صار توجها عالميا منذ فترة تزيد على 20 عاما.
يقول أبو زيد في حديث خاص مع "الجزيرة نت": "شاركتُ مؤخرا في مؤتمرين عن البناء، أحدهما في أميركا خلال يناير/كانون الثاني الماضي، والآخر بكندا في يونيو/حزيران الجاري، فلم أجد في كلا المؤتمرين بحثا واحدا ليس له علاقة بالبناء الأخضر، وقريبا قد تُرفض العطاءات أو تُقبل في مجال التشييد والبناء ليس فقط بناء على التكلفة، ولكنْ أيضا بناء على مدى توافق البناء مع التوجه الصديق للبيئة".
والتوجه البيئي يجب أن لا يأتي على حساب سلامة البناء، إذ إن أي مواد جديدة تُقيّم وفق أربعة معايير هي المقاومة والقدرة على تحمل الأحمال والتحمل مع الزمن والاستدامة البيئية وأخيرا التكلفة، ويُوازَن بين العناصر الأربعة وصولا إلى النسبة الأمثل من المادة الجديدة التي تحقق الفائدة المرجوة.
يقول أبو زيد: "إذا افترضنا مثلا اني سأستخدم بودرة إطارات سيارات قديمة، ففي هذه الحالة سنجرب في البداية أقصى كمية يمكن استخدامها، ثم نُجري اختبارات القدرة على تحمل الأحمال واختبار التحمل مع الزمن (الاختبارات المتسارعة)، والتي تُعرّض فيها الخرسانة للظروف المتباينة من الحرارة والبرودة التي تواجهها في أعوام خلال يومين فقط، وتُقيّم النتائج في ضوء عنصر التكلفة والاستدامة البيئية، وقد يقود ذلك إلى تقليل كمية المادة التي تُضاف بنسبة معينة، مع الاستمرار في إجراء التجارب، وصولا إلى النسبة التي تحقق التوزان بين العناصر الأربعة".
ويجب أن لا يكون الاهتمام بهذه العناصر على حساب "العنصر الجمالي"، إذ يجب أيضا وضعه في الحسبان. ويوضح أبو زيد أن "المثال الأبرز على ذلك هو البحث الذي أجري تحت إشرافه، وعُرض في المؤتمر الأخير لجمعية المهندسين المدنيين بكندا الذي شارك فيه، ويتعلق باستخدام طحالب من نوع معين في واجهات المباني، بحيث تعطي شكلا جماليا، وفي الوقت نفسه تعمل على تلطيف الأجواء داخل المبنى من خلال استهلاك ثاني أكسيد الكربون وإخراج الأكسجين".
ولا يحظى البناء الأخضر بانتشار كبير، حتى إن البعض قد يعتقد أن كثيرا من مواده الجديدة لا تزال في طور البحث ولم تخرج بعد إلى التطبيق العملي، وهو ما فاجأنا به د. أبو زيد بقوله إن "هذا الانطباع ليس صحيحا".
وأضاف أن "كثيرا من مواد المخلفات مثل غبار السيليكا وخبث الحديد دخلت في أكواد البناء، بل إن هذه المواد وبعد أن أوجدت لها الأبحاث قيمة بإدخالها في مواد البناء، أصبحت أكثر قيمة من المنتج الأصلي الذي تَنتج عن تصنيعه، وسأفاجئك بأن مشروعات شهيرة مثل برج خليفة في الإمارات والبرج الأيقوني في العاصمة الإدارية الجديدة بمصر وأنفاق قناة السويس، دخل في إنشائها بعضٌ من هذه المواد، لأنها تعطي خصائص إنشائية جيدة للمبنى".
والمبنى الأخضر الصديق للبيئة أكثر من مجرد استخدام مواد جديدة، بل يجب أن يكون متكاملا مع قوى الطبيعة من أمطار ورياح وشمس بحيث يستفيد منها ويتجنب أضرارها، ويُراعى ذلك في تصميمات المباني.
والمثال الأشهر على ذلك في أبحاث د.أبو زيد، اختراعه الذي يحظى حاليا بمتابعة رئاسية في مصر، وهو تطوير الخرسانة المضيئة.
ويشرح هذا الاختراع بأنه يقوم على استخدام مواد كيميائية ذات طبيعة فوسفورية متوافرة في السوق المحلية في خلطة الخرسانة، وهذه المواد تعمل على امتصاص أشعة الشمس بالنهار لتضيء ليلا، وهذه المواد غير ضارة بالخرسانة، بل تعطيها خصائص ميكانيكية أفضل قليلا من الخرسانة التقليدية، وهذا من شأنه أن يقلل الاعتماد على الكهرباء.
وبعيدا عن الفوائد التي يحققها البناء الأخضر، فإن د. أبوزيد يشدد على أن هذا النمط من البناء صارا توجها إجباريا وليس ترفا، وذلك بسبب تغيرات المناخ وأسباب أخرى.
ويقول: "مع تغيرات المناخ وما يترتب عليها من ظواهر مناخية أصبحت أشد وطأة مثل الفيضانات، يجب أن تكون المباني قادرة على التكيف مع تلك الظواهر، ولا تنهار أمامها مثلما حدث في ليبيا مؤخرا".
وفي سياق التغيرات المناخية أيضا، تُعد صناعة الأسمنت من أكثر الصناعات الملوِّثة للبيئة، وتتحمل نسبة 8% من الانبعاثات العالمية، ولذلك فإن البحث عن مواد تقلل من الاعتماد على الأسمنت صار ضرورة إذا كان العالم يبحث بجدية عن حلول عملية لهذه المشكلة.
ومع تأثير التغيرات المناخية على مصادر المياه العذبة، لم يعد من المقبول استهلاك تلك المياه بكثافة في إنتاج خرسانة البناء، وهي ثاني المواد استهلاكا بعد المياه على كوكب الأرض، ولذلك فإن أحد أدوات البناء صديق البيئة استغلال مياه البحر في البناء.
يقول د. أبو زيد: "دارت أحد أبحاثنا قبل سنوات حول هذا التوجه، وتوصلنا خلالها إلى إضافة بعض المواد المضادة للأملاح إلى خلطة الخرسانة، ومعاملة الحديد المستخدم في البناء بطبقة عازلة لمنع تفاعل الأملاح معه، وساعد ذلك على تهيئة مياه البحر للاستخدام في خلطات البناء".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات البناء الأخضر فی البناء أبو زید التی ت یجب أن
إقرأ أيضاً:
برعاية خالد بن محمد بن زايد.. 200 خبير يناقشون مستقبل الرعاية الطبية في أسبوع أبوظبي العالمي للصحة
أبوظبي (الاتحاد)
يستعد «أسبوع أبوظبي العالمي للصحة 2025» لاستقبال نخبة من قادة قطاع الصحة والعافية، ضمن حوارات مفتوحة وجلسات حصرية لتبادل الآراء والرؤى، وتعزيز العمل المشترك على مدار أيامه الثلاثة من 15 إلى 17 أبريل المقبل.
وينعقد الحدث برعاية سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، وتشهد نسخة هذا العام مشاركة أكثر من 200 متحدث لرسم ملامح جديدة للصحة والعافية عبر حوارات وعلاقات تعاون رفيعة المستوى.
تضم قائمة المتحدثين المؤكد حضورهم مسؤولين حكوميين وقادة أعمال وصناع سياسات وباحثين ومستثمرين ومبتكرين في الرعاية الصحية لتبادل الرؤى والمعلومات، ومعالجة أبرز التحديات لصياغة مستقبل الصحة. من بينهم أنيل سوني، الرئيس التنفيذي لمؤسسة منظمة الصحة العالمية، والدكتور جان كاسيا، المدير العام للمركز الأفريقي لمكافحة الأمراض، والدكتور نير بارزيلاي، مدير معهد أبحاث الشيخوخة في كلية ألبرت أينشتاين للطب، وميشيل ديماريه، رئيس مجلس إدارة أسترازينيكا، والسير جوناثان سيموندز، رئيس مجلس إدارة شركة جلاكسو سميث كلاين، وجاكوب ثايسن، الرئيس التنفيذي لشركة «إليومينا»، وإيلينا بونفيجليولي، رائدة الأعمال العالمية، المديرة العامة للرعاية الصحية والأدوية وعلوم الحياة في «مايكروسوفت»، والدكتور توميسلاف ميهاليفيتش، الرئيس التنفيذي لـ«كليفلاند كلينك». كما تضم القائمة وزراء الصحة من دول مثل البحرين ومصر ونيبال واليونان.
وحول أسبوع أبوظبي العالمي للصحة 2025، والدور الريادي للإمارة في تعزيز علاقات التعاون ضمن القطاع الصحي العالمي، قالت الدكتورة نورة خميس الغيثي، وكيل دائرة الصحة - أبوظبي: «يسعدنا استقبال نخبة من قادة الأعمال والمبتكرين والمؤسسات من مختلف أنحاء العالم للتفاعل ضمن حوارات بنّاءة، ودفع عجلة التعاون والجهود المشتركة. ولا شك أن أبوظبي تنفرد بمكانة استثنائية تمكّنها من تعزيز الصحة الدقيقة وتسريع وتيرة الابتكار وصياغة مستقبل أكثر صحة ومرونة للجميع، بفضل بنيتها التحتية المتطورة وتنوعها السكاني الكبير واستثماراتها الواسعة في علوم الحياة. ومن خلال الجمع بين قادة الحكومات والمؤسسات الأكاديمية والقطاع، نؤسس بيئة محفزّة لازدهار الأفكار المبتكرة وإطلاق الحلول العالمية، التي تعزّز الاكتشافات الاستثنائية، وتسهم في صياغة مستقبل الرعاية الصحية».
من المتوقع أن يستقبل أسبوع أبوظبي العالمي للصحة 2025 أكثر من 15 ألف زائر و1900 وفد و200 متحدث و150 جهة عارضة من 90 دولة، لتعزيز تبادل المعارف وإبرام الشراكات الاستراتيجية التي تعزّز تطور القطاع الصحي عالمياً. ويشهد الحدث الإعلان عن الفائزين بهاكاثون الصحة الذكية، فضلاً عن إقامة «المنتدى» الذي يمثل منصة عالمية تجمع قادة الحكومات والمؤسسات الأكاديمية والقطاع ورواد الأبحاث لمعالجة تحديات الرعاية الصحية الرئيسية. وستكون «منطقة الشركات الناشئة» مركزاً للتعاون والابتكار، وستمكّن الشركات الناشئة من عرض أفكارها المبتكرة أمام المستثمرين. كما سيشهد أسبوع أبوظبي العالمي للصحة الكشف عن أسماء الفائزين بجائزة الابتكار، للاحتفاء بالأفراد والمؤسسات الذين يسهمون بتعزيز الابتكار والتعاون، وترسيخ ثقافة التميّز التي ستصوغ مستقبل القطاع الصحي.
ويعتبر أسبوع أبوظبي العالمي للصحة إحدى المبادرات الحكومية الرئيسية لدائرة الصحة - أبوظبي، ويمثل منصة للابتكار والتعاون، وينعقد هذا العام تحت شعار «نحو حياة مديدة: مفهوم جديد للصحة والعافية». ويضع تركيزاً كبيراً على صحة وعافية المجتمع عبر تبني منهجية استباقية تركز على الرعاية الوقائية والشخصية والشاملة. ويقوم الحدث على أربعة موضوعات رئيسية وهي: الحياة الصحية المديدة والصحة الدقيقة: إضفاء طابع شخصي على مستقبل الطب، ومرونة النظام الصحي واستدامته: صياغة أطر عمل تواكب متطلبات المستقبل، والصحة الرقمية والذكاء الاصطناعي: الرعاية الصحية النوعية المدعومة بالتكنولوجيا، الاستثمار في علوم الحياة: الابتكار العالمي نحو آفاق أوسع. ومن خلال استقطاب مختلف الأطراف المعنية بهذه المجالات من شتى أرجاء العالم، سيدفع أسبوع أبوظبي العالمي للصحة عجلة التحول في قطاع الرعاية الصحية.
وينسجم أسبوع أبوظبي العالمي للصحة مع رؤية أبوظبي التي أثمرت عن تأسيس منظومة صحية متميزة نجحت سريعاً بتوفير خدمات متطورة قائمة على البيانات، إذ تقدم اليوم خدمات التشخيص المتطورة والعلاجات القائمة على الذكاء الاصطناعي وبحوث الجينوم، بما يضع أبوظبي في صدارة مشهد الصحة الدقيقة ويمكّنها من تقديم خيارات علاجية عالية الكفاءة وقادرة على تلبية أدق الاحتياجات الطبية وتعزيز الحياة الصحية المديدة وجودة الحياة عموماً.
ويقدم أسبوع أبوظبي العالمي للصحة 2025 تذاكر دخول مجانية للزوار تتيح لهم حضور جلساته الحية وزيارة معرضه العالمي. ويمكن للراغبين بحضور الحدث التسجيل كزائر. وللحصول على المزيد من المعلومات يرجى زيارة الموقع الإلكتروني: www.adghw.com.