قبل سنوات، كان مصنع السبائك الحديدية في مدينة أسوان المصرية يعاني من مادة "غبار السيليكا"، وهي أحد نواتج الصناعة، وكان أمام إدارته خياران لا ثالث لهما، فإما أن تُطلق هذا الغبار في الهواء فيسبب مشاكل صحية كبيرة عند استنشاقه، أو أن تحجزة بفلاتر، وهو الخيار الذي نفذته الإدارة، لكنها فوجئت لاحقا بتراكم كميات كبيرة منه، ولم تعد هناك إمكانية للسيطرة عليها.

وبينما كان طالب الماجستير محمد نجيب أبو زيد، يبحث عن مقترح جديد ومختلف لأطروحته لنيل درجته العلمية، وقعت عينه على قصاصة من إحدى الصحف تتضمن تقريرا يطلب فيه مدير المصنع حلا لتلك المشكلة، وهنا قفزت إلى ذهنه فكرة استغلال هذا المخلّف في تدعيم خرسانة البناء، ونجحت فكرته وأنتج خرسانة كانت من القوة والمتانة لدرجة أن الماكينات الخاصة بالتجارب في الجامعة لم تقو على كسرها، ليكون ذلك إيذانا بتدشين خط بحثي سار عليه الدكتور أبو زيد الأستاذ بقسم التشييد بالجامعة الأميركية بالقاهرة، حتى صار من الخبراء البارزين على مستوى العالم العربي في البناء صديق البيئة أو ما يعرف بـ"البناء الأخضر" أو "المستدام".

والبناء الأخضر كما يعرفه د. أبو زيد، هو الذي يَستبدل ببعض أو كل مواد البناء التقليدية التي يؤدي إنتاجها لتلويث البيئة مثل الأسمنت، مواد أخرى غير تقليدية، مما يؤدي لفوائد بيئية واقتصادية، وهو ما يتحقق في خامة "غبار السيليكا" التي انطلق منها إلى عالم البناء صديق البيئة الذي صار توجها عالميا منذ فترة تزيد على 20 عاما.

يقول أبو زيد في حديث خاص مع "الجزيرة نت": "شاركتُ مؤخرا في مؤتمرين عن البناء، أحدهما في أميركا خلال يناير/كانون الثاني الماضي، والآخر بكندا في يونيو/حزيران الجاري، فلم أجد في كلا المؤتمرين بحثا واحدا ليس له علاقة بالبناء الأخضر، وقريبا قد تُرفض العطاءات أو تُقبل في مجال التشييد والبناء ليس فقط بناء على التكلفة، ولكنْ أيضا بناء على مدى توافق البناء مع التوجه الصديق للبيئة".

الدكتور محمد نجيب أبو زيد (الثاني يسارا) بجوار مراسل الجزيرة نت (الأول يسارا) وأساتذة قسم التشييد بالجامعة الاميركية أمام أحد المباني التجريبية بحرم الجامعة (الجزيرة) التوازن بين أربعة عناصر

والتوجه البيئي يجب أن لا يأتي على حساب سلامة البناء، إذ إن أي مواد جديدة تُقيّم وفق أربعة معايير هي المقاومة والقدرة على تحمل الأحمال والتحمل مع الزمن والاستدامة البيئية وأخيرا التكلفة، ويُوازَن بين العناصر الأربعة وصولا إلى النسبة الأمثل من المادة الجديدة التي تحقق الفائدة المرجوة.

يقول أبو زيد: "إذا افترضنا مثلا اني سأستخدم بودرة إطارات سيارات قديمة، ففي هذه الحالة سنجرب في البداية أقصى كمية يمكن استخدامها، ثم نُجري اختبارات القدرة على تحمل الأحمال واختبار التحمل مع الزمن (الاختبارات المتسارعة)، والتي تُعرّض فيها الخرسانة للظروف المتباينة من الحرارة والبرودة التي تواجهها في أعوام خلال يومين فقط، وتُقيّم النتائج في ضوء عنصر التكلفة والاستدامة البيئية، وقد يقود ذلك إلى تقليل كمية المادة التي تُضاف بنسبة معينة، مع الاستمرار في إجراء التجارب، وصولا إلى النسبة التي تحقق التوزان بين العناصر الأربعة".

ويجب أن لا يكون الاهتمام بهذه العناصر على حساب "العنصر الجمالي"، إذ يجب أيضا وضعه في الحسبان. ويوضح أبو زيد أن "المثال الأبرز على ذلك هو البحث الذي أجري تحت إشرافه، وعُرض في المؤتمر الأخير لجمعية المهندسين المدنيين بكندا الذي شارك فيه، ويتعلق باستخدام طحالب من نوع معين في واجهات المباني، بحيث تعطي شكلا جماليا، وفي الوقت نفسه تعمل على تلطيف الأجواء داخل المبنى من خلال استهلاك ثاني أكسيد الكربون وإخراج الأكسجين".

توظيف "غبار السيليكا" في خرسانة البناء كان بداية نشاط د. أبو زيد في البناء صديق البيئة (شترستوك) من البحث إلى التطبيق

ولا يحظى البناء الأخضر بانتشار كبير، حتى إن البعض قد يعتقد أن كثيرا من مواده الجديدة لا تزال في طور البحث ولم تخرج بعد إلى التطبيق العملي، وهو ما فاجأنا به د. أبو زيد بقوله إن "هذا الانطباع ليس صحيحا".

وأضاف أن "كثيرا من مواد المخلفات مثل غبار السيليكا وخبث الحديد دخلت في أكواد البناء، بل إن هذه المواد وبعد أن أوجدت لها الأبحاث قيمة بإدخالها في مواد البناء، أصبحت أكثر قيمة من المنتج الأصلي الذي تَنتج عن تصنيعه، وسأفاجئك بأن مشروعات شهيرة مثل برج خليفة في الإمارات والبرج الأيقوني في العاصمة الإدارية الجديدة بمصر وأنفاق قناة السويس، دخل في إنشائها بعضٌ من هذه المواد، لأنها تعطي خصائص إنشائية جيدة للمبنى".

والمبنى  الأخضر الصديق للبيئة أكثر من مجرد استخدام مواد جديدة، بل يجب أن يكون متكاملا مع قوى الطبيعة من أمطار ورياح وشمس بحيث يستفيد منها ويتجنب أضرارها، ويُراعى ذلك في تصميمات المباني.

والمثال الأشهر على ذلك في أبحاث د.أبو زيد، اختراعه الذي يحظى حاليا بمتابعة رئاسية في مصر، وهو تطوير الخرسانة المضيئة.

ويشرح هذا الاختراع بأنه يقوم على استخدام مواد كيميائية ذات طبيعة فوسفورية متوافرة في السوق المحلية في خلطة الخرسانة، وهذه المواد تعمل على امتصاص أشعة الشمس بالنهار لتضيء ليلا، وهذه المواد غير ضارة بالخرسانة، بل تعطيها خصائص ميكانيكية أفضل قليلا من الخرسانة التقليدية، وهذا من شأنه أن يقلل الاعتماد على الكهرباء.

الخرسانة المضيئة أحد حلول توفير الكهرباء التي أنجزها د. أبوزيد وفريقه البحثي (الجامعة الأمريكية بالقاهرة) توجه إجباري

وبعيدا عن الفوائد التي يحققها البناء الأخضر، فإن د. أبوزيد يشدد على أن هذا النمط من البناء صارا توجها إجباريا وليس ترفا، وذلك بسبب تغيرات المناخ وأسباب أخرى.

ويقول: "مع تغيرات المناخ وما يترتب عليها من ظواهر مناخية أصبحت أشد وطأة مثل الفيضانات، يجب أن تكون المباني قادرة على التكيف مع تلك الظواهر، ولا تنهار أمامها مثلما حدث في ليبيا مؤخرا".

وفي سياق التغيرات المناخية أيضا، تُعد صناعة الأسمنت من أكثر الصناعات الملوِّثة للبيئة، وتتحمل نسبة 8% من الانبعاثات العالمية، ولذلك فإن البحث عن مواد تقلل من الاعتماد على الأسمنت صار ضرورة إذا كان العالم يبحث بجدية عن حلول عملية لهذه المشكلة.

ومع تأثير التغيرات المناخية على مصادر المياه العذبة، لم يعد من المقبول استهلاك تلك المياه بكثافة في إنتاج خرسانة البناء، وهي ثاني المواد استهلاكا بعد المياه على كوكب الأرض، ولذلك فإن أحد أدوات البناء صديق البيئة استغلال مياه البحر في البناء.

يقول د. أبو زيد: "دارت أحد أبحاثنا قبل سنوات حول هذا التوجه، وتوصلنا خلالها إلى إضافة بعض المواد المضادة للأملاح إلى خلطة الخرسانة، ومعاملة الحديد المستخدم في البناء بطبقة عازلة لمنع تفاعل الأملاح معه، وساعد ذلك على تهيئة مياه البحر للاستخدام في خلطات البناء".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات البناء الأخضر فی البناء أبو زید التی ت یجب أن

إقرأ أيضاً:

رئيس اقتصادية قناة السويس يوقع عقدا لمشروع مواد البناء بـ12 مليون دولار

وقع وليد جمال الدين، رئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، صباح اليوم، مع ياسر أيوب، رئيس شركة Industrial House لمواد البناء، عقد انتفاع لإنشاء مشروع هو الثاني بمنطقة وادي التكنولوجيا «شرق الإسماعيلية» في سيناء.

ويستهدف هذا المشروع إنشاء مصنع للمنتجات الجبسية بثلاثة خطوط إنتاج كالآتي: «خط إنتاج الألواح الجبسية، وآخر للجبس المصيص، والثالث لإنتاج الشكائر البلاستيكية للتعبئة»، وتبلغ الاستثمارات الإجمالية للمشروع 12 مليون دولار، أي ما يتخطى 600 مليون جنيه، ويقع على مساحة 50 ألف متر مربع، فيما يتيح المشروع حجم عمالة يبلغ 500 فرصة عمل مباشرة.

جذب الاستثمارات بجميع المناطق الصناعية

بهذه المناسبة أكد رئيس المنطقة الاقتصادية لقناة السويس تواصل الجهود الترويجية لجذب الاستثمارات بجميع المناطق الصناعية والموانئ التابعة للهيئة، على مدى زمني يتجاوز العامين ونصف العام، التي توجت بنجاح استقطاب مشروعين فعليين في قطاعي الصناعات المعدنية ومواد البناء بإجمالي استثمارات 17 مليون دولار، ومساحة إجمالية 85 ألف متر مربع، ويوفران 650 فرصة عمل مباشرة حتى الآن، لبدء تنمية منطقة وادي التكنولوجيا الصناعية الواعدة داخل سيناء.

وأوضح أن هذا النجاح جاء نتيجة العمل المتواصل على تهيئة مناخ الاستثمار داخل المنطقة الاقتصادية من توفير بنية تحتية ومرافق عالمية المواصفات، والعمل على الرقمنة الكاملة لخدمات المستثمرين سواء خدمات الشباك الواحد أو الخدمات الجمركية واللوجستية، بدعم مباشر من القيادة السياسية ومؤسسات الدولة كافة، فضلا عن شركاء النجاح من المستثمرين، مشيرا إلى أن ذلك يأتي تفعيلا لاستراتيجية الهيئة نحو التمكين.

وأعرب رئيس شركة «إندستريال هاوس» عن سعادته بالتعاون مع المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، مشيدا بما لمسه من تميز للكوادر الإدارية بالمنطقة، والدعم غير المسبوق الذي توليه المنطقة لمستثمريها من تيسيرات في الإجراءات كافة، من خلال شباك واحد للخدمات One-Stop-Shop.

وأوضح أن الشركة حريصة على توطين صناعة منتجاتها من مواد البناء محليا، مشيرا إلى أن الشركة تنفذ حاليًا بتنفيذ أعمال في عدد من المشروعات القومية بالدولة المصرية على رأسها مشروع مونوريل العاصمة بالإضافة لعدد من مشروعات السكك الحديدية.

ثلاثة خطوط إنتاج لإنتاج الألواح الجبسية

وتخطط شركة «إندستريال هاوس» من خلال مصنعها بوادي التكنولوجيا الإسماعيلية شرق، الذي يشمل ثلاثة خطوط إنتاج لإنتاج الألواح الجبسية بطاقة إنتاجية 2 طن متر مربع سنويا يصل لأربعة ملايين متر مربع بالتشغيل الكامل للمشروع، وكذلك إنتاج الجبس المصيص بطاقة 600 ألف طن سنويا تصل إلى 900 ألف متر مربع، بالإضافة لإنتاج 60 مليون كيس سنويًا قابلة للزيادة، مع تخصيص الشركة لأكثر من 80% من الإنتاج للتصدير للخارج، مستفيدة من التكامل بين منطقة وادي التكنولوجيا وميناء شرق بورسعيد التابع لاقتصادية قناة السويس.

مقالات مشابهة

  • رئيس الوزراء يفتتح توسعات مصنع سي بورد لتصنيع مواد البناء
  • مدبولي يفتتح توسعات مصنع "سي بورد" لتصنيع مواد البناء.. صور
  • رئيس الوزراء يفتتح توسعات مصنع «سي بورد» لتصنيع مواد البناء
  • رئيس الوزراء يفتتح توسعات مصنع شركة سي بورد لصناعة مواد البناء
  • الحديد يسجل 38,900 للطن.. أسعار مواد البناء في الأسواق اليوم
  • رئيس اقتصادية قناة السويس يوقع عقدا لمشروع مواد البناء بـ12 مليون دولار
  • أسعار مواد البناء في الأسواق اليوم
  • “البناء المستدام” يُعلن اعتماده لدى منظمة GRESB العالمية
  • استقرار أسعار مواد البناء في مصر اليوم الثلاثاء 25-2-2025
  • أسعار مواد البناء الثلاثاء 25-2-2025 في الأسواق المحلية