تعرضت صناعة الدراما التلفزيونية السورية قبل سنوات لعطب بالغ بسبب "موضة" دوبلاج المسلسلات التركية، التي أُطلقت بالاعتماد على منتجين سوريين، فمنذ بداية الألفية، ازدحم السوق الفضائي بأعمال تركية مدبلجة، معتمدة على ورقة رابحة وهي اللهجة السورية التي غزت العالم العربي، بالاستفادة من المسلسلات المحلية الشامية منها على وجه الخصوص، والتي ظلّت رائجة حتى في سنوات الحرب.

وأرست صنعة الدوبلاج تلك دعائمها بمعيّة الشركات السورية، وأوّلها "سامة" التي دبلجت المسلسلين الشهيرين "سنوات الضياع" و"نور"، فيما تناولت الأقلام النقدية تلك الظاهرة معتبرة أنها مجرّد "موضة" ربما تكون عابرة، لكنّها ساعدت بشكل أو بآخر على تفريغ الدراما الوطنية من مضامينها، وغرّبتها عن الواقع الذي نعيشه، فضلا عن أنها تستوحي جوهرها من صراعات خاوية، وتناحرات بين رجالات مال وقصص حب بسيطة، لا تشبه بشكل من الأشكال البيئة التي نعيش فيها.

عموما تخلص التجربة النقدية لكون الدراما السورية تمكّنت من حصد اهتمام وانتشار لافت بذريعة تماسها المباشر مع القضايا الصغرى للمواطن، إضافة إلى تصدّيها لقضاياها الكبرى في أعمال حفرت مكانها في وجدان المشاهد، كما حصل مثلا مع "التغريبة الفلسطينية" (كتابة وليد سيف، وإخراج الراحل حاتم علي).

ومع ذلك، ظلّت هذه الآراء غير مجدية، لا تنفع ولا تضرّ في مواجهة الموجة التي استمرت بوفرة، إلى درجة أنّ الأعمال المدبلجة حجزت مكانها على كامل الفضاء العربي.

الأمر لم يتوقف هنا، بل تعدّاه بأشواط عندما تطوّرت هذه الموضة وراحت نحو تعريب الأعمال الأجنبية، وإعادة كتابتها وتصويرها في الوطن العربي، ومن ثم اقتطاع حصّة وافرة من الدعاية والإعلان لمثل هذه الأعمال، كونها تحقق أعلى نسب مشاهدة.

هذا ما حصل فعلا مع مسلسل "ستيلتو" (تعريب لبنى مشلح ومي حايك، وإخراج إندر إيمير) المأخوذ عن المسلسل التركي "جرائم صغيرة"، فقد تحققت هنا المعادلة بحذافيرها، خاصة أن أدوار البطولة ذهبت إلى السوريين كاريس بشار وديمة قندلفت وقيس الشيخ نجيب وسامر المصري واللبنانية ندى أبو فرحات وآخرين.

ثم كرّت سبحة الأعمال التركية المعربة مثل "الثمن" (بطولة باسل خياط ورزان جمال وسارة أبي كنعان ورفيق علي أحمد وآخرون)، و"كريستال" (90 حلقة يعرض على موسمين – سيناريو وحوار: لبنى مشلح ومي حايك، وإخراج: هاكان أرسلان).

آخر ما حرر من هذه الأعمال يتم عرضه حاليا وهو بعنوان "لعبة حب" (إعداد السيناريو رغدة الشعراني، إخراج فيدات أويار، بطولة: معتصم النهار، نور علي، أيمن عبد السلام، شكران مرتجى، أيمن رضا، ساشا دحدوح، وآخرون).

وهذا العمل لا يخرج عن سياق الأعمال التركية المعربة، ولا يزيد عليها شيئا، إذ سيجد المشاهد نفسه أمام عرض أزياء مفتوح، ورفاهية مستفزّة وادعاء واهم بأن الأحداث تدور في لبنان، رغم نأيها المطلق عن واقع هذا البلد، فضلا عن العروض الفارهة ومواقع التصوير التي تركّز على الطبيعة الساحرة، واللهو المستمرّ والبناء الدارمي المهلهل، الخالي من أيّة عناصر جذب، رغم الإبهار البصري الذي تعتاده العين بعد حلقات عدّة، ويصبح بلا أيّ معنى في غياب التصعيد اللازم في جوهر الدراما ومنطق الصراع.

وفي تفاصيل الحكاية يوجد رجل أعمال وسيم اسمه مالك (معتصم النهار) يدير شركة كبيرة للأزياء، ويحرص جدّه على اختيار فتاة تكون شريكة حياته، لذا فإنه سينفق أموالا باهظة لتحقيق تلك الغاية الصعبة، وسيوظف عم الشاب وزوجته فريدة (أيمن رضا وشكران مرتجى) لإنجاز هذا الهدف، وهما بدورهما سيجتهدان لتنفيذ المهمة الصعبة، رغبة منهما في الحفاظ على الرفاهية التي تغمرهما.

وبعد أن تبدأ زوجة عمّه بجمعه مع فتيات عدة بقصد التقارب والزواج يبدي الشاب امتعاضه من هذه الحالة، ويضطر مرّة لأن يهرب من مجالسته، وهي صبية بعيدة تماما عن منطقه وأسلوب تفكيره، ويلجأ لحيلة تخلصه من مأزقه مدعيا أن الفتاة التي تشتغل نادلة في المقهى هي حبيبته، هنا تخطر في بال فريدة أن تكون فتاة المقهى واسمها سما هي الزوجة المنتظرة!

ويتم إبعاد مساعدة رجل الأعمال الثري عن وظيفتها وتقديم الوظيفة لفتاة المقهى التي تخسر عملها أيضا، بعد الاتفاق معها لتدور الحكاية في حلقة مفرغة وتكرار متقصّد يبدو الغرض منه هو الاستعراض المجاني، والاقتراح السطحي لحبكات خاوية، ودراما منحدرة لا تملك الحد الأدنى من مقومات الجذب، بل تغرق في "كليشهات" واضحة، غالبا ما تقع فيها مثل تلك الأعمال.

"لعبة حب" يروي قصة الحب تلك والمقاربات والتبعات التي تخلق بذريعتها، لكن بدون أن يضيف أي شيء عما سبقه، ولا يدّعي أنه يقدم أكثر من الترفيه دون مقارعته أي ناقد محترف على كافة الأصعدة المرتبطة بجوهر صناعة المادة الفنية المتماسكة، ومع ذلك تؤخذ وجهة النظر التي تخوّل النجوم السوريين للعمل في هذه المسلسلات على محمل الجدّ، طالما أنها تقدّم فرص عمل وأجور جيدة في زمن التهاوي الخدماتي والترّنح الاقتصادي السوري!

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات

إقرأ أيضاً:

وفاة الصحفي زكريا المدهون بعد تدهور حالته بسبب السرطان في غزة

توفي المراسل الصحفي زكريا محمود المدهون اليوم الجمعة في مدينة غزة عن عمر ناهز (55 عاما)، بعد معاناة طويلة مع مرض السرطان، حيث طرأ تدهور حاد على وضعه الصحي بعد أن حُرِم من استكمال العلاج بسبب العدوان الإسرائيلي المتواصل على أهالي القطاع.

 

خيمة الوفاء.. مبادرة دعم نفسي لأطفال غزة الجيشان الإسرائيلي والأمريكي يجريان حوارا حول الحرب في غزة والاستعدادات لإيران

ونعت وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية "وفا"، مراسلها الصحفي، وتقدم المشرف العام على الإعلام الرسمي، رئيس مجلس إدارة "وفا"، الوزير أحمد عساف، باسمه، وباسم المدراء العامين، والكادر الصحفي والإداري وعموم العاملين في وكالة "وفا"، بأحر التعازي والمواساة من عائلة الفقيد ومن الأسرة الصحفية، داعيا الله عز وجل بأن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان.

 

الراحل زكريا المدهون (أبو محمد)، من مواليد عام 1969 في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، متزوج وله 6 أبناء. عمل في مجال الإعلام منذ ثمانينات القرن الماضي في صحف ووسائل إعلام محلية قبيل قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية، والتحق للعمل في وكالة "وفا" منذ عام 1996، حيث يعتبر من الجيل المؤسس في الوكالة بقطاع غزة.

 

عُرف عنه تفانيه ومحبته للعمل ومهنيته وانتمائه لمهنة الصحافة، وترك خلفه إرثا للأجيال في العمل الصحفي.

 

خيمة الوفاء.. مبادرة دعم نفسي لأطفال غزة

يواجه النازحون في قطاع غزة، ظروفا صعبة جراء الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، منذ أكثر من 8 أشهر، وتفتقر مخيماتهم لأبسط مقومات الحياة، وسط غياب المواد الغذائية والاحتياجات الطبية.

وتستمر إسرائيل في حربها على القطاع، وقد دمرت المدارس والجامعات ومراكز التأهيل والدعم النفسي، وكانت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، قد أعلنت أن "286 مدرسة حكومية و65 مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) تعرضت للقصف والتخريب في قطاع غزة، ما أدى إلى تعرض 111 منها إلى أضرار بالغة و40 للتدمير بالكامل".

ويواجه أطفال قطاع غزة عواقب مأساوية للغاية، في ظل الحرب الإسرائيلية المستمرة على القطاع منذ السابع من أكتوبر 2023، إلى جانب الحصار الذي تفرضه إسرائيل على القطاع، ما تسبب في صدمات نفسية بحاجة إلى علاج، ووفقا لمنظمة الـ"يونيسيف"، فإن هناك ما لا يقل عن 17 ألف طفل في قطاع غزة غير مصحوبين بذويهم أو منفصلين عن والديهم، ويعاني الأطفال من ضغوط نفسية صعبة للغاية.

ومع استمرار توقف برامج العلاج النفسي والتأهيل في قطاع غزة، بسبب الحرب، يبادر بعض المتخصصين إلى اقتراح حلول لمساعدة الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، ومن بين هذه المبادرات "خيمة الوفاء"، التي أقيمت وسط مدرسة "أحمد عبد العزيز" المدمرة، في خان يونس جنوبي قطاع غزة.

وفاء أبو جلالة، اختصاصية السمع والنطق، تشعر بمسؤولية كبيرة تجاه هذه الفئة من الأطفال في قطاع غزة، وتعكف هي وزميلاتها في "خيمة الوفاء" على تقديم البسمة والفرحة للأطفال، وتوفير خدمات التأهيل والدعم النفسي لهم.

 


 

مقالات مشابهة

  • الأمن العراقي يعلن اختراق حركة القربانيون المتطرفة التي تسببت بانتحار شباب
  • إسرائيل تعثر على نسخة حماس من لعبة "السلالم"
  • القضايا المناخية أصبحت في صلب ألعاب الفيديو
  • Ubisoft تعلن عن إعادة إنتاج Assassin’s Creed
  • "القباج" تستعرض نتائج تحليل مشاهد التدخين والمخدرات بدراما رمضان
  • وفاة الصحفي زكريا المدهون بعد تدهور حالته بسبب السرطان في غزة
  • تردد قناة DMC الجديد 2024.. شاهد العديد من الأعمال الدرامية
  • فرنسا تعبر عن قلقها البالغ من تدهور الوضع على حدود لبنان
  • بدع المدارس تتوالى.. آخرها لا على البال ولا على الخاطر