أضواء منسية تعرفها ميرابيلا (8)
تاريخ النشر: 6th, August 2023 GMT
مُزنة المسافر
تشاجرت مع المنتجين.
وسئمت من أفكارهم البالية.
التي ترتكز على الماضي.
وعلى الأستوديوهات الضخمة التي فيها تماثيل.
ورؤوس ووجوه، وعروش.
وطلبت منهم الإتيان بكُتاب سيناريو جدد.
من أصحاب الأفكار النيرة.
لم يصدقوا أن الجمهور يسأم.
وأنه يمل.
حين لا يمكنه أن يحلم.
وحين يرى مجد الحب ضعيفاً.
وأبطاله ورجاله صاروا دمى لا تشعر.
وأن القلوب والأفئدة.
ما عادت تشعر بالقصة.
وأن حركات الكاميرا المتبدلة لن تساعد الجمهور.
على الشعور.
لا يمكن أن أتصور أن التعب الذي نال مني.
وجعلني أبحث عن النجوم.
وعن العيون.
قد راح هباءً منثورا.
وغاب في طيات الأمس.
والآن كوني شمعدانة.
تقف أمام نير الحياة.
لا يمكنني أن أقبل إلا الصدق في الشاشة.
ومهما كانت الأمور شعشاعة بالنسبة لهم.
ولنقودهم.
كان بالنسبة لي لابد أن يكون شيئاً شفافاً.
صادقاً.
واعداً برسالة.
فشعرت أنني المرسال.
وأن ناس الضيعة.
والجمهور.
وجارتي على الشرفة.
وبائع البرتقالات.
وكل من يمر في طريقي في الأزقة.
ومن يجلس قربي في المتروبوليتانا.
لابد أن يشعر بصدق اللحظة.
والكلمة.
ويرى بعينه الخير.
ولا يرى بضع أشرار زائفين.
وبضع مهرجين غارقين في شريط الأحداث.
قلت بلهجة صارمة.
ومشاعر عارمة.
كفى، لم أعد قادرة على الاحتيال.
أين كلمات البهجة والإذهال؟.
أين الفرح الذي لابد أن يدخل نفوس البشر؟.
وهل وصلت السعادة؟!.
الضالعة بجعل الجمهور يصفق بشدة.
اسمحولي أيها المنتجون في المكتب العريض.
لم أعد اسمع في الصالات التصفيق.
صرت اسمع.
الرفض.
والقهر.
والخروج من الصالات بالغضب.
هل سنخدع الناس؟.
إنني أشعر بهذا الإحساس.
أننا جلبنا الخديعة.
والمكر.
واللؤم.
ونسينا الجمَال.
والأيام التي شعر فيها الجمهور بالسعادة.
تركوني أقول كلماتي الجادة.
التي لم أنطقها من قبل في حياتي.
وشعرت بعدها.
أنه غير مرحب بي في الإستوديو.
ومن ثم في غرفة التجميل.
وأن عقدي انتهى فجأة.
وطلبوا مني إلقاء النصوص في الأدراج.
وإعادة المجوهرات والساعات الثمينة.
التي منحوها لي كهدية بعد كل فيلم.
ولم يعد هنالك سيارة تقلني من منزلي.
وتأخرت في دفع إيجار منزلي.
ولم أعد قادرة على جلب الخبز.
والطعام.
وكانت الأيام قد باتت يائسة وبائسة بالنسبة لي في المدينة العريضة.
وكانت أثوابي الزاهية بحاجة لمسحوق الغسيل.
وتذكرت حين كنت انزعج من مساحيق التجميل المتراكمة على وجهي.
حين كنت في الإستوديو.
لأنني صرت أخرج دون مكياج.
نبض قلبي التعب.
فكنت أنام أياماً كثيرة.
دون طعام.
ودواء.
لأنني أصبت بأمراض شتى.
لم أعلم من أين.
وأسعفتني جارتي.
لكن معظم الوقت بقيت وحيدة.
لأقاوم المرض والقهر.
ولأنني كنت أصلي كثيراً للقدير.
أن أرى الدنيا من جديد بعين السعيد.
وأن يمنحني الله القوة لأقاوم.
واصعد درجات الحياة دون أن أتعثر.
وامضي دون أن أحزن لما حدث من أشهر.
وحين مضي الحول المعتم.
هكذا اسميته.
ونفذت كل نقودي.
قررت أن أترك المدينة العريضة.
وكل ما فيها من حيلة ورذيلة.
وأعود للضيعة التي ضاعت بين ذكرياتي الجديدة.
وشعرت أن قلبي ينادي أبي، أمي، وجدتي.
وطبعاً أليتشيه أختي الصغرى.
وعادت عيناي تفيق.
وصار قلبي ينبض أكثر.
حين تذكرت.
اسم جوليو.
وكأنه يشعر بي.
وباللحظة التي هزمتني.
وكأن جوليو جاء يفيق روحي من الظلام.
ويراني هنا في العتمة.
لينير بنوره حياتي.
وشعرت به ينطق اسمي.
ويمازحني.
ويشاكسني.
كما كان يفعل.
ويسألني سؤاله المعتاد: هل أنت بخير يا كيارا؟
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ماذا ينتظر اللبنانيين في اليوم التالي؟
مشهدان متناقضان في الشكل وفي المضمون. الأول ميداني، والثاني تفاوضي. وما بين الإثنين سباق محموم. فمن يصل أولًا؟ وهذان المشهدان يتكاملان من حيث المسؤولية وتقاذفها بين إسرائيل و"حزب الله" على شكل صواريخ بعدما أصبحت كل الأوراق مكشوفة على الطاولة. وحيال ما تشهده ساحات الوغى من تطورات دراماتيكية لم يعد يعرف المراقبون التمييز بين ما هو صحّ وبين ما هو خطأ. وما بين التفاوض على وقف شامل للنار وسخونة الميدان أكثر من تناقض وأكثر من ازدواجية. ولكن القاسم المشترك بين فريقي الصراع الدموي هو سعي كل منهما إلى تحسين ظروفه التفاوضية عبر الميدان والنار. هذا ما تقوم به إسرائيل. وهكذا يفعل "حزب الله". فالتصعيد الذي كان سيد المواقف في اليومين الماضيين أقلق المراقبين، الذين كانوا حتى اللحظة الأخيرة يراهنون على نجاح المفاوضات غير المباشرة بين لبنان ("حزب الله") وإسرائيل. إلاّ أن وصول صواريخ "المقاومة الإسلامية" إلى تل أبيب بهذا الشكل الكثيف، وما تلاه من غارات مدّمرة على الضاحية الجنوبية لبيروت، ليس سوى محاولة أخيرة لتحسين شروط التفاوض.
فما حفلت به الساعات الماضية من تصعيد له دلالات كثيرة يوحي بأن حرب الاستنزاف قد اقتربت إلى نهايتها، وأن المفاوضات التي تتولاها الولايات المتحدة الأميركية لم تكن مسرحية لتقطيع الوقت الضائع، وذلك لأن ثمة من يعتقد بأن وراء كل طلعة هناك نزلة، وأن بعد كل ليل سيطلع فجر جديد. فالحرب بالنسبة إلى المتفائلين، ولو بحذر، ستنتهي عاجلًا أو آجلًا. وسيكون هناك يوم تالٍ جديد. واليوم التالي تختلف ظروفه ومعطياته بين فريق وآخر. فما يراه البعض هزيمة قد يعتبره الآخرون انتصارًا. فالمقاييس الطبيعية في هذا المجال لا تعود محل نقاش بعد اختلال منطق الموازين. فالخاسر في الحرب يعتبر نفسه رابحًا، والرابح لا يرى نفسه سوى رابح. هي معادلة معقدة ومتشابكة خيوطها، بحيث لم يعد في استطاعة هؤلاء المراقبين التمييز بين الخيط الأبيض والخيط الأسود، وبين ما هو صح وما هو خطأ.
فالتفكير باليوم التالي لا يغيب عن بال أحد، لا في تل أبيب ولا في بيروت، حتى ولو كانت أصوات الصواريخ والغارات هي المسيطرة على المشهدية العامة. فما بعد الحرب قد يكون ما ينتظر الجميع في هذا المقلب من ضفة التراشق المدفعي أو ذاك أشد صعوبة من الحرب نفسها. فالاستحقاقات كثيرة بالنسبة إلى وضعية "حزب الله" بالتحديد، وفي طريقة تعاطيه مع سائر المكونات اللبنانية، سواء أولئك الذين أيدّوا حربه بمراحلها الأولى الاسنادية أو في مرحلتها الثانية كردّ مباشر على قصف إسرائيل لعدد من المناطق اللبنانية، أو بالنسبة إلى الذين عارضوا مبدئية فتح الجبهة الجنوبية لإسناد غزة وأهلها، ولكنهم تحفظّوا على توجيه الاتهامات له، وذلك مراعاة لظروف الحرب، على أن يأتي اليوم الذي يجب أن يُساءل به "الحزب" بسبب استفراده في اتخاذ قرار الحرب وسوق كل لبنان معه إلى حرب لم يكن يريدها أحد.
ففي اليوم التالي سيجد اللبنانيون أنفسهم أمام امتحان عسير. فخسائر الحرب كبيرة جدًّا، بشريًا وماديًا. فكيف يمكن اقناع تلك الأم التي استشهد وحيدها، وكيف يمكن كفكفة دموع الذين فقدوا أعزّ الناس على قلوبهم، وكيف يمكن تطييب خاطر الذي سيرى منزله، الذي بناه بعرق الجبين حجرًا فوق حجر، وقد أصبح على الأرض، وكيف يمكن تهدئة غضب ذاك المزارع، الذي غرس أشجاره المثمرة بمحبة وسقاها من روحه، عندما يرى بستانه وقد تحوّل إلى كومة من رماد؟
اليوم التالي سيكون أكثر حزنًا من أيام الحرب. ففيه يذوب "ثلج" الاعتداءات ويبان المرج بما فيه من كوارث ومآسٍ. ومع هذا اليوم تكثر الأسئلة والتحليلات وحفلات التنظير بالنسبة إلى الأسباب التي أملت وصول لبنان إلى هذا الدرك من المخاطر. فهذا اليوم سيكون مختلفًا بالنسبة إلى كثيرين، وسيشكّل نقطة بداية وانطلاق إلى المستقبل الأوسع والرحب.
المصدر: خاص "لبنان 24"