قالت دار الإفتاء المصرية، إن الإسلام اهتمَّ بالبيئة اهتمامًا كبيرًا، ووضع من التشريعات والقواعد ما يَضْمَن سلامتها وتوازنها واستقرارها والحفاظ على جميع مكوناتها، من ماءٍ وهواءٍ وأرضٍ وحيوانٍ ونباتٍ وجماد، فأَمَر بعمارة الأرض وإصلاحها، فقال تعالى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود: 61]، وإعمارُها إنَّما يكون بالحفاظ على ما فيها مِن مُكوِّنات ومُقدَّرات، وتَجنُّب كل ما يُؤدِّي إلى إفسادها أو الإخلال بأحد هذه المكونات، وقال تعالى: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [البقرة: 60].

كيفية بر الزوجة بعد موتها.. الإفتاء توضح حكم شراء مصادرات الجمارك.. الإفتاء توضح

أوضحت الإفتاء، أنه نهى سبحانه عن الإفساد في الأرض، وأَمَر بالمحافظة عليها مِن كل ما يُؤثِّر عليها إفسادًا وتلوثًا ويُعرِّضها للضرر أو الإتلاف، فقال تعالى في شأن المنافقين: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ [البقرة: 205]، وقال تعالى: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: 85].

وقد كان للإسلام السَّبْق في حماية البيئة ورعايتها والمحافظة عليها منذ اللحظة الأُولَى للتشريع، وذلك بوضع التشريعات والأحكام التي تَضمَن وجود بيئةٍ نظيفةٍ سليمةٍ كما خَلَقها الله تعالى، والمحافظة على مكوناتها، وحماية عناصر الحياة فيها.

بعض مظاهر حماية ورعاية البيئة في الإسلاممِن مظاهر حماية الإسلام للبيئة

أوَّلًا: حماية الماء: فللماء في الإسلام عناية فائقة، تَحدَّث عنه القرآن الكريم في مواضع كثيرة، بما يفيد أنَّه قوام الحياة الذي يجب الحفاظ عليه، فهو أصل كلِّ كائن حيٍّ، وبدونه لا عيش لإنسان أو حيوان أو نبات، قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ [الأنبياء: 30]، فبه يُسْقَى الزَّرْع، ومنه يَشْرَب الإنسان والحيوان، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ﴾ [النحل: 10]، وقال أيضًا: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ﴾ [السجدة: 27].

ولهذه الأهمية دعا الإسلام إلى المحافظة على الماء، فنهى عن الإسراف في استعماله، ولو كان للعبادة كالوضوء أو الغُسْل، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر بسعدٍ وهو يتوضَّأ، فَقَالَ: «مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ؟» قَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ» رواه الإمام أحمد في "مسنده"، وابن ماجه في "السنن".

كما نَهَى عن تلويث الماء؛ لأنَّ الماء إذا تلوَّث أصاب الإنسان والحيوان بأضرار جسمية، مثل تفشِّي الأمراض والأوبئة، فضلًا عن الأضرار الاقتصادية؛ مثل التأثير على الثروة السمكية، إلى غير ذلك.

ولهذه الأضرار وغيرها حذَّر الإسلام مِن تلويث الماء بجميع أشكاله، فنهى صلى الله عليه وآله وسلم أن يُبال في الماء الراكد، والعلَّة في ذلك: حمايتُه من أن يكون موطنًا للأمراض والأوبئة، وهذه العلة تَحدُث عند إلقاء الـمُخلَّفات -كالقمامة والحيوانات النافقة، ونفايات الصناعة إلى نحو ذلك- في المياه التي يَسقِي منها الناس زَرعَهم وبهائمهم.

ثانيًا: حماية الهواء؛ فالإسلام اعتبر أنَّ المحافظة على الهواء نقيًّا جزءٌ لا يتجزأ من المحافظة على الحياة نفسها، التي هي مقصد ضروري من مقاصد الشريعة، فهو مكوِّنٌ لا يقلُّ أهمية عن مكوِّن الماء، حيث إنَّه لا يمكن الاستغناء عنه، فهو أمر لازم لكل كائن حي إنسانًا كان أو حيوانًا أو نباتًا، فدعا إلى تشجير الأرض وزراعتها، ونهى عن تقطيع الأشجار لغير ضرورةٍ؛ لدورها في خلق توازن غازات الجو، من ذلك ما رواه الشيخان عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ».

يقول الحافظ ابن حجر الشافعي في "فتح الباري": [وفي الحديث فَضْل الغَرْس والزَّرْع والحضُّ على عمارة الأرض].

كما نهى الشرع الكريم عن تقطيع الأشجار لغير حاجة؛ لما له تأثير على جمال البيئة من جهة، ومن جهة أخرى حرمان الإنسان والحيوان من الاستفادة منها، إضافة لدورها في تلطيف الهواء والمناخ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَقْطَعُوا الشَّجَرَ، فَإِنَّهُ عِصْمَةٌ لِلْمَوَاشِي فِي الْجَدْبِ» رواه عبد الرزاق في "مصنفه".

ثالثًا: حماية الأرض؛ فقد أكَّد الإسلام ضرورة العناية بالأرض، واستصلاحها، ونهى عن الإفساد فيها في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، منها قوله تعالى: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ [الأعراف: 56].

ومن أوجه محافظة الإسلام على الأرض كونها أحد مكونات البيئة: النهي عن التَّخلِّي وقضاء الحاجة في الطرقات وأماكن جلوس الناس، كالظلِّ ونحوه، فروى الإمام مسلم في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ» قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ فِي ظِلِّهِمْ».

وكذا مِن أوجه المحافظة على الأرض: تحديد أماكن لقضاء الحاجة والتَّبوُّل، فروى أبو داود في "سننه" عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَبُولَ فَلْيَرْتَدْ لِبَوْلِهِ مَوْضِعًا».

كما نهى عن إلقاء النفايات والقاذورات في الطرقات وأماكن جلوس الناس؛ للحديث السابق، وللاشتراك في نفس علة الحكم وهي إيذاء المارة وإلحاق الضرر والنجاسات بهم.

قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم": [وأما قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ»: فمعناه يتغوَّط في موضع يمرُّ به الناس، وما نهى عنه في الظل والطريق؛ لما فيه من إيذاء المسلمين بتنجيس من يمر به ونتنه واستقذاره].

وفي المقابل حَثَّ الإسلام على إزالة النفايات والقاذورات من الأرض في الطرقات وأماكن جلوس الناس، فروى مسلم في "صحيحه" عن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: «عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا، فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الْأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيقِ، وَوَجَدْتُ فِي مَسَاوِي أَعْمَالِهَا النُّخَاعَةَ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ لَا تُدْفَنُ».

دار الإفتاء

وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ».

يضاف لذلك أنَّ الإسلام حثَّ أيضًا على مكافحة التصحُّرِ عن طريق الدعوة إلى إحياء الأرض الموات واستصلاحها وتشجيرها حتى لا تظل جرداء لا نفع فيها، من ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَعْمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ» رواه البخاري في "صحيحه".

كما حثَّ الإسلام على الزراعة والغَرْس؛ لما لها مِن أهمية كبرى في عمارة الأرض، وقيام الحياة والحفاظ على البيئة -ما دام المزروع مشروعًا-، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ» رواه الإمام أحمد في "المسند"، والبخاري في "الأدب المفرد".

رابعًا: حماية الحيوان؛ فالحيوان عنصر مهم من نظام الحياة في الأرض، جعل الله فيه فوائد متعددة للإنسان في جوانب كثيرة من أوجه الحياة؛ لذا حثَّ الإسلام على الرفق به وعمل على حمايته والمحافظة عليه والعناية به من ناحيتين، الأولى: الرفق به، والثانية: الحفاظ على وجوده وعدم انقراضه.

فأمَّا عن الرفق بالحيوانات؛ فالأحاديث النبوية عنه صلى الله عليه وآله وسلم كثيرة، منها الرفق في التعامل، والرفق عند الاستخدام، والرفق عند الذبح، ومن ذلك ما رواه أبو داود في "سننه" عن سهل ابن الحنظلية، قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ببعير قد لحق ظهره ببطنه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ، فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً، وَكُلُوهَا صَالِحَةً».

وعن شداد بن أوس رضي الله عنه أن رسول اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» رواه مسلم في "الصحيح".

كما نهى عن اللعب واللهو والتمثيل بالحيوان، فروى مسلم في "صحيحه"، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: «مَرَّ ابنُ عمر بفتيان من قريش قد نصبوا طيرًا، وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرَّقوا، فقال ابن عمر: «من فعل هذا؟ لَعَنَ اللهُ من فعل هذا، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعن من اتَّخذ شيئًا فيه الروحُ غرضًا».

وفي رواية البخاري في "صحيحه": «لعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مَثَّلَ بالحيوان».

كما أمر الشرع بالحفاظ على الحيوانات لتحقيق التوازن البيئي، وذلك من خلال تحذيره من إفناء السلالات الحيوانية في الطبيعة وحرصه على بقائها وعدم انقراضها، فعن عبد الله بن مغفَّل رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَوْلَا أَنَّ الْكِلَابَ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ لَأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا» رواه أصحاب السنن الأربعة.

وفي روايةٍ أخرى أخرجها الضياء في "الأحاديث المختارة" عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَوْلا أَنَّ الْكِلابَ أُمَّةٌ مِنَ الأُمَمِ لأَمَرْتُ بِقَتْلِ كُلِّ أَسْوَدٍ بَهِيمٍ».

قال الإمام أبو سليمان الخطابي في "معالم السنن": [معناه: أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم كرِهَ إفناءَ أمةٍ مِن الأمم، وإعدام جيلٍ مِن الخلق حتى يأتي عليه كلِّه فلا يبقى منه باقية؛ لأنه ما مِن خلقٍ لله تعالى إلَّا وفيه نوعٌ مِن الحكمة وضربٌ مِن المصلحة].

هذه هي بعض من مظاهر حماية ورعاية البيئة في الإسلام، بنى عليها الفقهاء وفرَّعوا عنها الكثير من الأحكام والقواعد التي تتضمَّن تحقيق غاية الإسلام من المحافظة على البيئة وعمارتها.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: البيئة الإفتاء دار الإفتاء الإسلام الإفساد رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم عن النبی صلى الله علیه وآله وسلم صلى الله علیه وآله وسلم قال ه صلى الله علیه وآله وسلم رضی الله عنه أ المحافظة على الإسلام على ف ی ال أ ر ض قال تعالى مسلم فی نهى عن عن أبی

إقرأ أيضاً:

أمير المؤمنين ويعسوب المتقين وكره اليهود لشخصه

 

 

الإمام علي بن أبي طالب –كرم الله وجهه- امتلك من الصفات والخصال الحميدة ما لا يمتلكه سواه؛ لأنه تربى في رعاية وعناية النبي محمد بن عبدالله –صلى الله عليه وآله وسلم-، ويكفي أن قال –صلى الله عليه وآله وسلم- عنه: “أنا مدينة العلم وعلي بابها”، وقوله عنه: “إنك مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي”، خصه بالعلم وأدبه بالأخلاق والصفات الحسنة، ومنحه الزهراء سكناً له، وهي “فلذة كبد أبيها”.
لم يسجد لصنم قط، وأدى الأمانات التي كانت عند النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- ليلة الهجرة، وقام بواجب البراءة حينما نزلت سورتها في مناسك الحج، وأهم مقاصده إعلان البراءة من الشرك والكفر، والتي عطل آل سعود مقاصد الحج، كما عطلوا مقاصد الإسلام والإيمان أولاً بالتشدد والتزمت، وأخيراً بالانحلال والتفسخ، فأباحوا المراقص والكازينوهات والاختلاط وأحلوا ما حرم الله.
من الحكم المأثورة عن الإمام علي –كرم الله وجهه-: “الناس أعداء ما جهلوا”، ولذلك فقد عمد الكارهون للمنهج النبوي إلى تجاهل تاريخ الإمام علي في كل شؤون الحياة؛ لأنه منهج يتسم بالبناء والإيجابية في بناء الشخصية الإنسانية للفرد والأسرة والمجتمع، وخاصة بعد أن استولى بنو أمية على الحكم واستعانوا باليهود كمستشارين لهم حتى أن الإمام زيد بن علي –رحمه الله ورضي عنه- دخل على هشام بن عبدالملك ووجد رجلاً عنده يسب رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- (يهودي) فقال له: يا كافر، لو تمكنت منك لاختطفت روحك، وعجلتك إلى النار، فقال هشام: مه عن جليسنا يا زيد”، فقد جمعت السلطة بين صنفين من المبغضين للإمام علي –كرم الله وجهه- وهو أمير المؤمنين- من حبه إيمان، وبغضه كفر ونفاق.
في حجة الوداع أرجف أناس من المنافقين حول الإمام علي -كرم الله وجهه- فأراد النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أن يعلمهم بمقامه، فقام فيهم خطيباً في مكان يسمى “غدير خم” بين مكة والمدينة، ثم قال: “كأني دعيت فأجبت، وإني تارك فيكم الثقلين، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض…….”، ثم قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: “إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن”ثم أخذ بيد علي -رضى الله عنه- فقال: “من كنت مولاه، فهذا علي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه” أخرجه النسائي في الخصائص، وأثبت ابن تيمية الحديث مع زيادة في حقوق آل البيت، “وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيثما دار، اللهم هل بلغت”.
تراجع الناس يوم خيبر فكان الإمام علي -كرم الله وجهه- الفارس الذي يفتح الله على يديه، قال رسول الله -صلى الله عليه وآله-: “لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه ليس بفرار، فدعا رسول الله علياً -رضوان الله عليه- وهو أرمد، فتفل في عينيه، ثم قال: “خذ هذه الراية حتى يفتح الله عليك”، ومضى حتى ركز رايته في رضم من حجارة تحت الحصن، وما رجع حتى فتح الله على يديه، حتى أن اليهودي سأله: من أنت؟، قال: علي بن أبي طالب، فقال: علوتم وما أنزل على موسى. (سيرة ابن إسحاق).
فاليهود أعداء للحق عن علم، ولكن بعض عداوة الجاهلين للإمام علي بن أبي طالب ناتجة عن جهل وتعصب وهوى، والجهل يذهب بالعلم، لكن التعصب والهوى يتمكن ويزداد.
في غزوة الخندق أسقط الإمام علي فارس قريش عمرو بن عبدود العامري الذي يُعد بألف فارس، فهو المقدام في المدلهمات، وهو العالم في المتشابهات والمصاعب، يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب –رضي الله عنه: “لولا علي لهلك عمر، ويل لمعضلة ليس لها أبو الحسن”.
وكذلك أثنى عليه الخليفة أبوبكر –رضي الله عنه، وعثمان، وكل صحابة رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- يعرفون فضله وعلمه وتقواه وورعه وزهده.
كان بحراً في العلوم والمعارف، وقدوة في الاتباع والسير على منهاج النبوة حتى ولو أدى ذلك إلى استقواء الظلمة والمجرمين عليه، قال ذات مرة: “والله ما معاوية بأدهى مني، ولكنه يغدر ولا أغدر، ويفجر ولا أفجر”، التزم الحق على نفسه طوال حياته، واستشهد وهو عليه، ومن العجيب أن يختلف الناس في حديث الغدير وتأويله، ورغم سعي الآخرين للاستيلاء على السلطة بعد الخلفاء الراشدين، مستندين إلى الروابط الجاهلية التي حطمها الإسلام، لم يحد الإمام علي –كرم الله وجهه- عن منهاج النبوة، حتى مع الذين خرجوا عليه وسلوا السيوف ضده، فما زال يوصي أصحابه بالرفق بهم، ويقول: “هم إخواننا بغوا علينا”.
أخبره النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- بأنه سيموت شهيداً، ولما جاء الأجل قال: “الحمد الله الذي رزقني الشهادة”، وأوصى أولاده –سلام الله عليهم- باستيفاء القصاص دون زيادة، ولا تمثيل.
ما تركه الإمام علي بن أبي طالب –كرم الله وجهه- من مبادئ وقيم إنسانية تنظم شؤون الحياة في شتى المجالات، ففي القضاء رسالته العظيمة للأشتر النخعي، وفي السياسة تلك المبادئ والقيم التي نحتاج إلى مؤلفات لشرحها، وفي الزهد والورع والإيمان أيضاً، فقد كان من شعاره: “يا دنيا غري غيري، فقد طلقتك ثلاثاً”.
ومن الغريب والعجيب أن الذي ينكر ولاية الإمام علي، وهي ثابتة بنص الحديث هو ذلك الاتجاه الذي يدافع عن السلطان والحاكم ويوجب له الطاعة حتى لو فعل ما يستوجب الكفر، مثل موالاة الكافرين واليهود والنصارى، وأباح ما حرم الله وما هو معلوم من الدين بالضرورة، كتحليل الخمر والزنا والفسوق وغير ذلك، أو أعاد بناء واستقدام الأصنام وشرع لها، ومن هنا نجد أن هذه الأفكار تعمل على محاربة ولاية الإيمان، وولاية المؤمنين، وتدافع عن ولاية المجرمين والطغاة –على حساب الإيمان والإسلام-، فهم يتحدثون عن صفاته، وواجب الأمة وعلماء الأمة في تبصيره ومواجهة أي بادرة انحراف عن منهج الحق والعدل، وهو ما أدى إلى الاستبداد والظلم والطغيان، واغتصاب حقوق الشعوب وإهدارها، والسعي لخدمة أعدائها؛ لأنهم يتحكمون في كل شؤونها، وبإمكانهم تولية من يريدون، وعزل كل من يخالفهم، فولاية الإمام علي –كرم الله وجهه- تحصين للأمة من اتباع اليهود والنصارى، واتباع الهوى والعمل بما يخالف توجيهات القرآن الكريم، والسنة النبوية على صاحبها وآله أفضل الصلاة وأتم التسليم.

مقالات مشابهة

  • عيد الغدير.. استحضار للبلاغ التاريخي وترسيخ لمبدأ الولاية في الإسلام
  • بداية نزول الوحي على النبي
  • الإفتاء توضح ضوابط الهديا إعطاءً وقبولًا
  • الحث على طلب العلم وبيان أهميته ومكانته في الإسلام
  • فى ظلال الهجرة النبوية المشرفة
  • حكم قول "الحمد لله حتى يبلغ الحمد منتهاه"
  • الإفتاء توضح مفهوم الحسد وبيان خطورته
  • أمير المؤمنين ويعسوب المتقين وكره اليهود لشخصه
  • كيفية بر الزوجة بعد موتها.. الإفتاء توضح