جريدة الرؤية العمانية:
2024-06-29@16:05:51 GMT

وكان الله بالسر عليمًا

تاريخ النشر: 26th, June 2024 GMT

وكان الله بالسر عليمًا

 

د. سليمان بن خليفة المعمري

يُعدُ المال عصب الحياة وقوامها وحبه جبلة بشرية ﴿‌وَإِنَّهُ ‌لِحُبِّ ‌الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾، ونظرا لأهميته في قضاء احتياجات الإنسان ومساهمته في تنمية ورفاهية الحياة كان حفظه مقصدا إسلاميا وأحد الضروريات الخمس الكبرى، ولطالما كان المال محل تقدير واهتمام العلماء والمفكرين، يقول المستشار المالي ديف رامزي" يجب أن تتحكم في أموالك وإلا فسوف تتحكم بك قلة الأموال للأبد"، وينصحنا رجل الأعمال وارن بافيت بقوله "القاعدة رقم (1): لا تخسر المال أبدًا، القاعدة رقم (2): لا تنس القاعدة رقم (1) أبدًا؛ فالمال ضيف عليك أن تُقابله بالترحاب وعدم تبديده وتبذيره".

إنَّ الإسراف في المال وتبذيره فيما لا طائل منه كفيل بنقل الإنسان من حالة الغنى والكفاية إلى حالة الفقر والعوز والحرمان يقول بنجامين فرانكلين" احذر من النفقات الصغيرة، فالتسرب الصغير يُمكنه أن يغرق سفينة كبيرة"، لذا نجد أن القرآن الكريم يذم سلوك الإسراف في أكثر من(23) موضعًا ويمتدح سلوك الوسطية والاعتدال "وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا"، فعلى الإنسان العاقل أن يُحافظ على ماله ويدخره وينفقه بطريقة راشدة واعية لينعم بحياة كريمة هانئة، وليعلم أنَّ الله سائله عن ماله "ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ"، ولله در الشاعر حين قال:

وَما المالُ وَالأَهلونَ إِلّا وَديعَةٌ

وَلا بُدَّ يَومًا أَن تُرَدَّ الوَدائِعُ

إلّا أنه ورغم كل ما سبق ونظرا لأننا في عصر "الرغبات اللانهائية" فإنَّ أحد أهم التحديات الاجتماعية التي تُواجه الكثير من مجتمعات العصر الراهن هو تفشي النزعة الاستهلاكية والشره والإفراط في اقتناء ما هو ضروري وغير ضروري بطريقة تفوق إمكانات وقدرات الفرد المادية، حتى لقب إنسان هذا العصر بـ" الإنسان المستهلك"، إذ صار ينقاد بكل سهولة ويسر لكل موضة وصيحة من صيحات الموضات والإعلانات التي زادت من سعار الاستهلاك المحموم وأشعلت أواره وجعلت الكثيرين يندفعون للشراء العشوائي، بل ربطت هذه الإعلانات سعادة الإنسان ورفاهيته بمدى اقتنائه لهذا أو ذاك النوع من الكماليات، وأصبح هناك من يمارس الاستهلاك والشراء والتسوق كسلوك قهري يستفز لديه مسارات اللذة ويشعر بعده بتغيير الحالة النفسية والمزاجية، وهناك من يتلهى بالتسوق والاستهلاك لملء فراغ يومه ويشتري ما يحتاجه وما لا يحتاجه مطبقًا مقولة "أنا أشتري.. إذا أنا موجود".

وفي تجربة مُثيرة حول أثر الإعلانات في سلوك الاستهلاك لدى الأفراد، تم تقسيم مجموعة من الأطفال إلى مجموعتين، وتم عرض إعلانين تجاريين عن إحدى الألعاب للمجموعة الأولى، ولم يشاهد أفراد المجموعة الثانية أي إعلانات، ومن ثم تمَّ الطلب من المجموعتين اختيار أحد الخيارين التاليين: اللعب مع طفل لطيف هادئ، ولكن ليست لديه اللعبة التي تم عرضها في الإعلانين أو اللعب مع طفل مشاغبٍ مؤذٍ معه اللعبة، فاختار الأطفال الذين رأوا الإعلانين اللعب مع الطفل المشاغب لأنَّ معه اللعبة، مما يدلل على أننا ننساق وراء المغريات الإعلانية حتى وإن كانت ليست في مصلحتنا، فالواقع أن لهذه الإعلانات مفعول السحر في خداع الفرد وخلق عادة الاستهلاك لديه وجعله لا يكف عن اللهاث باحثاً عن اللذة والسعادة على عتبات المحال التجارية وصفحات التسوق على الإنترنت وهيهات له ذلك.

هذه المقالة ليست دعوة للشُح والبخل والتقتير على النفس ولكنها نداء لكل ذي لب للتعامل بحكمة ورشد مع الإمكانات المادية والسيولة المالية التي لديه لعله يصل إلى أجمل عاقبة وأحمد مآل، والحذر من الانجراف وراء سيل الإعلانات وعبثها العاري من كل حكمة، وعدم متابعة مروجي الإعلانات الذين ملأوا الأرجاء بدعايات خادعة براقة كفيلة بأن تجرف معها كل النعم والأموال التي جمعها المرء كحصاد العمر وتعب السنين.

إنها دعوة لأن تمر عليك المناسبات والأعياد فتستقبلها بفرح وسرور حينما تتحكم بمصاريفك ولا تتكلف من الإنفاق والاستهلاك فوق السعة والطاقة، بل تكتفي بما هو ضروري ومُهم فقط و"كان الله بالسر عليمًا".

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

إسرائيل تعثر على نسخة حماس من لعبة "السلالم"

عثر جنود لواء "ناحال" الإسرائيلي، على نسخة من لعبة الأطفال الشهيرة "السلالم" خلال عمليات مسح داخل قطاع غزة تظهر أهدافا رئيسية للحركة.

وبحسب صحيفة "يديعوت إحرنوت"، اكتشف الجنود مخبأ للأسلحة أثناء عمليات المسح التي يقومون بها ومخطط اللعبة الشهيرة، ولكن حماس غيرت مصطلحاتها، حيث حملت عنوان "لعبة الوصول إلى القدس".

وفي صورة نشرتها الصحيفة تظهر الورقة الخاصة باللعبة وقد تم تقسيمها لمربعات حملت أسماء مناطق متل إسدود والخليل وعكا.

كما تظهر رسوم للدبابات والمقاتلين والصواريخ ضمن خطة اللعبة للوصول إلى القدس.

ومن بين الأسلحة التي تم العثور عليها قنابل يدوية، ومتفجرات، ومؤقتات لتفعيل المتفجرات، ومخازن، وغيرها.

ومع مرور أكثر من 8 أشهر على الحرب في قطاع غزة لم يتمكن أي طرف حتى اليوم من فرض معادلة قادرة على تسوية الصراع ووقف إطلاق النار.

وتتمسك كل من إسرائيل وحركة حماس بعدم التنازل عن مطالب ونقاط ضمن اقتراحات مطروحة من قبل وسطاء مثل اقتراح الرئيس الأميركي جو بايدن الأمر الذي يجعل كل عمليات التفاوض حتى اليوم دون جدوى.

مقالات مشابهة

  • مصطفى ميرغني: زول كان بسخر مننا ويضحك علينا عشان الحرب قامت عندنا في الخرطوم
  • سوريا ليست ضمن المعركة
  • إسرائيل تعثر على نسخة حماس من لعبة "السلالم"
  • جمال عنايت : حزب الله لديه القدرة على ضرب الداخل الإسرائيلي
  • القضايا المناخية أصبحت في صلب ألعاب الفيديو
  • عموته للأردنيين: لم أترك الأردن من أجل المال لكن ظروفي صعبة
  • فلسفة الصبر
  • خليل الشكيلي : يتدرج الذاكر لله عبر ثلاث مراحل وهي التخلي والتحلي والتجلي
  • عضو بـ«القومي لحقوق الإنسان»: ترشيد استهلاك الطاقة يحفاظ على الموارد
  • عضو «القومي لحقوق الإنسان»: حملة ترشيد الاستهلاك تتكامل مع جهود الحكومة