جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-03@03:00:23 GMT

محطات أساسية لتحقيق الذات (2)

تاريخ النشر: 26th, June 2024 GMT

محطات أساسية لتحقيق الذات (2)

 

 

سلطان بن محمد القاسمي

في مقالٍ سابقٍ، تطرقنا إلى فكرة أن رأس المال الحقيقي هو المعرفة، وأن الوقت يوازي قيمته بالذهب، فكلاهما، المعرفة والوقت، يحتاجان إلى تدبير وتخطيط دقيق، وإذا كنَّا قد اعتدنا على التصرف بعشوائية وارتجالية في أيام العمر وسنينه، وإهدار رأس المال من نقد ومعرفة وعلاقات، فإنِّه لحري بنا أن نوقف هذا النزيف القاتل، وأن نلتفت إلى أنفسنا بنظرة منصفة تدرك قيمة الحياة وقيمة الإنسان وقيمة الأيام.

دعونا نُسائِل أنفسنا عن العام الذي يرحل بأيامه وشهوره: هل حققنا فيه إنجازات ملموسة؟ أم أننا أضعنا فيه الكثير من الوقت والطاقة فيما لا فائدة منه؟ هل يعقل أننا لا نعرف كيف نوقف هذا الاستنزاف والتراجع في المكتسبات إلى الحد الذي نفرح فيه بمضي عام أضعنا فيه أكثر من 360 يومًا؟ ونتظاهر بأننا نحتفي بقدوم عام جديد... لكن على ماذا؟ يبدو أننا نعشق العيش في زمن المعجزات، فننتظر أن يكون عامنا الجديد مميزًا ومدهشًا. لا، يا أصدقاء، التغيير يبدأ مِنَّا نحن. نحن أصحاب القرار، وحاشا لله- عز وجل- أن ينصر قومًا رضوا بالكسل والقعود، وتركوا طريق الهِمَمِ العالية.

ولكي لا نمضي بعيدًا، ما الذي ينبغي أن نستعيده؟ أقول إنه لا بُد من وقفات جادة لمحاسبة النفس، وحشدها للمضي في نيل القمم، والمرور بمحطات للتزود لا للتوقف. ومن ذلك:

التركيز على الجودة بدلاً من الكم

هذه الاستراتيجية قد تختصر الطريق إلى النجاح بشكل لافت، وذلك من خلال تركيز الإنسان على نوعية الإنجاز بدلًا من كميته. يجب أن يتجنب الشخص إهدار وقته في الأنشطة غير الضرورية، مثل الذهاب والإياب دون حاجة، أو إضاعة يومه في تصفح الجوال وتطبيقاته دون هدف، ينبغي أن يكون هناك تركيز على الهدف وما يخدمه، لئلا نغفل عن الهدف. فعندما ينشغل الشخص بعد الأيام، قد يجد أن إنجازه مقتصرا على الذهاب للعمل والعودة منه، أو قضاء الوقت في تصفح البرامج التي لا تضيف شيئًا. فلا جدوى من موظف يقضي سنوات في العمل بمجرد توقيع وثائق، أو يحسب أن ذهابه وإيابه كافٍ لتحقيق إنجاز مُميز. بل يجب أن يتذكر أن كل واجب من واجباته الوظيفية أو المنزلية يجب أن يخدم هدفًا أكبر ينتظر التحقيق.

اكتشاف وتطوير أفضل ما فيك

يميل الإنسان بطبعه إلى التعلق بأشياء متعددة، ويحاول أن يرضي كل من حوله، أو يلبي كل ما تشتهيه نفسه. لكن الأهم هو التعرف إلى نفسه جيدًا، وتحديد الصفات أو القدرات والمهارات التي يتميز بها. يجب أن يركز على تطوير المهارات التي يمكن أن توصله إلى هدفه بدلًا من تشتيت وقته على جوانب متعددة دون تحقيق إنجاز حقيقي. فعلى الشخص أن يُحدد ميوله وإرادته القوية لتحقيق هدف معين، سواء كان ذلك في المجال العسكري، الأكاديمي، الأدبي أو غيره، وأن يضع خطة واضحة لتحقيق هذا الهدف دون تردد. هذا لا يعني أن المهارات لا تتعدد والإبداع لا يتسع، لكن المقصود هو التركيز من أجل التميز وتحقيق الهدف.

التركيز على الإيجابيات في الآخرين

مثلما يجب على الإنسان أن يركز على تطوير أفضل ما فيه، يجب أيضًا أن لا يشق نفسه في متابعة عثرات الآخرين وإخفاقاتهم. بدلًا من ذلك، يجب أن يركز على الجوانب الإيجابية في الآخرين. فلا يخلو أحد من عيوب، ولكن من المهم التركيز على الجوانب الجميلة والمحببة في كل شخص. إن التعامل مع الناس يتطلب منا رؤية الجانب المشرق فيهم، وعدم الانشغال بالعيوب التي قد تعكر صفو العلاقات وتؤثر على تقدمنا الشخصي. فالهدف هو معرفة الجوانب السلبية دون التورط فيها، والتركيز على ما يضيف قيمة إلى حياتنا من خلال العلاقات الإيجابية.

وفي ختام هذا التأمل.. نُدرِكُ أن الإنسان بحاجة إلى التركيز على نوعية الإنجاز، واكتشاف أفضل ما فيه وما في الآخرين، واستغلال ذلك لتحقيق أهدافه. إن النظرة الشاملة للحياة والعمل تجعلنا نفهم أن التغيير يبدأ من الداخل، وأننا نحن أصحاب القرار في رسم معالم حياتنا وتحقيق طموحاتنا. ولذا فإنَّ المحاسبة الدائمة للنفس والتحفيز المستمر هُمَا السبيل لتحقيق النجاح والتميز.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

«سوليفيجيا» لبريهان أحمد رواية نفسية تعيد اكتشاف الذات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تصدر قريبًا عن دار ريشة للنشر والتوزيع رواية "سوليفيجيا" للكاتبة الدكتورة بريهان أحمد، وتعد الرواية عملا روائيا نفسيا دراميا يتناول تأثير الماضي على الحاضر من خلال شخصية البطلة.
تدور الرواية في إطار زمني متداخل، حيث تُسلط الضوء على تجربة بيسان العاطفية والنفسية وسط اضطرابات الثورة المصرية عام 2011، مستعرضة علاقتها بأصدقائها وأحبائها في جامعة عين شمس.
تقدم الرواية تصورًا عميقًا عن حالة نفسية نادرة تُعرف باسم "سوليفيجيا"، التي تعني التعلق المرضي بالماضي والانفصال عن الواقع، مما يعكس أزمات الهوية والانكسارات العاطفية التي تواجهها البطلة. 
تتشابك الأحداث بين ذكريات حبها الأول والثاني، وتجاربها في المسرح، ومخاوفها من الوحدة، وصولاً إلى محاولتها البحث عن العلاج النفسي بمساعدة الطبيبة مريم يعقوب.
تستعرض الرواية مشاهد ثقافية وسياسية حية، حيث تتنقل الأحداث بين دار الأوبرا وبيت السناري، وتتناول أحداثًا محورية مثل زلزال 1992 وغرق عبارة السلام، مما يُضفي بعدًا تاريخيًا وإنسانيًا عميقًا.
بريهان أحمد، كاتبة وباحثة أكاديمية ومعلمة لغة عربية لغير الناطقين بها، وُلدت عام 1992 في حي حلمية الزيتون، تخرجت في كلية الآداب بجامعة عين شمس عام 2013، وحصلت على درجة الماجستير في الدراسات السردية عام 2019 عن رسالتها بعنوان "ثالوث المحرمات في الرواية العربية". كما نالت درجة الدكتوراه عن رسالتها "العبودية والإبادة العرقية في الرواية العربية: دراسة ثقافية في نماذج مختارة".
عملت في المجال الصحفي ولديها العديد من المقالات والدراسات الأدبية المنشورة في المواقع الصحفية والمجالات النقدية، تُعتبر مجموعتها القصصية "بقايا جيل التسعينيات 1992"، الصادرة عن دار ببلومانيا للنشر والتوزيع، أول أعمالها الأدبية المطبوعة.

مقالات مشابهة

  • أهم الفيتامينات اللازمة لتقوية الذاكرة وتحسين التركيز
  • النرجسية في عالم الفن السوداني: فهم الذات دون الغرور
  • مختار جمعة يحذر: الحديث عن الذات الإلهية دون علم يهدد العقيدة
  • محسن درويش: التركيز والإصرار والروح القتالية أهم عوامل الفوز
  • لو اشتريت موبايل جديد..خطوات أساسية لضمان تشغيله وتجنب المشكلات
  • جمال الزهيري: التركيز في الأخطاء التحكيمية منصب على الأهلي والزمالك.. فيديو
  • توجيهات سامية بالاستمرار في التركيز على العوامل الإيجابية المحفزة للنمو الاقتصادي
  • «سوليفيجيا» لبريهان أحمد رواية نفسية تعيد اكتشاف الذات
  • حصاد 2024.. أجمل الكتب التي بقيت راسخة في ذاكرة المبدعين
  • أقرع: وداعا يا ٢٠٢٤ سنة إكتشاف تفاهة الذات