جريدة الرؤية العمانية:
2024-11-26@08:39:57 GMT

المشيئة الكتابية

تاريخ النشر: 26th, June 2024 GMT

المشيئة الكتابية

 

 

 

صاحب السمو السيد/ نمير بن سالم آل سعيد

 

ها هي الورقة البيضاء بين يديك لتكتب فيها ما تشاء؛ هي لك في متناولك، اصنع فيها ما تشاء لتخطه على ورق.

حرية الرأي والتعبير مكفولة بالقانون، وهناك مسائل محظورة لا يجب التطرق إليها خارجة عن إطار حرية التعبير؛ لأنها عدوان وتهجم وتجاوز على القانون. ومنها التعدي على الذات الإلهية والذات السلطانية، وأيضًا كل ما من شأنه أن يُعرِّض سلامة الدولة أو أمنها الداخلي والخارجي للخطر، وكذلك المساس بالديانات والأخلاقيات العامة، وغيرها من محظورات واضحة ينص عليها القانون.

وما عدا ذلك، فبإمكان الكاتب أن يُعبِّر عن رأيه في إطار حرية التعبير، وهذا أبسط حقوقه حتى لا يشعر بالاختناق والانحباس الذاتي في بلده.

فماذا يتبقى إذا حصل ذلك، ووسائل النشر متاحة بحركة زر لتصل الكلمة إلى أي مكان وكل مكان دون رقيب؟!

يمكنك أيُّها الكاتب في ورقتك البيضاء أن تكتب عن النَّاس والأماكن والمواقف والحالات والظروف في إطار حرية التعبير؛ لأنك واثق من نفسك، مستقل مكتفٍ بما لديك مُدرك لحقوقك القانونية، لست ضعيفًا مُترددًا حبيس ذاتك؛ بل مُحق حر شجاع كالكلمة الشجاعة الواثقة التي تقولها.

والكلمة الذي يُخطّها الكاتب وتصل في كل مكان قد تُصحح المسار وتُغيِّر الحال، ويمكنك أن تكتب عن أشخاص في ورقتك البيضاء أو تمحهم كما كتبتهم هم أو غيرهم، وتكتب عن آخرين فيتواجدون في ورقتك البيضاء.

تختار في ورقتك البيضاء ما تكتبه؛ فينكتب بالأماكن والحالات والظروف الذي تريد. في ورقتك البيضاء تستطيع أن تُقدِّم الأشخاص أو تؤخرهم، تُبعدهم أو تُقرِّبهم، يُمكنك أن تحركهم أو توقفهم، تمنحهم أو تمنعهم، تستدعيهم أو تصرفهم. يمكنك أن تلغيهم أو تُبقيهم دون أن تُبدي الأسباب فيما كتبت ولماذا كتبت، فهي ورقتك البيضاء وعليها اسمك ورسمك. تكتبهم بخطوط قلمك، تخطهم بجرة قلمك ثم تتركهم هناك؛ حيث أردتهم يتبعون نمط السرد اللغوي.

يمكنك بكتاباتك في صفحتك البيضاء أن تتنقل في الأماكن، تكتب الرحيل فترحل، أو تكتب الحضور فتحضر! فيتحقق ما كتبت على الورق؛ فالقلم قلمك والورقة البيضاء بين يديك دون خوف أو تردد. تخلق عوالمك الكتابية، تختلط بها وتختلط بك تسرح في ملكوتها، ويبقى ما تكتب واقعًا تتفرع منه الأحداث والوقائع والحضور والغياب والذهاب والإياب والبُعد والقرب وما يكون وما لا يكون.

تُفصِّل أدوار الكتابة على مقاسك ومقاسات آخرين تُوجِدْهُم بقلمك فيتواجدون. يذهب أناس ويبقى آخرون، ويأتي أناس آخرون تمنحهم دورًا في ورقتك البيضاء، ممن تريد أن يكونوا في كتاباتك ولا شيء غير مشيئتك الكتابية تكون؛ فيتفاعل الشخوص مع الحالة، والحالة تتفاعل معهم، تتغير أحوالهم وظروفهم وأماكنهم ونفسياتهم وفق ما يخط قلمك. وتصيبهم الحالة بالأعراض الإنسانية التي تنال من واقعيتهم، ويصبحون هم الحالة، والحالة هُم، ويكتب القلم واصفًا وضعهم الذي تَغيَّر وشعورهم الذي تحول وأحوالهم التي تبدلت.

صفحة بيضاء وقلم تكتب عوالم كثيرة لتصبح سردية حياة، ترسم قصتك المختلفة المتنوعة التي تريد.

وإذا أردت أن تُحضِر شخصًا مغمورًا وتُظهِره في كتاباتك لتمنحه الدور الذي أردت دون أن تفسر ذلك في صفحتك البيضاء، فلا أحد سيسألك كيف أتى ومن أين أتى ولماذا أتى؟

وإذا بهذا الذي به أتيت يصبح واقعًا على ورق لأنك جئت به في صفحتك البيضاء، وإذا بمشهده يصبح متحركًا بعد أن كان مُتوقفًا، حاضرًا بعد أن كان غائبًا وظاهرًا بعد أن كان مُتواريًا.

وذلك الحاضر في صفحتك البيضاء إذا أردت أن تُبعده أو تُلغه، فسيُلغى، ولن يُصبح له ذكر أو وجود، وسيختفي ويتلاشى، لأنها ورقتك البيضاء ولك المشيئة الكتابية في كتابة ما فيها.

وأن يكون للمرء ورقة بيضاء يخط عليها كلماته التامات مسؤولية كبيرة لمن يفهمها.. كتابات أزلية ثابتة تبقى في محركات البحث الإلكتروني وسجلات الزمن، بعد أن كانت مجرد ورقة بيضاء ويفنى الإنسان وتبقى الكلمات.

فماذا ستكتب في قادم الأيام؛ فالورقة ورقتك، والقلم قلمك، وروايتك لا بُد أن تسردها حيثما توجد وتكون، هنا أوهناك أو في أي مكان! وأنت وحدك أيها الكاتب من ترسم كتاباتك كما تريد، لتظهر واقعًا مقروءًا، ولا يبقى إلّا ما تخطه يداك ليُكتب على ورقتك البيضاء. وأنت الحقيقي الباقي في المشهد الكتابي، وأنت من لا أحد يستطيع أن ينتزع ذلك منك، فبوركت من مكانةٍ وبورك من قلمٍ.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

رسالة من الكاتب الزعبي من سجن أم اللولو .. ((ليل السجن بارد ))

#سواليف

رسالة من الكاتب #احمد_حسن_الزعبي في معتقله من #سجن_أم_اللولو
(( #ليل_السجن_بارد ))

(( #رياح_الوحدة تتسرب الى روحي ، رغم اكتظاظ غرفة السجن بالنزلاء ،
في الليل تمسي #قضبان_الحبس أكثر وحشة، وأكثر قسوة ،و #الرياح تعبث بي .
المشمع (وضع بديلا) لزجاج أحد النوافذ ،سعال السجناء الحاد ،مزيج دخان السجناء ،صفير الريح الذي يمر من بين شقوق النوافذ …ورنين المفاتيح على خصر السّجان ..تبدد صمت الممرات .
عندما كنت حراً خارج السجن كان لي طقوسٌ مختلفة ومجنونة في #الشتاء ، ارتشفها كما ارتشف فنجان القهوة .
وعندما زجّ بي في السجن كاتباً صحفياً محباً لوطني .عرفت أن هذا المكان المسكون بالتناقضات و #التهم #المختبئة خلف #صمت_النزلاء و #القصص_المحزنة والمختلفة ،تشعرك كم أنت غريب ،وكم هو #ليل_السجن_بارد ))

مقالات ذات صلة الاحتلال يزعم احباط تهريب أسلحة من الأردن 2024/11/25

مقالات مشابهة

  • حنان أبوالضياء تكتب عن: الهوية الأنثوية المشوشة فى Wild Diamond
  • رسالة من الكاتب الزعبي من سجن أم اللولو .. ((ليل السجن بارد ))
  • عبادة بعد الفجر تكتب لفاعلها أجر عمرة وحجة.. ماهي؟
  • عيدروس الزبيدي يؤكد أهمية حرية الملاحة في البحر الأحمر خلال لقاء مع ممثلي الاتحاد الأوروبي
  • شيخة الجابري تكتب: «التثقيف زمن التأفيف»
  • باحثة علاقات دولية: بند حرية الحركة لإسرائيل يبيح خرق السيادة البرية والجوية للبنان
  • إلهام أبو الفتح تكتب: امسك مزيف
  • «الإصلاح والنهضة»: استبعاد 716 اسما من قوائم الإرهاب يؤكد حرص الدولة على حرية المواطنين
  • لي يدان لأكتب.. باكورة مشروع غزة تكتب بأقلام غزية
  • توكل كرمان: ما يجري في السعودية كبلد يجرم حرية التعبير "تسليع للمرأة وانتهاك لكرامتها"