كييف، موسكوـ في وقت تواصل فيه أوكرانيا عمليات استهداف السفن الروسية والمواقع والمنشآت الحيوية داخل أراضي روسيا، واصفة ذلك بالتحول الكبير في مسار الحرب الدائرة بين الجانبين، يرى خبراء روس أن الهدف الرئيسي من تلك العمليات هو التغطية على فشل الهجوم الأوكراني المضاد ورفع الروح المعنوية للعسكريين الأوكرانيين.

وخلال الأيام القليلة الماضية، التي كانت فيها المسيرات الجوية والبحرية عنوانا رئيسيا للتطورات، كثرت تصريحات المسؤولين الأوكرانيين المعلنة عن "توسيع جغرافية القصف"، وتهديد وجود روسيا العسكري في البحر الأسود.

ويربط خبراء هذا التصعيد بأمرين، أولهما استغلال أوكرانيا التطوير الذي تم في صناعاتها العسكرية منذ بدء الحرب، وثانيهما الحاجة إلى إنقاذ عمليات تصدير محاصيلها الزراعية، التي توقفت عمليا بعد انسحاب روسيا من اتفاقية الحبوب أواسط الشهر الماضي.

إيلام روسيا

وفي حديث للجزيرة نت، أوضح الخبير العسكري الأوكراني أوليكسي هيتمان أن كييف مُنعت في السابق من استخدام صواريخ الحلفاء لضرب العمق الروسي، ولهذا كان لزاما عليها تطوير صواريخ، وصناعة طائرات مسيّرة قادرة على إيلام "العدو" في أكثر مواقعه حساسية، "وهذا ما يحدث، أوكرانيا دولة مصنعة للسلاح، والحرب أعادتها بقوة إلى هذا المجال".

وتابع في السياق ذاته أن "استهداف أوكرانيا جسر القرم وسفن روسيا في البحر الأسود كان ضرورة لإنقاذ شريان حياة الاقتصاد الأوكراني (الصادرات البحرية)، وأعتقد أنه تحرك ناجح للغاية، كشف عن كثير من العيوب لدى أسطول روسيا، وغطى على تعثر العمليات المضادة في الشرق".

وفي سياق آخر، رأى الخبير الأوكراني أن "هذه الخطوات المتلاحقة ستزيد ثقة وحماسة الغرب لتزويد كييف بمزيد من الدفاعات والأسلحة، وربما حتى لرفع الحظر عن استخدام بعضها ضد روسيا، التي لم تستطع دفاعاتها اعتراض كثير من المسيرات الأوكرانية الحديثة الصنع والتجربة".

عقدة الكم والنوع

لكن الهاجس الأكبر بالنسبة للأوكرانيين هنا، وعند كل تصعيد وفي كل جبهة، هو تفوق روسيا بالكم العددي، الذي لا تستطيع أوكرانيا مجاراته بسهولة، لا بجنودها، ولا بأسلحتها، ولا بدعم شركائها.

ويرى الخبير العسكري في المعهد الوطني للدراسات الإستراتيجية ميكولا بيليسكوف -في حديث مع الجزيرة نت- أن "تهديد الأسطول الروسي وإبعاده سيحمي الموانئ والمقاطعات الجنوبية وغيرها من القصف، وقد يؤثر أيضا على شدة المعارك في جبهات القتال لصالحنا".

وتابع أن بعض الطائرات والزوارق المسيرة غيرت المشهد جزئيا لمصلحة أوكرانيا خلال الأيام الماضية، ولكن، روسيا ردت -أمس السبت- فقط بإطلاق عشرات الصواريخ والطائرات المسيرة، التي استهدف بعضها مصنع "موتور سيتش" لصناعة الطائرات ومحركاتها.

وأضاف: "ما أريد قوله هو أن الاسترخاء والحديث عن تحول جذري أمر سابق لأوانه، استمرار إنتاج الطائرات وتنفيذ العمليات الأوكرانية، وإجبارها على تغيير مواقف موسكو السياسية والعسكرية لصالحنا، هو الذي سيكون مؤشر النجاح الحقيقي".

تشكيك في القوة

وعلى الجانب الروسي، في الوقت الذي يعترف فيه مراقبون روس بأن أوكرانيا باتت حاليا تمتلك كل شيء لإنتاج طائرات هجومية بدون طيار وتتمتع بأسطول كبير منها، إلا أن عددا منهم يشكك في قدرة هذه النوع من السلاح على إحداث تغيير وازن في مجريات المعارك، مستشهدين في هذا السياق بارتفاع حجم الخسائر التي طالت القوات الأوكرانية في الأفراد والمعدات، لا سيما خلال الشهرين الماضيين، وعلى جميع محاور القتال.

في كل الأحوال، باتت التطورات المتسارعة في مسرح عمليات البحر الأسود تحظى باهتمام غير مسبوق داخل روسيا، لا سيما بعد انسحابها من صفقة الحبوب، وارتفاع وتيرة الضربات الروسية في هذه المنطقة، التي كان أبرزها استهداف ميناء أوديسا الحيوي مؤخرا وتعطيله بشكل شبه كامل.

وفي هذا السياق، يرى العقيد احتياط فيكتور ليتوفكين -في حديث للجزيرة نت- أن وقف العمل بصفقة الحبوب منح روسيا هامش حرية أكبر في تسديد ضربات مزدوجة، عسكرية واقتصادية لكييف، كما وضع السفن الأجنبية التي كانت تستغل الممر المائي لنقل الحبوب في نقل أسلحة لأوكرانيا أمام تحد حقيقي بحيث يمكن أن يعرضها للقصف الروسي، على حد قوله.

ارتفاع وتيرة الضربات

ويشير ليتوفكين إلى أن الهجوم الضخم الذي شنته طائرات بدون طيار على شبه جزيرة القرم يدل على أن القوات الأوكرانية، التي يقودها حلف شمال الأطلسي (الناتو) لا تزال تأمل في الاستيلاء على شبه الجزيرة، مشددا على أن روسيا باتت تحتاج أكثر إلى التركيز على دفع القوات الأوكرانية إلى أبعد حد ممكن عن حدودها.

كما يتابع بأن موسكو باتت كذلك بحاجة إلى مزيد من تطوير نظام مواجهة المسيرات الأوكرانية، التي ازداد مدى طيرانها ليصل إلى ألف كيلومتر تقريبا، وهو ما برز في تكرار محاولات استهداف مواقع داخل العاصمة موسكو وضواحيها، فضلا عن استهداف السفن والبوارج الروسية في البحر الأسود.

وأوضح أن الهجمات الأوكرانية باستخدام المسيرات كانت تحصل في السابق بمعدل مرة واحدة تقريبا في الشهر، أما الآن فقد اتسع نطاق ضرباتها وباتت شبه يومية.

لكن الباحث في قسم التحليل السياسي بمعهد بليخانوف، الكستدر بيريندزيف، يُرجع ارتفاع وتيرة الضربات الأوكرانية باستخدام المسيرات الجوية والمائية، وتوزيعها بشكل متزامن على كل من القوات البحرية الروسية وكذلك على العاصمة موسكو، إلى وجود مجموعات خاصة أو عملاء يقومون بمساعدة كييف في تنفيذ تلك الهجمات.

 

فاعلية محدودة

لكن بيريندزيف مع ذلك يلفت إلى أنه لم تتحقق في المحصلة أي جدوى عسكرية من خلال مثل هذه الضربة، إذ تضررت المباني السكنية العادية فقط.

ويؤكد الباحث الروسي أن فاعلية الضربات "محدودة للغاية وهدفها الأساسي يكمن في محاولات كييف التغطية على فشل الهجوم المضاد ورفع الروح المعنوية المتدنية لدى العسكريين الأوكرانيين"، على حد تعبيره.

وحسب بيريندزيف، فإن كييف أمام هذه المعطيات تأمل في توجيه ما أمكن من رسائل ميدانية لتبيان جدوى المساعدات الغربية وضرورة الاستمرار في تقديمها، وفي الوقت ذاته رد الاعتبار بعد استهداف الموانئ الأوكرانية وخطر توقف الصادرات الأوكرانية، واستدراج روسيا لردود أفعال تبرر لصناع القرار في كييف طلب مزيد من التدخل والمساعدات الغربية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: البحر الأسود

إقرأ أيضاً:

روسيا تتحدث عن تقدم بشرقي أوكرانيا

قالت روسيا اليوم السبت إنها سيطرت على قرية شرقي أوكرانيا وأسقطت 8 طائرات مسيرة، في حين أعلنت كييف أن أنظمة دفاعها الجوي أسقطت 24 مسيرة روسية، مشيرة إلى إصابة 3 أشخاص جراء قصف روسي شرقي البلاد.

وأوضحت وزارة الدفاع الروسية أن قواتها سيطرت على قرية سوكيل على بعد نحو 30 كلم شمال غربي مدينة دونيتسك عاصمة المنطقة التي تحمل الاسم نفسه والتي ضمتها موسكو في سبتمبر/أيلول 2022.

روسيا قالت إن قواتها سيطرت على قرية سوكيل على بعد نحو 30 كلم شمال غربي مدينة دونيتسك (الجزيرة) إسقاط مسيّرات

وأضافت وزارة الدفاع الروسية أن دفاعاتها الجوية أسقطت 8 طائرات مسيرة فوق منطقتي كورسك وبيلغورود أطلقت من أوكرانيا، في حين قالت السلطات في منطقة كراسنودار بجنوب روسيا إن مستودعات نفط عدة اشتعلت فيها النيران بعد هجوم شنته أوكرانيا بطائرات مسيرة في الليلة الماضية.

وفي المقابل، قالت القوات الجوية الأوكرانية إن أنظمة الدفاع الجوي أسقطت 24 طائرة مسيرة روسية من أصل 27 تم إطلاقها فوق 12 منطقة بالبلاد في هجوم خلال الليل.

كذلك أفادت السلطات الأوكرانية بإصابة 3 أشخاص جراء قصف روسي استهدف مجمعا سكنيا في مدينة دنيبرو شرقي أوكرانيا، لافتة إلى أن القصف أدى إلى أضرار في عدد من الأبنية السكنية والمحال التجارية في المجمع.

ويأتي ذلك في ظل تقارير عن صعوبات يواجهها الجيش الأوكراني تتعلق بالتجنيد والحصول على مزيد من الأسلحة والذخائر من الغرب، مع مواصلة القوات الروسية التقدّم ميدانيا "ببطء" منذ أشهر.

ويترافق ذلك مع تحذيرات متكررة يطلقها المسؤولون الأوكرانيون من أن موسكو قد تحاول مهاجمة المناطق الحدودية الشمالية الشرقية، وهو ما يزيد -وفق تقارير- من تفوقها في الوقت الذي تعاني فيه أوكرانيا من تأخير المساعدات الغربية.

بوتين (يمين) خلال استقباله أوربان في الكرملين (الفرنسية)

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال الجمعة خلال لقائه رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان في الكرملين إن أوكرانيا غير راغبة في إنهاء الحرب المستمرة منذ عامين ونصف، وقال إن أفكاره عن كيفية إنهاء الصراع هي الطريق للمضي قدما وبدء المفاوضات.

وجدّد بوتين شروطه مقابل أي عملية سلام، والتي تتمثل بانسحاب السلطات الأوكرانية من دونيتسك ولوغانسك وزاباروجيا وخيرسون، والتخلي عن طموحاتها بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وهو أمر رفضته أوكرانيا في وقت سابق، وأكدت أنه غير مقبول ويمثل استسلاما.

وانتقدت أوكرانيا زيارة أوربان لموسكو، وقال الاتحاد الأوروبي إن الزيارة تهدد بإضعاف موقف التكتل من النزاع.

وجاءت الزيارة بعد أيام على تولّي المجر الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، وأبلغ بوتين أوربان بأنه يتوقع منه أن يحدد "موقف الشركاء الأوروبيين" بشأن أوكرانيا.

مقالات مشابهة

  • الدفاع الجوي الروسي يدمر 7 طائرات مسيرة أوكرانية بهذه المنطقة
  • روسيا تدمر 7 طائرات مسيرة أوكرانية في أجواء مقاطعة بيلغورود
  • روسيا تتحدث عن تقدم بشرقي أوكرانيا
  • ريابكوف: هجمات أوكرانيا الوحشية ضد المدنيين لن تبقى دون رد
  • مسيرات أوكرانية تستهدف مستودعات نفط في روسيا.. والأخيرة ترد
  • أوكرانيا لا تعارض زيارات من قِبل الدول لروسيا لكن بوجود ممثل لها
  • قائد البحرية الأوكرانية: روسيا تفقد السيطرة على محور شبه جزيرة القرم
  • جون كيري: أوكرانيا لن تنتصر في الصراع مع روسيا
  • استطلاع رأي: التفاؤل الأوكرانى بالنجاح فى الحرب يتعارض مع الشكوك الأوروبية
  • الدفاع الروسية… استهداف شركات أسلحة ومصفاة نفط أوكرانية