أنقرة- يستعد البرلمان التركي خلال الأيام القادمة لمناقشة مشروع قانون تقدم به حزب العدالة والتنمية لمعالجة ظاهرة الكلاب الضالة، والتي أصبحت تشكل قلقا متزايدا في البلاد.

وأنهت مجموعة حزب العدالة والتنمية في البرلمان التركي العمل على إعداد مسودة مشروع لتعديل القانون رقم 5199، مع التركيز على إدخال تغييرات جوهرية على المادة السابعة من قانون حماية الحيوانات.

ويشمل القانون المقترح لوائح جديدة لتحسين ظروف إيواء الكلاب الضالة، حيث تلتزم البلديات بتصوير الكلاب في ملاجئها بعد جمعها من الشوارع ونشر إعلانات للتبني عبر الإنترنت. ومن ثم تُمنح فترة مدتها 30 يوما، وإذا لم يتم تبني الكلاب خلال هذه الفترة، يتم إنهاء حياتها بطرق غير مؤلمة باستخدام الحقن، في إجراء يُعرف بـ"القتل الرحيم" لتخفيف معاناتها.

كما تتضمن التعديلات المقترحة فرض غرامة قدرها 50 ألف ليرة تركية (حوالي 1500 دولار) على الأشخاص الذين يتركون حيواناتهم الأليفة في الشوارع بعد تبنيها، بدلا من الغرامة السابقة التي كانت تبلغ 5 آلاف ليرة (حوالي 150 دولارا).

بالإضافة إلى ذلك، سيتم زرع رقائق إلكترونية في الكلاب المتبناة لمراقبة مدى التزام المتبنين بمسؤولياتهم تجاه الحيوانات، مما يضمن الرعاية الجيدة لها بعد التبني. وتهدف هذه التعديلات بشكل عام إلى تحسين إدارة ورعاية الكلاب الضالة وضمان حقوقها في حياة كريمة حتى يتم تبنيها.

رعاية الحيوانات لا سيما القطط والكلاب تعدّ من التقاليد التي تميز المجتمع التركي (الأناضول) تهديدات جدية

تعتبر الكلاب والقطط الشاردة، التي تقدر أعدادها بالملايين في مختلف أنحاء تركيا، جزءا أساسيا من الحياة اليومية للأتراك، حيث يعتني كثيرون منهم بهذه الحيوانات. وتعد مشاهد القطط والكلاب المستلقية في شوارع إسطنبول وأنقرة جزءا لا يتجزأ من مشهد المدينة العام.

ومع ذلك، فإن ارتفاع عدد الضحايا من الوفيات والإصابات بسبب الكلاب الضالة خلال السنوات الأخيرة دفع جمعيات تسعى إلى "شوارع خالية من الكلاب"، إلى إقناع الحكومة بسن مشروع قانون لمكافحة انتشار الكلاب الضالة في جميع أنحاء تركيا.

وقدرت الحكومة عدد هذه الكلاب بنحو 4 ملايين، وأكدت أن إحصاء أعدادها بشكل دقيق غير ممكن بسبب تكاثرها لمرة أو مرتين خلال العام، وولادتها ما بين 6 و8 جراء في المرة الواحدة، في حين صرح وزير الزراعة والغابات إبراهيم يوماكلي عام 2022 أن العدد قد يصل إلى 10 ملايين.

وتعكس هذه التقديرات الحاجة الماسة لإيجاد حلول مستدامة لهذه المشكلة، بما يضمن سلامة المواطنين والحفاظ على التقاليد الثقافية التي تميز المجتمع التركي.

ومن جانبها، كشفت جمعية "الشوارع الآمنة" عن إحصائيات صادمة تتعلق بخسائر الأرواح نتيجة هجمات الكلاب الضالة، إذ فقد 31 شخصا حياتهم في عام 2022، و31 آخرون في عام 2023، و12 في عام 2024، ومن بين هؤلاء الضحايا 25 طفلا.

وكانت السلطات الصحية التركية قد فرضت حظرا على 12 منطقة مختلفة خلال السنوات الخمس الأخيرة، خوفا من انتشار داء الكلب. وكان آخر هذه الإجراءات مطلع يونيو/حزيران الجاري، على حيين سكنيين في ولاية شانلي أورفا، الواقعة جنوبي البلاد، وذلك بعد رصد كلبين مصابين بداء الكلب في شوارع الحيين.

الحاجة لحل جذري

من جانبه، قال مراد بينار، رئيس جمعية "الشوارع الآمنة"، في حديث للجزيرة نت، إن مطالب جمعيته تتركز على ضرورة السيطرة على الكلاب الضالة التي تشكل خطرا كبيرا على سلامة المواطنين، ولا سيما الأطفال. وأشار إلى أن الكلاب حيوانات تتصرف بفطرتها ودون وعي، مما يجعلها بحاجة إلى توجيه ورعاية من الإنسان.

وأضاف أن 91% من الكلاب الضالة في تركيا قادرة على نقل داء الكلب للبشر، مما يبرز الحاجة الماسة إلى حل سريع وجذري لهذه المشكلة، داعيا الحكومة إلى اتخاذ إجراءات فعالة وعاجلة للحد من انتشار الكلاب الضالة وحماية السكان من المخاطر الصحية المحتملة.

وأشار بينار، إلى أن هناك شوارع باتت معروفة لدى الناس في إسطنبول وأنقرة بأنها أماكن تجمع للكلاب، على الرغم من أنها في مناطق سكنية، وهو ما يؤثر على نمط المعيشة الهادئ والآمن للمواطنين.

وحذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من خطر المشكلة على البلاد قائلا "لا توجد دولة من دول العالم المتقدمة تعاني من مشكلة الكلاب الضالة مثلنا. حتى إن بعض الدول بدأت تحذر مواطنيها من خطر داء الكلب والكلاب الضالة قبل سفرهم إلى تركيا"، موضحا أن هذه القضية باتت تشكل تهديدا لقطاع السياحة التركي.

وشدد أردوغان على ضرورة "الانتقال إلى أساليب أكثر جذرية" في التعامل مع هذه المشكلة، مؤكدا أنه لا ينبغي على أحد التشكيك في "رأفة حكومته" تجاه الحيوانات، إلا أن الأولوية تبقى لسلامة وصحة المواطنين والسياح على حد سواء.

نشطاء حقوق الحيوان في احتجاج ضد مشروع قانون "العدالة والتنمية" بشأن الكلاب الضالة (غيتي) معارضة القتل الرحيم

على الجانب الآخر، تعترف المعارضة التركية بوجود مشكلة أمنية ناجمة عن الكلاب الضالة في الشوارع، إلا أنها تعارض بشدة عمليات القتل الرحيم لهذه الكلاب، معتبرة إياها مخالفة للقيم الإنسانية ومبادئ الشعب التركي المحب للحيوانات.

ولم يقتصر هذا الانتقاد على حزب الشعب الجمهوري فحسب، بل أعرب فاتح أربكان، رئيس حزب الرفاه الجديد المحافظ، عن رفضه لمشروع القرار، واصفا إياه بأنه يتعارض مع القيم الإسلامية والإنسانية. ودعا أربكان إلى إيجاد حلول أكثر فعالية للمشكلة دون الإضرار بالحيوانات، مشددا على ضرورة التعامل معها بطرق تحترم الحياة وتراعي حقوق جميع الكائنات.

وفي نفس السياق، أعربت نقابة الأطباء البيطريين التركية عن معارضتها إدراج أي خطط للقتل الرحيم في القانون، واعتبرت في بيان أن القتل ليس حلا، مؤكدة إمكانية خفض عدد الكلاب في وقت قصير من خلال التعقيم الفعّال.

من جانبها، قالت الناشطة في مجال حقوق الحيوان، إيكين إشيك، للجزيرة نت إن "قرار قتل الحيوانات، سواء كان بطرق رحيمة أو غير رحيمة، بدلا من العناية بها ومعالجة المرضى منها، يُعتبر ضربة كبيرة لجميع القوانين الإنسانية والإسلامية، وهو أمر غير مقبول".

وأوضحت إشيك، أن المشكلة الكبرى في المشروع تكمن في العدد الكبير للكلاب الضالة، مما يقلل من فرص تبنيها جميعا، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يواجهها المواطنون حاليا، مما يعني أن عددا كبيرا منها سيتم التخلص منه.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الکلاب الضالة القتل الرحیم

إقرأ أيضاً:

محللون: تركيا قد تكون شريكاً رئيسياً في هيكلة الأمن الأوروبي

يقول دبلوماسيون ومحللون، إن تركيا برزت كشريك رئيسي محتمل في إعادة هيكلة الأمن الأوروبي، في وقت تسعى فيه القارة جاهدة لتعزيز دفاعها والبحث عن ضمانات لأوكرانيا، في أي اتفاق لوقف إطلاق النار، يتم التوصل إليه بمساعي من الولايات المتحدة.

وتشعر الدول الأوروبية، بالقلق من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا، والتي شكلت تحولاً جذرياً في سياسة واشنطن وأنهت عزلة روسيا، مع ورود احتمال للتقارب أيضاً، وزادت في المقابل الضغوط على كييف بعد مشادة غير مسبوقة مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وعرضت العلاقات عبر الأطلسي للخطر.

Turkey could be a vital partner as Europe, Ukraine seek new security framework https://t.co/paYvBR8acn

— The Straits Times (@straits_times) March 13, 2025

ويقول محللون إن "مساعي الأوروبيين للحفاظ على القدرات العسكرية لأوكرانيا، والاتفاق على ضمانات أمنية بالتوازي مع تعزيز دفاعاتهم دون واشنطن، أتاح فرصة نادرة لتركيا لتعميق العلاقات مع أوروبا، رغم خلافات مستمرة بشأن سيادة القانون ومشكلات بشأن الحقوق البحرية مع اليونان وقبرص، ومحاولة أنقرة التي تراوح مكانها منذ فترة طويلة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي".

وقال سنان أولجن، الدبلوماسي التركي السابق ومدير مركز الدراسات الاقتصادية والسياسة الخارجية: "الدول الأوروبية التي اعتقدت حتى اليوم أنها تتمتع برفاهية إقصاء تركيا ترى الآن أنها لم تعد قادرة على استبعادها".

وقال رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، بعد محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أنقرة، أمس الأربعاء، إنه قدم "مقترحاً واضحاً لتركيا لتتحمل أكبر قدر ممكن من المسؤولية المشتركة، من أجل السلام في أوكرانيا والاستقرار الإقليمي".

أردوغان يدعم هدنة "الجو والبحر" في أوكرانيا - موقع 24قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الجمعة، إنه يؤيد فكرة الهدنة "في الجو والبحر"، التي اقترحها نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

وقال دبلوماسي أوروبي كبير إن "تركيا لديها وجهات نظر مهمة للغاية، بشأن ما هو مطلوب لتحقيق السلام في أوكرانيا". وأضاف أن "أردوغان نجح في تحقيق توازن في علاقته مع زيلينسكي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال الحرب، لذلك من المنطقي أن يكون مشاركاً".

ولدى تركيا ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي. وبدأت في السنوات القليلة الماضية في إنتاج طائراتها ودباباتها وحاملات طائراتها، كما تبيع طائرات مسيرة مسلحة لدول حول العالم بما في ذلك إلى أوكرانيا. وبلغ إجمالي صادراتها من الصناعات الدفاعية 7.1 مليار دولار في 2024.

ويقول أردوغان ووزير الخارجية هاكان فيدان، إن على أوروبا إشراك تركيا في إعادة هيكلة بنيتها الأمنية بطريقة "مستدامة ورادعة".

وقال مسؤول تركي طلب عدم ذكر اسمه، إن ليس هناك أي خطط واضحة حتى الآن بشأن هيكل أمني أوروبي جديد، أو المساهمات المحتملة لتركيا فيه، لكن هناك خطوات من شأنها أن تعزز التعاون.

وأكد مسؤول بوزارة الدفاع التركية، أن أنقرة وأوروبا لديهما مصالح مشتركة من بينها مكافحة الإرهاب والهجرة، وأن المشاركة التركية الكاملة في جهود الدفاع التي يتبناها الاتحاد الأوروبي، أمر بالغ الأهمية، لكي تصبح أوروبا لاعباً عالمياً. وأضاف أن تركيا جاهزة لفعل ما في وسعها للمساعدة في تشكيل الإطار الأمني الجديد.

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية التركي: منظمات إرهابية تحاول استغلال الوضع في سوريا
  • وزير الخارجية التركي: لا تنازلات بشأن الحكم الذاتي في سوريا
  • تركيا تسعى لتمديد الإعفاء الممنوح لبنك غازبروم
  • الأنبار.. الكلاب السائبة تهدد سلامة الأطفال ومناشدات للتدخل
  • تعذيب خروف يثير الغضب في تركيا.. والنيابة تتحرك
  • الحياة البرية فى خطر.. أوامر ترامب تهدد أنواعًا من الحيوانات بالانقراض
  • الوطني الاتحادي يناقش مشروع قانون المنصة الوطنية للزكاة
  • "الوطني الاتحادي" يناقش المنصة الوطنية للزكاة واستدامة الوقف
  • محللون: تركيا قد تكون شريكاً رئيسياً في هيكلة الأمن الأوروبي
  • معاً تسهم في إطلاق 51 مشروعاً مؤثراً في قطاعات متعددة خلال 2024