عربي21:
2025-04-26@11:42:02 GMT

المشروع الصهيوني ومشاريع تفكيك العالم الإسلامي

تاريخ النشر: 26th, June 2024 GMT

المتابع للحرب الأهلية الكارثية التي تتوسع يوميا في السودان، وما يبدو فيها من مظاهر تفكيك الدولة وتمزيق المجتمع الذي يجري على قدم وساق وبشكل منهجي، لا بد وأن يقفز إلى ذهنه مشاريع التقسيم، التي يقترب منها العقل العربي بحذر طوال القرن الماضي، وذلك منذ "سايكس بيكو" التي وضعت الأساس لهذا التقسيم، فها هي تكمل المشوار وصولا للتفتيت!

وإذا التفت شرقا أو غربا، في محاولة تلمس أوضاع العالم العربي والإسلامي، ستجد قريبا من المشهد الدامي في السودان، مشاهد أخرى أخذت خطوات متقدمة في نفس المسار، وإن لم تبلغه بعد بهذه الصورة، كما نرى في الصومال، والعراق، ولبنان، وسوريا، وليبيا، واليمن.



ومن المؤسف أنك إذا أردت أن تتصور ما يتعرض له العالم العربي والإسلامي، من أزمات سياسية، ومشكلات اقتصادية، وتهديدات أمنية واستراتيجية، وكوارث مجتمعية، وحروب أهلية، فإن أيسر طريق لذلك هو أن تلتقط المنظار الصهيوني، لتلقى منه نظرة ولو سريعة على ما يجري بساحات المنطقة المختلفة، فهو المنظار الأدق، الذي يمكنه أن يجعلك تشاهد كل ذلك بكل وضوح، كما يكشفه لك بسهولة ويسر!

كان سعي الغرب دائما للسيطرة على منطقتنا مصحوبا بالعمل على تقسيمها، الذي يقتضي اليوم العمل على تفتيت المفتت، وتجزئة المجزّأ من الأقطار الإسلامية، وذلك لتحويل الشرق الإسلامي إلى جزر منعزلة، على أسس دينية ومذهبية وعرقية
فالحقيقة التي لا تخطئها العين، أن عملية الزراعة القسرية للكيان الصهيوني في منطقتنا، حرصت منذ البداية على جعل كل ظروف منطقتنا على مقاسه، ومتوافقة مع تطلعاته، وملبية لطموحاته، فضلا عن جعل الكيان الصهيوني هو مركزها، وفي موقع الصدارة من بنيتها، والحاكم الرئيس على مستقبلها، وأن تكون علاقته بها علاقة الخادم بالمخدوم، وكأنما دول المنطقة كلها اختراع جديد، ليس له وظيفة سوى خدمة إسرائيل، كما أنها مجرد مرافق اقتصادية وتجارية وزراعية لخدمتها، والسهر على حمايتها. أما حكامها فهم مجرد حراس للدفاع عن إسرائيل، وشعوبها هم مجرد عبيد طوع أمرها، يسارعون في تلبية رغباتها ونزواتها، ولا تكون مبالغا -وفق الرؤية الصهيونية- إذا قلت: إن إسرائيل دولة صُنعت لها أمة.

لهذا فإن كل الأهداف والخطط التي وضعت لمنطقتنا، ولا سيما منذ حملة "بونابرت" التنويرية! إنما كانت تعمل على زراعة هذا الكيان، وأنها كانت ولا زالت تعمل على تدعيم مركزه، وتوظيف كل التحولات والتداعيات والانهيارات لصالحه، فضلا عن أن كل الإجراءات والأنشطة المعنية بالمنطقة إنما تعمل على تكريس هذه الحقيقة.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تم ضخ موارد كبيرة لأجل نجاح هذا المشروع، وكرست لأجله موارد هائلة، وأنفقت أموالا طائلة، وصدرت لأجله آلاف المشاريع والخطط والقرارات، وتدخل في القلب من ذلك مشاريع تفكيك دول المنطقة وتمزيق مجتمعاتها، لكي تكون على مقاس الكيان الجديد، وفي هذا الإطار يمكن أن ندرك طبيعة وأبعاد قرار تفكيك الدولة العثمانية في اتفاقية "سايكس بيكو" ١٩١٦، التي جاءت مصاحبة ومتزامنة مع وعد "بلفور" ١٩١٧، بتأسيس الكيان الصهيوني في المنطقة.

فلقد كان سعي الغرب دائما للسيطرة على منطقتنا مصحوبا بالعمل على تقسيمها، الذي يقتضي اليوم العمل على تفتيت المفتت، وتجزئة المجزّأ من الأقطار الإسلامية، وذلك لتحويل الشرق الإسلامي إلى جزر منعزلة، على أسس دينية ومذهبية وعرقية، وأن تكون الخلافات بينها محتدمة على الدوام، فذلك في نظرهم هو الضمانة الوحيدة لأمن إسرائيل، التي بدورها تضمن استمرار هذا التفتيت، حتى تقوم بوظيفتها في المنطقة على الوجه الأكمل.

وهذا ما يرجع بنا إلى مخطط المستشرق اليهودي الأمريكي "برنارد لويس" الذي نُشر في مجلة وزارة الدفاع الأمريكية، والذي تم التصديق عليه في الكونجرس الأمريكي في ثمانينيات القرن الماضي عام ١٩٨٣، ذلك المشروع الذي اقترح إعادة تفتيت العالم الإسلامي، من خلال إضافة أكثر من ثلاثين كيانا سياسيا، بدعوى حل مشكلة الأقليات الدينية والمذهبية والثقافية! فضلا عن تلغيم العلاقات بينها، عن طريق المشكلات الجغرافية والديموغرافية، مثل الحدود والمياه وغيرها.

والكيانات الجديدة المقترحة هي: دولة بلوشستان المقتطعة من باكستان وإيران، ودولة بشتونستان المقتطعة من باكستان وأفغانستان، دولة كردستان المقتطعة من العراق وإيران وتركيا وسوريا، وتحويل إيران إلى أربع دويلات هي: إيرانستان، أذربيجان، وتركمانستان، وعربستان، وتقسيم العراق إلى دويلتين: إحداهما شيعية حول البصرة، والثانية سنية حول بغداد، وتقسيم الأردن إلى دويلتين: إحداهما للبدو والثانية للفلسطينيين، وتقسيم سوريا إلى خمس دويلات: مسيحية، وشيعية، وسنية، ودرزية، وعلوية، وتقسيم لبنان إلى كانتونات: إحداهما للموارنة والمسيحيين الآخرين، وثانيهما للسنة، وثالثهما للشيعة، ورابعهما للدروز، وتقسيم مصر إلى دويلتين: إحداهما سنية والثانية قبطية، وتقسيم السودان إلى دويلتين: زنجية في الجنوب وعربية في الشمال، وتقسيم المغرب العربي بين: البربر والعرب، وتقسيم موريتانيا بين: العرب، والزنوج، والمولدين، وضم الضفة الغربية إلى إسرائيل، وإعادة تقسيم السعودية إلى الكيانات التي كانت قائمة قبل وحدتها 1933.

اتخذت من هزيمة الربيع العربي نقطة انطلاق جديدة، قامت من خلالها بالدفع باتجاه إصابة شعوبه باليأس من التطلع للديمقراطية، أو الكرامة الإنسانية، أو العدالة الاجتماعية، وذلك حتى تجد نفسها أمام خيارين أحلاهما مر: فإما الاستبداد والقمع، وإما تفكيك الدول وتمزيق المجتمعات، حيث لا ديمقراطية ولا عدالة اجتماعية ولا كرامة إنسانية
لا شك أن الحقائق على الأرض اليوم تؤكد أننا أمام حقيقة كبرى، وهي أن تقسيم دولنا وتمزيق مجتمعاتنا هو أخطر المشاريع التي يجري العمل عليها بقوة، وأنها لا تزال تتلقى كل الدعم من المراكز الدولية الكبرى، كما يتم الدفع بها بكل قوة من قبل أطراف عدة، كلها تلتقي حول ضرورة التفكيك والتمزيق.

وللمفارقة فقد أخذت مشاريع التفكيك قوة دفع هائلة على أنقاض الربيع العربي، الذي تحول من حلم وفرصة لنهضة الأمة إلى كابوس يبدد أحلامها، ويضعها بشكل أكبر في موقع الخادم المطيع للمشروع الصهيوني، ولكل مستلزماته واحتياجاته.

فقد اتخذت من هزيمة الربيع العربي نقطة انطلاق جديدة، قامت من خلالها بالدفع باتجاه إصابة شعوبه باليأس من التطلع للديمقراطية، أو الكرامة الإنسانية، أو العدالة الاجتماعية، وذلك حتى تجد نفسها أمام خيارين أحلاهما مر: فإما الاستبداد والقمع، وإما تفكيك الدول وتمزيق المجتمعات، حيث لا ديمقراطية ولا عدالة اجتماعية ولا كرامة إنسانية! وهو ما يتضح اليوم في كل من سوريا، واليمن، وليبيا، والسودان، فضلا عن العراق، ولبنان، والصومال.

من اللافت أن غالبية هذه الدول (ليبيا والعراق وسوريا واليمن) هي التي تصدرت التصدي لرفض اتفاقيات كامب ديفيد، بين مصر وأمريكا وإسرائيل منذ زيارة السادات لإسرائيل عام ١٩٧٧، وأدارت عملية إخراج النظام المصري من الجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وحركة عدم الانحياز، وكأنها تعاقب اليوم على هذا الرفض!

لكن هل يعني ذلك أن مشروع التفكيك والتمزيق أصبح قدرا لا مفر منه، وأنه يصب فقط في جهة مصالح خصوم أمتنا وأعداء حضارتنا؟ أم أنه -برغم خطورته- يمكن مقاومته وتحويله لفرصة جديدة، لإعادة بناء منطقتنا لصالح شعوبها، وفي إطار المشروع العام لنهضة أمتنا، واستئناف مسيرة حضارتنا؟

كشفت "طوفان الأقصى" حقائق جديدة لم تكن معروفة من قبل، ووضحت للعيان أن مشاريع التفكيك والتمزيق يمكن أن تكون خصما من مشاريعهم، ولا سيما مشروعهم المركزي؛ إسرائيل الكبرى
لقد كشفت "طوفان الأقصى" حقائق جديدة لم تكن معروفة من قبل، ووضحت للعيان أن مشاريع التفكيك والتمزيق يمكن أن تكون خصما من مشاريعهم، ولا سيما مشروعهم المركزي؛ إسرائيل الكبرى. ففي الوقت الذي لم يتلق الشعب الفلسطيني ولا المقاومة في غزة أي قدر من المساعدة من دول مركزية، تريد أن تتبوأ مركز القيادة الإقليمية، بل إنها صبت كل مساعدتها تجاه إسرائيل، وتفوقت أحيانا على الدول والحكومات الغربية، الأب الشرعي للكيان الصهيوني، وحلت محلها في مساحات تعذر عليها الدخول فيها! فإن الدول المفككة والمجتمعات الممزقة، تكاد تكون هي مصدر النيران الوحيد في وجه العدوان الوحشي على غزة، وهي تصب حمم الغضب الشعبي على المشروع الصهيوني، الذي لم يعش لحظات خطر تهدد وجوده مثلما يعيشها الآن.

ولن يقف الأمر عند ذلك، إذا نهض المخلصون من أبناء أمتنا، واستوعبوا خطر التفكيك والتمزيق بشكل صحيح، وأدركوا قوة دفعه ومحركاته الرئيسة بشكل دقيق، فإنهم يمكنهم حينئذٍ أن يُفشلوه، بل ويتخذوا من تفاعلاته قاعدة انطلاق كبرى، لإعادة بناء المنطقة على أسس جديدة تكفل نهضتها، وتدعم حصانتها وسيادتها، وتضمن حماية أمنها القومي، وتقف بها من جديد في قلب المحاور الفاعلة على الساحات الدولية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه مشاريع الصهيونية التفكيك الصهيونية مشاريع العالم الاسلامي التفكيك مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة من هنا وهناك مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفکیک الدول أن تکون فضلا عن

إقرأ أيضاً:

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يلتقي رئيس الوزراء الهندي

المناطق_واس

التقى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي رئيس هيئة علماء المسلمين الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى‬، دولةَ رئيس وزراء جمهورية الهند ناريندرا مودي.

وناقش الدكتور العيسى ورئيس الوزراء الهندي، عددًا من الموضوعات ذات الصلة برسالة الرابطة وأهدافها، ومن ذلك فكرة إقامةِ “قمّة التنوُّع والوئام” في جمهورية الهند، حيثُ الحاجة لترسيخِ هذه المفاهيم في بلدٍ يزخَرُ بالتنوُّع الثقافيِّ والدينيِّ والعِرقيِّ، وتعيش فيه أكبرُ أقليّةٍ مسلمةٍ في العالم.

أخبار قد تهمك الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يُلقي خطبة عيد الفطر في أكبر جوامع ألبانيا ومنطقة البلقان 30 مارس 2025 - 8:17 مساءً الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يُعلن الإطلاق “التجريبي” للمتحف الدولي للسيرة النبويّة بأبراج الساعة 23 مارس 2024 - 5:07 مساءً

مقالات مشابهة

  • قطاع الصحة في أوزبكستان يحصل على دعم تمويلي إضافي بقيمة 10 ملايين دولار أمريكي من البنك الإسلامي للتنمية
  • ما الذي يعنيه أن تكون صحفيا فلسطينيا وسط الإبادة؟
  • قبل مغادرة السعودية.. الكشف عن فكرة ناقشها مودي وأمين العالم الإسلامي محمد العيسى
  • حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع
  • قائد الثورة: على الأمة الإسلامية مسؤولية دينية وأخلاقية وإنسانية في مواجهة المشروع الصهيوني
  • الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يلتقي رئيس الوزراء الهندي
  • قمةٌ مرتقبةٌ تستضيفها الهند بمبادرة رابطة العالم الإسلامي
  • تفكيك البنية التنظيمية للإخوان وإغلاق المقار وتجريم الترويج الإلكتروني.. الأردن يحسم المواجهة حماية للدولة من الفتنة ومشاريع الفوضى
  • العدو الصهيوني يواصل تجريف أراضٍ شرق قلقيلية بهدف شق طريق استيطاني
  • هذا هو البابا الفقير الذي تكرهه إسرائيل