كلّما تعرّضت مع إخواني في السجون لتنكيل من لون جديد، كان يدور في خلدي أنّه سيأتي يوم ويُفرج عنّي وأكتب للناس عن هذا التنكيل، حيث أزعم أنّي أملك قلما يستطيع بقدراته الأدبيّة المتواضعة أن يصوّر المشهد.. الناس في الخارج يسارع أحدهم إلى هاتفه الذكيّ ذي الكاميرات المتطوّرة، يمتشقه ويصوّبه تجاه المشهد ليكون التصوير صوتا وصورة وبأبعاده الثلاثية والرباعية جاهزا للبثّ خلال ثوان معدودة، لكن في السجن لا أملك سوى كاميرا القلم لتصوّر المشهد ما استطعت لذلك سبيلا.



ولكنّي وجدت نفسي أمام مشهد ارتعبت له كاميرا هذا القلم، أحجمتْ ورجعت للخلف بدل أن تُقدم كعادتها، تلكّأتْ وتلعثمت، بل ولّت هاربة دون أن تعقّب، قلت لها:

- أقبلي ولا تخافي، لم أعهدك جبانة ولا عاجزة ولا خوّارة.

- قالت: لست خائفة ولا جبانة، إنه الحياء والخشية من المساس بحرمة بواسل هذا الشعب والذين دوما يشكّلون عنفوانه وروحه العالية وطلائعه العظيمة الرائدة.

قلت لها مشجّعا:

- لقد صوّرت أيتها الكاميرا الفذّة لهذا القلم المتواضع الجميل كثيرا من الصور، برعت في مواطن كثيرة وعلى أوقات مديدة من عمر هذه الفترة الشديدة القاسية، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر (حيث فتح المحتلّ على الشعب الفلسطيني كلّ الجبهات وكان أشدها جبهتين: جبهة غزّة وجبهة السجون) وأنت تصوّرين من فظائع ما يجري في سجونهم السوداء.

لقد صوّرت أيتها الكاميرا ذات الرأس المدبّب المزروع في مقدّمة قلم الرصاص الأسرى وهم يُسامون سوء العذاب:

- صوّرت وكائنات القمع المتوحّشة تقتحم أسرابها القسم بحقد أسود وروح انتقامية لم يعرف البشر لها مثيلا، ذئاب بشرية مفترسة تتقدّمها كلاب متوحّشة، تبدأ الحفلة بموسيقى صاخبة مثل ما تفعل القبائل المتوحّشة من آكلي لحوم البشر فيضربون الطبل لتنتشي رؤوسهم وتثمل برائحة دماء الضحيّة، يصبّون جام غضب جرار الغاز لتملأ الزنازين بسحب الموت، ثم يطلقون الرصاص المطّاطي على أجساد أنهكها الغاز، ثم يكبّلون ويسحلون ثم يُفعّلون شتى أنواع العصيّ: الحديدية والكهربائية، لتجعل من أجساد الاسرى مساحة للسحق والطحن والتكسير المريع.

- صوّرت أيتها الكاميرا الرصاصية الصغيرة وهم يضربون ثائر أبو عصب بعصيّهم السوداء الغليظة حتى لفظ أنفاسه الأخيرة نفسا نفسا، ومع كلّ نفس ترسل عيناه الجميلتان عشقا وأملا وقُبلة لكل أحبابه الذين ينتظرون حريّته على أحرّ من الجمر، التقطت عيون الكاميرا بريق عينيه ولسانه يعزف لحن الشهادة ويطلق لها العنان.

- صوّرت أيتها الكاميرا لحظات عمر ضراغمة الأخيرة وروحه تتفلّت من بين جنبيه، وعيون الممرّض الشامت يمنع عنه دواءه، قُتل عمدا مع سبق الإصرار ولم يعد مجرّد إهمال طبيّ، بل هو أن يتجرّع المريض كأس الموت الزؤام قطرة قطرة دون أن يرفّ لسجّانه اللئيم أيّ جفن.

- صوّرت الأسير المفكّر وليد دقّة في لحظاته الأخيرة بعد أن نهش السجن والسرطان والحقد وروح الانتقام الشريرة لأسوأ البشر؛ جسده المنهك وبعد أن وصلت عنصريتهم أبعد مدى لها على مدار ثمان وثلاثين سنة من السجن، وأبت أن يختم حياته بملامسة أنامل طفلته أو أن يطبع على جبينها قبلة. نجحت أيتها الكاميرا بالتقاط بارقة أمل سريعة تسع الدنيا والمستقبل المشرق لهذه القضية التي قضى نحبه خادما أمينا لها.

- وصوّرت الكاميرا الأسيرات وذهبت إلى أبعد نقطة لا تتخيّلها عقول صانعة أفلام الرعب والإجرام، ومع هذا لم تستطع بعد تصوير آلام أمّ حذيفة جرّار التي قطعت قدميها وهي في بوسطة الاعتقال وما رأت من حجم الألم لهذه المرأة في غرفة عمليّاتهم؛ تُبتر القدمان بينما اليدان مكبّلتان بسرير العمليّات الجراحيّة وأسلحة السجّان مصوّبة على رأسها، يخافون منها ويغلقون منافذ الهرب رغم أنّهم أمام امرأة أضحت بسببهم بلا قدمين.

- وتجرأت هذه الكاميرا على التقاط مشهد الاغتصاب لأسيرتين، تردّدتْ كثيرا ولكنّها حسمت الأمر على تصوير المشهد بعيدا عن تفاصيله التي لا تطيقها قلوب الأحياء من البشر، نعم الأحياء لأن هناك بشرا ماتت قلوبهم ويمرّون على مثل هذه الصور مرور اللئام، دون أيّ اعتبار أو كلام لأنّ هذه المغتصبة من وطن اغتصبه شرّ خلق الله.

ولكنّك أيتها الكاميرا الصغيرة تحجمين هذه المرّة ولا تطلقين لحريّتك العنان، رغم أنّك حرّة لقلم حرّ، ما لك وما الذي جرى لهمّتك العالية وإرادتك الصّادقة؟

قالت الكاميرا بحزن وألم:

- أرجو أن تعفيني فالأمر صعب ومآلاته مريعة وعواقبه وخيمة، أنا أمام مشهد ترتجف له الكاميرا وتكلّ عن إرسال ضوئها وترجع البصر مرّات كثيرة، أتُفصح عمّا رأت وفي ذلك ضرر وصاعقة وقنبلة، كي لا تخدش حياء خير من عرفهم البشر. ولكن في المقابل، هذا المجرم الذي أوصله خياله المريض المتوحّش الذي سيطرت عليه كلّ مشاعر الشّذوذ التي عرفها ولم يعرفها البشر، أيجوز أن نتستّر على جرائمه بحجة أن لا نسيء إلى الضحيّة؟ وهل هذا بالفعل يسيء إليها أم أنّها هي الشاهدة والشهيدة، وهي الحجة الدامغة على من أعادوا الهولوكوست من جديد وأخرجوا للناس نسخة متطوّرة؟ لا عليكِ أيتها الكاميرا، صوّري وافضحي هذا القاع الانحطاطي الذي لم يصل إليه أحد.

- حسنا، إذا فإليكِ هذه الصورة بكل دقّة وبعيدا عن أيّ خيال لن يصل اليه كاتب لأن خيالهم الاجرامي لا يصل إليه أحد وسترى وتحكم.

نعقت سمّاعة القسم وزعقت بتشفّ مقيت وسخرية عالية:

- يا حيوانات، يا مساجين، يا حشرات يا صراصير، لقد قرّرت فرقة "كتر" أن تدعوكم لحضور فيلم ممتع وفي غاية الروعة، انظروا إلى الساحة، لقد بدأ الفيلم.. فُتح باب الساحة التي تحتضن اثنتي عشرة زنزانة على طابقين، كل ست منها في طابق. تجمهر الأسرى على البوّابات والنافذة التي تقف على يسار الباب، دفعت مجموعة من تلك الذئاب المسلّحة بكلّ أدوات القمع، كانوا قرابة العشرين يدفعون أمامهم أسيرا عاريا من كلّ شيء سوى عصبة تشدّ وثاقها على عينيه، وقيد يربط بين معصمي يديه وثان في قدمي رجليه، وثالث يربط ما بين القيدين. عرفه الأسرى وتهامسوا باسمه، كان من الأسرى القدامى الذين تجاوزا الثلاثين سنة في سجنهم والستين من عمرهم. بدا عليه الإنهاك وأخذ الألم كلّ صوره فرسم على وجهه أسوأ صورة للبؤس والشقاء لا يمكن أن يتخيّلها من يتقنون فنّ الخيال، سوى بريق في عينيه ساطع خارق واضح من معين تاريخ كان فيه بطلا أوجع عدوّه كثيرا وهو في ميدان فروسيّة الرجال، بينما هم هنا في ميدان الأسر يظهرون فروسيّتهم الشوهاء الجبانة على أسير مقيّد في ساحة أسر لا في ساحة الفرسان.

تقدّم أحدهم ففكّ العصبة عن عينيه، ثم تقدّم آخر مع كلب ضخم من كلابهم المدرّبة على شذوذهم الأفّاك، أطلق الحبل ليهجم الكلب بدوره في مسرحية تبادلت أدوارها ذئاب بشرية شاذة وكلاب مدرّبة على هذا الشذوذ، قفز الكلب على جسد الأسير المكبّل ليمارس ساديّة أسياده وليصنعوا مشهدا هوليوديّا جنسيّا تعجز عنه هذه الهوليود لو أرادت إخراج هذا المشهد الفظيع الشاذّ. حاول فارسنا دفع هذا الكلب الهائج بكل ما لديه من قوّة، رفع الأسرى عقيرتهم بكلّ قوة، ارتعد لها المكان بصيحات الله أكبر. يعرفون من سابق ما جرى ثمن هذا التكبير، أسوأ أشكال التنكيل والتكسير بانتظارهم ومع هذا علت صيحات التكبير.

وبدأت الحفلة الجماعية على موسيقى الرخّ النازية بنكهة صهيونية عتيدة، كالمعتاد هذه الأيام: هجمت عليهم عشرات الذئاب، تبدأ بضخ الغاز القاتل لتملأ بسحبها السوداء الزنازين ثم تكبيل الأسرى من تحت ركام سحب الغاز وسحلهم إلى الساحة، ثم تلعب العصيّ الحديدية على رؤوسهم وعظامهم ثم ّتطوف عليهم الكلاب بوجوهها التي تلبس الشبك الحديدي ومخالبها القاتلة، ثم يعادون إلى زنازينهم وهم على شفا الموت، لا يفصل بين موتهم وحياتهم إلا خيط رفيع يكاد أن يقطع في أية لحظة ولا يحسبون لذلك أيّ حساب. يخرجون من الحفلة وقد ضُربت كل مساحات الألم في نفوسهم وأجسادهم سوى بريق عيون تسكنها الإرادة الحرّة والأمل بالتحرير والخلاص من أسوأ شرذمة عرفتها البشريّة.

وتساءل القلم بعد أن رسم ما رسم:

- هل هناك كاميرا قد تصل إلى حدود مملكة الشرّ في هذه الصهيونازيّة العتيدة؟!

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه السجون الفلسطيني الاسرى اسرى فلسطين الاحتلال تعذيب انتهاكات مقالات مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة من هنا وهناك مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

الأورومتوسطي: استخدام الاحتلال الكلاب البوليسية ضد المدنيين بغزة ممنهج

جنيف - صفا

قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي الكلاب البوليسية لمهاجمة المدنيين الفلسطينيين خلال عملياته الحربية في قطاع غزة، إلى جانب استخدامها في ترويع ونهش واغتصاب الأسرى والمعتقلين في مراكز الاحتجاز الإسرائيلية يعد سلوكًا ممنهجًا ومتبعًا بشكل واسع النطاق.

وأفاد الأورومتوسطي في تصريح صحفي وصل وكالة "صفا"، يوم الخميس، أن فريقه الميداني وثق عشرات الحالات التي استخدمت فيها القوات الإسرائيلية الكلاب البوليسية الضخمة خلال عملياتها الحربية في قطاع غزة، لا سيما خلال مداهمة المنازل والمستشفيات ومراكز الإيواء.

وأوضح أن استخدام الكلاب ضد المدنيين يأخذ عدة أشكال، منها استخدامها بعد وضع كاميرات مراقبة على ظهرها في استكشاف المنازل والمنشآت قبل مداهمتها، فيما تهاجم هذه الكلاب بشكل متكرر مدنيين وتنهشهم عند عمليات الاقتحام، دون أي تدخل من أفراد جيش الاحتلال الإسرائيلي الذين غالبًا ما يأمرون الكلاب بمهاجمة المدنيين ومن ثم يستهزئون بهم، بحسب الإفادات. 

وأكد أن استخدام الكلاب خلال مداهمة المنازل أمر بات منهجيًّا من جيش الاحتلال الإسرائيلي، مبينًا أن حادثة الاعتداء على المسنة دولت الطناني التي انتشر مؤخرًا مقطع مصور لنهش كلب لها في شمال قطاع غزة ليست حالة منفردة، وأن حالتها برزت كونه صادف توثيقها بمقطع فيديو ونشره.

وقالت دولت الطناني، التي هاجمها كلب تابع لجيش الاحتلال الإسرائيلي في منزلها بتاريخ 14 مايو/أيارالماضي في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، لفريق الأرومتوسطي: "كنت نائمة في منزلي الذي رفضت أن أغادره بعدما توغل الجيش الإسرائيلي في مخيم جباليا، واستيقظت على صوت قوات إسرائيلية دخلت منزلي بعد تفجير في الجدار، وخلال لحظات هاجمني كلب على ظهره كاميرا وبدأ بعضي ونهش كتفي ووصلت أنيابه إلى عظمي، وسحبني إلى الخارج، كنت أصرخ بشدة والجنود يضحكون ولم يقدموا إليّ أي مساعدة أو علاج، وبعد أن استمر الكلب في نهشي وأنا أصرخ تدخل أحد أقاربي الذي كان في المنزل ودفع الكلب بعكازه. كنت أنزف بشدة واستطاع قريبي إغلاق باب الغرفة وصرخ على الجنود لمساعدتي دون جدوى، فعمل على وقف نزيف الدم بغطاء الرأس، وفي اليوم التالي نقلت إلى مستشفى "اليمن" ومنه إلى مستشفى "كمال عدوان" و"العودة"، ولكن الخدمات الصحية كانت محدودة وعملوا لي جبيرة وحتى الآن أعاني من هذه الإصابة".

وبيّن الأورومتوسطي أنه تلقى شهادات عن استخدام كلاب جيش الاحتلال الإسرائيلي في اقتحام المستشفيات، حيث أقدمت على نهش النازحين وجثامين الشهداء التي كانت في ساحة المستشفيات أواخر عام 2023، وكذلك خلال الاجتياح الأخير لمجمع "الشفاء" الطبي في مارس/آذار 2024.

وأفاد "يوسف فزع" (67 عامًا) لفريق الأورومتوسطي: " حوالي الساعة التاسعة صباحًا، اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي عمارة اليوسف محيط مستشفى الشفاء. فتح الجندي باب الشقة وأدخل كلبًا أسود، هجم علي وعضني في صدري، ومزق قدمي وسحبني من أول الشقة لآخرها. وبعد وقت، سحبه أحد الجنود عني بعد أن نزفت كمية كبيرة من الدماء".

وأفادت امرأة طلبت عدم ذكر اسمها: "اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي منزلنا، وبمجرد فتح الباب، أطلقت الكلب داخل الشقة، فهاجم زوجي المسن، وعضه من صدره وبطنه ورجله، ونزف كمية دماء كبيرة دون أن يفعل الجيش أي شيء".

وأفادت "م. س"، وهي أم لطفلة في الثانية من عمرها: "اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي منزلنا، وأدخلت الكلاب، وهاجمتنا، كان الوضع مرعبًا، أخرجونا ثم قتلوا جد زوجي وعمه وأجبرونا على التوجه للجنوب".

وأشار المرصد الأورومتوسطي هذا الصدد إلى شهادة الطبيبة "إسلام صوالي" خلال شهر فبراير الماضي، والتي أكدت أن جيش الاحتلال الإسرائيلي استخدم الكلاب في اقتحام مستشفى "ناصر" في خانيونس خلال فبراير، لترويع الطواقم الطبية والنازحين وإجبارهم على إخلائه قسرًا.

وذكر الأورومتوسطي أن فريقه الميداني وثق استخدام الكلاب في مهاجمة وترويع الأطفال والنساء خلال اقتحام مراكز الإيواء في مراحل مختلفة من العمليات البرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي في مدينة غزة وشمالها وخانيونس.

وأكد الأورومتوسطي أن استخدام الكلاب البوليسية كان أخطر وأكثر الأشكال فظاعة وبشاعة ضد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين دون أي قيود أو محظورات، وصلت إلى حد استخدامها في اغتصاب أسرى ومعتقلين على مرأى زملاء لهم، ضمن جرائم العنف الجنسي المنهجي ضد الأسرى والمعتقلين، والذي اشتملت على التعرية والتحرش الجنسي أو التهديد بالاغتصاب واستخدام آلات حادة ووضعها في مؤخرات أسرى ومعتقلين.

وأبرز المرصد الأورومتوسطي أنه تلقى شهادات قاسية من معتقلين مفرج عنهم، تؤكد الدور الوحشي وغير الإنساني في استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي للكلاب لاغتصاب الأسرى والمعتقلين، منها شهادة المحامي "فادي سيف الدين بكر" الذي أفرج عنه في 22 فبراير/شباط الماضي، بعد اعتقال دام 45 يومًا، حيث قال لفريق الأورومتوسطي: "احتجزوني داخل مبنى يُسمى "الحفّاضات" وأجبرت على ارتداء الحفاضات ليومين، ثم دفعوني إلى غرفة مغلقة، لا يوجد فيها ضوء ورائحتها عفنة، يتوسطها كرسي حديد.

وأضاف: "جلست عليه، وربط الجنود ذراعيّ. كنت أتحدث بشكل طبيعي قبل أن أفقد الوعي لبعض الوقت. عدت إلى الوعي لأجد قدمي قد انفجرت من شدة الكهرباء، حينها أعطاني الطبيب العسكري "حبة أكامول"، ولعدم قدرتي على الحركة أو الحديث، أعادني الجنود إلى "كونتينر" الحظيرة. ساعات قليلة مكثتها في الحظيرة قبل أن يندفع الجنود، وينقلوني عبر جيب عسكري برفقة شابين آخرين إلى مكان مختلف، وهناك أزال الجنود لأول مرة العصبة عن عيوننا. بقوة شديدة سحب الجنود الشاب الموجود يميني، وأجبروه على النوم على الأرض، وربطوا يديه وقدميه. وفجأة أطلق جنود الاحتلال الكلاب البوليسية المدربة على الشاب، ليمارسوا معه أبشع أنوع الجنس جملة وتفصيلاً".

وتابع: "هذه من أصعب اللحظات التي رأيتها في كل التعذيب الذي تعرّضت له، كله كوم وهذا التعذيب كوم آخر، كنت أتمنى الموت على أن يحدث لي هذا الأمر، وقال لي أحد الجنود جهز نفسك، وبقدرة الله وحوله، وقع حدث أمني في محيط السجن، وبسرعة انتهت مرحلة التعذيب التي مورست على شاب واحد منا فأعادونا مرة ثانية إلى الحظيرة".

وأفاد المعتقل المفرج عنه حسن أبو ريد"، (36)عامًا، "نقلوني مع معتقلين آخرين إلى أحد السجون، عند وصولنا ألقونا على الأرض وجعلوا الكلاب تتبول علينا وكذلك قام أحد الجنود بضربي بماسورة حديدية على رجلي اليمين في منطقة الركبة وما زلت أعاني من هذه الإصابة".

وأفاد الطبيب  "حامد أبو الخير"، الذي اعتقله جيش الاحتلال الإسرائيلي من مستشفى الشفاء في غزة: "كانت فرق عدة تتناوب علينا، منها فرقة القمع التي كانت تأتينا مرتين في الأسبوع وتدخل علينا بعنف، وتبدأ بإلقاء القنابل الصوتية نحونا وحولنا، وتطلب منا النوم على البطن، ورفع أيدينا للأعلى وابقاءهما مفتوحتين، ويتم تعذيبنا بالترتيب أحيانًا، وبطريقة عشوائية أحيانًا أخرى، عن طريق إطلاق الكلاب علينا، وغالبًا ما كنا نتعرض لأذى الكلاب، كالنهش والجرح، ومنا من عضته الكلاب بشكل كبير، وكنا نستمع إلى صوت العظم وهو يتكسر، من شدة التعذيب، حتى أنهم كانوا يعتدون علينا بقضبان حديدية وضربنا بها، وجزء كبير من المعتقلين كانوا يصابون بالاختناق وتكسير في عظام القفص الصدري".

وشدد الأورومتوسطي على أن ممارسة جيش الاحتلال الإسرائيلي هذه الاعتداءات الوحشية ضد المدنيين الفلسطينيين وترويعهم والاعتداء على كرامتهم وتعمد إلحاق الألم والمعاناة الشديدة لديهم على هذا النحو، يصل إلى حد ارتكابها لجرائم التعذيب والمعاملة اللاإنسانية والاغتصاب والعنف الجنسي الخطير، وهي جرائم قائمة بحد ذاتها وتقع ضمن نطاق جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، بحسب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

 وأشار الأورومتوسطي إلى أن تلك الانتهاكات تأتى في سياق أفعال جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة منذ السابع من تشرين أول/ أكتوبر من العام الماضي، مضيفًا "كما أن العنف الجنسي، والذي وصل إلى درجة خطيرة وصلت حد استخدام كلاب في اغتصاب أسرى ومعتقلين هو من الجرائم المروعة والخطيرة والمسكوت عنها، والتي تتطلب تحقيقًا عاجلًا وضمان وقفها والمحاسبة عليها".

ودعا الأورومتوسطي المجتمع الدولي للاضطلاع بالتزاماته القانونية الدولية بوقف جريمة الإبادة الجماعية وكافة الجرائم مكتملة الأركان التي ترتكبها "إسرائيل" منذ السابع من تشرين أول/أكتوبر الماضي ضد جميع سكان قطاع غزة، بمن في ذلك الأسرى والمعتقلون، وتفعيل أدوات الضغط الحقيقية لإجبارها على التوقف عن ارتكاب هذه الجرائم فورًا، والضغط عليها للامتثال لقواعد القانون الدولي وحماية المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة.

وطالب المجتمع الدولي بالضغط على "إسرائيل" للتوقف فورًا عن ارتكاب جريمة الإخفاء القسري ضد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين من قطاع غزة، والكشف الفوري عن جميع معسكرات الاعتقال السرية، والإفصاح عن أسماء جميع الفلسطينيين الذين من تحتجزهم من القطاع، وعن مصيرهم وأماكن احتجازهم، وبتحمل مسؤولياتها كاملةً تجاه حياتهم وسلامتهم.

وحث الأورومتوسطي المقرر الخاص المعني بمسألة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والفريق العامل في حالات الاحتجاز التعسفي بإجراء تحقيق فوري ومحايد في ظروف احتجاز جميع الأسرى والمعتقلين في السجون ومراكز الاحتجاز الإسرائيلية منذ بدء "إسرائيل" حربها على قطاع غزة، بمن في ذلك الذين قتلوا داخلها، واتخاذ الخطوات المناسبة لمحاسبة المسؤولين وإنصاف الضحايا.

مقالات مشابهة

  • في زمن التطبيقات الالكترونية.. أيتها الفتاة احذري فخ الأوهام العاطفية
  • فيلم السبع موجات.. آخر ما وثقته الكاميرا في غزة قبل حرب الإبادة
  • صحيفة عبرية تكشف إخفاء مصلحة السجون تجويع الأسرى الفلسطينيين
  • منظمة حقوقية: استخدام الاحتلال الكلاب للاعتداء على الفلسطينيين أمر ممنهج
  • إسرائيل تدرس الإفراج عن 120 أسيرا بسبب اكتظاظ السجون
  • الأورومتوسطي: استخدام الاحتلال الكلاب البوليسية ضد المدنيين بغزة ممنهج
  • Mad Solutions تشارك بخمسة أفلام قصيرة بمهرجان عمان السينمائي الدولي
  • قناة القاهرة الإخبارية: الأسرى الفلسطينيون يعيشون جحيما في سجون إسرائيل
  • الكشف عن تفاصيل تعذيب الأسير بدر دحلان.. كيف حاله الآن؟
  • بن غفير يمارس تجويعا وحشيا بحق الأسرى في السجون بهذه الطريقة