التكاليف البيئية.. كيف يؤثر تطور الذكاء الاصطناعي على كوكبنا؟
تاريخ النشر: 6th, August 2023 GMT
يعاني العالم منذ سنوات من آثار "التغيرات المناخية" التي تغذي ظواهر الطقس المتطرف بجميع أنحاء الكوكب، وفي ظل التطور المتسارع لـ"الذكاء الاصطناعي"، يحذر خبراء تحدث معهم موقع "الحرة"، من تداعيات "بيئية" كارثية قد تتسبب بها تلك الأنظمة الذكية مستقبلا، ربما تهدد البشرية بأكملها.
أسوأ من "بيتكوين"البصمة الكربونية هي الكمية الإجمالية لغازات الدفيئة، بما في ذلك ثاني أكسيد الكربون والميثان، الناتجة عن أنشطة الكائنات الحية في كوكب الأرض.
وعلى الصعيد العالمي، يقترب متوسط البصمة الكربونية من 4 أطنان سنويا، ولتجنب ارتفاع درجات الحرارة العالمية بمقدار درجتين، يجب أن تنخفض تلك النسبة إلى أقل من طنين بحلول عام 2050، وفقا لـ"منظمة الحفاظ على الطبيعة".
ويمكن لـ"البصمة الكربونية للذكاء الاصطناعي" أن تكون أسوأ من تعدين عملة "بيتكوين"، الذي يولد حاليا غازات دفيئة أكثر من بلدان بأكملها، وفقا لتقرير لصحيفة "الغارديان" البريطانية.
وتؤثر عمليات تعدين "بيتكوين" على البيئة وتتسبب في "تداعيات سلبية على المناخ"، وزيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري نظرا لاستهلاكها "كميات كبيرة من الطاقة الكهربائية"، وفق دراسة لجامعة "كامبريدج".
ويتطلب التعدين أو إنشاء بيتكوين، وهي العملة المشفرة الأكثر شيوعا في العالم، حوالي 1150 كيلوواط ساعة من الكهرباء، مما دفع عدة دول لحظر تعدينها، وفقا لوكالة "فرانس برس".
ومثل تعدين العملات المشفرة، يعتمد الذكاء الاصطناعي على وحدات معالجة الرسومات عالية القدرة، لاختراق البيانات.
ويتم تشغيل برنامج الذكاء الاصطناعي التوليدي "تشات جي بي تي"، بواسطة مراكز بيانات عملاقة تستخدم عشرات الآلاف من رقائق الكمبيوتر "المتعطشة للطاقة"، وفق تقرير لوكالة "بلومبرغ".
وأصبحت مجموعات البيانات المستخدمة لتدريب الذكاء الاصطناعي كبيرة بشكل متزايد، وتستهلك قدرا هائلا من الطاقة لتشغيلها.
ويمكن أن يتسبب تدريب "نموذج ذكاء اصطناعي واحد فقط"، في انبعاث كميات كبيرة من "ثاني أكسيد الكربون"، بما يعادل خمسة أضعاف الانبعاثات الصادرة عن سيارة أميركية، طوال عمرها الافتراضي، حسب "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا".
وتشير "دراسات" إلى أن حساب التأثير البيئي الإجمالي لـ "تشات جي بي تي " وأنظمة الذكاء الاصطناعي الأخرى معقد، والكثير من المعلومات المطلوبة للقيام بذلك غير متاحة للباحثين.
ومن الصعب التكهن بمدى تطور الذكاء الاصطناعي خلال السنوات القليلة المقبلة، أو إلى أي مدى سيصبح فعالا في استخدام الطاقة.
ومع التطور المستمر لأنظمة الذكاء الاصطناعي، تظهر مخاوف بشأن "التكاليف البيئية"، وتأثير ذلك على زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وفق تقرير لمجلة "فوربس".
هل يجب أن نقلق؟في حديثه لموقع "الحرة"، يوضح خبير تكنولوجيا المعلومات، سلوم الدحداح، أن أنظمة الذكاء الاصطناعي، وعلى رأسها "تشات جي بي تي"، تستهلك حجم طاقة يعادل تلك التي تحتاجها عشرات المنازل خلال عام كامل.
ويحتاج تشغيل تلك الأنظمة الذكية لنفس مقدار الطاقة التي يستهلكها 126 منزلا في الدنمارك خلال عام كامل، وتنبعث منها كمية من غاز "ثاني أكسيد الكربون" توازي الانبعاثات الناجمة عن القيادة لمسافة 700 ألف كيلومتر، حسبما يشير خبير تكنولوجيا المعلومات.
ولذلك فتلك الأنظمة لها "تداعيات سلبية" على استهلاك الطاقة، وتتسبب في "زيادة انبعاث الغازات الدفيئة"، مما يعني ارتفاع نسب "التلوث العالمي"، حسب الدحداح.
تداعيات "مناخية"؟كلما زاد استخدام "الأجهزة التكنولوجية الحديثة"، ترتفع نسب الغازات الدفيئة المسببة لـ"الاحتباس الحراري"، مما يؤدي لـ"تغيرات مناخية خطيرة"، وفقا لحديث، الخبير المناخي، ضومط كامل.
وفي تصريحات لموقع "الحرة"، يشير إلى اقتحام "الذكاء الاصطناعي" لمجالات عدة وبالتالي فهو يستهلك أكثر من 5 بالمئة من إنتاج الطاقة الكهربائية على مستوى العالم، مما يؤثر على "زيادة الاحتباس الحراري والانبعاثات الكربونية".
وفي الوقت الذي يبحث فيه العالم عن "تخفيف التلوث البيئي"، يمكن للذكاء الاصطناعي التسبب في "زيادة الوضع سوءًا"، في ظل الاتجاه المتصاعد للاعتماد على تلك الأنظمة الذكية في مجالات عدة، وفقا لتوضيح خبير التغيرات المناخية.
ويرى ضومط أن "التسابق" على تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي سوف يزيد من "التلوث البيئي العالمي".
وقد يتسبب الذكاء الاصطناعي في "مضاعفة" نسب التلوث بنسب تزيد عن الوضع الحالي بمقدار من 5 إلى 7 مرات، وهو ما يهدد سلامة الكائنات الحية، حسبما يوضح خبير التغيرات المناخية.
وإذا تطورت "أنظمة الذكاء الاصطناعي" بشكل "غير منضبط" في المستقبل، فسيكون لذلك "تداعيات كارثة" على الكوكب، حسب تحذيرات ضومط.
هل توجد حلول؟يجب استخدام "الذكاء الاصطناعي" نفسه للبحث عن مسارات جديدة لتقليل الانبعاثات الحرارية، باستخدام تقنيات حديثة تعتمد على مصادر الطاقة المتجددة وغير التقليدية، وفقا لضومط.
ويمكن تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي حتى تستخدم "مصادر طاقة متجددة" مثل الطاقة الشمسية والمائية وطاقة الرياح، لتقليل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، حسب خبير التغيرات المناخية.
ويتفق معه الدحداح الذي يرى أن "مصادر الطاقة البديلة" هي السبيل الوحيد لتخفيف الانبعاثات الكربونية، وبالتالي تجنب "كارثة بيئية" قد يتسبب بها التطور المتسارع لأنظمة الذكاء الاصطناعي.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: أنظمة الذکاء الاصطناعی ثانی أکسید الکربون التغیرات المناخیة الاحتباس الحراری
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي المشترك هو التعددية الجديدة
جاكوب تايلور ـ جوشوا تان
مؤخرًا، أنجز تحالف دولي من مختبرات الذكاء الاصطناعي ومزودي الخدمات السحابية شيئًا عمليًا إلى حد مثير للحماس: فقد جمع أعضاء التحالف مواردهم الحاسوبية لكي يقدموا لنا Apertus، وهو نموذج لغوي ضخم مفتوح المصدر (LLM) سويسري الصنع، متاح بالمجان للمستخدمين في مختلف أنحاء العالم. والاستفسارات التي يتلقاها Apertus من الممكن أن تُـعالَج في سويسرا، أو في النمسا، أو سنغافورة، أو النرويج، أو المركز الوطني السويسري للحوسبة الفائقة، أو البنية الأساسية الحاسوبية الوطنية في أستراليا. تُـرى هل يشير هذا المشروع إلى التقدم في مجال التعاون الدولي؟
في القرن العشرين، أصبح التعاون الدولي مرادفًا عمليًا للنظام المتعدد الأطراف القائم على القواعد، والذي تدعمه مؤسسات قائمة على معاهدات مثل الأمم المتحدة، والبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية. لكن منافسات القوى العظمى وفجوات التفاوت البنيوية تسببت في تآكل أداء هذه المؤسسات، الأمر الذي أدى إلى ترسيخ حالة الشلل وتسهيل إكراه الضعفاء من جانب الأقوياء. كما يشهد تمويل التنمية والمساعدات الإنسانية انحدارًا متواصلًا، حيث أصبحت مبادئ أساسية مثل التسوية، والمعاملة بالمثل، والسعي إلى تحقيق نتائج ترسخ المنفعة المتبادلة موضع تساؤل وتشكك. لقد أفضى تراجع التعاون من جانب الحكومات الوطنية إلى زيادة الحيز المتاح لقوى فاعلة أخرى ـ بما في ذلك المدن، والشركات، والمؤسسات الخيرية، وهيئات تحديد المعاييرـ لتشكيل النتائج. في قطاع الذكاء الاصطناعي، تتسابق حفنة من الشركات الخاصة في شينزين ووادي السيليكون لتعزيز هيمنتها على البنية الأساسية وأنظمة التشغيل التي ستشكل أسس اقتصاد الغد. إذا سُمح لهذه الشركات بالنجاح دون ضابط أو رابط، فسوف يُترَك الجميع غيرها تقريبا للاختيار بين التبعية وانعدام الأهمية. لن تكون الحكومات وغيرها من الجهات التي تعمل من أجل المصلحة العامة معرضة بشدة للتسلط الجيوسياسي والاضطرار إلى الاعتماد الشديد على بائعين بعينهم فحسب، بل ستكون الخيارات المتاحة لها أيضا قليلة عندما يتعلق الأمر بالانتفاع من فوائد الذكاء الاصطناعي وإعادة توزيعها، أو إدارة العوامل الخارجية البيئية والاجتماعية السلبية المرتبطة بالتكنولوجيا. ولكن كما أظهر التحالف الذي يقف وراء النموذج اللغوي الضخم Apertus، فإن نوعًا جديدًا من التعاون الدولي أصبح في حكم الممكن، وهو لا يستند إلى مفاوضات مضنية ومعاهدات معقدة، بل إلى بنية أساسية مشتركة لحل المشكلات. وبصرف النظر عن سيناريو الذكاء الاصطناعي الذي قد يحدث في السنوات القادمة ــ الهضبة التكنولوجية، أو الانتشار البطيء، أو الذكاء الاصطناعي العام، أو الفقاعة المنهارة ــ فإن أفضل فرصة لتمكين القوى المتوسطة من مواكبة الولايات المتحدة والصين، وزيادة استقلاليتها ومرونتها، تكمن في التعاون. يشكل تحسين توزيع منتجات الذكاء الاصطناعي ضرورة أساسية. ولتحقيق هذه الغاية، ينبغي للقوى المتوسطة ومختبرات وشركات الذكاء الاصطناعي التابعة لها أن تعمل على توسيع نطاق مبادرات مثل «أداة استدلال الذكاء الاصطناعي المشترك»، وهي منظمة غير ربحية مسؤولة عن توفير الوصول العالمي عبر الإنترنت إلى النموذج Apertus وغيره من النماذج المفتوحة المصدر. ولكن من الأهمية بمكان أن تعمل هذه الدول أيضا على سد الفجوة في القدرات مع النماذج الرائدة مثل GPT-5 أو DeepSeek-V3.1 ــ وهذا يتطلب تحركًا أكثر جرأة. لن يتسنى للقوى المتوسطة أن تشارك في تطوير حزمة من الذكاء الاصطناعي عالمية المستوى إلا من خلال التنسيق بين الطاقة، والحوسبة، وخطوط أنابيب البيانات، والمواهب.
هذا النمط من التعاون ليس بلا سابقة. ففي سبعينيات القرن الماضي، عملت الحكومات الأوروبية على تجميع رؤوس أموالها ومواهبها، وتنسيق سياساتها الصناعية، لإنشاء شركة تصنيع طائرات قادرة على منافسة شركة بوينج الأمريكية. قد تستلزم استراتيجية «الذكاء الاصطناعي على غرار مشروع إيرباص» إنشاء مختبر دولي مشترك بين القطاعين العام والخاص مكرس للتدريب المسبق لطائفة من النماذج الأساسية المفتوحة المصدر وإتاحتها مجانا كبنية أساسية على مستوى المرافق. لن تكون النتيجة عملاقًا آخر موحدًا من عمالقة الذكاء الاصطناعي، بل بنية أساسية مفتوحة من الممكن أن تشارك قوى فاعلة عديدة في البناء عليها.
هذا النهج من شأنه أن يدفع الابتكار من خلال السماح للمختبرات الوطنية، والجامعات، والشركات المشاركة القريبة من حدود الإبداع (مثل Mistral وCohere) بإعادة تخصيص ما يصل إلى 70% من تمويلها المخصص لمرحلة ما قبل التدريب على النماذج لاستغلاله في مرحلة ما بعد التدريب (النماذج المتخصصة أو الاستدلالية)، والتوزيع، وحالات الاستخدام المدفوعة بالطلب. علاوة على ذلك، سيساعد هذا في تمكين الحكومات والشركات من السيطرة على الأنظمة البيئية التي تحكم عمل الذكاء الاصطناعي والتي تعتمد عليها على نحو متزايد، بدلًا من أن تظل رهينة انعدام اليقين الجيوسياسي وقرارات الشركات، بما في ذلك تلك التي تؤدي إلى «تدهور الجودة والانحدار تدريجيا». لكن الفوائد المحتملة تمتد إلى أبعد من ذلك؛ فمن الممكن إعادة استخدام هذه البنية الأساسية المفتوحة ــ وخطوط أنابيب البيانات المبنية عليها ــ لمواجهة تحديات مشتركة أخرى، مثل خفض تكاليف معاملات التجارة العالمية في الطاقة الخضراء أو تطوير إطار عمل دولي للمفاوضة الجماعية لصالح العاملين في الوظائف المؤقتة. لإظهار كامل إمكانات هذا الإطار التعاوني الجديد، ينبغي للقوى المتوسطة أن تستهدف المشكلات التي وُجِـدَت أنظمة البيانات البيئية والتكنولوجيات الناضجة بالفعل من أجل حلها؛ وأن تحرص على تقديم مصلحة المشاركين الذاتية في الأهمية على تكاليف المعاملات المرتبطة بالتعاون؛ وأن تجعل قيمة العمل المشترك واضحة للمواطنين والقادة السياسيين. في غضون سنوات قليلة، عندما تبلغ دورة إبداع ورأسمال الذكاء الاصطناعي الحالية منتهاها، سيكون أمام القوى المتوسطة إما أن تتحسر على زوال النظام القائم على القواعد وتشاهد كيانات الذكاء الاصطناعي العملاقة وهي ترسخ خطوط الصدع الجيوسياسية أو تجني فوائد أطر الإبداع الجديدة في تعزيز أواصر التعاون.
جاكوب تايلور زميل في مركز التنمية المستدامة التابع لمؤسسة بروكينجز وزميل الذكاء الاصطناعي العام.
جوشوا تان المؤسس المشارك ومدير الأبحاث في ميتاجوف.
خدمة بروجيكت سنديكيت