سودانايل:
2024-06-29@11:49:06 GMT

من تحديات التحول الديمقراطي في السودان ( 2 – 4)

تاريخ النشر: 26th, June 2024 GMT

صديق الزيلعي

أحد أهداف هذه الحرب هو الوصول للسلطة وقطع الطريق على أهداف ثورة ديسمبر في التحول الديمقراطي. صراعنا من أجل انهاء الحرب، يجب ان لا يعطل حوارنا حول مستقبل بلادنا، وضرورة إقامة ديمقراطية راسخة. ذكرني قوقل بهذه المقالات التي نشرتها في أيام 21، ،22 23 ،24 يونيو 2020. أعيد نشرها لفتح الحوار حول المستقبل.



مقال 22 يونيو 2024

كانت ثورة ديسمبر 2018 إحدى اهم المحطات السياسية في بلدنا، حيث استطاع شعبنا الأعزل ان يقود معركة سلمية ضد أعتى دكتاتورية حكمت بلادنا، وان يهزمها. وصمد لنصف عام في وجه القمع والتعذيب والقتل حتى انتصر. ولكن انحياز الجيش للشعب لم يتم كما في أكتوبر وابريل، وكان مختلفا مظهرا ومبطنا. لم تتكرر في ديسمبر بسبب سياسات النظام التي حولت الجيش من مؤسسة قومية سودانية الي مؤسسة أيديولوجية تدين بالولاء الكامل للحركة الإسلامية. ورغم المواقف البطولية لبعض صغار الضباط الا ان قيادة الجيش كانت تعمل، بكل طاقاتها، الا تكتمل الثورة. ونجحت بالعنف المفرط والضغوط السياسية والتهديدات ان تفرض اتفاق الوثيقة الدستورية المعطوبة والتي سيطرت، بسياسة وضع اليد، على محاور هامة واساسية للمرحلة الانتقالية.
ماهي التحديات التي تواجه قضية التحول الديمقراطي في ظل توازن القوى الحالي والأزمات الراهنة؟
أكبر وأهم تحدي هو وضع اللبنات الاولي والاطر المؤسسية التي تشكل أساسا صلدا للتأسيس المستقبلي للنظام الديمقراطي. وهذه المهمة ليست سهلة بعد ان تحكمت الأنظمة العسكرية على بلادنا لمدة تجاوزت الخمسين عاما، غيبت خلالها، بل دمرت، كل المؤسسات والتقاليد والممارسات الديمقراطية. هذا التدمير المقصود للتقاليد والمؤسسات الديمقراطية التي اينعت خلال فترات الحكم المدني، جعلنا نبدأ من جديد في كل فترة تعقب الدكتاتورية. وللحقيقة والتاريخ نقول ان تجارب الديمقراطيات الثلاث التي شهدتها بلادنا، رغم سلبياتها وخاصة التناحر الحزبي، الا انها كانت، ولا تزال، بدايات جيدة يمكن البناء عليها. وهنا ننبه ان انقطاع التجربة وقلة الممارسة الديمقراطية ستظهر بوضوح، في الفترة القادمة، في حياتنا السياسية، وعلينا الا نتهيب مظاهر الاختلاف مهما احتدت. ان مظاهر الاختلاف في الرأي والصراع حول السياسات، بل وحتى الاتهامات المتبادلة، ستكون مظهرا طبيعيا للفترة القادمة. لا خوف من تلك الخلافات لأنها مظهر للديمقراطية، لكن يجب علينا تقنينها بوضع الإطار المؤسسي للصراع وكيفية ادارته، كما علينا اتقان مناهج العمل الجبهوي.
أن أهم شروط تحولنا الديمقراطي يتمثل في إقامة سلطة المؤسسات وحكم القانون وبناء الأطر التشريعية والاجتماعية اللازمة للنظام الديمقراطي. واساسا الالتزام الصارم بفصل السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية عن بعضها واستقلال كل منها عن الاخريات. وابعاد مؤسسة الجيش عن السياسة لتتفرغ لواجبها الأساسي في حماية الوطن. ولبلادنا ارث في استقلال القضاء، علينا المحافظة عليه وتطويره، ومن مواقفه الشهيرة تجربة مواجهة القضاء مع حكومة الصادق المهدي في منتصف ستينات القرن الماضي، عندما قرر عدم دستورية حل الحزب الشيوعي، وتمسك بقوة باستقلاله عن السلطة التنفيذية والتشريعية. كما ان السلطة التشريعية اتخذت مواقف واضحة في نقد ومحاسبة السلطة التنفيذية مجتمعة أو الوزراء بصورة فردية.
كان السلام، ولا يزال، أهم شعارات الثورة، وسيظل أحد أهم أهدافها، ورمز انتصارها ان تحقق. والسلام قضية مركزية لاستقرار وتطور بلادنا وتحقيق العدالة وبناء ديمقراطية راسخة. فالسلام لا يعني مجرد وقف القتال، وانما البحث الجاد حول جذور التهميش، وإيجاد الحلول للأسباب التي فجرت القتال، والتي في حالة تركها بلا حلول ستفجر قتالا جديدا، ان عاجلا أو آجلا. تحقيق السلام يأتي بمعالجة الظلامات التاريخية والتهميش الاقتصادي وتحقيق العدالة الانتقالية ومواجهة العنصرية الثقافية. كما ان تحقيق السلام سيوقف تحجج العسكر بان الوضع الأمني يحتاج لسيطرتهم على مقاليد البلاد. ولكن، وللأسف، ما يجري حاليا من تكالب المكون العسكري على ملف السلام، وتعامل الحركات المسلحة بأسلوب التفاوض بين طرفين متحاربين، وليس كشركاء في ثورة شعب، وابتداع أسلوب المسارات، وغياب حركات أساسية من حوارات السلام.
دمرت حكومة الاسلامويين الاقتصاد السوداني، ونهبت بلادنا بشكل كامل. ووصلت المديونية لما يقارب ال 60 مليار دولار، بسبب عدم دفع أصل الديون، فتراكمت ووصلت لهذا الرقم الفلكي. وصل العجز في الميزان التجاري الخارجي لدرجة خطيرة على اقتصادنا لأننا نستهلك أكثر مما ننتج. وأنعكس ذلك على سعر الصرف. وبحقد أعمى " شلعت" السلطة البائدة القطاع العام تحت دعاوي الخصخصة حيث سلمت مؤسساته لكوادر التنظيم العالمية والمحلية. وصار الفساد أكبر غول يستنزف خيرات بلادنا المتنوعة. وتحولت القوات النظامية لأخطبوط اقتصادي يملك مؤسسات أضخم مما تملكه وزارة المالية " الرسمية". فأدى ذلك للازمة الاقتصادية المزمنة والتي انعكست على حياة شعبنا فصارت الغالبية العظمى تعيش تحت خط الفقر.
الوضع الاقتصادي الذي ورثته حكومة المرحلة الانتقالية يشكل تحديا هاما، ومهمة جدية وكبيرة، وهو ما سيحدد نجاحنا في عبور مرحلة الانتقال أم لا. والنجاح فيها يستدعي جهدا نظريا وعمليا غير مسبوق. فالديون الخارجية وصلت ستين مليار دولار، ولا توجد، حاليا، إمكانية قروض جديدة بسبب وضع السودان في لائحة الدول الداعمة للإرهاب. والمؤسسات العسكرية والأمنية تمتلك شركات ضخمة، وتشكل الشركات الرمادية مشكلة أخرى. والوضع المعيشي للجماهير يزداد سوءا، وعناصر الدولة الخفية التي تحكمت في كل مفاصل الاقتصاد تعطل من عمل الحكومة. وعدم التوافق على السياسات الاقتصادية يشكل كابحا للمضي للأمام. ونؤمن بان التحدي الأساسي هو انهاء الاقتصاد الريعي وإقامة اقتصاد يعتمد على الإنتاج. ونعتقد ان النجاح في الملف الاقتصادي سيشكل دعما كبيرا للحكومة الانتقالية.
استحوذت الأنظمة العسكرية على خمسين عاما من عمر السودان المستقل، مما مكنها من تشكيل كافة مناحي الحياة في بلادنا. واخطرها رسوخ تفكير داخل الجيش بأنهم يملكون الحق كاملا في حكمنا وإدارة شئون بلادنا. الغريب حقا انهم قادوا كل الانقلابات العسكرية وعندما يثور ضدها الشعب يصرون على الحكم مرة اخري بعد نجاح الثورة. توازن القوى بعد عزل البشير أدى للشراكة بين اللجنة الأمنية وقوى الحرية والتغيير، وهو واقع نحترمه حتى نهاية المرحلة الانتقالية. ولكن هناك قضايا تحتاج لوضوح تام ونقاش علني. اهم هذه القضايا تغيير عقيدة الجيش لتتحول لعقيدة قومية تحمي استقلال بلادنا وتمارس مهامها كمؤسسة من مؤسسات المجتمع، وان تكون تحت قيادة الحكومة المدنية القادمة. وان يكون الجيش القومي هو الجهة الوحيدة المسموح لها بحمل السلاح وإلغاء كافة المليشيات. ومن القضايا الاساسية لتحقيق قومية الجيش هي قضية اصلاح المؤسسات العسكرية. ومن غير المنطقي ان تترك مؤسسة من مؤسسات بلادنا لتقوم بمهمة " اصلاح" نفسها بنفسها بعيدا من بقية مؤسسات المجتمع، رغم ان كل مؤسسات المجتمع تؤثر وتتأثر بما تقوم به هذه المؤسسة العسكرية.
سنت دولة الاسلامويين مجموعة كبيرة من التشريعات والقوانين المعادية للديمقراطية، التي شملت كل شيء في بلدنا، وتحتاج للمراجعة التامة. كما حولت القضاء لمؤسسة حزبية واداة في يد السلطة. وهنا يأتي تحدي اصلاح المؤسسات العدلية في ظل عدة قيود فرضتها الوثيقة الدستورية، وتمسك قضاة العهد البائد بأحقيتهم في قيادة عملية الإصلاح رغم ان " فاقد الشيء لن يعطيه " وهم الذين مارسوا كل التجاوزات خلال ثلاثين عاما، ويكفي انهم أعضاء في الحزب الحاكم، وشاركوا في معسكرات الدفاع الشعبي، وصمتوا عن كل تجاوزات السلطة.
قامت سلطة الانقلاب بتصفية تامة للخدمة المدنية من كل الكوادر التي لا تنتمي لتنظيمها، مهما كانت الكفاءة او احتياج الدولة لهم. وتم استبدالهم بكوادر التنظيم الذين يفتقرون للكفاءة والأمانة المهنية. وكان ذلك أحد أهم أسباب دمار الخدمة المدنية السودانية. ويصبح واحد من تحديات المرحلة الانتقالية، ان تعيد بناء جهاز الدولة، لأنه لا يمكن ان تحكم بجهاز الدولة القديم. وكأساس ضروري للتحول الديمقراطي ان تتم مراجعة قوانين الخدمة المدنية لاستعادة استقلالها وكفاءتها، وان يتم ارجاع كل الكفاءات التي فصلت.
أثبتت تجربة دولة الاسلامويين، ومن قبلها تجربة ما سمي بالعدالة الناجزة أواخر أيام مايو، خطورة استغلال الدين في السياسة. وقد تعلم شعبنا بالتجربة المريرة وبثمن غالي كذب تلك الشعارات. وعلينا، بوضوح تام، ان نعمل على تأسيس دولتنا المدنية، التي مات من اجلها الشهداء. دولة لا تفرق بين المواطنين حسب معتقدهم الديني او السياسي أو أصلهم الاجتماعي. نريد دولة المواطنة التي تعامل كل مواطنيها بمساواة تامة ولا تفرق بينهم. وهذا يشكل أحد اهم تحديات التحول الديمقراطي، لان القوى الاجتماعية التي رفعت تلك الشعارات واستفادت منها بمراكمة الثروات، وخلق النفوذ، وتغبيش وعي بعض أبناء بلادنا، لن تجعلها مهمة سهلة.
اكدت تجارب شعوب العالم ان لا ديمقراطية بلا أحزاب. وعملية التحول الديمقراطي تحتاج لجهد ونشاط الاحزاب. ولكن، بصدق، تعاني احزابنا من عدة امراض. ليس هنا المجال للتفصيل حولها ومناقشة مسبباتها. ولكن نجملها في الآتي: انعدام الديمقراطية داخلها، التبعية للطائفية، تكلس القيادات، انعدام البرامج، الدور الهامشي للنساء والشباب، سيطرة النظرة الحزبية الضيقة. ومن ضمن مطلوبات التحول الديمقراطي انجاز اصلاح احزابنا. ولن يتم ذلك الا بجهد حقيقي داخلها لإجراء التغييرات الضرورية لعملية الدمقرطة.

siddigelzailaee@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: التحول الدیمقراطی

إقرأ أيضاً:

جيش موريتانيا يناور ويتسلّح لمواجهة التوترات بالساحل الأفريقي

بعد سنوات من أزيز الطائرات الروسية في سماء مالي وضجيج قذائفها في مناطق أزواد، وفي ظل العودة القوية للحركات المسلحة وارتفاع "مؤشر الإرهاب" في الساحل الأفريقي، أعلنت رئاسة موريتانيا عن تعزيز قدرات قواتها الجوية والبرية والبحرية بأنواع متطورة من العتاد العسكري.

وشملت الترسانة الجديدة طائرات مسيرة للهجوم والاستطلاع تتمتع بالكفاءة والقدرة على تغطية كامل أراضي الدولة، وشمل العتاد الحديث وحدات مدرعة ومدفعية وأخرى مضادة للدروع والصواريخ.

وكعادته في التحفظ على الأخبار المتعلقة بقدراته، لم يذكر الجيش الموريتاني تفاصيل عن الجهات التي تعاقد معها في شراء الأسلحة.

وزير الدفاع الموريتاني في زيارة لمواقع العتاد العسكري الذي تم اقتناؤه مؤخرا (صفحة الجيش الموريتاني على فيسبوك) السياق والسباق

وقد جاءت خطوة الجيش الموريتاني بتعزيز قدراته القتالية في سياق إقليمي متوتر تمر به دول الساحل، وخاصة مع جارتها الشرقية مالي التي شهدت الحدود المشتركة معها في الفترة الأخيرة الكثير من الاحتكاكات التي وقع ضحيتها عدد من المدنيين الموريتانيين، وهو ما بررته السلطات في باماكو بأن قواتها كانت تطارد مسلحين فروا باتجاه الأراضي الموريتانية.

وفي بداية مايو/أيار الماضي قام جيش موريتانيا بمناورات عسكرية في ولاية الحوض الشرقي قرب الشريط الحدودي المشترك بين الجارتين، وكشفت نواكشوط من خلال تلك العروض العسكرية عن قاعدة للطيران المسيّر في المدينة نفسها.

واعتبر بعض المراقبين تلك المناورات بمثابة استعراض للجاهزية التي قالت السلطات الموريتانية أكثر من مرة إن جيشها يتمتع بها، كما تزامنت مع تحذيرات للناطق الرسمي باسم الحكومة في نواكشوط الناني ولد اشروقة، الذي أكد -في رده على ما قيل إنه دخول لقوات مجموعة فاغنر الروسية والجيش المالي للأراضي الموريتانية- أن بلاده قادرة على حماية حدودها وسترد الصاع صاعين لمن حاول دخول حوزتها الترابية عن قصد.

وفي السنوات الثلاث الأخيرة، شهدت دول الساحل -التي يحكمها انقلابيون- سباقا نحو التسلح مع التركيز على الصناعات الروسية، ففي عام 2022 تسلمت باماكو دفعة من السلاح الروسي تضم 5 طائرات ومروحيات عسكرية والكثير من الصواريخ المتنوعة، كما استعان المجلس العسكري الحاكم بمجموعة فاغنر التي تقول بعض التقارير إن مالي تنفق عليها شهريا ما يربو على 10 ملايين دولار.

كما أبرمت دولتا النيجر وبوركينا فاسو صفقات للسلاح مع موسكو بهدف تعزيز قدراتهما العسكرية خاصة بعد خروج القوات الفرنسية والأممية من المنطقة.

الكفاءة رغم ضعف التجهيز

ويتبنى الجيش الموريتاني إستيراتيجية التعتيم ولا ينشر الكثير من التفاصيل المتعلقة بقدراته، وتفيد التقارير المهتمة بأخبار التسليح والدفاع بأنه يعاني من نقص التجهيزات.

وحسب إحصائية موقع "غلوبال فاير بور" الأميركي عام 2020 حول القوة العسكرية لمجموعة دول الساحل الخمس (جي 5)، فإن جيش موريتانيا يقع في المرتبة الأخيرة لجيوش منطقة الساحل الأفريقي، ويحتل المرتبة 124 بين أقوى 138 جيشا في العالم.

وحسب بيانات الموقع نفسه، فإن عدد القوات العسكرية العاملة في حدود 16 ألف جندي، في حين يصلح للخدمة العسكرية نحو مليون فرد، لكن التشكيلات العسكرية الأخرى التي تضم الحرس والدرك والشرطة ترفع عدد الأفراد العاملين حتى 30 ألف جندي.

ويتألف الجيش الموريتاني من 4 أركان رئيسية: الجيش البري، والجيش الجوي، والبحرية الوطنية، وأركان قيادة القوات الخاصة المشتركة، ويمتلك 28 طائرة و35 دبابة و95 مدرعة و224 مدفعا ميدانيا، ويضم الأسطول البحري 5 سفن حربية كبيرة متعددة المهام.

أما دولة مالي التي تشترك مع موريتانيا في حدود برية شاسعة وتنشط فيها الجماعات المسلحة، فإن جيشها يقع في المرتبة الثانية من بين جيوش منطقة الساحل، والثالثة في منطقة غرب أفريقيا، ويأتي في المرتبة 110 على مستوى دول العالم، ويبلغ حجم الإنفاق العسكري على الجيش 590 مليون دولار سنويا.

ووفقا لتصريحات المجلس العسكري الحاكم في مالي، فقد اشترت باماكو عام 2023 عددا من طائرات بيرقدار المسيرة التي تنتجها تركيا.

ورغم القدرات المتواضعة لوسائل تسليح الجيش الموريتاني، فإنه يوصف بالكفاءة وقدرات أفراده الذين يتمتعون بتدريب جيد، ويضم كتائب محترفة استطاعت أن تحقق ما عجزت عنه مجموعة دول الساحل مجتمعة، وفق تصريحات رسمية موريتانية وإشادات من الدول الغربية.

فمنذ عام 2012 لم تسجل موريتانيا أي حادث إرهابي على كامل حوزتها الترابية، إذ قامت قواتها المسلحة بشن حرب استباقية على الحركات المسلحة بين عامي 2010 و2011 وطاردتها في داخل الأراضي المالية.

وتقول موريتانيا إن قواتها الخاصة "جي إس آي" شنت حربا استباقية على الجماعات المسلحة وأبعدتها عن أراضيها، حيث نفذت معركتي "حاسي سيد أحمد" و"واغادو" في مالي قبل 10 سنوات.

والقوات الخاصة في الجيش الموريتاني هي مجموعات متعددة من فصائل القوات المسلحة، تأسست عام 2009، وتتمتع بتدريب جيد ولها كفاءات عالية، وتمتلك أحدث الأجهزة العسكرية للجيش، وتتولى مهام مراقبة الحدود والتصدي للجماعات المسلحة ومتابعة تحركاتها في المنطقة.

وفي بيانات أصدرتها عام 2013 قالت السفارة الأميركية في نواكشوط إن الجيش الموريتاني يتمتع بكفاءة عالية وتدريب جيد وله جاهزية للتدخل.

وحول حربها على الحركات الإرهابية، قال وزير الداخلية الأسبق محمد ولد ابيليل عام 2013 إن بلاده طهرت أرضها من الجماعات المسلحة بمفردها دون مساعدة من أي جهة باستثناء تبادل بعض المعلومات الاستخباراتية مع بعض الأصدقاء.

مسار تحديث سلاح الجيش الموريتاني بدأ بعد انقلاب 2005 حيث كانت القوات المسلحة تعاني من ضعف كبير (الفرنسية) مسار التحديث

وتفيد ورقة نشرها مركز الجزيرة للدراسات بأن مسار تحديث سلاح الجيش الموريتاني بدأ بعد الانقلاب على الرئيس الأسبق معاوية ولد سيد أحمد الطايع عام 2005، حيث كانت القوات المسلحة تعاني من ضعف كبير، مما جعلها تتعرض لهجمات الجماعة السلفية للدعوة والقتال في قاعدة لمغيطي في الرابع من يونيو/حزيران 2005، تكبّد فيها الجيش خسائر كبيرة راح ضحيتها 15 قتيلا كانوا يتمركزن في قاعدة مرابطة على الحدود مع الجزائر.

ومنذ عام 2008 بدأت الحكومة في نواكشوط في التوجه نحو استعادة مكانة الجيش عبر زيادة المكافآت لأفراده وبناء القواعد والمقرات وشراء العتاد العسكري، وبين عامي 2009 و2018 تضاعفت الموازنة العامة للجيش 4 مرات حيث وصلت عام 2018 إلى 169 مليون دولار.

واستمرت الموازنة العامة في الارتفاع لتصل عام 2023 إلى 184 مليون دولار، بالإضافة إلى ذلك، تصرف ميزانيات خاصة مرتفعة لباقي التشكيلات المسلحة كالحرس والدرك تقترب نسبتها من 100 مليون دولار.

وفي سعيها لتحديث قواتها الجوية، اشترت طائرات "سوبر توكانو آي إم بي 314" البرازيلية المصممة للطيران في أجواء عالية الحرارة والرطوبة.

وفي منتصف 2021 وقعت موريتانيا اتفاقية عسكرية مع روسيا لزيادة قدراتها العسكرية، كما دخلت في شراكات وصفت بالقوية مع حلف شمال الأطلسي (ناتو).

ورغم التقارب مع حلف الناتو والاهتمام الذي يوليه لموريتانيا، فإن جيش نواكشوط لا يزال يحافظ على إستيراتجيته الرافضة لبناء القواعد الأجنبية في أرضه، ولا يرغب إلا في شراكة تقف عند التعاون وبناء القدرات، حسب ما تؤكده السلطات من حين لآخر.

(الجزيرة) تحديات إقليمية

وكانت نواكشوط وراء فكرة إنشاء مجموعة دول الساحل الخمس (جي 5) عام 2014 بهدف تعزيز قدرات جيوش المنطقة في تحدي الإرهاب والسعي لخلق جو من الأمن والاستقرار يلائم طموحات الدول في التحول إلى أعتاب التنمية التي بدأت طلائعها تقترب من التحقق وخاصة في موريتانيا التي ستدخل نادي الدول المصدرة للغاز بعد شهرين.

ولكن موجة الانقلابات التي عرفتها منطقة الساحل الأفريقي منذ عام 2021 ساهمت في القضاء على الكثير من العمل العسكري والتنسيق الأمني المشترك، إذ انسحبت النيجر ومالي وبوركينا فاسو من قوة الساحل المشتركة بحجة أن فرنسا تقف وراءها.

ورغم أن الجيش الموريتاني ما زال يحافظ على أمن بلاده من خطر الجماعات المسلحة، فإن المؤشرات تقول إن خطرها تضاعف في الدول المحيطة والمجاورة.

وتعدّ منطقة الساحل الأفريقي بؤرة للعنف والتطرف، حيث تضاعفت الأحداث المرتبطة بالحركات المسلحة إلى 7 أضعاف منذ عام 2017، ووفقا لمؤشر الإرهاب العالمي الصادر عام 2023، فإن 53% من ضحايا الإرهاب عالميا تقع في مالي وبوركينا فاسو.

وتحتل بوركينا فاسو المرتبة الثانية بعد أفغانستان في "معضلة الإرهاب"، في حين تقع مالي والنيجر ضمن الدول 10 الأسوأ في العالم.

وكل هذه العوامل تجعل الجيش الموريتاني أمام تحديات يعتبر الصمود أمامها أمرا بالغ التعقيد وخاصة في دولة ذات أراض شاسعة تبلغ مساحتها مليونا و30 ألفا و700 كيلومتر مربع.

الرئاسة والسياسة

ويتميز جيش موريتانيا عن باقي جيوش منطقة الساحل الصحراوي بأنه قد حسم أمر الحياة السياسية منذ فترة ولم تصبح مسألة خلاف تستدعي المواجهة داخل الجيش، أو بين الجيش والمدنيين.

فمنذ أن نفذت القوات المسلحة أول انقلاب في العاشر من يوليو/تموز 1978 ضد الرئيس المدني المختار ولد داداه أصبح أمر السلطة السياسية في يد أصحاب السلاح.

وبعد عدة انقلابات عرفتها البلاد، ظهر الجيش في العقدين الأخيرين وكأنه حسم أمر السلطة بين أعضائه، إذ كرس السلطة التنفيذية والتشريعية في قبضته، ولكن في ثوب من الديمقراطية والتبادل السلس بين أعضائه.

فمنذ عام 2008 حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز البلاد لولايتين، وعندما انتهت فترته الدستورية سلم السلطة للجنرال محمد ولد الغزواني.

وعندما تم تغيير الدستور الموريتاني وإلغاء مجلس الشيوخ، وأصبح رئيس البرلمان هو من يتولى الحكم في حالة شغور منصب رئيس الجمهورية، صار رئيس البرلمان أيضا منصبا ثابتا للجنرالات المتقاعدين.

ولد الغزواني حذر من محاولة اختبار ردة فعل الجيش إذا تم الاعتداء على الوطن (صفحة الجيش الموريتاني على فيسبوك)

وفي الحملات الانتخابية الجارية، يرفع جميع المرشحين شعارات الدعاية بتحديث الجيش وزيادة مخصصاته وقدراته العسكرية.

ومن ولاية آدرار في الشمال الموريتاني حيث توجد المدرسة العسكرية لمختلف الأسلحة، قال الرئيس الموريتاني الذي يترشح لولاية ثانية إن كل شيء يمكن أن يتغاضى عنه إلا زعزعة الاستقرار الذي تنعم بلاده.

وأضاف ولد الغزواني أنه لا ينصح أي جهة داخلية أو خارجية بمحاولة اختبار ردة فعل جيشه في حالة ما إذا تم الاعتداء على الأمن الوطني.

وتشير دراسة أعدها مركز الجزيرة للدراسات حول طبيعة الجيش الموريتاني إلى أنه وجد سندا مدنيا في كل مرحلة من مراحل التفافه على الحكم وسحب السلطة من النظام القائم.

وحسب الكثير من البيانات والتقارير التي تنشر عن القوات المسلحة الموريتانية، فإن هذه القوات شهدت في السنوات العشر الأخيرة نقلة نوعية في مسار التكوين وتحديث العتاد.

ولعل التطورات الأمنية التي تمر بها منطقة الساحل ستزيد من حاجة الجيش للاستمرار في تحديث الترسانة العسكرية ليكون قادرا على الصمود أمام التغيرات الجيوسياسية، ويحافظ على الاستقرار الذي تحتاجه البلاد في ظل التحولات الاقتصادية التي تعول عليها الحكومة في التخفيف من آثار الفقر المتعدد الأبعاد.

مقالات مشابهة

  • 9 مؤسسات حكومية على مستوى “أخضر” في التحول الرقمي؛ هل مؤسستك ضمنها؟
  • السودان والأسئلة المفتوحة
  • صراع السلطة والحرب في السودان
  • معاريف تكشف عدد الآليات العسكرية التي تضررت في غزة
  • مواصلة مناقشة تحديات التحول الديمقراطي «3-4»
  • هل هناك إمكانية لتحقيق التحول الديمقراطي؟ (4 -4)
  • جيش موريتانيا يناور ويتسلّح لمواجهة التوترات بالساحل الأفريقي
  • مواصلة مناقشة تحديات التحول الديمقراطي (3/4)
  • المعارك العسكرية هي الحلقة الأخيرة من حلقات الحرب