سودانايل:
2025-01-24@03:49:20 GMT

السودان: إنقاذ ما لم يمكن إنقاذه

تاريخ النشر: 26th, June 2024 GMT

ناصر السيد النور

لم تعد الأزمة السودانية التي خلقتها الحرب ـ المستمرة – تلقى اهتماماً يجدر بما وصلت إليه من كوارث مهولة، بدا وكأنها عصية على الحل، وفي الوقت نفسه يواصل طرفاها قوات الجيش والدعم السريع القتال، بكل ما تتيحه وسائل الحرب. والاهتمام المفترض هو ما يعول عليه ضحاياها بالمعنى الإنساني، في إنهاء معاناتهم الإنسانية كأكثر الأطراف تضررا من الحرب، أو بما تشكله من تهديد وخطر داهم، لا يتوافق ومنظومة الأمن الإقليمي والدولي هذا إذا حسن الظن بالوثوق بما تقوله ـ من دون أن تنفذه غالبا- مؤسسات معنية بالسلم والأمن الدوليين، ممثلة بالأمم المتحدة ومجلس أمنها الدولي، أو مؤسسة إقليمية من جامعة عربية واتحاد افريقي، بإمكانياتهما المحدودة، وموقفهما المتردد في التعامل مع أطراف الأزمة وضحاياها.


وما يلفت الانتباه مؤخراً، تكرار التحذيرات الصادرة عن كل الهيئات الدولية الإنسانية، بما سيؤول إليه الوضع في السودان، نتيجة لحرب وحشية، وما أحدثته من حالات إنسانية في النزوح واللجوء، وسقوط ضحايا دون حصر، ومؤخراً المجاعة الوشيكة. ويتزامن هذا مع وصف يبعث على الإحباط، باعتبارها أسوأ كارثة يشهدها العالم في الألفية الثالثة، وتقع الكارثة السودانية ضمن خريطة صراعات العالم، أو البؤر الملتهبة (غزة، وأوكرانيا) في موقع تتقاطع معه قوى الصراع الدولي، والوزن الاقتصادي والتأثير السياسي، وأخيراً الموقع الاستراتيجي.
وقد كتب حازم صاغية الكاتب اللبناني مؤخراً «ما من شكّ في أنّ بيننا عنصريّين تصدّهم عن الاهتمام بالسودان أفريقيّتُه، واللون الأسمر لبشرة سكانه. لكنْ في بيئات ثقافية قد لا يصح فيها هذا الوصف، يبدو التجاهل أعقد وأشدّ مواربة. ذاك أنّ أحوال السودان تشكّل فضيحة لوعي تلك البيئات، التي غالباً ما اعتبرت أنّ النزاعات والصراعات لا تستحقّ صفتها هذه، ناهيك عن الاهتمام بها، ما لم تكن نتاج اصطدام بطرف غربيّ وأجنبيّ، وأنّ الضحايا بالتالي لا يكونون ضحايا ما لم يقتلهم هذا الطرف بعينه». وهذا الوصف ربما يصدق وربما وافق واقع حال السياسات العربية، بل قبل ذلك النظرة العربية لدول الجامعة العربية التي تعاني في تعريف هويتها عربياً كدول في هامش المحيط العربي كالصومال وموريتانيا، إذ تُعامل من حيث موقعها الجغرافي من الخليج إلى المحيط، من دون اعتراف بالقواسم المشتركة، وأولها البعد الثقافي والعنصري. والواقع أن التأثير العربي في الأزمة السودانية لا ينكر وجوده، ولكنه على الجانب الذي لا يرغب فيه السودانيون. فقد اتهم سفير السودان هذا الأسبوع في جلسة مجلس الأمن، دولة الإمارات صراحة بدعم قوات الدعم السريع، وطالبها بالتوقف عن التدخل في دعم أحد طرفي الصراع، واعتبرها سفير الإمارات في رده على الاتهامات، سخيفة. فأدخلت الحرب العلاقات الدبلوماسية بين السودان ومحيطه العربي في أزمة ذات بعد آخر، من دون أن تصل إلى موقف الخطر لأسباب معلومة. والحرب بطبيعة الحال أصبحت جاذبة لتدخلات متفرقة مثلها مثل حروب أخرى.
أما الداخل الذي ترك ليواجه مصيره تفتك به معارك الطرفين، من دون تمييز في مستوى الدمار والخراب في وتيرة معارك متصاعدة، لا ينتظر منها نتيجة حاسمة، إلا في حدود ما تقتل من مدنيين. ومن دون تدخل مطلوب، إقليماً أو دولياً، ازدادت قوى الطرفين شراهة في حربها، وفي حجم الانتهاكات المرتكبة. وقد لا تنتظر الأزمة السودانية حلولا ما بعد الحرب، كإعادة الإعمار والمصالحة الوطنية، وما إليها مما يؤمل أن تعيد الأمور إلى نصابها، وهذه الرؤية الرغبوية، التي يأمل فيها السودانيون تبدو، مع واقع الظروف الحالية، بعيدة عن التحقق، وأعقد مما تسمح به الإمكانيات المتاحة. فما الذي يمكن أن ينقذ، خاصة أن الأزمة السودانية أصبحت مركبة تداخلت فيها المؤثرات ومجريات الأحداث، بما دفع بها بعيداً نحو المجهول، وتأخرت بالتالي معالجة جزئياتها، ما زاد من تعقيدها. فاقتصاد البلد الفقير قد أوصلته الحرب إلى ما يتعدى البيانات والأرقام الإحصائية، إلى مرحلة صفرية، مع انهيار في العملة وارتفاع في التضخم، وما انسحب جراء ذلك من تعطل الحياة والأنشطة الاقتصادية، وسكان يعانون شظف العيش، وبحاجة إلى مساعدات وكل ما يتأتى من الخارج في مواجهة مجاعة هي الأسوأ من نوعها أيضا وفق التقديرات الدولية. ولأن الحرب ألحقت ضرراً بليغاً بالبنية التحتية على رثاثتها، وتشمل المؤسسات الاقتصادية القائمة وخروج الاقتصاد السوداني عن مسار اقتصاد الدولة، التي فقدت أصولها وممتلكاتها، أسوة بممتلكات المواطنين؛ فإن ما ينتظر إصلاحه اقتصادياً سيحتاج إلى عقود، فإذا كان الانهيار الاقتصادي الذي يؤثر في سردية الحرب، ويعيد على ضوء نتائجه الفادحة المباشرة صياغة ملامح البلاد من جوانبها كافة، فإن السياسة التي قادت بطرق ممارستها من قبل الساسة للحرب نفسها وبعثت التشوهات السياسية في منظومة الحكم والدولة، ما يعني عملياً بروز نمط آخر لساسة وإدارة السياسة، وفق وضعية مغايرة مضادة لتقاليدها التاريخية ورموزها السياسية، ولأن الحرب أخطر ما أحدثه الانقسام المجتمعي في التصنيف الجهوي والقبلي لمنظومات الدولة الضاربة، كالجيش وبقية التحالفات العسكرية، تكون الأزمة السودانية قد دفعت إلى الوجود بلداً مقسماً وفق نتائج الحرب.
إزاء هذا الوضع السياسي الغامض والمربك يصعب التنبؤ بما يمكن أن تنقذه السياسة تسوية أو على فرضية إطار سياسي جامع، يستدعي أشكال الحلول والتوافقات السياسية على ما درج عليها ممارسو السياسية السودانية. فالعودة إلى الخريطة التقليدية للمكونات السياسية بأحزابها ونقاباتها وتكتلاتها في اليمين واليسار، خضعت لمناورات الحرب، وتغيرت قواعد اللعبة فيها بين سياسة حرب تعبر عنها حكومة عسكرية، تمثل طرفاً رئيسياً في الحرب، والمدنيين الذين يمثلون الجانب السياسي الرافض لاستمرار الحرب. وهنا تبدو المساحة متباعدة بين جميع الأطراف، ما يضع الواجهات السياسية في موقف حرج لغياب الإرادة الوطنية السياسية، خاصة أن المكونات السياسية المدنية تصنف بالذراع السياسي لقوات الدعم السريع. وهو تصنيف يلقي ظلالا سالبة عليها، على الرغم من الغرض والدعاية التي تقف وراءه، وهذه القوات التي يقاتلها الجيش زادت من حدة تعقيد المعادلة السياسية والعسكرية الاجتماعية في البلاد. ويزيد من مستوى الانهيار السياسي عدم التنسيق في المواقف، وأحياناً الموقف من الحرب نفسها، فلا تزال نتائج الحرب تحدد مستوى الاقتراب بين الموقف الوطني والحزبي والجهوي. ولعل الأخير يشكل أبرز التحديات التي يواجهها السياسي السوداني لارتباطاتها النفسية والاجتماعية. إذا كان حجم المخاطر التي أحدثتها الحرب الجارية في السودان منذ عام ونصف العام من دون توقف، جعلت من غير الممكن تصور ما سيكون عليه الوضع بعد مرحلة الحرب، إلا بالقدر الذي يحمل التمنيات أكثر من الواقع وحقائقه. فما تضرر لم يكن محصوراً بالدائرة العسكرية، حيث ميادين القتال ولغة السلاح، وإنما كارثة أقرب ما تكون إلى الفناء ألمت بشعب وأرض وكل ما ترمز إليه محددات الدولة التعريفية، في حدود ما يلامس الوجود الإنساني قبل القانوني والدستوري للكيان الذي بعثرته سياسات أخطأت بالتقدير، أو سبق الإصرار نتائج لم تكن في الحسبان مما يجعل من معالجتها أمراً غير وارد في المدى المنظور.
كاتب سوداني
نشر بالقدس العربي اللندنية# 26/06/2024م

nassyid@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الأزمة السودانیة من دون

إقرأ أيضاً:

ماهي الدلالات السياسية التي تحملها زيارة وزير الخارجية السعودي إلى لبنان؟

 

يزور وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان لبنان اليوم الخميس حيث سيقدم التهاني السعودية لرئيس الجمهورية جوزف عون لتسلمه سدة الرئاسة الأولى، ولتولي رئاسة الحكومة نواف سلام تمهيداً لتشكيل الحكومة الجديدة.

وعلى الرغم من أن الزيارة للتهنئة، إلا أنها تحمل في طياتها رمزية معينة ومدلولات سياسية في ما يتعلق بالعلاقات اللبنانية-السعودية وعودتها إلى مجاريها بفعل التحولات السياسية في لبنان، وحيث ترغب المملكة في العودة إلى دعم لبنان وعدم التخلي عنه. فيما لبنان يعود إلى السعودية والى الحضن العربي، بعد تقلص السيطرة الإيرانية على مواقفه وسياساته، وانتهاء الدور الإيراني القيادي في لبنان.

وكشفت المصادر، أن الموقف السعودي من الأوضاع اللبنانية كافة سيعبر عنه الوزير بن فرحان لا سيما بالنسبة إلى بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها، وإلى أن الإصلاحات الحقيقية هي شرط أساسي للتمويل والدعم. والشرط الآخر أن توزع المساعدة بشفافية دون أي استغلال سياسي من الأفرقاء الذين لم يسيروا وفق مصلحة تقوية الدولة اللبنانية بكافة مؤشراتها.

ولفتت المصادر، إلى أن الوزير بن فرحان كان أيّد خطاب القسم، وبيان التكليف لرئيس الحكومة الجديدة، وبالتالي أن هذين المرجعين يحظيان بتأييد سعودي يفترض الالتزام بهما.

الدلالات الاولى للزيارة هي بحسب المصادر الديبلوماسية المواكبة لها، في انها تأتي بعد جفاء خليجي استمر لسنوات. وبالتالي، هناك صفحة جديدة في العلاقات الخليجية مع لبنان ستفتح مع كل ما يعزز هذه العلاقات سياسياً واقتصادياً. ومن المتوقع ان تتوالى الزيارات الخليجية إلى “لبنان الجديد” للتهنئة وللعودة الى العلاقات الاخوية والودية.

وستفتح زيارة بن فرحان لبيروت الباب تدريجياً وفقاً للمصادر، امام التعاون الوثيق على المستويين السياسي والاقتصادي. وهذا ما سيطلبه لبنان أيضاً خلال المباحثات التي ستتم في الزيارة. مع الاشارة الى ان الزيارة في حد ذاتها تعبر عن وجود تطورات جديدة في العلاقات الثنائية، وعن الدور المميز للمملكة العربية السعودية في لبنان، والحوار المشترك بين البلدين والتواصل الذي لن ينقطع. وبالتالي، لن تكون المملكة بعيدة عن التقارب مع لبنان في ظل المستجدات والادوار الاقليمية، وتحديداً في الملف السوري.

وأكدت المصادر انه سينتج عن الزيارة مفاعيل مهمة ستتضح معالمها خلال المرحلة المقبلة، ذلك ان البحث في التفاصيل لن ينطلق في الزيارة الاولى. انما الزيارة الاولى ستفتح آفاق جديدة ومتينة بين المملكة ولبنان. وتلفت المصادر، الى اهمية وجود المملكة كدور اساسي بعد تقلص الدور الإيراني في لبنان، وتقلصه أيضاً في سوريا، بعدما لم يعد ممكناً أن يكون لاعباً جوهرياً في قضايا المنطقة.

ويحفظ لبنان للمملكة وقوفها الدائم إلى جانبه على مر السنين السابقة قبل مرحلة الجفاء التي ولدتها السيطرة الإيرانية على مواقف بعض الأفرقاء فيه، وعلى مقومات البلد وسياساته الداخلية والخارلجية. كما أن لبنان بحسب المصادر، يعول على الدعم السعودي لنهوضه من الانهيار الذي دام ست سنوات وعلى دعم الجيش اللبناني، وذلك في المؤتمرات التي ستعقد دولياً خصيصاً لهذه الأهداف.

وفي المقابل، سيكون لبنان داعماً أساسياً لمواقف المملكة إن عبر الجامعة العربية، أو عبر المواقف والمنابر الدولية. وهو يقدّر دائماً أنها رمز الحكمة والتعقل في المواقف السياسية

 

مقالات مشابهة

  • وزارة الخارجية السودانية ردا على تصريحات وزير خارجية جنوب السودان بالأمم المتحدة: سنتخذ إجراءات مناسبة للرد
  • تصاعد الأزمة بين بورتسودان وجوبا والخارجية السودانية تستنكر تصريحات لنظيرتها الجنوبية
  • «مصر» جذور اللوتس التي لا يمكن اقتلاعها.. موسوعة القوات المسلحة في معرض الكتاب
  • ماهي الدلالات السياسية التي تحملها زيارة وزير الخارجية السعودي إلى لبنان؟
  • وزيرة خارجية النمسا السابقة: ترامب هو الرئيس الأمريكي الذي يمكن لروسيا إقامة علاقات وثيقة معه
  • أبرزها مصر والإمارات.. كيف تستغل القوى الإقليمية الحرب السودانية لتحقيق مكاسبها؟
  • الخارجية السودانية: المليشيا بعد أن عجزت عن مواجهة الجيش والقوات المساندة له لجأت إلى استهداف محطات الكهرباء والمياه
  • قيادي باتحاد الشغل التونسي: تسريب الطبوبي الذي وصف فيه الهياكل النقابية بـ''المافيا'' يوجب الاستقالة
  • ما هو أثر العقوبات الأمريكية على الحرب السودانية؟
  • السودان (الجحيم الذي يسمي وطن)!!