جريدة الرؤية العمانية:
2024-07-13@18:48:30 GMT

الباحث عن خلل

تاريخ النشر: 6th, August 2023 GMT

الباحث عن خلل

 

 

ماجد المرهون

majidalmrhoon@gmail.com

 

يتطور الإنسان منذ خلق والتطور من أسمى صفات تأقلم المخلوقات وعلى رأسها الإنسان بطبيعته بل هو أسرعها لما حباه الخالق من ملكة العقل ومواهب متعددة وقدرةٍ كبيرةٍ على التمييز بين الحق والباطل والاختيار بين الصواب والخطأ والتقدير بين الصالح والفاسد؛ فبعد أن كان الإنسان قديمًا يعتمد على أحاسيسه المجردة وشكوكه في البحث والتقصي عن مسبب أحدث خللاً في نظام حياته المعتاد أو انعكس عليه بالضرر كالجريمة مثلًا، تقدم بعدها خطوة إلى الأمام مع عدم ملاءمة الشكوك والأحاسيس في مسعى التحقيق بالتعاون مع غيره من شركاء المجتمع للكشف عن الملابسات بغية إثبات الدليل والوصول إلى الجاني لمُعاقبته وكفه عن الخطأ والضرر.

وبمرور الوقت وازدياد عدد السكان وتداخل المصالح وتشابكها بطرقٍ أكثر تعقيدًا بات من الضرورة الاستعانة بأطرافٍ ذات تبصر وتأمل في مجال التحقيق ممن يعتقد بحكمتهم، ولذلك لجأوا إلى السحرة والمشعوذين لسرعتهم في اتخاذ القرار وإلقاء الحكم نظير مكسب مادي؛ إذ كانوا يتمتعون بنوعٍ من السلطة القضائية في دائرةٍ يشيع فيها الجهل، ومع اطراد التقدم العلمي قليلًا في العصور الوسطى أصبح "الاعتراف سيد الأدلة" كما يقول أرسطو، هو الدليل الوحيد لإثبات الجرم وكان دور الشهود غير معتد به لما قد يشوب شهادتهم من رغباتٍ وأهواء وميولٍ تؤدي للخطأ في الحكم وعليه بات التعذيب هو مصير كل من يلقى بتهمة، وقد يعترف مكرهًا تحت وطأة التعذيب وإن كان مظلومًا حيث كانت طرق التعذيب وأساليبه أقسى من العقوبة.

يستمر التطور الإنساني لإثبات الخطأ وكشف نقاط الضعف ومواطن الخلل متماشيًا مع مقتضيات الحاجة ويواكبة التطور التقني، إذ لم يعد أسلوب الانتقام المبني على الشك مُعترفًا به ولم تعد الإنسانية اليوم مضطرةً إلى طرائق السحرة والدجالين والتفنن بأساليب التعذيب للتحقق فقد حلت المنهجية العلمية للتحقيق محل تلك الطرق البدائية وبشكلٍ أكثر رصانة ودقة وسهولة، ودخلت التقنيات الحديثة على نفس المسار كذراعٍ داعمٍ ومساند لكشف الحقيقة ولعل أجهزة التصوير التي تحفظ الماضي في صورةٍ ثابتةٍ أو متحركة أكثرها قوةً وتأثيرًا وقبولًا، لتنتشر انتشارًا واسعًا حتى أصبحت بيد وجيب كل إنسان تقريبًا فضلًا عن المنشآت والطرقات، ولن نطيل في موضوع حسن وسوء الاستخدام فذلك شأن آخر قد نفرد له مساحة خاصةً نسلط عليها مزيدًا من التركيز في وقتٍ لاحق.

إنَّ من أسهل الأمور اليوم أن يصور المرء ما يشاء تصويرًا عمليًا بجهازه المحمول في جيبه، وبما أن الإنسان مخلوق متطور فقد ساهمت التقنية الحديثة كمواقع التواصل بمشاركة ما يقوم بتصويره، فيعرض التقاطاته عليها ليشاهدها الكثير من الناس ويقومون هم أيضًا بدورهم في إعادة النشر وكلٌ بحسب رغباته وميوله وأهوائه، فمنهم الشكاك غير المُتيقن والمعتمد على احتمال "تصيب أو تخيب" ومنهم الكاره الراغب في الانتقام ولا خصم له سوى "العيار الذي لا يصيب يقلق" ومنهم المقتنع جدًا بصدق أحاسيسه دون دليل معتنق "إحساسي لا يخيب" ومنهم كذلك الإمعة، الواقع في الحيرة بين العالم والمُتعلم ولا يقدم شيئًا سوى المشاركة بعملية إعادة التدوير لمجرد المشاركة.

يذهب الناس إلى بعض الأماكن السياحية بغية الترفيه وقضاء أوقاتٍ ممتعة وقد يتألق النجم السياحي لبعض الدول في فترة من الفترات فيتوافد عليها الناس ثم تخبت جذوته ليجذبهم سطوع نجم سياحي في بلد آخر. وهكذا هو الحال لكن مع بعض الاستثناءات، منها خريف محافظة ظفار؛ حيث إن ما يجذب الناس سنويًا في المقام الأول هو طبيعة المكان المتأثر بالطقس والأجواء الباردة والماطرة في فصل الصيف، ثم تأتي المقومات السياحية الإضافية المدخلة في المقام الثاني ولا نقلل من أهميتها، ويأتي كل إنسان بثقافته وقناعته وفكره وأدبه وتربيته، وفيهم من يعتقد أنه الوفي المخلص والمصحح الذي سيقوم بإصلاح الخلل فورًا عند حدوثه أو مصادفته وإن لم يجد فلا مانع لديه من البحث والتقصي عن الخلل أثناء فترة وجوده القصيرة في محافظة ظفار وقد لا يتسنى له ذلك في بلاده لأسبابٍ هو يعلمها جيدًا، وما أن يصل ولاية صلالة حتى تبدأ مرحلة التنقيب عن الأخطاء مُستعينًا بجهاز تصويره ومواقع التواصل لينطلق في رحلةٍ سياحيةٍ للتحقيق والتحري وليس الترفيه؛ إنَّ هذا النوع من الناس قد اعتادت عيناه على رصد الخطأ وإن خفي وصغر وأغفال الصواب مهما كان واضحًا وكبيرًا.

يرصد الحادثة وهي الخلل، يصورها فيحدث الإثبات ثم يطلق عليها حكمه المباشر من خلال اعتقاده وربما مشاعره أو شكوكه أو رغباتٍ وأهواءٍ أو شؤونٍ أخرى هو أعلم الناس بها وقد اقتنع بحكمه القاضي بصحة ما يعتقد، كما أنه لن يقوم بنقل تلك الصورة أو المقطع إلى جهات الاختصاص المعنية بالأمر، كلا فذلك ظلم في حق نفسه؛ إذ يجب على النَّاس معرفة ذلك الشخص العظيم الذي قام بالكشف والرصد والتحقيق والحكم والذي سيسجل التاريخ فضل التغيير له لاحقًا- كما فعل السحرة والمشعوذون قديمًا نظير مكسبٍ مادي- فيقوم بالنشر سريعًا على مواقع التواصل محققًا سبقًا وزخمًا كبيرين ولن تطاله أية عقوبة من باب حرية التعبير والرأي وغيرها، كما أنه يتمتع بحصانة الضيف على الجميع في مفهومها العربي الواسع ولا جناح عليه إذا نشر ما يُسيء للمُضيف فهو مُحقق يريد لنا الخير.

لا شك أن فاعلية مواقع التواصل لم تعد خافيةً على أحد ويصل تأثير صوتها الصاخب إلى أبعد مدى ليعود التفاعل مع صداه على جهات الاختصاص ذات الشأن باتخاذ إجراءٍ سريع والسرعة هنا غير مفضلة؛ وعليه فإنَّ تصعيد نظام الشكاوى إلى المستوى العملي الثاني بات أمرًا ملحًا بالغ الضرورة حتى تلمس الناس مصداقية ولا تلجأ إلى بث شكواها على مواقع التواصل ليعرب عنه خبرًا عامًا في متناول الجميع بعد أن كان مبتدءًا في صميم اختصاص جهة محددة.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

تعالوا إلى كلمة سواء..

يقول المخططون الاستراتيجيون إذا أراد لك عدوك أن تسلك طريقا فعليك أن تسلك طريقا مختلفا حتى لا تقع في شباكه وتتمكن من رسم خططك بهدوء للرد على الهجمات وتحقيق النجاح المرجو والمحافظة على المكتسبات بأقل الخسائر الممكنة.

اليمين المتطرف في بريطانيا وعموم أوروبا لا ينفك عن مهاجمة المهاجرين والأقليات بمختلف مشاربهم وتشتد هذه الهجمات في أي استحقاق انتخابي في مسعى لشيطنتهم وتصويرهم بأنهم عبء على المجتمع وخطر على هويته مستغلين ظروفًا اقتصادية وسياسية تمر بها البلاد وكأنهم سبب البلاء الذي حل في البلاد.

اليمين المتطرف خطر كبير وداهم يستغل أي ظرف تمر به البلاد لتمرير برامجه السامة، فقد أثبتت الانتخابات في بريطانيا ودول أوروبية أنه يستطيع إقناع فئة تلو الأخرى في المجتمع ببرامجه والدليل على ذلك أنهم حصلوا على مقاعد لم يحصلوا عليها في دورات انتخابية سابقة.رد الفعل الغريزي وغير المخطط لجوء هذه المجموعات المستهدفة في زمن الانتخابات إلى الأنضواء تحت لافتات عرقية أو دينية لها برامج خاصة تخدم هذه المجموعات ولا تعبر عن كونهم مواطنين في مجتمع متعدد، وبذلك يكون هذا اليمين قد نجح في عَنْصرة هذه المجموعات وجرها إلى مربعه وبالتالي زيادة عزلتها ليسهل استهداف مرشحيها وبالتالي إسقاطهم.

الانتخابات العامة التي انعقدت قبل أيام أظهرت ارتجالا بتدشين حملات تحت عناوين تخص الأقليات وكان من المفترض بعد سنوات من التجارب والتحالفات المميزة التي عقدت لخدمة قضايا كثيرة أن تدفع نحو تشكيل تحالف يتفق فيه الناس على برنامج مشترك يؤدي إلى توجيه الناس لانتخاب المرشح الأنسب في هذه الدائرة أو تلك.

الغالبية العظمى من الناس في الدوائر الانتخابية والمجتمع البريطاني عموما متفقون على احترام القانون واحترام حرية المعتقد وإعلاء مبادئ الحرية والعدالة والمساواة، فما المبرر للتقوقع تحت لافتات دينية أو عرقية سوى أنه اندفاع للسير في الطريق الخطأ الذي خطه اليمين المتطرف يؤدي في المحصلة إلى بعثرة الأصوات وضياع الجهود.

لا ينبغي أن نسمح للهجمات الشرسة من قبل اليمين المتطرف أن تكرس لدينا فكرة أننا مجرد مهاجرين غرباء، بل يجب أن نتشبث بفكرة المواطنة ونعكسها في كل سلوكياتنا خاصة في ظروف التحضير لخوض انتخابات عامة لنؤكد أننا جزء من نسيج المجتمع ولنا مساهمات هامة في بنائه وأن هويتنا ومعتقدنا وثقافتنا شأن خاص.

وهذا ما تثبته الإحصائيات الرسمية أن المواطنين من المهاجرين ساهموا مساهمات لا يمكن تجاوزها أو إنكارها في بناء المجتمع وأثبتوا أنهم قادرون على الاندماج فيه والدليل على ذلك وصولهم إلى أعلى المناصب في كافة مرافق الدولة وكذلك نجاحهم الكبير في القطاع الخاص.

تشير إحصاءات حديثة على سبيل المثال أن قطاع الصحة لولا القوة العاملة من الأقليات لانهار بالكامل في ظل الأزمة التي تسبب بها حزب المحافظين فـ 26.2% من الموظفين هم من الأقليات و48% من الأطباء في إنجلترا هم من الأقليات، وفي قطاع الأعمال هناك 250 ألف شركة متنوعة تضخ في الاقتصاد البريطاني أكثر من 250 مليار جنيه إسترليني وهناك نسب جيدة ليست في مستوى الطموح من المعلمين وأساتذة الجامعات والباحثين.

اليمين المتطرف خطر كبير وداهم يستغل أي ظرف تمر به البلاد لتمرير برامجه السامة، فقد أثبتت الانتخابات في بريطانيا ودول أوروبية أنه يستطيع إقناع فئة تلو الأخرى في المجتمع ببرامجه والدليل على ذلك أنهم حصلوا على مقاعد لم يحصلوا عليها في دورات انتخابية سابقة.

مخاطبة الناس وخاصة في زمن الانتخابات علم وفن يقتضي الكثير من الحكمة، وكل خطوة أو كلمة أو لافتة في السباق الانتخابي يجب أن تكون محسوبة، فعلى سبيل المثال لا يمكن لمرشح في دائرة ينضوي تحت لافتة دينية أو عرقية أن ينجح وجهاز الإحصاء المركزي يقول أن الغالبية العظمى في هذه الدائرة لا ينتمون لأي دين أو أن الغالبية تنتمي لعرق مختلف!

الغالبية العظمى من الناس في الدوائر الانتخابية والمجتمع البريطاني عموما متفقون على احترام القانون واحترام حرية المعتقد وإعلاء مبادئ الحرية والعدالة والمساواة، فما المبرر للتقوقع تحت لافتات دينية أو عرقية سوى أنه اندفاع للسير في الطريق الخطأ الذي خطه اليمين المتطرف يؤدي في المحصلة إلى بعثرة الأصوات وضياع الجهود.نقر أن الطريق طويل وشاق وليس سهلا على الإطلاق ويحتاج إلى تضافر كل الجهود وإعلاء قيم المواطنة على المصالح العرقية والإثنية والحزبية الضيقة للوصول إلى تفاهمات تمكن من إقرار برنامج يضع كافة القضايا في نطاقها الصحيح للسير بخطى ثابتة وواثقة في أي استحقاق انتخابي قادم.

الانتخابات العامة التي مضت بهزيمة أسوأ حزب مر على البلاد تستحق أن نستخلص منها العبر للحفاظ على المكاسب التي تحققت فلنترك المسائل العرقية والدينية والثقافية الخاصة للنوادي والمساجد والكنائس والمؤسسات المتخصصة وما أكثرها فهذه الجهات كفيلة بتوعية جمهورها لاختيار المرشح الذي لا يفرط بما يؤمنون به وفي نفس الوقت نترك مخاطبة الجمهور في الدوائر المختلفة لتحالف يضم الكل على مبدأ كلمة سواء لانتخاب الأمين على مصالح الناس داخل البلاد وخارجها.

مقالات مشابهة

  • كهرباء عدن توضح بشأن الخلل الناتج عن سقوط 17 عموداً
  • مقتل شاب جراء التعذيب الوحشي في سجون الاحتلال الإماراتي بعدن
  • قصور الثقافة تفتح باب التقديم للمسابقة البحثية للمؤتمر الأدبي بإقليم وسط الصعيد
  • تحت وطأة التعذيب .. وفاة مواطن في أحد سجون المرتزقة بعدن
  • هدير أبو زيد من «العلمين»: الجميع ينتظر حفل محمد منير
  • من أمِن العقاب !!
  • البيجيدية ماء العينين.. تألق لامين جمال مع إسبانيا كشف مكامن الخلل في نظرتنا إلى الناجحين
  • إحالة شاب لجنايات بني سويف لتهديده فتاة بنشر صورها على التواصل الاجتماعي
  • تعالوا إلى كلمة سواء..
  • الباحث بن عامر يكشف عن سر غضب السعودية من اليمنيين