جريدة الرؤية العمانية:
2024-12-24@18:07:45 GMT

حديث الشعر وحواراته

تاريخ النشر: 6th, August 2023 GMT

حديث الشعر وحواراته

 

سالم بن محمد بن أحمد العبري

 

استقر مجلس الخليلي للشعر في معهده الذي انتظم به منذ تواتر جلساته الشهرية بعد أن ودّعه منشؤه الشيخ عبدالله بن علي بن عبدالله الخليلي والذي استقر في نهايات عمر الشيخ عبدالله بمنزله بالقرم وكنت قد حضرت منه بضع جلسات فلم تكن انشغالاتي المتعددة تمنحني الوقت اللازم لارتياد جلساته، رغم أننا لم نكن نفوت تلك الأنشطة بالنادي الثقافي والمنتدى الأدبي وبعض الجلسات ببيت المرحوم الأخ هلال العامري وبعضا منها بمنزل الأخ الشاعر والمهندس المكرم سعيد الصقلاوي.

كانت الجلسة عادت إلى مركزها بمنزل الأخ الشيخ محمد بن عبدالله الخليلي في بوشر حين فرغ من التعديلات والصيانة لمرافق البيت التي تنتظم به الجلسات وخدمات القاعات فقد أهّل قاعة للقاء بحيث يجلس الحضور غير متباعدين ولمزيد من التفاعل والانتباه وتتوسط القاعة طاولات محاذية للكراسي المصفوفة على جوانب المجلس وفي صدارته جهزت بآلات التصوير ومكبرات الصوت ومنصة الإلقاء، وجُهزت قاعة طعام واسعة ممتدة محاذية لغرفة الصلاة ذات خشب متين وكراسٍ راكزة لاتنحي إلا لله

افتتح الشيخ محمد الخليلي الجلسة مع التاسعة بُعيد أداء فرض العشاء كالمعتاد وحين نبهناه أن الوقت يمضي وأننا تعجلنا الوصول مع السابعة والنصف رغبة وحباً وشكرا لله أن أتم له إعداد المكان كما أراد وهيأ الموالى الوسائل والنعم ورحّب بالحضور مُهنئاً من وُفقوا لأداء فريضة الحح وعادوا قبل ليلتين، ثم أمر الأخ موسى بن قسور العامري أن يقدم المختارة من شعر الشيخ عبدالله الخليلي- رحمه الله- كما كان النهج المتبع، وكانت القصيدة حديث الشعر وحواراته، وكان موسى يشنف آذان زملائه.

(رجاء كما فاح النسيم عن الورد/ وشوق كما أذكى الزناد حشا الصلد)، (وطيف كأنفاس الحبيبين في اللقا/ يعبرّ عن وجد ويرتاع من بُعد)، (وهجر ولا هجر الشتيتين عن قلى/ ولكنه هجر اللقاء إلى حدّ)، (ووصل كما هبت عن المنية الصبا/ ونارت بأفلاك الرضا أنجم السعد)، (رعى الله من أهوى وإن شط داره/ وحياه بالنسرين والآس والورد)، (أحبه قلبي إن تكن بيننا النوى/ فما هي إلا لذة الوصل من بعد)، (أحبه قلبي إن يك الهجر كلفة/ فما هو إلا كانتظار على وعد)، (سلام عليكم من فؤاد مدلّه/ غذاه هواكم منذ أن كان في المهد)، (سلام عليكم لا يكن آخر اللقا/ غداة اجتمعنا تحت أردية الوُدّ)، (ودارت كؤس الحب صرفا وضُمِّختْ/ بغالية الإخلاص حاشية البُرد)، (وحيّ الهوى أهل الهوى ومشى الرضا/ يجرّ عليهم ذيل فائحة الندّ)، (هو الحب في كل اشتياق ولوعة/ ولكنه خدّ يطل على خدّ)، (وعين على عين ودمع بدمعة/ وقلب على قلب وقدّ على قدّ)، (كذلك في حالَي حضور وغيبة/ يوحّد مشتاقين في صدف الجَدّ).

ثم يشد علينا وهو يصور الحب بالسيادة، نعم وتسليم القياد له والرضا، بل نراه اندماج بين الحبيبين ويتخطاه إلى الشعور بالعبودبة للحبيب المتسيّد، وكأنّه في فردوس حال إذا كنا في موازنة بين الحبيبين (هو الحب ما أحلى السيادة والرضا/ مبادلة بين الحمائل والعِقد)، (هو الحب ما أقساه إن كان سيدا/ يدل بسلطان الغرام على عبد)، (هو الحب كم شاك لديه وشاكر/ وما العدل إلا ما يعيد وما يُبدي)، (رأى الناس فوضى فاطمأنّ إلى الوفا/ يبادلنا فضل الصفاء على الوِرد) (وأضفى علينا بردة لؤلؤية/ تشف عن الفردوس في نفحة الخلد)، (فلله منا ضعفُ ما فوق وسعنا/ من الحمد ما يربو على الشكر والحمد)، (هو الحب ما أحلى السيادة والرضا/ مبادلة بين الحمائل والعقد)، (هو الحب ما أقساه إن كان سيدا)/ يدل بسلطان الغرام على عبد)هو الحب كم شاك لديه وشاكر/ وما العدل الا ما يعيد وما يبدي).

ثم يذهب بنا الخليلي إلى صور أخرى من صور مظاهر الحب؛ فالاشتياق إلى الحركة المشتركة والمشي معا وتعاقد اليدين وتوازي الروحين والجسدين (هلم بنا نمشي رويدا لعلّنا/ نصادف أثناء السرى منية القصد) (نداجي الهوى حتى يلين قياده/ فنشكو إليه ما نعانيه من جهد).

ثم قيّد الحب بالنفس فهو ليس تغزلا بعيدا عن الواقع، بل واقع يدل عليه تمثيل الصور الحية الجازمة (شقيق الهوى إن كنت لا تتّقى الهوى/ فإني أخشى أن تصاب على عمد) (شقيق غرامي إننا توأما هوىً/ رضعنا لبان الحب شهدا على شهد)، (ولدنا على جفن النعيم وعينه/ يباركنا فيه الغرام عن المجد).

ثم يماثل حبهما بحب (قيس ولبنى)، وهي مماثلة تدل على تمكن الغرام بينهما وتمثلهما بقصص الحب الخالدة الشهيرة (نروح ونغدو حيث لبنى وقيسها/ حيارى بلا وعي نشاوى بلا رشد)، (ندارى عيون الدهر وهي كليلة/ ونخشى جماح الكيد وهو على القِدّ).

ويمضي بنا اشاعر وهو يحكي ما يلاقيه المحبون فهو وإن كان يداري عيون الدهر والكيد وترصد الذين يحسدون أو يغارون بل قد يستنكرون(إذا نحن طارحنا الغرام شكا لنا/ من الصدّ ما يشكو المشوق من الصدّ)، (وإن نحن قاسمنا الهوى لذة الهوى/ أباح بما يخفيه من لذعة الوجد)

ولم يقتصر بأن يرينا صور ذلك الحب؛ بل نصبه على مثال صورة قس بن ساعدة وهو يقوم خطيبا مفوها بين القوم وهم يشهدون له على بلاغته:(وقام علينا في المحبين خاطبا/ فكان الوحيد الفرد في الجوهر الفرد).

لا شك أنّ هذه القصيدة تحتاج إلى كتاب أوحلقات لنقف عليها وقوف المتذوق لبراعة الشاعر في تمثيل حلاوة الحب القادر أن يعيش مع المحبين وإبداعهم الذى أوحاه ذلك الامتزاج المقدس؛ لذلك كان إلقاء موسى بن قسور لأبياتها يأخذني بعيدا مع الشيخ عبد الله الخليلي، وترن في أذني الكلمات وتسافر بي إلى زمن صورته البديعة الأولى حيث خلود الحب المقدس، وعادت بي أطياف الذكريات فأنشات أقول: (فيا قبلة وجهت وجهي نحوها/ أقول كمجنون يسمي باسمها)، (يشيب بنونا بل وإن شئت بعدهم/ يشيب بنوهم إن حبي جديدها)، (فطوفي على بيت عرفتك عنده/ وطوفي على الأركان توفين حقها)، (ولاتبخس حقا يميز قاعة/ بها العلم مطلوب ولكن فضلها)، (على العلم لا يخفى فكم من هنيهة/ طغي الحب لا أقوى على الرد يالها)، (لحيظات مغروم تسر معينه/ على جبهة غراء عنون حسنها)، (وكم مرة وجهت وجهي وصادها/ لأنظر في المرآة نور سنائها)، (وكم مرة مدت يداي لكأسها/ لأشرب منه بعد رقياء فائها)، (وكم مرة أومأت لي لأرتأي/ فرآتها الفنجان من بعد شربها)، (وكم مرة تحكي فرات كفها/ وكفي فلا أعني تخمين حدسها)، (وكم مرة حاولت تصفف شعرها/ أعيد خصيلات إلى أصل رأسها).

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

رحيل السيَاب رائد الشعر الحر في مثل هذا اليوم

في مثل هذا اليوم الموافق 24 ديسمبر (كانون الأول) عام 1964 رحل الشاعر العراقي القدير بدر شاكر السيَاب، الذي أحدث نقلة نوعية في شكل القصيدة العربية، واعتبر رائدا من رواد الشعر الحر في الوطن العربي.

نظم السياب الشعر العمودي في بداياته، وعندما درس الأدب الإنجليزي في المرحلة الجامعية تأثر كثيرا بالشعر الغربي، وتعمق فيه واستوقفته الجوانب الشكلية للقصيدة، والتي تختلف عن الشعر العربي، وفي عام 1946 عرفت الساحة الثقافية قصيدة السياب "هل كان حباً" التي تحرر في كتابتها من عدد التفاعيل، بين شطر وآخر ونوّع في استخدام القافية.
ثم انتشر هذا اللون من الشعر بين شباب الشعراء في العراق، ومن ثم إلى بلدان أخرى في الوطن العربي وعرف بـ"الشعر الحر"، والسياب من مواليد بلدة جيكور في البصرة، كان والده مزارعا، وكان لديه شقيقان، مصطفى وعبد الله، وكانت أول صدمة تلقاها السياب في طفولته عندما توفيت والدته وهو في السادسة من عمره، ثم أشرفت عليه جدته، وتولت رعايته واحتضانه بمنزلها.
ثم تزوج والده من أخرى، وذاق مرارة اليتم طوال عمره، مما زاد من أحزانه ومأساته، وقد درس المرحلة الإبتدائية بمدرسة سليمان ثم أكمل في ثانوية البصرة، ونجح في الثانوية العامة سنة 1943، فقد كان مجدا ومتميزا عن زملائه.
كتب السياب في عام 1944 أشعار تعكس نضج قصيدته وهو في المرحلة الجامعية، وعرفته الأوساط الأدبية حيث شارك في العديد من الأمسيات الثقافية وبدأ ينشر كتاباته في الصحافة المحلية والعربية.
ولجمالية أشعاره وتأثيرها الثوري انتخبوه الطلبة رئيسا لمجلس اتحاد الطلبة في الجامعة، وفي عام 1946 منع من تقديم امتحاناته الجامعية بتهمة تحريض الطلبة على الإضراب، وفي سنوات لاحقة عام 1949 تم وضعه بالسجن بسبب معارضته لسياسة الحكومة، وتم حرمانه من مزاولة مهنة التدريس حوالي 10 سنوات، فقد كان لديه اتجاهات ثورية انعكست في كتاباته وأشعاره.
وكباقي الشعراء مرهفي الحس، تركت نكبة فلسطين وما تبعها من أحداث آثارا بالغة في نفس السياب، وصار ممن يحملون هم الأمة العربية، ويتبنون قضاياها، وفي عام 1952 سافر إلى الكويت وأقام علاقات فكرية مع عدة كتاب وأدباء، ثم زار بيروت عام  1960 ونشر مجموعة من أشعاره، أشادت بها النخبة الثقافية، ثم نال جائزة مجلة "شعر" عن مجموعته الشعرية "أنشودة مطر"، كما سافر إلى روما وشارك في مؤتمر الأدب المعاصر، بدعوة من المنظمة العالمية لحرية الثقافة.
وفي عام 1962، سافر إلى لندن للعلاج وانتسب إلى جامعة أكسفورد للحصول على شهادة الدكتوراه في الآداب.
كان بدر شاكر السيّاب كادحا، فقد عمل راعيا بمرحلة الطفوله، في وطنه العراق، وبعد تخرجه في الجامعة عمل في عدة مهن تتعلق بالتعليم والثقافة، وصدرت له مجموعة من القصائد والأعمال الشعرية، تميزت بالتمرد على الشعر القديم، كذلك ترجم أشعارا من اللغة الإنجليزية إلى العربية، ومن إصداراته (أزهار ذابلة)، وديوان (أساطير).
 وعند نهاية الحرب العالمية الثانية ومع دخول ثقافات مختلفة، بدأ مرحلة جديدة من شعره امتازت بغزارة الإنتاج، فكتب عدة دواويين شعرية أهمها: (أنشودة المطر) و(المعبد الغريق)، و(منزل الأقنان)، و(شناشيل ابنة الجلبي).
ويذكر أن السياب تزوج من إقبال طه عبد الجليل وأنجب منها 3 أولاد، هم غيداء وغيلان وآلاء.

مقالات مشابهة

  • إيرادات فيلم الهوى سلطان تشهد هبوطًا ملحوظًا بآخر يوم عرض
  • رحيل السيَاب رائد الشعر الحر في مثل هذا اليوم
  • العثور على طفل حديث الولادة قرب حاوية نفايات في الموصل
  • أزهري محمد على في حديث شاعري عن ثورة ديسمبر
  • مؤمن الجندي يكتب: البنطلون في وزارة الهوى
  • توقعات ماجي فرح لبرج الدلو 2025| عام الحب والعطاء والتجديد
  • غير متوقع .. علاج جديد محتمل للصلع الوراثي
  • حب الخير للآخرين.. طريق الإيمان الكامل
  • 7 نصائح لقص الشعر في الأوقات المناسبة خلال 2025
  • موعد ومكان الحفل المقبل لـ بهاء سلطان