«عيد الجلاء».. لماذا رحل الاحتلال البريطاني وظل وكلاؤه في مصر؟
تاريخ النشر: 26th, June 2024 GMT
في الذكرى «الـ٦٨» اعرف عدوك وسبب العداء..
«لعل أحفادنا الذين ما زالوا فى مجاهل المستقبل سوف يعودون بعد مئات السنين إلى ذكرى هذا اليوم باعتزاز وتقدير.. .» هكذا عبر الزعيم الراحل، جمال عبد الناصر، عن شعوره، عقب ساعات من التصديق على اتفاق جلاء الاحتلال البريطاني عن مصر، في 18 يونيو 1956.
كان جلاء الاحتلال، أحد التداعيات المباشرة لثورة 23 يوليو 1952.
طوال تلك الفترة «تعاقب الغزاة الأجانب على الحكم: فرس، يونان، رومان، عرب، أتراك، فرنسيون، قبل إنهاء الهيمنة البريطانية، وطرد الملك فاروق الأول، وإعلان الجمهورية، ثم الترسيخ للقومية العربية، الحلم الأكبر لجمال عبد الناصر».
أتذكر، أيضا، ما كتبه المفكر القومي العربي، معن بشور «كان جمال عبد الناصر خصماً عنيداً للاستعمار، ساعياً إلى إجلاء القوات البريطانية عن بلاده، وإلى مواجهة الأحلاف والمشاريع الاستعمارية دون هوادة، كحلف بغداد ومشروع أيزنهاور».
لكنه «عبد الناصر» بحسب، معن بشور «كان يقيم علاقات مع كل هذه الدول لخدمة مصالح بلاده وأمته، وشعاره في كل ذلك: نصادق من يصادقنا، ونعادي من يعادينا. محافظا على ثوابته حتى الرحيل، في 28 سبتمبر عام 1970».
ظلت «ثوابته الوحدة الوطنية، الاستقلال السياسي، الالتزام القومي، العدل الاجتماعي، الديمقراطية السياسية والاجتماعية، الإيمان بالإسلام والرسالات السماوية. خاض حروباً ومعارك، وواجه بسببها حملات شيطنة خلال حياته، وبعد رحيله».
قلق عربي
قبل جلاء الاحتلال البريطاني، كانت هناك حالة قلق على الهوية العربية، التي تعرضت لانتكاسة خلال الحكم العثماني، وبعد معاهدة سايكس-بيكو، التي قسمت منطقة الشرق الأوسط إلى دويلات وممالك.
حينها، انتقلت المؤامرة الدولية الكبرى على المنطقة العربية من مرحلة التخطيط إلى التنفيذ، عبر زرع إسرائيل في جسد المنطقة، استغلالا لانشغال مصر بالصراعات السياسة الداخلية، والتدهور الشامل، باستثناء شارعين و4 مقاه راقية في القاهرة، يفخر بها أنصار الاحتلال والملكية.
لكن ثورة 23 يوليو، جعلت الأولوية، لاستكمال حركة التحرر الوطنى، عربيا، ومحاربة الاحتلال، في دول العالم الثالث. كانت فلسفة زعيمها «المنطقة واحدة، أحوالها واحدة، مشكلاتها واحدة، مستقبلها واحد، والعدو واحد مهما تعددت أقنعته التي تحاول تشتيت جهودنا».
لم يتخل الزعيم الراحل عن التذكير بـ«أننا أقوياء، لكن الكارثة الكبرى أننا لا ندرك مدى قوتنا، نخطئ فى تعريف القوة، ليست القوة أن تصرخ بصوت عال، وإنما القوة أن تتصرف إيجابياً، وبكل ما تملك من مقوماتها».
الوحدة العربية فى فكر، عبد الناصر، لم تكن تعتمد على تنظيم قومى واحد يختزل الوحدة فى الأداء السياسى والحزبي، ويتجاهل الفروقات الثقافية والاجتماعية بين كل قطر عربى على حدة، بل مراعاة المشتركات العربية، والديمقراطية المؤسسية، في الوقت نفسه.
مكاسب وطنية
جلاء الاحتلال مهد للنهضة المصرية: الإصلاح الزراعي، تأميم قناة السويس، بناء السد العالي، إقامة قاعدة صناعية، تعزز الاقتصاد الانتاجي -صناعة الحديد والصلب والكيماويات والدواء والإنتاج الحربى- والأخذ بعوامل القوة، التي تعزز القرار السياسي، والسيادة الوطنية.
خرج الاحتلال البريطاني، بعد ٧٤ عاما، وظفها في نهب الثروات، ومحاولة تفخيخ المجتمع، عبر صناعة جماعات - دينية، اجتماعية، اقتصادية، وسياسية- مشبوهة، ترضى بالفتات، مقابل التمكين لمصالح الخواجات.
ترك الاحتلال خلفه أدوات وظيفية، تحاول، حتى الآن، تشويه المسيرة الوطنية، والتمهيد، مجددا، لعودة التبعية والارتهان، فأحفاد من تعاونوا مع الاحتلال، وقدموا خدماتهم له، هم أعداء ثورة ٢٣ يوليو عام ١٩٥٢.. هم أعداء الجمهورية (القديمة- المتجددة) أعداء كل بناء وتنمية.
لن تدرك شريحة الشباب الهائمة على وجهها وراء «الكذب الملون» في فضاء الإنترنت، كيف كان حال مصر، في زمن الاحتلال البريطاني، الذي هيمن على كل شيء من الأرض إلى المقدرات، بقوة السلاح، بمعاونة أسرة حاكمة، مستغلة، ودخيلة، لفرض ما يريد.
كان الاحتلال قبل الجلاء عن مصر، يوظف أباطرة الإقطاع، الذين يستعبدون أصحاب الأرض، كجزء من فئة مستغلة، تحتكر رأس المال، وتوظفه في الوقيعة بين القوى السياسية، والحزبية، حتى تنكفئ مصر على نفسها، وتسهل الهيمنة على محيطها.
تغرير متعمد
لن تدرك الشريحة المذكورة، مكانة مصر العربية، الإفريقية، الإسلامية. ولا مبادئ ثورة 23 يوليو 1952: القضاء على الإقطاع، القضاء على الاستعمار، القضاء على سيطرة رأس المال على الحكم، إقامة جيش وطني قوي، إقامة عدالة اجتماعية، إقامة حياة ديمقراطية سليمة.
يدرك ذلك من يقرأ تاريخه جيدا، وكيف بدأ الأسطول البريطاني بقصف الإسكندرية في 11 يوليو 1882، ثم احتلال بريطانيا لمدن القناة، بورسعيد والإسماعيلية والسويس، فى 14 سبتمبر 1882، قبل أن ترفع أعلامها على المناطق المحتلة.
لكن القوى الوطنية المصرية لم تستسلم.. بدأت مسيرة النضال: مصطفى كامل. محمد فريد، رغم إعلان الحماية على مصر، وفرض الأحكام العرفية، أثناء الحرب العالمية الأولى عام 1914، لكن سعد زغلول، جدد روح النضال الوطني، رغم نفيه خارج مصر.
كأنها، الفرصة المنتظرة.. تسبب نفي الزعيم، سعد زغلول، في ثورة 9 مارس 1919. وظف الاحتلال فلسفته «فرق.. تسد» ورغم نجاحه النسبي، تسلم الراية، مصطفى النحاس، قبل أن تنتقل إلى حركة الضباط الأحرار، في 23 يوليو 1952 بقيادة الزعيم الراحل، جمال عبد الناصر.
لم يكن جلاء الاحتلال البريطاني سهلا.. فقد قامت ثورات وطنية، مقاومة شعبية، كفاح مسلح، ضد الاحتلال البريطاني، سقط شهداء، وتخضبت الأرض الطاهرة، بدماء ذكية سالت من المصابين، قبل ٦٨ عامًا.
بدأت مفاوضات الجلاء فى 27 أبريل 1953، وانتهت فى 27 يوليو 1954، قبل التصديق عليها في 18 يونيو عام 1956، تحقق حلم الاستقلال، بعد خروج 80 ألف جندي بريطاني، ورفع العلم المصرى على مبنى قناة السويس، أول مبني قاموا باحتلاله عام 1882.
الشفرة العلنية
ثمَّة شفرة علنية، لم يغيِّرها الجيش المصري منذ إعادة تأسيسه وتنظيمه في العصر الحديث وحتى الآن.. يتضح دور هذه الشفرة وأهميتها في خلفية أي مشهد صعب يتعرض له الوطن، (الأرض، والشعب).
هذه الشفرة، تشغل بدورها خصوم وأعداء الدولة المصرية.. يبحثون في طبيعتها، ومكوناتها، وسر نجاحها المتواصل على نحوٍ لا تخطئه عين، ويحاولون بشتى الطرق التداخل معها للعبث بها، وإعاقتها، أو حتى فهم إشاراتها دون جدوى.
في كل المحطات التاريخية ظلَّت هذه «الشفرة العلنية» مصدرًا للدهشة والتعجب، ربما لقدرتها على الصمود، وتحدي التحدي، فضلًا عن كونها همزة وصل لا تنقطع مع الشعب، الذي يتناغم معها، ويستخدمها وقت الحاجة للخروج من المشكلات، وتحول المستحيلات إلى حلول.
شعبنا، يدرك قيمة وأهمية قواته المسلحة، ودورها فى كل الأحداث الكبرى التى مرّت بها مصر (طرد الاحتلال.. تأسيس وإعلان الجمهورية.. الانتصار المؤزر والأكبر فى الصراع العربي- الصهيوني عام 1973.. تحريرها لكامل التراب الوطني، وحفاظها على الحدود).
وسط هذا وذاك تستمر «الشفرة العلنية» بين القوات المسلحة والشعب عصية على كل محاولات الرصد والتحليل، لأنها شعور معنوي راسخ فى ضمائر المصريين، لا فرق بين من هم داخل المؤسسة أو من هم خارجها.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الزعيم جمال عبدالناصر ثورة يوليو 1952 عيد الجلاء الاحتلال البریطانی عبد الناصر
إقرأ أيضاً:
لماذا ترفض المُعارضة بشدّة إعطاء الثنائي وزارة المال؟
لا تزال وزارة المال أبرز عُقدة تُواجه الرئيس المكلّف نواف سلام، ففي حين يسود جوٌّ من التفاؤل بشأن ولادة الحكومة، ترتفع الأصوات المُعارضة الرافضة لتكريس حقيبة الماليّة لـ"الثنائيّ الشيعيّ"، مع التشديد على اعتماد معايير مُوحّدة في توزيع الوزارات وتمثيل الجميع، من دون تفضيل أيّ طرفٍ على الآخر.
ولعلّ هناك أسباب كثيرة تدفع المُعارضة إلى الضغط على الرئيس المكلّف لعدم إسناد وزارة الماليّة لحركة "أمل"، فهناك رغبة دوليّة بتحجيم دور "الثنائيّ الشيعيّ" ليس فقط عسكريّاً وإنّما سياسيّاً، وكانت حقيبة المال من أبرز الوزارات التي زادت من نفوذ "الحزب" ورئيس مجلس النواب نبيه برّي عبر المُشاركة في صنع القرار والتوقيع على العديد من المراسيم المهمّة جدّاً.
كذلك، يُؤخذ على "الثنائيّ" أنّه استغلّ وجوده في وزارة المال لعرقلة التحقيقات في ملف انفجار مرفأ بيروت، من حيث عدم التوقيع على التشكيلات القضائيّة وإبقاء العديد من المراكز في القضاء شاغرة كيّ لا يستأنف القاضي طارق البيطار تحقيقاته، علماً أنّ المُعارضة من أكثر الداعين إلى مُحاسبة المسؤولين عن تخزين نيترات الأمونيوم التي أدّت إلى كارثة 4 آب 2020.
وأبعد من موضوع المرفأ، فإنّ "حزب الله" و"أمل" اتُّهِمَا مراراً بأنّهما يستغلّان "المالية" لتعيين ضباط في الجمارك للتحكم في حركة إدخال البضائع وخروجها من المرافئ، وسط الحذر من إيجاد "الحزب" بديلاً عن سوريا وعن مطار بيروت لنقل الأسلحة والأموال إلى لبنان.
وتعليقاً على رفض إعطاء المُعارضة حقيبة المال لبرّي، يُشدّد مصدر نيابيّ مُعارض على أنّ "لا مانع لدى كافة المعارضين في إسناد "المالية" إلى شخصيّة شيعيّة أكاديميّة، تعمل على الإصلاحات، وتُعالج مشاكل البلاد الإقتصاديّة بالتعاون مع مصرف لبنان والحكومة الجديدة والوازارات المعنيّة". أمّا عن إبقاء الوزارة بيد حركة "أمل"، فيقول المصدر عينه إنّه "يُشكّل تدخّلاً فاضحاً في عمل القضاء، وفي عرقلة ملفات حيويّة ومهمّة، بينما المطلوب أنّ يكون عهد العماد جوزاف عون بداية إيجابيّة لتحقيق آمال اللبنانيين وفق خطاب القسم الذي ألقاه رئيس الجمهوريّة في مجلس النواب بعد انتخابه، عوضاً عن إستغلال وزارة المال للضغط على جميع الوزراء والتحكم في موازنات وبمصروف الوزارات وبالإعتمادات".
ويُضيف المصدر المُعارض أنّ "الثنائيّ" منذ العام 2014، استخدم وزارة المال للضغط سياسيّاً على كافة الأفرقاء، وتُعتبر فرملة عمل القاضي البيطار أبرز دليلٍ على استثمار "حزب الله" و"أمل" الوزارة المذكورة لعرقلة التحقيقات، وعدم إستدعاء والتحقيق مع وزراء ونواب "كتلة الوفاء للمقاومة" و"التنمية والتحرير" الحاليين والسابقين، عبر عدم التوقيع على التشكيلات القضائيّة".
وفي هذا الإطار أيضاً، من أبرز مهمات وزير الماليّة أنّ يقترح إسم حاكم مصرف لبنان القادم ونوابه، بالإضافة إلى إعطاء "الثنائيّ الشيعيّ" المُوافقة الكاملة أم لا على التعيينات العسكريّة والقضائيّة، والتحكّم في تمرير المراسيم الحكوميّة أم عدمه. ويُشير المصدر النيابيّ المُعارض إلى موضوع مهمّ جدّاً لـ"حزب الله" و"أمل" حاليّاً، وهو إعادة الإعمار بعد وقف إطلاق النار، ويتّهم عين التينة وحارة حريك "بنيّتهما في الحصول على الهبات الدوليّة والعربيّة لتوزيعها على مناصريهم، عوضاً عن المساواة بين جميع المواطنين".
إلى ذلك، لا ينفي المصدر أنّ "هناك ضغوطات خارجيّة لعدم إسناد وزارة المال لـ"الثنائيّ"، فالدول الغربيّة والعربيّة تنتظر إعتماد رئيسيّ الجمهوريّة والحكومة طريقة جديدة في إدارة البلاد قائمة على عدم التعطيل وتعيين شخصيّات أكاديميّة غير سياسيّة في الوزارات"، ويُؤكّد أنّ "وضع وزير تابعٍ لـ"أمل" و"الحزب" سياسيّاً قد يُعرقل تقديم المُساعدات للبنان، كما حدث في عدّة مناسبات مثل انفجار المرفأ، فحصلت الجمعيّات على الهبات كافة، ولم يُعرف أين تمّ توزيعها وصرفها، فيما المطلوب هو إعادة الثقة بالدولة". المصدر: خاص "لبنان 24"